تحيين الحكم الذاتي إنتقال من التفاوض إلى مشروع سيادي مغربي نمودجي مكتمل الأركان    حموشي يتباحث مع سفيرة الصين بالمغرب سبل تعزيز التعاون الأمني بين البلدين    متى تبدأ المحاسبة يا وزير الداخلية؟    بعض أسرار خطاب 31 أكتوبر    الخطوط الملكية المغربية تطلق أول خط جوي يربط بين الدار البيضاء والسمارة    احجيرة: نتائج برنامج التجارة الخارجية لا تُعجب.. 40% من طلبات الدعم من الدار البيضاء.. أين المجتهدون؟    رئيس ألمانيا يطلب من الجزائر العفو عن الكاتب بوعلام صنصال    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    المنتخب المغربي يخوض أول حصة تدريبية بالمعمورة تأهبا لمواجهتي الموزمبيق وأوغندا    الرصاص يلعلع بأولاد تايمة لتوقيف مروج مخدرات    تارودانت.. إصابة 17 عاملاً زراعياً في انقلاب سيارة "بيكوب" بأولوز    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    الدبلوماسي الأمريكي السابق كريستوفر روس: قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء "تراجع إلى الوراء"    أجواء غائمة مع ارتفاع طفيف لدرجات الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    الفاعل المدني خالد مصلوحي ينال شهادة الدكتوراه في موضوع "السلطة التنظيمية لرئيس الحكومة في ضوء دستور 2011"    فضيحة في وزارة الصحة: تراخيص لمراكز الأشعة تُمنح في ظل شكاوى نصب واحتيال    تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدرس الألماني : الديمقراطية، النجاعة و البقاء للأصلح
نشر في لكم يوم 26 - 09 - 2013

على أنقاض ألمانيا المقسمة بين الشرق و الغرب زمن الحرب الباردة و الاستقطاب الحاد إلى حد تفريق أبناء الوطن الواحد،قامت ألمانيا الموحدة.ألمانيا لكل الألمان كما أرادها كثيرون يوم انهالوا بأيديهم على جدار برلين في صورة تناقلتها قنوات العالم على أوسع نطاق باعتبارها لحظة تاريخية مفصلية في التاريخ الحديث.
شكلت ألمانيا دوما نموذجا للدولة القوية بشعبها و مؤسساتها.قوة تجسدها المراتب المتقدمة التي تحتلها بلاد الجرمان على شتى الأصعدة و ريادتها كقوة أولى داخل الاتحاد الأوربي. و بالنظر لعراقة التجربة الديمقراطية الألمانية،بصرف النظر عن تجاوزات الحكم النازي في فترة سوداء من تاريخ ألمانيا، شكلت الانتخابات التشريعية الألمانية الأخيرة نقطة مضيئة أخرى في سماء الديمقراطية الألمانية. غير أن التشريعيات الألمانية لا تثير الانتباه بحكم نزاهتها، لكونها طقسا ديمقراطيا روتينيا ألفه الألمان ،بقدر ما تستوقفنا على ضوئها مسألة في غاية الأهمية باعتبارها تجسد النموذج الديمقراطي في تدبير تجاذبات السياسة و تدافع المشاريع الحزبية المتنافسة و لحظة حاسمة للمكافأة أو العقاب على قدر المردودية والعطاء في تدبير الشأن العام.لست هنا بصدد الدفاع عن حزب أو تيار ما ،بقدر ما سأحاول استجلاء حقيقة بعض العبر الممكن استخلاصها من الدرس الديمقراطي الألماني.
بالرغم من عدم تمكنه من الحصول على الأغلبية المطلوبة التي قد تعزى إلى عدم رضى بعض الألمان عن سياسة التقشف التي أملتها ظروف الأزمة، فإن التصويت المكثف على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة أنجيلا ميركل(نحو41.5 في المئة من عدد الأصوات) و استمرار ثقة الكثيرين في الحزب و سياساته الاقتصادية و الاجتماعية على وجه الخصوص، يشكل تعبيرا صريحا من الألمان على أن الديمقراطية عبر آليتها المركزية المتمثلة في الانتخابات، هي في مرحلة أولى أداة لفسح المجال للسياسات الاقتصادية و الاجتماعية الناجحة لتجد طريقها نحو التطبيق. و في مرحلة موالية، أداة لإعادة إنتاج شروط القوة و النجاعة و السياسات الناجحة.
لا جدال أن مناخ الأزمة الحالي كفيل بزعزعة ثقة المواطن في أية حكومة مهما بلغت قدرتها على تدبير الأزمة ، مع ذلك منح العديد من الألمان ثقتهم لكتيبة الحزب الديمقراطي المسيحي إيمانا منهم بجدية الحزب و سعيه للحفاظ على مكانة ألمانيا القوية جهويا و دوليا.
لم يتأت التصويت المكثف لصالح الحزب المذكور من فراغ أو من تأثر ببرنامج سياسي معسول الكلمات أومنفوخ الأرقام ،بقدر ما هو تعبير عن مكافأة له من الشعب الألماني على السياسات الاقتصادية و الاجتماعية ،التي حالت دون استفحال الأزمة الاقتصادية و خففت بدرجة كبيرة من تداعيات الأزمة الاقتصادية الخطيرة و التسونامي المالي الذي كبد الكثير من الدول الأوربية وغيرها خسائر فادحة وصلت إلى حد وصفه البعض بالنيل الجزئي من سيادة بعض الدول، مع تعاظم دور المانحين في رسم معالم سياساتها الاقتصادية و الاجتماعية كما حدث باليونان. أكثر من ذلك،لم تتوانى ألمانيا بحكم قوتها الاقتصادية عن لعب دور الإطفائي في هذه الأزمة من خلال تدخلها في تمويل خطط الإنقاذ المالي في عدد من دول منطقة اليورو. فمؤشرات الاقتصاد الألماني ظلت تقاوم في عز الأزمة الخانقة التي استمرت منذ 2008 إلى الوقت الراهن.لقد قال الألمان ببساطة؛نعم لمواصلة النجاح،نعم للنجاعة،نعم لألمانيا القوية برجالاتها و مؤسساتها،نعم لبقاء الأصلح و الأكفأ بعيدا عن منطق المزايدة و الخطابات السياسوية الفارغة.
لم يتجرأ أي حزب سياسي على استصغار ذكاء الألمان لأن الجميع يدرك أن لغة الأرقام و مؤشرات النجاح الملموسة هي الفيصل في ترجيح كفة حزب على غيره و لا مجال للغة الخشب و الوعود الفارغة التي لا تجد طريقها نحو التطبيق.
عطفا على ما سلف ذكره من مؤشرات النجاعة و الفعالية،ينضاف الموقف الجريء للدبلوماسية الألمانية بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل على المستوى الدولي في العديد من القضايا آخرها رفض التدخل العسكري ضد سوريا خارج غطاء الشرعية الدولية.في الوقت الذي لم يتردد فيه ساكن الإليزيه في التأييد غير المشروط للخطوات و المشاريع الأمريكية.كما أن الشخصية القوية للمستشارة الألمانية و تدرجها في هرم المسؤولية داخل الحزب و ووزنها على الساحة السياسية الوطنية و الأوربية و الدولية قد تكون ساهمت في رفع أسهم الحزب.فالكثيرون يميلون إلى مقارنتها برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر نظرا لقوة شخصيتها و صرامتها التدبيرية.فالألمان شعب يمجد قيم العمل و العمل ثم العمل.
على سبيل الختم، نتمنى أن يلتقط الفاعلون السياسيون و الحزبيون المغاربة الإشارات و الاستفادة من الدروس و التجارب الرائدة على غرار التجربة الألمانية للإقتداء بها لتحسين سلوكهم السياسي. سلوك يعوزه الوضوح و المكاشفة، مما يحول دون بلورة برامج انتخابية واضحة المعالم و قابلة للتطبيق، و لو بشكل جزئي عبر حسن استثمار مساحات التحرك المتاحة، لصنع قرار سياسي اقتصادي واجتماعي يجعل المواطن/الناخب في صلب اهتماماته. و هم عطفا على ذلك مدعوون للإقتداء بالسلوك السياسي و قوة شخصية العجوز الصارمة الحاملة لشهادة الدكتوراه في الكيمياء أنجيلا ميركل و غيرها كثير من الرواد.
بالمقابل ، فالناخب المغربي مطالب أكثر من أي وقت مضى بإيلاء صوته الأهمية التي يستحقها باعتباره الفيصل في حسم الاختيارات الوطنية عبر إلزام الأحزاب السياسية برفع منسوب الوضوح و العقلانية في خطاباتها و برامجها الانتخابية التي كثيرا ما تصاغ في شبه قطيعة مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي. و بالتبعية،وضع حد لهدر الزمن السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الذي تزداد كلفته يوما بعد آخر. وذلك لن يتأتى ما لم يتم اعتبار الاستحقاقات الانتخابية لحظة لتقييم السياسات العمومية عبر مكافأة البرامج و السياسات الناجحة و معاقبة الفاشل منها تكريسا لمبادئ المسؤولية السياسية و الأخلاقية للمؤتمنين على تدبير الشأن العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.