في أواخر يوليوز الماضي، تمكن 54 قاصرا أغلبهم مغاربة من العبور سباحة إلى مدينة سبتة الخاضعة للإدارة الإسبانية وتطالب الرباط باستعادتها. وأعادت عملية الهجرة غير النظامية هذه إلى الواجهة قضية هجرة القاصرين، بعدما خفتت خلال الأشهر القليلة الماضية.
ويرى باحث في علم الاجتماع أن الترويج لأفكار مغلوطة عن حلم الهجرة يساهم في هجرة القاصرين، وأن المنظومة التعليمية غير قادرة على تأطير الأطفال، وانقطاعهم عن الدراسة يساهم في الظاهرة. فيما تقول الحكومة إنها تركز على مكافحة هذه الظاهرة عبر توفير فرص عمل، وإصلاح التعليم، وزيادة الأجور، وتنمية مناطق المملكة كافة. ويوجد نحو 5 آلاف قاصر مغربي وصلوا إلى إسبانيا عبر عمليات هجرة غير نظامية، وفق احصاءات إسبانية رسمية دون تفاصيل بشأن المدة الزمنية. الهجرة صيفا مع ارتفاع درجات الحرارة صيفا، يستغل مهاجرون غير نظاميين، بينهم قاصرون، هدوء البحر للعبور إلى سواحل إسبانيا أو إلى مدينتي سبتة ومليلة. والمدينتان محاطتان بسياج، ويحاول المهاجرون الدخول إليهما سباحة. ويبحث المهاجرون من دول إفريقية عديدة عن حياة أفضل في أوروبا، في ظل أزمات اقتصادية ونزاعات مسلحة في بلادهم. وفي 27 يوليوز الماضي، قالت قناة "آر .تي.في. إي" الإسبانية الرسمية إن "نحو 54 قاصرا استطاعوا الدخول إلى سبتة عبر السباحة بحرا". وأضافت أن الحرس المدني الإسباني بذل جهودا لإنقاذهم في ظل سوء حالة البحر، وجرى نقلهم إلى مراكز مؤقتة. ولم يتسن الحصول على تعقيب من السلطات المغربية بشأن هجرة هؤلاء القاصرين. إشكالات معقدة هجرة القاصرين "مرتبطة بإشكالات معقدة، اجتماعية وسياسية واقتصادية".. هكذا بدأ الباحث المغربي في علم الاجتماع علي الشعباني حديثه للأناضول. وأوضح أن "الإشكالات الاجتماعية لهجرة القُصَّر مرتبطة بالمحيط الأسري والظروف العامة السائدة بالمجتمع التي تساعد على الهجرة، مثل الترويج لأفكار مغلوطة عن حلم الهجرة". وأضاف أن "الأمر مرتبط أيضا بالمنظومة التعليمية التي تعتريها بعض النواقص، مما يجعلها غير قادرة على تأطير الأطفال الصغار". "عندما كنت في قرية شمال البلاد لدى أسرة تضم أطفال يتابعون دراستهم في المدرسة، صُدمت عندما سمعتهم يقولون إن المدرسة لا تصلح لشيء"، أردف الشعباني. وزاد أن "بعض القرى تضم شبابا حصلوا على الإجازة (التعليمية) ويتجرعون مرارة البطالة في قراهم، مما يؤثر على القُصَّر الذين لا يزالون يتابعون دراستهم". فرص عمل وفي يوليوز الماضي، دعا رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش القطاعات الوزارية إلى اعتماد برامج مخصصة لإيجاد فرص عمل في المملكة، ضمن جهود مكافحة الهجرة غير النظامية. جاء ذلك خلال ترؤسه في العاصمة الرباط سلسلة اجتماعات وزارية، خصصت لتتبع تنفيذ خارطة طريق لقطاع التشغيل، وفق بيان لرئاسة الحكومة آنذاك. أخنوش قال إن "النمو الاقتصادي الوطني خلال الربع الأول من سنة 2025 سجل تحسنا بنسبة 4.8 بالمئة". وتحدث عن "تحسن وضعية سوق العمل، حيث تم خلق حوالي 351 ألف منصب عمل في الأنشطة غير الفلاحية، أي 3 أضعاف الأرقام المسجلة خلال الفترة نفسها من سنة 2024". وفي 13 فبراير، أطلقت الحكومة برنامجا بكلفة 1.4 مليار دولار لمحاربة البطالة، بعد أن تجاوزت 13 بالمئة خلال 2024. البرنامج يهدف، وفق الحكومة، إلى مكافحة التحديات التي تواجه سوق العمل، مع استمرار الجفاف للسنة السابعة تواليا، علما بأن الزراعة تشغل 40 بالمئة من اليد العاملة. وأعلنت المندوبية السامية للتخطيط تراجع معدل البطالة إلى 12.8 بالمئة خلال الربع الثاني من عام 2025، مقابل 13.1 بالمئة خلال الفترة نفسها من العام الماضي. قوارب الموت الشعباني انتقد ترويج بعض الأفكار بين الصغار، الذين بدأوا يبحثون عن مخارج أخرى غير الدراسة. وقال إنه "بعدما ينقطع بعض الأطفال عن الدراسة، يجربون العديد من الأمور الأخرى، ولا يبقى أمامهم إلا الفكرة التي تروج أيضا في المنطقة، وهي الهجرة غير النظامية". وتابع: "بعض العائلات أصبحت تشجع أطفالها على الهجرة، وتوفر المال للوسطاء من أجل مساعدتهم على الهجرة وارتياد قوارب الموت"، في إشارة إلى قوارب هجرة متهالكة يكون مصير بعضها الغرق. ومنتقدا اقتصاد بلاده، اعتبر الشعباني أنه لا يساهم في إدماج الشباب جميعا في النسيج الاقتصادي، والبطالة من بين أسباب الهجرة. محاولات متكررة ومن حين إلى آخر تعود قضية هجرة القاصرين إلى السطح في المغرب، خاصة بعد انخراط عديد منهم في محاولة "هروب جماعي" إلى إسبانيا العام الماضي. ويستخدم قاصرون منصات التواصل الاجتماعي لتبادل المعلومات والتنسيق بينهم بخصوص توقيت التجمع في أماكن معينة وكيفية الهجرة. وبين 7 و9 سبتمبر 2024، منعت قوات الأمن نحو 3 آلاف شخص، بينهم شباب وقاصرون، من اختراق السياج الحدودي الفاصل بين مدينتي الفنيدق شمالي المملكة وسبتة. وتعد محاولة الاقتحام هذه من أكبر العمليات خلال السنوات القليلة الماضية. وأعلنت السلطات المغربية، في 19 سبتمبر 2024، تقديم 152 شخصا إلى الأجهزة القضائية بشبهة التحريض على تنظيم عمليات هجرة غير نظامية. العمل والتعليم وعن الحلول المطروحة، شدد الشعباني على ضرورة تقوية الاقتصاد لتوفير فرص عمل تستقطب اليد العاملة، مع تحسين الأجور. وقال أيضا إن التقدم الحقيقي لا يأتي إلا عبر المدرسة، ودول عديدة تقدمت بشكل كبير عبر رهانها على تطوير التعليم. وفي ماي 2024، أعلن المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن مليون ونصف شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة عاطلون عن العمل في المغرب. وقال رئيس المجلس أحمد رضى الشامي، خلال تقديمه للدراسة بالرباط، إن عدد العاطلين يبلغ 4.3 ملايين، إذا تم اعتماد العمر بين 15 و34 سنة. وأضاف أنه "عدد كبير يطرح إشكالات تتعلق بالإقصاء والشعور بالإحباط، والتفكير في الهجرة، وتهديد التماسك الاجتماعي". وتقول الحكومة المغربية إنها تعمل على تنمية مدن الشمال، التي تعتبر أبرز مناطق الهجرة غير النظامية. ويوجد في المنطقة ميناء المتوسط أكبر الموانئ في المغرب، إضافة إلى منطقة صناعية لإنتاج السيارات. وفي يناير الماضي، صادقت اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية بالناظور على 44 مشروعا بتكلفة إجمالية 16.7 مليون درهم (1.67 مليون دولار). وتتوزع بين 15 مشروعا مقدما من طرف التعاونيات و29 لصالح شركات صغيرة، في قطاعات الزراعة والصناعة التقليدية والتجارة والخدمات والصيد البحري والسياحة والنقل.