ينتصر فتح الله ولعلو وزير الاقتصاد والمالية الأسبق في مؤلفه الصادر أخيرا بعنوان " زمن مغربي مذكرات وقراءات"، للخيار المغاربي، من خلال تأكيده على أن الحاجة أصبحت أكثر من ملحة اليوم إلى المشروع المغاربي. تحت عنوان " المشروع المغاربي والقضية الفلسطينية.. تأزم وضع ما العمل لجعل المستحيل ممكنا" بالفصل الثامن عشر من الكتاب الذي أعده للنشر الكاتب الصحافي لحسن العسبي، يقول ولعلو " إن الخلاصة الكبرى هي أن الحاجة إلى المشروع المغاربي، أصبحت أكثر من ملحة اليوم، وإن لم نستوعب الحاحيته في الستينات والسبعينات. لكنه اليوم ضرورة وجود إزاء ظاهرة العولمة، بسبب أن الأقطار لا قدرة لها على مخاطبة العالم منفردة". وأضاف ولعلو الرئيس السابق لاتحاد الاقتصاديين العرب، أن المشروع المغاربي، كذلك ضرورة وجود أمام أوروبا الموحدة، ليس فقط لتحسين شروط التفاوض معها، اقتصاديا، بل مساعدة المتوسط وأوروبا على الخروج من الأزمة التي لا يمكن نتائجها، إلا أن تكون في صالحنا كدول وشعوب وكاتحاد إقليمي ضمن منطق تعاون جنوب/ جنوب، بهدف القدرة على التأثير في العلاقة بين الشمال والجنوب. وبعدما ذكر بأن المشروع المغاربي، ارتبط بالنضال من أجل الاستقلال منذ عشرينيات القرن الماضي حتى مؤتمر طنجة للأحزاب الوطنية بالمغرب والجزائر وتونس ( أبريل 1958 )، اعتبر الكاتب وهو أيضا رئيس الجمعية المغربية للاقتصاديين المغاربة سابقا، أن غياب المشروع المغاربي و"نحن في عشرينيات القرن الواحد والعشرين، من المثبطات التي تساهم في تأخير موقع المنطقة المغاربية في كليتيها سواء في علاقتها مع الجارة الأوربية التي رسخت وحدتها أو بالنسبة للقدرة التفاوضية لبلداننا مع العولمة". غياب مكلف وأضاف ولعلو إن كلفة غياب المشروع المغاربي كبيرة اقتصاديا ووجدانيا وبشريا وجيو سياسيا وبيئويا ثم فكريا، وأنه بقي من خلال تتبعه خلال عقود فكريا وسياسيا، موضوعة غياب المشروع المغاربي من المتشبثين بضرورته رغم تعدد أسباب التشاؤم، معربا عن يقينه بأن الموقف المعاكس للمنظومة السياسية الجزائرية ضد وحدة التراب المغربي، هو السبب الأساسي في وجود المنغلق داخل المنطقة الذي هو على حساب مكوناتها وفي المقدمة منها المغربية والجزائرية. ولاحظ ولعلو البرلماني السابق بأن " الطرف الجزائري متشبث بتحديد هويته انطلاقا من معاكسة الآخر الذي هو المغرب، بدلا من السعي إلى تحديد تلك الهوية اعتمادا على تاريخه وجغرافيته وعبقريته ". لكن رغم كل هذه العوائق، يرى فتح الله ولعلو أنه " لا بد لنا من العمل من أجل المصالحة بيننا وبين جيراننا الجزائريين، لأن الجغرافية عنيدة". وعلى المستوى التاريخي يذكر الكاتب الرئيس الأسبق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، بأن الحركة الوطنية التي وإن ولدت بشروط مغربية صرفة، لكن أفقها المغاربي، كان حاضرا منذ البداية حيث تطور ذلك الأفق مع المسار النضالي للشعوب المغاربية، متوقفا طويلا عند أهم المحطات التاريخية للمسار المغاربي. تاريخ مغاربي وفي هذا الصدد، أشار القيادي السابق بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى أن الاطار الذي سيلعب دورا حاسما في بلورة البعد المغاربي للحركات الوطنية في البلدان الثلاث ( المغرب والجزائر وتونس )، هو تأسيس " جمعية الطلبة المسلمين بشمال افريقي. بيد أنه أضاف أن صدى ثورة عبد الكريم الخطابي في باريس ومساندة الحزب الشيوعي الفرنسي لها، أدى إلى الرفع من الوعي المغاربي عند الشمال الإفريقيين المستقرين في باريس، مما دفع بهم إلى إنشاء جمعية " نجم شمال إفريقيا" بباريس التي كانت تضم عمالا وطلبة، وهذا ما يعنى أن العلاقة بين الرواد الوطنيين الأوائل بالبلدان المغاربية الثلاث، كانت العاصمة الفرنسية حاضنته منذ عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. كما سجل ولعلو بأن مؤتمر طنجة المغاربي في أبريل سنة 1958 الذي شاركت فيه جبهة التحرير الجزائري والحزب الدستوري التونسي وحزب الاستقلال،كان اللقاء السياسي الذي سيكون له أيضا أثر بليغ عليه حينها، و إيمانه بفكرة المغرب العربي وأساسا شمال افريقيا الموحدة، كان بفضل ما أصبح يهتم به في مجال التاريخ، من هنا كان شغفه بمؤتمر المغرب العربي في طنجة . أسس الوحدة وانطلاقا من ذلك لفت الانتباه إلى أنه أدرك باكرا رسائل مؤتمر طنجة التي أولها التضامن مع الثورة الجزائرية، وضمنه ولدت فكرة الحكومة الجزائرية المؤقتة، ثم ثانيا التحضير لأسس وحدة بلدان المغرب العربي بعد استقلال الجزائر، وثالثا بناء وحدة اقتصادية تتفاوض مع نواة " السوق الأوربية المشتركة" التي ولدت في يناير من نفس السنة ( 1958 )، مع تذكيره بأن الذي أثار هذا البعد الاقتصادي للمنطقة المغاربية، عبد الرحيم بوعبيد الذي كان ضمن وفد موحد لحزب الاستقلال الذي ضم آنذاك كلا من علال الفاسي والمهدي بن بركة وأحمد بلافريج والفقيه البصري والمحجوب بن الصديق و أبوبكر القادري. وبخصوص العلاقات المغربية الجزائرية حاليا، أوضح أنها عرفت تدهورا جديدا ارتبط بمجيء عبد المجيد تبون لكرسي الرئاسة، مشيرا إلى أنه حضر لقاء في جنيف سنة 2022، تطرق للقضايا الخلافية ما بين المغرب والجزائر ووصف المشاركون في هذا اللقاء بأن البلدين بأنهما النواة المركزية للمنطقة، وأن الخروج من المنغلق الجديد يتطلب، "ضرورة توقيف الحملات الإعلامية التحريضية، والمناورات العسكرية قرب الحدود، مع التراجع عن القرارات المتخذة من قبيل قطع العلاقات الديبلوماسية وتوقيف مشروع خط أنابيب الغاز. الموضوعي والذاتي ومن جهة أخرى، فصاحب الكتاب – كما دون على ظهر غلاف مؤلفه – بأنه ليس من الذين يعتبرون المذكرات حكيا لحياة شخص، لأن قيمة الشخص دائما محدودة ونسبية، والتركيز على المغامرة الشخصية في الحياة لا فائدة منه فيما يفهم ويتصور، مؤكدا بالمقابل، أن الانسان جزء من تاريخ معين وضمن جغرافية معينة، وهو ما يجعل أهمية المذكرات هي إبراز ذلك التاريخ، وتلك الجغرافية بغاية إعطاء الأولوية للموضوعي على حساب كل ما هو ذاتي. يتضمن " زمن مغربي مذكرات وقراءات" الصادر عن المركز الثقافي للكتاب، جزئين موزعين على 19 فصلا يقع أولهما في 662 والثاني في 751 صفحة ربط فيها المؤلف تجربته الشخصية بمسار " الزمن المغربي ، بمتابعات تهم ملفات وقضايا المسار الطويل للحركة الوطنية ومدرسة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والحركة الإتحادية، مع ابراز عطاء شخصيات ثلاثة ارتبط بهم، هم المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي الى جانب ملفات قضية الوحدة الترابية ومآل المشروع المغاربي والقضية الفلسطينية، وسياقات حكومة التناوب لخارجية والداخلية، فضلا عن فترة مروره بكل من البرلمان ما بين 1977 و1997 الحكومة التي قضى بها 10 سنوات على رأس وزارة المالية وكذا استحضار اهتماماته الأكاديمية وتحولات مدينة الرباط على ضوء المشروع الملكي. رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الاعلام والاتصال