كشفت مقابلة اجراها الصحافي توفيق وعشرين مع مجموعة من شباب "جيل زد"، عن وعي جماعي متنام لدى جيل جديد من المغاربة يسعى إلى الإصلاح بوسائل سلمية ومنظمة، بعيدا عن الوساطات الحزبية. حيث جاء ذلك في الحوار الذي جمع مدير جريدة "أخبار اليوم" سابقا، مع شباب مجموعة "جيل زد 212" عبر تطبيق "ديسكورد"، مساء الأحد 12 أكتوبر الحالي. حين سألهم بوعشرين عن فكرة تأسيس التجمع على "ديسكورد"، أجاب أحدهم بأن "الفكرة تولدت لأن هذه المنصة تتيح الحوار بالصوت، وتجمع عددا كبيرا من الناس في وقت واحد، وكل واحد يمكنه أن يتحدث ويعبّر بحرية". ولما سأله الصحافي إن كان اختيار المنصة لدواع أمنية أو لصعوبة اختراقها، رد الشاب ب"لا، ليست هناك دوافع أمنية، المنصة مثل غيرها، بل سهلة الاختراق في الواقع، ولكنها عملية وتناسب احتياجاتنا".
وحين استفسر بوعشرين عن عدد المشاركين وكيف بدأ المشروع، أوضح أحد الشباب أن البداية كانت بسيطة "في البداية كان شخص واحد أو شخصان فقط هما من أطلقا السيرفر، وبعد ثلاثة أيام تقريبا أصبح عددنا بين ألف وألفين عضو، وبعد المظاهرة الأولى ارتفع العدد إلى نحو ثمانين ألفا". وأضاف "كانوا في البداية قلة، ثم أخذ العدد يتزايد تدريجيا". تطورت المجموعة سريعا إلى تنظيم شبابي رقمي منسق يضم فرقا متخصصة. وقد شرح أحد الأعضاء هذا الهيكل قائلا "لدينا فريق التصميم الغرافيكي الذي يتولى إعداد المنشورات، وفريق البودكاست الذي تشاهدونه الآن معنا في الغرف الصوتية، وفريق الإعلام الذي يتابع محتوى شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى فريق إدارة الغرف الصوتية الذي ينظم النقاشات ويدير المداخلات، وفريق التطوير، وفوقهم المشرفون والاستراتيجيون والمؤسسون والمدير التنفيذي". وسأل بوعشرين إن كانت المجموعة مغلقة أم مفتوحة أمام المنضمين الجدد، فأجاب أحدهم بأن "المجموعة مفتوحة بطبيعتها، ونحن نقبل الأشخاص الذين يمتلكون الكفاءة في مجالات معينة ويمكن أن يضيفوا قيمة، ويجري ذلك بعد اتفاق إدارة المجموعة بالإجماع". وأضاف آخر "نحن نشتغل بطريقة ديمقراطية، تعتمد على التشاور وتبادل الآراء، ولا وجود لرأي مفروض من الأعلى، فالقرارات تُتخذ جماعيا، والاختلاف يُناقش داخل كل مجال". ثم انتقل بوعشرين إلى قضية أثارت اهتمام المتابعين، وسألهم "الرسالة التي وجهتموها إلى الملك، من الذي صاغها؟ وهل كان القرار بإرسالها قرارا فرديا أم جماعيا؟". فرد أحدهم بأن "القرار لم يكن صادرا عن الإدارة فقط، بل تم اتخاذه بعد نقاش عام بين الأعضاء. اخترنا لجنة لصياغة الرسالة، ضمت أكثر من سبعة أشخاص من تخصصات متعددة أطباء، ومحامين، وأساتذة في علم الاجتماع والسياسة. قاموا بصياغتها ومراجعتها قانونيا ولغويا". وأضاف آخر مصححا المعلومة "اللجنة كانت تتألف من ستة عشر شخصا، من بينهم محامون وأطباء وخبراء في العلوم السياسية". وأكدوا جميعا أن عملهم مفتوح على كفاءات من مختلف الأجيال، بما فيها من تجاوزوا الثلاثين من العمر. وحين طرح بوعشرين سؤالا عن تمويل المجموعة، أوضح أحد الشباب "لا يوجد تمويل مباشر. هناك فقط نظام داخلي في ديسكورد يُسمى "البوست"، يسمح برفع الملفات الكبيرة أو توسيع القنوات مقابل مساهمات تقنية بسيطة، وهي متاحة للجميع". ثم سألهم الصحافي عن ما يُقال في بعض وسائل الإعلام بشأن وجود أعضاء من خارج المغرب، أو تأثير أطراف أجنبية على النقاشات داخل المنصة، فأجاب أحدهم "صحيح أن ديسكورد فضاء مفتوح، ولا يمكننا التحكم في من يدخل إليه، لكن الإدارة مغربية بالكامل". وأضاف آخر "أنشأنا نظاما يسمى "المصوّت"، نمنحه فقط للأشخاص الذين نتحقق من كونهم مغاربة من خلال لهجتهم وطريقة كلامهم، وهؤلاء وحدهم من يحق لهم التصويت، وعددهم الآن بين خمسة وستة آلاف شخص". وفيما يتعلق بما يُعرف ب"الذباب الإلكتروني"، قال أحد الشباب "نحن نتقبل الانتقادات إذا كانت بناءة ونأخذها بعين الاعتبار، أما إذا كانت تهدف إلى التخريب أو إثارة الفتنة أو التحريض ضد الدولة أو الوحدة الترابية فنقوم بحظر أصحابها". وأضاف آخر "إذا تبين أن المنتقد يسعى لإثارة الفوضى أو يروج لأفكار متطرفة أو تحريضية، نتخذ ضده إجراء مباشرا". كما تطرق بوعشرين إلى مسألة بقاء الشباب خلف الشاشات دون الكشف عن هوياتهم أو وجوههم في ندوات علنية، فقال أحدهم "نحن نفضل أن يظل النقاش صوتيا حفاظا على الخصوصية، فالصوت كاف ليُعرّف الشخص، ومن خلال اللهجة يُعرف أنه مغربي. لسنا خائفين، ولكننا لا نريد أن يتعرض أي شخص منا لمضايقات أو ملاحقات، لذلك نعتبر هذه الاحتياطات ضرورية". وأضاف آخر "هدفنا أن يبقى الصوت مفتوحا للجميع، وأن يستمر النقاش بحرية". وسألهم بوعشرين إن كان الأعضاء الذين يديرون المنصة يشاركون في المظاهرات الميدانية، فأجاب أحدهم "بالطبع، أنا نزلت إلى الشارع في مظاهرة يوم 27، والإدارة هنا ليست سلطة بل وسيلة للتنظيم. نحن جميعا يد واحدة". بعد ذلك انتقل الحوار إلى موضوع العلاقة بالأحزاب والنقابات، فقال بوعشرين "يُقال إن لديكم حساسية مفرطة تجاه الأحزاب والجمعيات، ألا يُفقدكم هذا قاعدة اجتماعية وسياسية مهمة؟". فرد أحد الشباب "عدم الثقة في الأحزاب لم يأت من فراغ، بل من تجارب طويلة، والشعب المغربي بأكمله فقد ثقته في هذه المؤسسات بسبب الفساد وفقدان المصداقية". وأضاف آخر "الشباب رأوا ما حدث في حراك 20 فبراير، ولا يريدون تكرار نفس الأخطاء والانقسامات، لذلك يفضلون البقاء مستقلين". وحين أشار بوعشرين إلى اختلاف التوجهات الفكرية داخل المجموعة، بين إسلاميين ويساريين وليبراليين، أجاب أحدهم "ما يوحدنا هو الرغبة في الإصلاح. نختلف في الطرق لكن الهدف واحد". ثم طرح بوعشرين سؤالا وجيها "في وثيقتكم الأولى طالبتم بحل الأحزاب التي وصفتموها بالفاسدة، أليس هذا مطلبا غير ديمقراطي؟". فرد أحدهم "ربما يبدو كذلك، لكن الديمقراطية الحقيقية تقوم على سماع صوت الشعب. وإذا لم تستمع هذه الأحزاب للشعب، فإن الدعوة إلى حلها نوع من تصحيح المسار". وأضاف آخر "نعم، العقاب في الديمقراطية يكون عبر صناديق الاقتراع، لكن الواقع أن كثيرين لا يعرفون من يصوتون له، وهناك من يشتري الأصوات بالمال، وهذا يُفرغ الانتخابات من معناها". بعدها انتقل النقاش إلى مسألة المعتقلين، فسأل بوعشرين "هل لديكم أرقام دقيقة عن عدد المعتقلين في صفوف الشباب المشاركين في الحراك؟". فأجاب أحدهم "نحن نتابع هذا الملف يوميا عبر لجنة خاصة تتواصل مع المحامين وتتحقق من المعلومات، ولدينا تقدير بأن عدد المعتقلين أو المتابعين قضائيا يتجاوز أربعمائة شخص". وأضاف شاب آخر "نقوم بإعداد لائحة تتضمن من اعتقلوا ظلما ومن تورطوا فعلا ولكن حُكم عليهم بأحكام مبالغ فيها". ثم أشار بوعشرين إلى أن شعار المجموعة على "ديسكورد" تحول إلى اللون الأسود بعد الخطاب الملكي، وسأل "هل هو إعلان حداد؟". فرد أحدهم "لا أبدا، لم يكن الأمر مقصودا، كنا نعمل على التصميم منذ أيام، وتم تغيير اللون مساء الخميس قبل الخطاب، والصدفة فقط جعلت التوقيت متزامنا." أيضا سأل بوعشرين عن شعورهم بعد الخطاب، فقال أحد الشباب "لم نشعر بخيبة أمل، بل تعاملنا مع الخطاب بقراءة استراتيجية وواقعية. جلسنا لنفهم المضمون ونراجع ترتيبنا الداخلي ونستعد لمرحلة جديدة". وأضاف آخر "الخطاب نحترمه ونعتبره جزءا من الواقع السياسي، والمرحلة الحالية هي للتأمل وتنظيم الصفوف". وحين لاحظ بوعشرين أن بعض المظاهرات الأخيرة كانت أضعف من سابقاتها، تساءل إن كان الزخم بدأ يخفت، فأجاب أحد الشباب "بالعكس، الوعي الجماعي يزداد. انظر إلى مقاطعة المباريات مثلا، لم ندعُ نحن إليها، لكنها حدثت تلقائيا من الشباب أنفسهم". وأضاف آخر "نحن لا نشتغل بنظام هرمي، المعلومات والقرارات تأتي من القاعدة إلى القمة، وما نعلنه في بياناتنا الرسمية هو فقط ما أُقرّ عليه جماعيا بعد تصويت الأعضاء". وفي رد على سؤال حول عدد المدن التي شهدت مظاهرات، قال أحدهم "حسب معطياتنا، خرجت المظاهرات في نحو ثمان وعشرين مدينة عبر المملكة". وأوضح آخر أن ما يبدو للناس على السطح يخفي وراءه عملا ديمقراطيا معقدا يشمل نقاشات ولجانا وتصويتا داخليا قبل إصدار أي موقف رسمي. وفي سؤال عن الاتهامات بمحاكاة تجارب خارجية في نيبال أو مدغشقر أو أمريكا اللاتينية، أجاب أحد الشباب بحزم "ما يجري في المغرب مغربي خالص. نحن لسنا امتدادا لأي حركة في الخارج، ولا نتبع أجندة أجنبية. هدفنا الوحيد هو الإصلاح، ونحن مغاربة مخلصون نريد الخير لبلدنا دستورا ومؤسسات." ثم طرح الصحافي سؤالا افتراضيا "إذا دعاكم رئيس الحكومة إلى الحوار، فهل ستقبلون؟". فأجاب أحدهم : "سنقول له ليتفضل هو بالانضمام إلى المنصة على الديسكورد، هناك يمكنه أن يتحاور مع الشباب مباشرة ويسمع أسئلتهم". وفيما يخص مبادرة الإعلامي رشيد العشعاشي لتأسيس حزب باسم "جيل زد"، قال أحد الشباب "الأستاذ رشيد كان ضيفا معنا في البداية ونشكره على ذلك، لكن مبادرته الحزبية لا علاقة لها بنا، ونحن لا ننتمي إلى أي حزب ولا نؤسس أي كيان سياسي".