بعد الحوار الذي أجراه البودكاست توفيق بوعشرين ( الصحافي ومدير نشر جريدة أخبار اليوم سابقا)، مع مجموعة من الشباب مجهولي الهوية، الذين يتولون إدارة النقاش في منصة "ديسكورد"، اقتنعت من خلال أجوبة هؤلاء الشباب المتحمسين جدا للإصلاح والتغيير، أننا بالفعل أمام تكثل رقمي هلامي، يتبنى مجموعة من المطالب، منها ما هو مشروع مثل اصلاح التعليم والصحة ومحاربة الفساد، ومنها ما هو غير عقلاني مثل حل الاحزاب السياسية، ووضعها كاملة في سلة واحدة، دون الأخد بعين الاعتبار السياق التاريخي الذي ولد فيه كل حزب سياسي، وإن كنت اتفهم شخصيا، أن هناء استياء كبير من النخب الحزبية من مختلف التوجهات والمشارب! توفيق بوعشرين لم يحاور الشباب بالمعنى الدقيق، بل دردش معهم، وطرح عليهم مجموعة من الأسئلة الذكية، في محاولة منه لفهم البنية التنظيمية لهذا التعبير الاحتجاجي، الذي ولد في الفضاء الرقمي واستأثر باهتمام الرأي العام الوطني والدولي، بعد أن نجح في حشد وتعبئة آلاف الشباب في عدد من المدن المغربية، ودفعهم إلى التظاهر ميدانيا من خلال نشاطه في الديسكورد! الأسئلة التي طرحها توفيق بوعشرين على شباب جيل زد، كان لها طابع توجيهي في بعض الأحيان، لحثهم على التشبت بخيار السلمية، ودفعهم إلى العدول عن فكرة أن الاحزاب كلها متشابهة، وهو الأمر الذي بدا واضحا، لما طلب منهم اختيار دعم احزاب معينة، ووضع شروط مسبقة عليها، وذلك في إطار تعاقد أخلاقي بين جيل رقمي يرفض الاشتغال في إطار مؤسساتي، وبين احزاب سياسية تشتغل في إطار بنية دستورية وقانونية لعقود من الزمن! أتفهم دوافع توفيق بوعشرين، وأتفهم خلفية الأسئلة التي طرحها في دردشته مع شباب "جيل زد"، وفضوله المعرفي كباحث عن المعلومة بشغف كبير، غير أنه، هناك بعض الأسئلة المشروعة لا بد من طرحها في هذا السياق، لفهم الجانب الخفي في السياسة التواصلية للقائمين على منصة ديسكورد؟ ما هي المعايير التي يتم الارتكاز عليها في اختيارهم للضيوف؟ ما هو القاسم المشترك بين هؤلاء الضيوف؟ ولماذا الجزء الأكبر منهم فرونكوفونيون وسبق لهم الاشتغال في مجال الصحافة وكانت لهم مشاكل مع السلطة؟ ولماذا تم التركيز على أسماء سياسية تنتمي إلى حزب فيدرالية اليسار تحديدا دون غيره من الاحزاب السياسية الأخرى؟ لماذا غابت أحزاب العدالة والتنمية، والعدل والإحسان، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب الاستقلال، وحزب التقدم والاشتراكية، في استضافات الشباب في منصة ديسكورد؟ ولماذا تم التركيز على التوجه الفرنكوفوني واليساري؟ وما هو تفسير الشباب لاهتمام الصحافة الفرنسية باحتجاجاتهم أكثر من أي صحافة دولية أخرى؟ كنت اعتقد أن توفيق بوعشرين قادر بحسه الاعلامي ونباهته الفكرية على استحضار هذه الأسئلة في دردشته مع ثلاثة عناصر من إدارة "تنظيم جيل زد" الرقمي، وكنت انتظر منه توجيه أسئلة مهمة للشباب من قبيل: ما الذي تعنيه لهم حركة عشرين فبراير؟ وهل فعلا يمثلون الوجه الاخر للحركة التي ظهرت في سياق ربيع الشعوب؟ أم أن هناك قطيعة بين جيل زد وحركة عشرين فبراير التي طالبت باسقاط الفساد والاستبداد؟ للأسف الشديد غابت الكثير من الأسئلة المهمة في دردشة توفيق بوعشرين مع هؤلاء الشباب، ولكن، الثابت هو أن منسوب الثقة بين المسؤولين على إدارة النقاش وتوفيق بوعشرين، كان عال جدا، مثل منسوب ثقتهم في أبو بكر الجامعي، وعمر بلافريج، ونجيب أقصبي، وأحمد رضا بن شمسي، وغيرهم من الشخصيات الأخرى، التي تمت استضافتها إلى حدود الآن في الديسكورد! إلى حدود الآن، تبقى جماعة العدل والإحسان، وحزب العدالة والتنمية، والنهج الديمقراطي، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خارج اهتمامات المشرفين على إدارة النقاش باسم "جيل زد" في ديسكورد، وهو الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام، حول خلفية ذلك، لاسيما، إذا اعتبرنا أن القطيعة بين عشرين فبراير وجيل زيد غير موجودة كما صرحت بذلك المناضلة اليسارية سارة سوجار في أحد حواراتها؟ عموما، الدردشة كانت لا بأس بها، وتوفيق بوعشرين طرح ما يراه مناسبا من أسئلة، لفهم هيكلة الحركة، وأهدافها، وكيفية اشتغالها، ومصادر تمويلها، وأفقها الاحتجاجي، غير أن ما هو مؤكد، أن استمرار حركة " جيل زد" في لعبة الاختباء خلف منصة ديسكورد، سيجعل عمرها قصير جدا، بغض النظر عن عدد الوافدين للمنصة. يبدو أن الجهات التي تقف حقيقة خلف هذه الحركة، تشتغل على هدف رئيسي، وهو تحريك النقاش العمومي من خلال الفضاء الرقمي، لخلق دينامية احتجاجية في الشارع بطريقة ذكية وبكلفة أقل! هاد النوع من الممارسات مرفوض أخلاقيا، لأن الذي يناضل من أجل الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، وهي قيم نبيلة، عليه أن يكون واضحا في اختياراته، ومنسجما في أطروحاته، ويعي أهدافه بشكل جيد، ويأخذ حقوق الناس وحرياتهم مأخد الجد، دون أي مقامرة بشباب يعاني من الظلم، والبؤس الاجتماعي، والفقر، والهشاشة في كل أبعادها التنموية، والحقوقية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والفكرية! إلى حدود الآن لم يستوعب عقلي التناقض الموجود في خطاب "جيل زد" بين الايمان بدولة المؤسسات، والدعوة إلى حل الاحزاب السياسية، والبرلمان، والحكومة، ومحاكمة المفسدين محاكمات شعبية! صحيح ان المؤسسات الدستورية لا تمارس وظيفتها كما ينبغي، وصحيح أن النخب الحزبية الفاسدة تستوطن أكثر من حزب سياسي، وصحيح أيضا أن الحكومات المتعاقبة لم تنجز الإصلاحات الضرورية في مجال الصحة، والتعليم، وحقوق الإنسان، والحريات العامة، وصحيح كذلك أن البرلمان مملوء بالمفسدين، وأن القوانين الانتخابية سيئة ولا تخدم مشروع الانتقال الديمقراطي…. ولكن هل من المقبول الدعوة إلى حل الاحزاب السياسية؟ حل البرلمان وإقالة الحكومة، مطلب فيه نقاش دستوري، ودستور فاتح يوليوز 2011 نص في فصول مختلفة على إمكانية ذلك، ولكن حل الاحزاب السياسية يظل مطلب غير عقلاني، وإن كنت شخصيا لا أنتمي لأي حزب سياسي ( متعاطف فقط مع فيدرالية اليسار)، لأن المطلوب، هو إصلاح البنية الحزبية في المغرب ، وليس حلها! كان سيكون من الممكن التعايش مع فكرة إصلاح البنية الحزبية في المغرب، من خلال الدفع في اتجاه تنظيم التعددية الحزبية في ثلاث اقطاب رئيسية مثلا ( قطب يساري، قطب ليبرالي، قطب وسط او محافظ) أو قطبية ثنائية للتداول على السلطة، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها لجنة وطنية مستقلة للانتخابات، وليس وزارة الداخلية، كما هو معمول به في عدد من الديمقراطيات. الدعوة إلى حل الاحزاب السياسية، دون تقديم بديل ديمقراطي، فكرة عدمية، وتنم على أن شباب جيل زد الحركة يفتقدون لفكر سياسية ودستوري عقلاني ورزين، لأن الدول التي لم تكن فيها احزاب سياسية انهارت، وحتى الدول التي تحكمها أنظمة الحزب الواحد، أصبحت تعمل بمنطق التيارات السياسية داخل نفس الحزب! شباب جيل زد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 سنة و 30 سنة، هم أطفال وشباب في المجمل، ولكن المسؤولين على إدارة النقاش في منصة ديسكورد، عليهم أن يكونوا حكماء في تواصلهم مع الرأي العام المغربي، ومسؤولين في تواصلهم السياسي مع الدولة، أو مع المؤسسة الملكية، ما دام أنهم يؤكدون على أنهم ليسوا ضد مؤسسات الدولة، وأن هدفهم الأساسي هو الإصلاح والتغيير، لمحاربة الفساد والمفسدين! هل هدم بنيات الدولة المؤسساتية التي يفوق عمرها عمر "جيل زد" فكرة اصلاحية؟ أم أنها فكرة ثورية بدون ادوات ثورية؟ الغريب في الأمر، أن المسؤولين على النقاش في منصة ديسكورد، لم يلتقطوا (وصايا ورسائل) ابو بكر الجامعي، وعمر بلافريج، ونجيب اقصبي، ونبيلة منيب، وتوفيق بوعشرين، وأحمد بوز، ومحمد حفيظ، ورضا أحمد بن شمسي، والمعطي منجب، ومحمد الساسي، بشكل جيد! لكل هذه الاعتبارات، أنصح شباب "جيل زد" بوضوح الرؤيا والمطالب، وأنصح الجهة التي ترعاهم (لا شيء يأتي من العدم) أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية في تأطير هؤلاء الشباب، لأن الحصيلة الأولية للاحتجاجات كانت مؤلمة ( ثلاثة قتلى، معتقلين بالمئات، محاكمات سريعة) ومن أراد التدافع مع المخزن فلينزل إلى الشارع بكل شجاعة، كما نزلت حركة عشرين فبراير بوجه مكشوف في 2011! لست ادري ما الذي يمنع اليوم مؤيدي ومنظري جيل زد من تنظيم دواتهم في إطار حركة احتجاجية غير هلامية والنزول إلى الشارع بمطالب واضحة على غرار ما يقوم به المناصرون للقضية الفلسطينية بشكل أسبوعي؟ اعتذر للقراء عن وصف "جيل زد" بالوجه الآخر لحركة عشرين فبراير في مقالاتي السابقة، لأن شباب هذه الحركة كانوا شجعان في نقل نضالهم من مواقع التواصل الاجتماعي إلى الميدان، بتنسيقيات وطنية معروفة، كانت تشتغل في الضوء وواجهت السلطة بكل شجاعة ومروءة! الاختباء خلف ديسكورد سلوك غير شفاف وسيدفع المغاربة بدون أي شك في ذلك إلى الارتياب والشك لأن زمن التنظيمات السرية انتهى مند عقود. انا أميل إلى الشك المنهجي ولعبة العالم الرقمي محفوفة بمخاطر الاستعمال من طرف الغير! هذا رأيي الشخصي المتواضع، واتمنى أن أكون مخطئا في ذلك. غالبا ما يفسر الشك لفائدة المتهم في القانون الجنائي. أما في مجال المطالبة بالاصلاح والتغيير فينبغي أن نكون مسؤولين أمام الشعب لأنه هو مناط كل السلط ولا ينبغي توظيفه بطرق مشبوهة!