مندوبية السجون تكشف أسباب إغلاق سجن "سات فيلاج" بطنجة    الفنان المغربي الروسي عبد الله وهبي يعرض "لوحات من روسيا" في الرباط    الحكومة تقترح على النقابات زيادة 10% في الحد الأدنى للأجور    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    دعوة لإحياء جمعة الغضب بالمغرب دعما للشعب الفلسطيني    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم تترأس المجلس الإداري للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية    وزارة التعليم تشن حملة ضد "العلكة" في مدارس تيزنيت    ارتسامات المؤتمرين حول المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    انتخاب رئيس جديد على رأس الإتحاد الإسباني لكرة القدم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب على غزة إلى 34356 قتيلا    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    كأس الكاف .. نهضة بركان يعلن طرح تذاكر مباراته أمام اتحاد العاصمة الجزائري    الطقس غدا السبت.. أمطار فوق هذه المناطق ورياح قوية مصحوبة بتناثر غبار محليا    جماهير اتحاد العاصمة تثور على السلطات الجزائرية بسبب المغرب    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع        العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"        احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى    البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 85 مرشحا للهجرة غير النظامية    أخنوش معلقا على احتجاجات طلبة الطب: ليس هناك سنة بيضاء و3 آلاف طالب يدرسون كل يوم    طلبة الطب والصيدلة يتفاعلون بشكل إيجابي مع دعوة أخنوش    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    فضايح جديدة فالبرنامج الاجتماعي "أوراش" وصلات للنيابة العامة ففاس: تلاعبات وتزوير وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الانخفاض    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    مجمع الفوسفاط ينجح في تعبئة ملياري دولار عبر سندات اقتراض دولية    المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    طلبة الطب يقررون تعليق كل الخطوات الاحتجاجية وفسح المجال للحوار    انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس "مولان روج"    رسميا.. بدر بانون يعود لأحضان فريقه الأم    بطولة إفريقيا للجيدو... المنتخب المغربي يفوز بميداليتين ذهبيتين ونحاسيتين في اليوم الأول من المنافسات    رغم القمع والاعتقالات.. التظاهرات الداعمة لفلسطين تتواصل في العالم    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    "لمسات بألوان الحياة".. معرض تشكيلي بتطوان للفنان مصطفى اليسفي    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    تحت اشراف الجامعة الملكية المغربية للملاكمة عصبة جهة سوس ماسة للملاكمة تنظم بطولة الفئات السنية    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    الأمثال العامية بتطوان... (582)    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجهة نظر مؤرخ أمريكي: الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب.. مرحبا بكم في الكِفاح مجددا
نشر في لكم يوم 08 - 01 - 2017


* 08 يناير, 2017 - 12:01:00
نزل الآلاف من الأمريكيين والأمريكيات، للمرة الثالثة وفي عشرات المُدن، يصيحون ترامب "ليس رئيسنا!".نردد أيضاً "لن نسمح بفوز الكراهية/هنا يبدأ العمل!" و"لا تبكوا، تَنظّموا!" (الكلام الأخير للناشط ووبلي جو هيل الذي أعدِم رمياً بالرصّاص سنة 1915). كانتالحشود شابة ومعظمها منالنساء،لكنانتفاضتهمهي نفسها التي خاضها رئيس تحرير الأسبوعية الليبرالية العريقة « The Nation » (الأمة):
"إذا ما انعزلنا في حدادنا وتخليناعن المهددين أكثر بانتصار ترامب، فإن التاريخ لن يغفر لنا إلى الأبد. لقد حان الوقت للدعوةلعصيان مدني سلمي شامل ويومي لم نشهده في هذا البلد منذ عقود. فمرحبا بكم وبكن في الكِفاح."
إنالمتظاهرين كانوا على حق حين صرخوا "ترامب ليس رئيسنا". فبالأمس تم فرز الأصوات وإعلان حصول هيلاري كلينتون على 400 ألف صوت أكثر من ترامب على المستوى الوطني. إضافةً إلى ذلك، لم يصوت ما يناهز نصف الناخبين المشمئزين، في الوقت الذي حصلت فيه الأحزاب الأقلية من اليمين واليسار على 5 بالمائة من الأصوات. أبعد من أن يكون مُستفتى عليه، لم يُنتخب ترامبرئيسا سوى بفضل "الكوليدج" الانتخابي البائد. عندما تم "انتخاب" بوش بنفس الطريقة عام 2000، شكّل الأمر فضيحة لوقت طويل. لكن وسائل الإعلام لم تتذمر اليوم، في الوقت الذي وقّع فيه الملايين من الناخبين عريضة لجعل التصويت الشعبي حاسماً.
لقمتمأيضا تجاهل المتظاهرين بشكل كبير من قِبل وسائل الإعلامالتي تُعيد نشر "تغريدة" (tweet) دونالد ترامب: "الآن، يحتج نشطاء محترفون بتحريض من وسائل الإعلام. هذا أمر غير عادل أبداً !"
خيّم الصّمت المطبِق أيضاً على العديد من الحوادث العنصرية وضد المثليين وغيرها من الوقائع التي تلت انتصار ترامب: انفجار حقيقي لعلامات الصُّلبان المعقوفة والشتائم الأخلاقية والاعتداءات في المدارس والشوارع من طرف أنصاره المبتهجِين. بالمقابليتِم الصمت عن شهادات المعلمين حول الذُّعر الذي يعيشه أطفال من أصولٍ لاتينية الذين يُطلب منهم ما إذا كان سيتم ترحيلهم.
على العكس من ذلك، تعمل الآن النخب من الطرفين المسؤولين عن هذه الكارثة المعادية للديمقراطية، على رصّ الصفوف. فالسيد أوباما يدعو ترامب إلى البيت الأبيض ليقول له: "نريد الآن أن نفعل كل ما في وسعنا لمساعدتك على النجاح، لأنك إن نجحت، ستنجح كل البلاد." بالتأكيد سينجح ترامب بفضل غرفتي البرلمان المحشوتين بجمهوريي اليمين، وقريباً، بفضل أغلبية ثابتة في المحكمة العليا.. سوف ينجح تجريم المهاجرين ومهاجمة الحق في الإجهاض واضطهاد المسلمين والقضاء على الطب الاجتماعي (Obamacare)وإخراج الولايات المتحدة الأمريكية من المعاهدات البيئية، وتحرير الأسواق المالية وإضافة المزايا الضريبية لصالح 1٪ وبناء سجون خاصة جديدة وتعزيز الرقابة على المواطنين واعتداء الشرطة ضد السود والمعارضين. وأوباما؟ إنه يتعهد بتحضير انتقال "سَلِس" له تماماً كما "الانتقال السّلس" لسنة 2008 مع بوش، الذي ورث منه أوباما الوزراء والسياسات الليبرالية الجديدة.
مفاجأة متوقعة
إذا كانت الثورة الانتخابية الي جلبها دونالد ترامب تعتبر بمثابة مفاجأة، فإن تذمر المواطنين من النّخبة الحاكمةلم يسبق له مثيل تقريبا منذ زمن طويل... التخلي عن مواطني الأسفل لفائدة الذين في الأعلى منذ مرحلة ما بعد سنة 2008، يئسوا بما يكفي وبدؤوا يطالبون بثورة سياسية. هذا الشعار تبناه بنجاح في الانتخابات التمهيدية الاشتراكي اليهودي القديم بيرني ساندرز، الذي كادت شعبيته أن تُطيح بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي اعتبرتها وسائل الإعلام "لا مفر منها" والتي اختارها منذ فترة طويلة "وول ستريت" وبارونات الحزب الديمقراطي.
في الوقت الذي كانت فيه كلينتون تقوم بحملة مغلقة في الفنادق الفاخرة، حيث كانت تتوسل الدعم المالي من المصرفيين والتجار، كان "بيرني" يجتذب حشوداً من 10 إلى 20 ألف من المؤيدين المتحمسين كانوا مُنظَّمين تنظيما جيدا في جميع المناطق.وحين كانت عدسات الكاميرا تتبع ترامب أينما حلّ وارتحل، كانت التجمعات الكبيرة لأنصار "ساندرز" لا تحظى بأية تغطية. على العكس من ذلك، وباستعمال مناورات سرية كشفها في وقت لاحق موقع "ويكيليكس"، اشتغل مسؤولو وسائل الاعلام وبارونات الديمقراطيين معاً من أجل تهميش عملية ترشح بيرني التي وُصِفت احتقاراً ب "غير المجدية."
ومع ذلك، بقي "ساندرز" يتقدم في استطلاعات الرأي، التي كانت تمنح الاغلبية ل "بيرني" ضد "دونالد" في انتخابات عامة افتراضية. وقد أكدت النتائج المنشورة هذا الأسبوع تلك الاستطلاعات التي تم تجاهلها في ذاك الحين بشكلٍ متعمد من قبل الديمقراطيين. "غالباً ما تشبه خريطة ترامب في الولايات، وأحياناً حتى في المقاطعات، نسخة طِبق الأصل لخريطة الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي حيث فاز ترامب في الأماكن التي كان يفوز فيها ساندرز، تلك المناطق النائية الأمريكية المهملة والوحشية والدافئة". من الواضح أن هؤلاء الناخبين كانوا يريدون ثورة سياسية.
ومع ذلك، فقد استمرت مناورات الزعماء الديمقراطيين العنيدة من أجل فرض ترشيح هيلاري كلينتون رغم أثرها الكارثي المتوقععلى الحزب. وكان واضحاً أن الأمر يتعلق بشخصية بالية ولا تحظى بشكل جلي بالشعبية )استطلاعات الرأي)، ورمزاً لغطرسة النخبة والمسؤولة عن جميع النتائج السلبية لولايتي حكم زوجها، الذي تعتبر سياسته الليبرالية الجديدة والمعولمة مسؤولة عن البؤس الذي وقَعت ضحيته الملايين من الأسر العاملة، من السود والبيض على حد سواء. يعرف هؤلاء العمال والعاملات أنهم راحوا ضحايا لتهريب فرص العمل إلى الخارج واضمحلال التصنيع (désindustrialisation) في الدول الغربية الوسطى، والقضاء على "الرفاه")المساعدات لأمهات الأطفال المُعالين) بقِيادة الزوجين كلينتون. بالنسبة للعديدات منهن، كما بالنسبة للمتحمسين ل"الثورة السياسية" للاشتراكي العجوز، شكّل لهم تعيين كلينتون بمثابة صفعة.
كان أيضاً خِيار الاستراتيجية الانتخابية التي تبنّتها النخبة الديمقراطية كارثياً وبعيداً كل البُعد عن الواقع كما اختيارهم للمرشح. عِوض جمع شملهم، بسبب ثقتهم في التوفر على أصوات قاعدتهم التقليدية الضخمة)منذ روزفلت وجونسون) المُشكّلةِ من العمال والأقليات العرقية والليبراليين )التقدميين)، عمِل الاستراتيجيون الديمقراطيون)دائماً بحسب رسائل بريدهم الإلكتروني) على استهداف الشريحة السكانية الرقيقة من "الجمهوريين الخِريجين" )الذين صوّوا بالمناسبة على ترامب). بالكاد تمكنت كلينتون من إجراء حملتها في المناطق المدمَّرة )حيث صوّت الديمقراطيون لفائدة أوباما في سنة 2008 و2012 وليس لها)، ولم تُعالج معاناة الجماهير المنشغلة بالقلق إزاء تزايد اللامساواة وانعدام الأمن والبطالة وانخفاض الأجور والعنصرية والتدين. لقد جسّدت الوضع الراهن (status quo) في الوقت الذي كان فيه الجميع يُطالب بالتغيير.
هكذا، ومنذ الربع ساعة الأولى من أول "النِقاش" التلفزيوني الأول، نجح ترامب في لتقديم نفسه كبطلوحيد للطبقة العاملة أمام كلينتون. من أجل تحقيق ذلك كان يكفيه أن يستحضِر مسؤولية كلينتون في الفرض الكارثي لِاتفاقية التجارة الحُرّة لأمريكا الشمالية(ALENA) لسنة 1994 والمحافظة على معارضته لمعاهدة غرب المحيط الهادئ )برعاية المُعولِمين أوباما وكلينتون) التي من شأنها تدمير ما تبقى من "الطبقة الوسطى" الأمريكية الشهيرة. فهِم النّاس بما فيه الكِفاية وأغلقوا التلفزيون لأن الساعة كانت متأخرة ويجب عليهم العمل في اليوم التالي.
هل هو إذن سرعظيم؟ لماذا قام ناخبو الأسفل، المُستائين بشدة من النظام القائم (l'Establishment) والمحرومين من خيار ثورة سياسية يسارية، باتخاذ قرار خِيار ثورة سياسية يمينية؟
على من يقع اللوم إذن؟
هناك طريقتان للتعامل مع هذا الوضع: يمكننا إمّا إلقاء اللوم على الشعب الأمريكي أو اتهام نخبة البلد- وسائل الإعلام والزعماء الديمقراطيين- الذين نظّموا هذه الهزيمة التي سيدفع الشعب الأمريكي تكاليفها لفترة طويلة. إنّ إلقاء اللوم على الرأي العام الأميركي، ووصم الطبقة العاملة البيضاء، تعني الوقوع في نفس روح النخبوية التي أثارت غضب ناخبين ترامب، كما حصل على سبيل المثال حينما وصفت كلينتون علناً أنصار خصمها ب"البائسين/الباعثين على الشفقة".
ومن الواضح أن ترامب بالكاد يخفي عنصريتهالواضحة ولا يرفض دعم الرئيس السابق لل "كو كلوكس كلان" (KKK). لكن ناخبي ترامب ليسوا "متعصبين". فالإحصائيات تُشير، وفقاً لمحلل النيويورك تايمز، إلى أن هذه الانتخابات حُسِمت من طرف الناخبين الذين صوتوا لفائدة أوباما عام 2012. من الواضح أن جميع هؤلاء ليسوا عنصريين كما لم يكن كل الناخبين البريطانيين كارهين للأجانب الذين أيدوا بأغلبية ساحقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (Brexit).هذه القنبلة انفجرت أيضاً "ضد كل توقعات" النخب، المفرطة في الثقة، أطلقت الاستفتاء كبالون الألعاب السياسية "أولد بويز" مُتيحةً للجماهير المُهانة من العولمة النيوليبرالية هدفاً لاغترابها وغضبها. وهذا درس يثير التفكير.
انتخابات مزورة؟
اتهم دونالد ترامب، طوال حملته، النظام الانتخابي بالولايات المتحدة ب''المزور". وهاجم الصحفيين الذي ما برح يصفهم ب"الليبراليين" (التقدميين). واتهم الحزب الديمقراطي والمرشحة كلينتون بالفساد المالي وممارستها للاحتيال السياسي (مستنِداً على ويكيليكس). وتحدث معظم الوقت عن شبح "الآلاف" من الناخبين المُخادعين ("المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين والسود") قال إنهم يُقتادون إلى صناديق الاقتراع بسيارات وكلاء لوائح الديمقراطيين. ثم شجع أنصاره لتنظيم (وتسليح أنفسهم؟) ل"مراقبة" مراكز الاقتراع، ودعاهم للاحتجاج إن هو خسر الانتخابات، التي ستكون بالنسبة له في هذه الحالة ''انتخابات مسروقة''.
ما يدعو للسخرية في هذه الانتخابات الكارثية، أنها كانت بالفعل "مزورة"، لكن السيد ترامب هو من استفاد من هذا التزوير!
دعونا ننطلق من الخُدع التي تمارسها وسائل الإعلام، التي يعتبر ترامب نِتاجها وصَانعَها في الوقت نفسه. من خلال برنامجه الواقعي "المبتدئ"، خلق ترامب وقناة ''إن بي سي'' شخصية إعلامية لرجل أعمال خارق يجسد الكفاءة والقرار والسلطة - "سوبرمان" يمتلك قوة خارقة لإنقاذ البلاد من حافة الكارثة بمميزاته التدبيرية والإدارية الناجحة. لا يهُم إفلاس شركاته وديونها المتراكمة (الموردين والحرفيين والموظفين والمستثمرين)، استطاع ترامب، من خلال حيله الشبه-قانونية، أن يَخرج دائما من أزماته بجيوب ممتلئة. هناك الحقيقة ثم هناك الحقيقة الافتراضية و"الاستعراضٌ" المتجسد. لقد أحدث ترامب وشبكة "إن بىسى" ثورة في العلاقة بين الإعلام والسياسة، تماما كما حدث مع روزفلت وهتلر وتشرشل في زمن الإذاعات الوطنية.
مثل المشاهير ونجوم وسائل الإعلام، تعقبت أضواء الكاميرات كل خطوات المرشح الجمهوري ترامب في كل لحظة وفي كل مكان، وكانت كل تغريداته على مواقع التواصل الاجتماعي محط اهتمام وسائل الإعلام. وصارت قنوات تلفزية تنتظر وصول طائرته إلى المطار، حيث ينتظره بضع مئات من مؤيديه. في المقابل، ما برح ''بيرني ساندرز'' يندد بأعلى صوته باللامساواة، وخطر الحرب والكوارث المناخية أمام الآلاف من المتحمّسين دُون أن تتمّ تغطية خطاباته على شاشة التلفزيون. إضافة إلى ذلك، اضطرت حملة ''هيلاري كلينتون'' إلى إنفاق الملايين من الدولارات على إعلانات دعائية في شاشات التلفزيون، في حين كان ترامب نجما حاضرا على الشاشة بشكل مجاني. وما عليه إلا أن يبدي استعداده وتفرغه لمنتجي البرامج السياسية ليتم استدعاؤه على الفور. دون أن يمنعه ذلك من التظلم باستمرار من الوقوع ضحية الصحفيين المعارضين له، وخاصة أولئك الذين يذكّرونه من وقت لآخر بوقائع ثابتة وراء أكاذيبه.
ولكن وسائل الإعلام السائدة غيرت بسرعة خط تحريرها، بمجرد ما بدأ نجمها، المعين مرشحاً للجمهوريين، يسير بقوة نحو تولي منصب الرئاسة. مستشعرين الخطر والمسؤولية، بدأ الصحفيون التقدميون في نشر تقارير واستطلاعات واقعية عن تحايله وعن موظفيه غير المدفوعي الأجر وكذا ضرائبه غير المسدّدة واعتداءاته الجنسية. كانت حملة إعلامية سلبية، انقلبت لصالح ترامب لأنها زكّت اتهاماته لها بالتحيز والأحكام المُسبقة لليسار، مقويةً بذلك فقدان ثقة الناخبين حيالهم.
يتجلّى الأمر الثاني في ما يسمى إلغاء الأصوات الذي يعود إلى زمن تحرّر العبيد سنة 1865. في الواقع، بمجرد ما حصل السود على حق الاقتراع، اتخذ المُستعبِدون السابقون أسلحتهم ولبِسوا أغطية ال "كو كلوكس كلان" البيضاء من أجل منعهم من التصويت. كان من المفترض أن يمنع التعديل الخامس عشر للدستور (1870) هذا الإرهاب العنصري، لكنه، بدل ذلك، تم إرساء عراقيل بيروقراطية من قبيل الضرائب والامتحانات المدرسية والقوانين المتضاربة وغيرها. استغرق الأمر ما يقرب قرناً من الزمن قبل أن يعيد قانون حقوق التصويت (1965) حق الاقتراع للسود بعد المعارك الشجاعة والغير العنيفة من أجل الحقوق المدنية. هكذا، وطوال جيل، لم يتوقّف عدد الناخبين والمنتخبين السود عن الارتفاع، ولعل انتخاب رئيس ثنائي العِرق سنة 2008، يؤكد هذا الانتصار الديمقراطي.
للأسف الشديد، يتم اليوم، من جديد، حِرمان السّود والأقليات العِرقية من حقها في التصويت، بعد سيطرة اليمين الجمهوري على المحكمة العليا وكذا على حكومات الولايات الفدرالية التي تنظم الانتخابات لصالحهم. بين أيديهم، يتم تقطيع الدوائر الانتخابية بشكل يسمح بعزل الناخبين السود وتخفيض أعدادهم. كما يتم، تحت ذريعة التصدّي للأصوات المزورة (النادرة جدا)، حذف الملايين من الناخبين من القوائم عبر استهدافهم بحسب مكان إقامتهم (الأحياء السّوداء أو اللاتينية) أو أسمائهم ذا الأصول السوداء (روزفلت براون) أو البيضاء (خوسيه غونزاليس). يتم على سبيل المثال شطب الناخبين ذوي الأسماء الشبيهة سطحياً بأسماء ناخب آخر (عبر تجاهل الاسم الشخصي الثانالمختلف) أو الشبيهة بأسماء سجين سابق (المحروم عادة من حقه في التصويت، وهذا إجراء تمييزي آخر).
في عدةولايات، وبسبب بطاقة هوية بها خلل في صورة شخصية خاصة يصعب الحصول عليها، يتمّ منع الناخبين المسجلين منذ مدة من ولوج مكاتب الاقتراع. كما يتم بشكل ممنهج إلغاء عدد من مراكز الاقتراع (860 ألغيت هذه السنة) في الوقت الذي يستمر فيه نمو الساكنة في الارتفاع. وفي يوم الاقتراع العام، أقدمت شرطة بعض الدوائر الانتخابية، على ايقاف سيارات ممتلئة بالسّود أو اللاتينيون (الذين يذهبون جماعة للتصويت نظراً لعدم امتلاكهم سيارات) بدعوى الغمّاز (الضوء الوامض) أو تفاصيل خرى. باختصار، إنها العودة إلى الممارسات العنصرية لِما قبل صدور قانون حقوق التصويت لسنة 1965. ومن المفارقات التي شهدتها عشية هذه الانتخابات، هي إقدام المحكمة العليا على إلغاء النسخ الاحتياطية؛ التي فرضها القانون على جميع الولايات التمييزية؛ بحجة أن الجنوب قد تغير وأنه لم تعد هناك حاجة إليها!
من الواضح أن غالبية هؤلاء الذين تم شطبهم من قوائم الناخبين، بواسطة هذه المناورات البيروقراطية العنصرية، سيصوتون لصالح الديمقراطيين. بديهي منذ زمن أنه، ومن أجل الظفر بالرئاسة، ما على الحزب الديمقراطي سوى معارضة تلك التلاعبات الفاضحة والتمييزية بحزم وإطلاق حملة للتسجيل في المناطق المستهدفة (على النحو الذي اقترحه جيسي جاكسون). غير أن الديمقراطيين لم يفعلوا ذلك حتى بعد فضيحة سنة 2002 عندما سرق "بوش" الانتخابات ل"غور" بمثل هذه المناورات في ولاية فلوريدا. لماذا؟ لأن نخبة الديمقراطيين المُعولمين والليبراليين الجدد، تماماً مثل خصومهم الجمهوريين، يخشون قبل كل شيء سلطة المدينة الجماهيرية وكذا غضب 99 بالمائة التي قد تكنسهم منالسلطة.
لنظل متحدين!
كلا، ترامب ليس رئيسنا. الانتخابات تمّ تزويرها بالفعل؛ أولاً من طرف الكوليدج الانتخابي النخبوي الذي طمس صوت الأغلبية الشعبية الديمقراطية الوطنية. وفي الواقع، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مقاطعة التصويت والأصوات الملغاة وأصوات أحزاب الأقلية، فإن ترامب لم يحصل سوى على أصوات حوالي 27 بالمائة من الناخبين كلهم تقريباً من البِيض (رجالا ونساء، أغنياء وفقراء). كأغلبية، يتوجب علينا الآن الدفاع عن حقوقنا وحقوق النساء والمهاجرين والعمال والأقليات، الذين سيهجم عليهم بشكل مُمنهج النظام الجمهوري الغارق في الرجعية. لا يجب علينا إذن أن نُعول على نخب الحزب الديمقراطي التي، على عكس عنف الجمهوريين الذين لم يتوقفوا عن مهاجمة شرعية أوباما - ستتجه نحو التوافقات. من المُهم جداً عدم الانقسام عبر إلقاء اللوم على الطبقة العاملة البيضاء؛ فهي ليست أكثر عنصرية من غيرها من البيض، وهي على الأقل تنادي بالوفاء بوعدها بالتوقف فورا عن إعادة توطين الشركات والتي سننضم إليها في المنعطف التّالي عندما ستضطر للدفاع عن مصالحها ضدّ السياسة الاقتصادية الموالية جذرياً للأعمال التي ينتهجها ترامب.
"متّحِدين نقاوم.. وبالتفرقة نسقط."
*ترجمة: هشام المنصوري وصمد عياش
* ريتشار غريمان كاتب ومؤرخ أمريكي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.