توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    أزمة المهاجرين تشعل شوارع أمريكا.. انتشار "المارينز" والتهديد بقانون التمرد    الوداد يستعد للموندياليتو بالسومة    ترامب يدعو أوروبا لمكافحة الهجرة    النائب البرلماني يوسف بيزيد يتدخل لنقل جثمان مغربي من الجزائر الى ارض الوطن    مهنيو صنف السويلكة بالجديدة يعبرون عن احتجاجهم و رفضهم لمقترح مشروع تهيئة مصايد الصيد لوزارة الصيد البحري    أمطار غزيرة مصحوبة بالبرد تعم عدداً من جماعات إقليم الحسيمة        البنك الدولي يتوقع نمو الاقتصاد المغربي بنسبة 3.6% خلال 2025 و3.5% في 2026    تفعيل رادارات آليه ترصد المخالفات في اتجاهي السير معا    عاصفة "دانا" الأطلسية تؤثر على اسبانيا وشمال المغرب    المنتخب المغربي يقترب من نادي العشرة الكبار في تصنيف "فيفا"    مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات.. الدريوش تؤكد التزام المغرب، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك، بحماية البيئة البحرية    طقس المغرب: زخات رعدية قوية مصحوبة ببرد ورياح مرتقبة بعدد من المناطق    انطلاق عملية "مرحبا 2025" بميناء طنجة المتوسط لاستقبال المغاربة المقيمين بالخارج    متحور كورونا جديد شديد العدوى والصحة العالمية تحذر..    مؤسسة أميركية تحذّر من تنامي العلاقات بين "بوليساريو" والجماعات الجهادية الدولية    الجيش ونهضة بركان في صدام ناري ضمن ربع نهائي كأس العرش    الفنان نوردو يشارك لأول مرة في موازين ويعد جمهوره بعرض استثنائي    وداد فاس يبلغ ربع نهائي التميز    ارتفاع تكلفة كراء قاعات قصر الفنون والثقافات بطنجة والجمعيات أبرز المتضررين    31 قتيلا و2853 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    خبير فرنسي: تحت قيادة الملك محمد السادس.. إفريقيا تمسك بزمام مصيرها البحري    وزير الفلاحة: سيتم تقديم دعم مباشر لمربي الماشية بقيمة 400 درهم لكل رأس من الإناث    النيابة العامة تفتح تحقيقا في تسريب بيانات يعتقد أنها لقضاة    الأمن يفكك عصابة للاتجار بالمخدرات    التحقيق في مزاعم اختراق موقع قضائي    الملك يبارك العيد الوطني في البرتغال    تلميذ مسلح يقتل 10 أشخاص بالنمسا    خفض توقعات النمو العالمي إلى 2,3 %    نصائح صيفية مفيدة في تفادي لدغات الحشرات    أمريكا تقيل أعضاء لجنة استشارية معنية باللقاحات    دراسة: الكافيين يحفظ الجسم والعقل مع تقدم السن    المغرب يحقق اختراقا غير مسبوق في الضمانات النووية الدولية    مغني الراب مسلم يثير غضب المغاربة بعد غنائه عن الخمر    إحالة تقارير مجلس الحسابات على الشرطة القضائية ترعب رؤساء جماعات    الصين تتحدى الأزمات الخارجية وتثبت صلابة اقتصادها    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    تنظيم الدورة 101 لمهرجان حب الملوك بصفرو من 11 إلى 14 يونيو الجاري    تقرير مركز أمريكي مرموق بواشنطن: كيف تحولت بوليساريو من حركة انفصالية إلى أداة إرهابية تدعمها الجزائر وإيران لزعزعة الاستقرار الإقليمي    حصري من قلب إيطاليا.. صناديق مقفلة على الفراغ: استفتاء الجنسية الأصوات الغائبة عن إنقاذ وطنٍ يحتضر ببطء    الركراكي : أنا أفضل مدرب في تاريخ الكرة المغربية ولا أقلق من الانتقادات    سمو الأميرة للا حسناء تمثل الملك في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات    البوجدايني يقود وفدا سينمائيا رفيعا بمهرجان آنسي لتعزيز إشعاع سينما التحريك المغربية    انعقاد مجلس الحكومة بعد غد الخميس    مسرح رياض السلطان يستقبل الصيف بعروض فنية تجمع بين الإبداع والموسيقى والتأمل    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    الركراكي: التغييرات كانت مهمة من أجل الوقوف على مستوى بعض اللاعبين    ليلى الحديوي تثير الجدل بتصريحات جريئة    إسرائيل تعلن ترحيل الناشطة غريتا تونبرغ بعد توقيفها على متن سفينة مساعدات لغزة    ريال مدريد يقرر تمديد عقد نجمه البرازيلي فينيسيوس حتى 2030    انتعاشة غير مسبوقة للسياحة العالمية في 2024: الشرق الأوسط يحقق قفزة نوعية والمغرب الأبرز إفريقياً    مجلة إسبانية: المغرب قطب تكنولوجي حقيقي    من روان الفرنسية إلى طنجة.. رحّالة فرنسي يقطع نحو 2200 كلم على دراجته لنشر التسامح        كأنك تراه    انسيابية في رمي الجمرات واستعدادات مكثفة لاستقبال المتعجلين في المدينة المنورة    يوميات حاج (9): بين منى ومكة .. الانعتاق من شهوات سنين الغفلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طه عبد الرحمان وسؤال المرجعية الإيديولوجية..
نشر في لكم يوم 10 - 01 - 2019


من النزوع الما-بعد حداثي إلى النزوع الصحوي .
النقد السوسيو-ثقافي لكشف الوهم الفلسفي
من منظور سوسيولوجيا الثقافة، فإن أي مشروع فكري لا يمكنه أن ينفصل عن خلفية إيديولوجبة معينة، إما يصرح بها صاح المشروع، بشكل مباشر، و إما يضمرها لكنه يخلف أثرا يمكن اعتمادها للوصول إلى المسكن الإيديولوجي. و في علاقة بمشروع طه عبد الرحمان، فإنه ظل مصرا على إخفاء نزوعه الإيديولوجي، مصرا على لفه بلفافة فلسفية خادعة للمتلقي الهاوي، لكنها لفافة شفافة سرعان ما تكشف عن الخلفية الإيديولوجية الثاوية خلف الخطاب الفلسفي الشفاف .
* بين النزوع المابعد-حداثي و النزوع الصحوي
يعبر طه عبد الرحمان، بوضوح، عن اصطفافه إلى جانب المنجز الفلسفي الما-بعد حداثي، و يساير في اصطفافه هذا، الانطباعات السائدة، لدى التلقي العام، عن مرحلة ما بعد الحداثة، باعتبارها تشكل قطيعة عن مرحلة الحداثة و تجاوزا لأطروحاتها الفكرية. فقد عوض الخيال تراجع حضور العقل، و عوض عالم الغيب تراجع حضور عالم الشهادة، و عوضت الروحانيات تراجع حضور الماديات، و انقلبت قوانين الطبيعة رأسا على عقب بعد انسحاب مبدأ السببية، و أصبح بإمكان القطن أن يلتقي بالنار و لا يشتعل نكاية في ابن رشد ( اللعين)
واضح أن هذا التصور عن المنجز الفلسفي الما-بعد حداثي يعاني فقرا معرفيا مدقعا، و قد يعود ذلك إلى غياب الحس التاريخي في التعامل مع المفاهيم و الأفكار، فطه عبد الرحمان لا يهتم بالإطار التاريخي المولد للأفكار و المفاهيم قدر اهتمامه بالبعد الإيتيمولوجي للكلمات و ما يتفرع عنها من اشتقاقات ! و ذلك لأن وضع المنجز الما-بعد حداثي ضمن سياقه التاريخي، يؤكد أن تركيز المنظومة الفلسفية الغربية على مكونات الخيالي، و الأسطوري، و الديني … جاء في سياق هيمنة العقل التقني المجرد على كل تفاصيل الحياة الإنسانية، و ضمن هذا السياق يمكن أن نفهم النسق الفلسفي النقدي الهايدجري (هايدجر)، فهو لم يتأسس من أجل تقويض الأسس العقلانية للحداثة، بقدر ما جاء في سياق الحد من غلواء العقل التقني و إعادة الاعتبار لما هو إنساني ( ليس صدفة أن يتم الاحتفاء بهيدجر في فرنسا باعتباره رمزا لإعادة الاعتبار لفلسفة الأنسنة الفرنسية) .
و في علاقة بهذا النزوع المابعد-حداثي، يبدو من خلال المسار الفكري الذي قطعه طه عبد الرحمان ضمن مجال الفكر العربي الإسلامي المعاصر، أنه يمثل امتدادا لمرحلة ما سمي ب ( الصحوة الإسلامية) التي جاءت كرد فعل على فشل المشروع الفكري الإصلاحي النهضوي في التحول إلى مشروع اجتماعي و سياسي. و هكذا، كانت تجربة الجماعة الإسلامية في الهند تمثل نموذجا حيا عن إمكانية تطوير النموذج الفكري إلى نموذج اجتماعي و سياسي يتجسد في مفهوم الدولة الإسلامية، كإحالة على الخصوصية القومية و الدينية.
هذه الخصوصية (الإيديولوجية) التي نادى بها أبو الأعلى المودودي، و نادى بها حسن البنا و سيد قطب، هي نفسها الأطروحة التي تلقفها طه عبد الرحمان، فلسفيا، و أخذ على عاتقه مهمة التنظير لنموذج (الصحوة الإسلامية) مستهدفا بذلك تربية/تعليم جيل جديد يكون مختلفا عن الجيل النهضوي، الذي أسس رواده لنموذج فكري/سياسي/اجتماعي عربي إسلامي منفتح على التجارب الإنسانية، من منظور كونية الدين الإسلامي.
و لم يكن مجهود طه عبد الرحمان مقتصرا على تقويض التراث الفكري النهضوي، بطابعه العقلاني الذي يستند إلى بعد مقاصدي واضح مطعم بحس برهاني رشدي موجه، لقد تجاوز طه عبد الرحمان مرحلة تقويض المصادر الفكرية المؤسسة، إلى مرحلة تقويض المراجع الصادرة عنها، و التي تتجسد في مختلف مشاريع الفكر العربي الإسلامي المعاصر، مع الجابري، و العروي، و أركون، و حنفي … و هكذا اكتشف طه عبد الرحمان قارة معرفية جديدة احتكرها لنفسه، و شرع في جلب (المهاجرين/السكان الجدد) إليها، و ذلك بعد أن وضع استراتيجية محكمة تقيه هجمات سكان القارة الفكرية (المستقرة) في الجوار القريب.
و لعل هذا، هو ما يفسر الطابع الهجومي الذي يتميز به الخطاب التواصلي لطه عبد الرحمان، و قد تجاوزه إلى أتباعه/ مريديه/ حوارييه، فهو يعرف جيدا – و يعمل على نشر ما يعرفه- أنه يقوض الأسس التي قام عليها الفكر العربي الإسلامي الحديث و المعاصر، و لذلك فهو يشيد مباني شاهقة بلا أساس يحميها من الانهيار على وقع هزة أرضية خفيفة جدا، مثلما يحدث، الآن، في العالم من سقوط للأقنعة و انكشاف للأوهام الذي يصيب نموذج ( الصحوة الإسلامية) في مقتل، مهددا بذلك كل ما لحقها من أدبيات فكرية و فنية، و لا نظن أن طه عبد الرحمان سيكون في مأمن من الهزات الأرضية القادمة، بما يرافقها من رياح عاصفة و أمواج عاتية !!!
هل من باب المصادفة، أن يقدم طه عبد الرحمان نفسه كصوت نشاز من داخل المنظومة الفكرية السائدة ضمن المجال الثقافي العربي، تراثيه و حديثه و معاصره ؟ لماذا يتموقع ضمن النظام العرفاني و يرفض أي إشارة إلى النظام البرهاني؟ لماذا يرفض الرشدية رفضا مطلقا ؟ لماذا يمثل قطيعة مع الفكر النهضوي في بعده المقاصدي؟ لماذا يعلن العصيان ضد مدارس الفكر العربي المعاصر ؟ هل هذه كلها مصادفات، أم إنها نابعة من براديغم فكري منسجم يتطلب تحليله و الكشف عن مكوناته ؟
نعرف أن الفكر العربي الحديث قد تأسس، خلال عصر النهضة، على أساس شكلين من الانفتاح:
* انفتاح على المنهج/ المتن التراثي في بعده المقاصدي، ذي التوجه البرهاني، و هذا ما تأسس مع رموز الإصلاح الفكري النهضوي من ذوي التوجه السلفي العلمي ( علال الفاسي، الطاهر بن عاشور، محمد عبده…)
* انفتاح على المنهج/المتن الحداثي في بعده الأنواري، ذي التوجه العقلاني، و هذا ما تأسس مع رموز الإصلاح الفكري النهضوي من ذوي التوجه الليبرالي ( رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، محمد بن الحسن الحجوي…)
و لعل الأمر الواضح، بجلاء، في كلا شكلي الانفتاح، هو كون الفكر العربي الحديث قد رسخ توجهه البرهاني، تراثيا، كما رسخ توجهه من منظور العقلانية الأنوارية، حداثيا،
بعد تأسيس الدرس الجامعي الحديث، في العالم العربي، كان لهذا المنهج/المتن الفكري قصب السبق في تكوين النخبة الفكرية و السياسية. و لذلك، فقد مارس التوجه النهضوي تأثيرا عميقا على الفكر العربي المعاصر الذي طور السؤال الفكري النهضوي، بالاعتماد على الثورة المنهجية في مجال العلوم الدقيقة، و كذلك في مجال العلوم الإنسانية و الاجتماعية.
و بما أن العالم العربي ليس جزيرة معزولة عن العالم، فقد تأثر بما يجري من تحولات فكرية و سياسية، أرستها العولمة و هي تؤسس لنقلة جبارة من المجال الحداثي، في بعده الفكري، إلى السؤال التحديثي، في بعده التقني، و السؤال الما-بعد حداثي في بعده التخييلي، بما حمله هذا التحول من تأثير عميق في مجال الممارسة الفكرية. هذا التحول ساهم، إلى أبعد الحدود، في إعاقة المشروع الفكري النهضوي، و بالتالي فشلت محاولة نقل هذا المشروع إلى مجال الممارسة السياسية و الاحتماعية.
و في علاقة بقانون ( الطبيعة تكره الفراغ) بدأ يتشكل مشروع بديل يشكك في المدخلات الفكرية النهضوية، و يقترح مدخلات جديد، اعتبرها الكفيلة بتحقيق مشروع نهوض جديد. و أقصد، هنا، مشروع ( الصحوة الإسلامية). هذا المشروع الذي تأسس، في البداية، عبر المزاوجة بين المنظور السلفي النصي المدعوم بقوة البترو-دولار الهائلة، و بين خليط إيديولوجي متناثر عبر جغرافيا العالم الإسلامي و بعض مسلمي الشتات الأورو-أمريكي، بالإضافة إلى ما حققته الثورة الخومينية من دعم مادي و رمزي غير محدود ساهم في دعم هذا الشتات الإيديولوجي و تحويله إلى نسق اجتماعي و سياسي جديد .
لقد وجد هذا التحالف الجديد ضالته في المناخ السياسي الذي كان يحكم العالم، في علاقة بأجواء الحرب الباردة، ذات النزوع الإيديولوجي، مما أهله ليكون أداة استخباراتية غربية في مواجهة الاتحاد السوفييتي، فكريا و سياسيا، و هكذا، توفرت جميع الشروط اللازمة، خارجيا و داخليا، للحسم مع المشروع النهضوي، و تأسيس المشروع الصحوي البديل على أنقاضه، خدمة لاستراتيجية أورو-أمريكية واضحة المعالم، تجمع بين طموحين:
* طموح توظيف الإيديولوجية الصحوية في الصراع الدولي المحتدم.
* و طموح وأد/استئصال/إجهاض الجنين الفكري النهضوي، بطموحاته التراثية الأصيلة و الحداثية الأنوارية، كي لا يتحول إلى مشروع سياسي و اقتصادي و اجتماعي منافس .
من خلال تفكيكه/تدميره destruction لمقومات المشروع النهضوي العربي الإسلامي، بمقوماته المقاصدية/ البرهانية التراثية، و بطموحاته الأنوارية/العقلانية الحداثية، و من خلال بعثه لمقومات عصور الانحطاط العربي الإسلامي، تراثيا، عبر الترويج لمبادئ العقل المستقيل، و الترويج لأدبيات العقل التفكيكي الما_بعد حداثي، في صيغته المزورة عربيا. من خلال هذا العمل التفكيكي النسقي المتكامل، هل يقبل عاقل، دعوى الموضوعية العلمية التي يروجها طه عبد الرحمان- و يروجها عنه مريدوه- حول مشروعه الفكري المثير للريبة ؟ !
باحث في سوسيولوجيا الثقافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.