بنهاشم: الوداد سيواجه اتحاد يعقوب المنصور دون تغييرات كبيرة    ابن الحسيمة الباحث عبد الجليل حمدي ينال شهادة الدكتوراه في الكيمياء العضوية    بسبب أشغال مشروع القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش.. السكك الحديدية تعلن تعديلات جديدة على شبكة رحلات قطاراتها    بنكيران: اشعر بخطر قصف اسرائيل لمقر حزبنا.. وعدم حماية الأنظمة العربية لمواطنيها يعني نهاية "البيعة"    توقعات بارتفاع انتاج الزيتون وانخفاض أسعار الزيت    بلاوي يدعو وكلاء الملك للتعريف بمستجدات "قانون المفوضين القضائيين"    قمة عربية وإسلامية في الدوحة.. حزم مع فلسطين وصرامة حيال إسرائيل    مجلس حقوق الإنسان.. منظمات غير حكومية تحذر من استمرار العبودية في مخيمات تندوف    اعتقال شابة متورطة في شبكة إجرامية لسرقة وتحويل الأموال رقميا    شفشاون.. البحرية المغربية تنتشل جثة شخص قبالة شاطئ الجبهة    المغرب يستقبل 723 حافلة صينية استعدادًا لكأس أمم إفريقيا    ارتفاع حالات الكوليرا حول العالم    كأس إفريقيا للأمم 'المغرب 2025': الكاف ولجنة التنظيم المحلية يحددان موعد انطلاق بيع تذاكر المباريات    كولومبيا: جمعية الصحافة والإعلام توشح سفيرة المغرب بأرفع أوسمتها    رئيس مجلس النواب يجري بهلسنكي مباحثات مع مسؤولين فنلنديين    الجامعة المغربية لحقوق المستهلك مستاءة من الاختلالات في العلاقة التعاقدية بين الأبناك والمستهلكين    بطولة العالم: سفيان البقالي وصلاح الدين بنيزيد إلى نهائي 3000 متر موانع    الخطاب الناري في العلن... والانبطاح في الكواليس: الوجه الحقيقي للنظام الجزائري    بنكيران يُقر بامتلاكه ضيعة فلاحية بالعرجات وينفي إخفاءه أغنام الإحصاء            العثماني: تصريحات أخنوش تضمنت "معلومات خاطئة"    "العدالة والتنمية" يتهم رئاسة مجلس جماعة سلا بالتحايل في ملف "التعاونية القرائية"        أمن طنجة يحجز 260 قطعة من الشهب الاصطناعية قبل مباراة اتحاد طنجة وحسنية أكادير    نادين أيوب أول فلسطينية تشارك في مسابقة ملكة جمال الكون: لنا أيضا أحلامنا    أمريكا تؤكد مطابقة المصايد المغربية لمقتضيات القانون الأمريكي الخاص بحماية الثدييات البحرية (MMPA)    الفوضى وسوء التنظيم يطغيان على العرض ما قبل الأول لفيلم "كازا كيرا"    زلزال بقوة 7,4 درجات يضرب سواحل كامتشاتكا الروسية وتحذيرات من تسونامي    10 أشهر حبسا لمهاجر مغربي نشر صور أمنيين على مواقع التواصل    ميداوي: "تعديلات الماستر" تتيح اختيار طريقة الانتقاء وزيادة المسجّلين    وفد صحفي إيطالي يستكشف مؤهلات الداخلة... الوجهة الصاعدة للاستثمار والتعاون الدولي    منظمات حقوقية تفضح بجنيف استمرار عبودية الصحراويين في مخيمات تندوف    إسرائيل تقدر عدد النازحين من مدينة غزة    سفير المغرب يفتتح معرض الفن العربي بواشنطن بدعم مغربي    فوزي لقجع: المغرب سيقدم أفضل نسخة في تاريخ كأس أمم إفريقيا    دراسة: "حمية الكيتو" قد تساعد في علاج الاكتئاب    بطولة انجلترا: الاصابة تبعد ليام ديلاب ثلاثة أشهر عن تشلسي    كولومبيا.. جمعية الصحافة والإعلام توشح سفيرة المغرب بأرفع أوسمتها    حجز 260 وحدة من الشهب الاصطناعية المحظورة    كيوسك السبت | إحداث لجنة مشتركة لتتبع توفير الكتاب المدرسي في نقاط البيع    انتقالات: الهولندي إيميغا سينضم لتشلسي في نهاية الموسم قادما من ستراسبورغ    أولمبيك مارسيليا يعير حاريث لباشاك شهير التركي            الدرهم يرتفع بنسبة 0,6 في الماي ة مقابل الدولار خلال الفترة من 4 إلى 10 شتنبر (بنك المغرب)        إسبانيا تتحرك لاحتواء بؤر إنفلونزا الطيور.. إعدام طيور وإغلاق حدائق    بيت الشعر بالمغرب يحتفي ب"موسم الخطوبة" في إملشيل بفعاليات ثقافية وشعرية    دراسة: التدخين يزيد خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري        بوفال يضع حدا لشائعة وفاة والدته: "كفاكم كذبا واحترموا حياتنا الخاصة"    فتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للمسرح    ناصر الزفزافي يرسل رسالة مؤثرة من داخل سجنه بطنجة بشأن جنازة الفقيد والده    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصعود نحو العدم
نشر في نون بريس يوم 05 - 02 - 2018

لا وقت لدي للبكاء، لا وقت لدي للحنين، لا وقت لدي للتذكر، لا وقت لدي للتأمل، و لا وقت لدي للوقت. لم يسعفني الزمن الماضي، لم يمنحني مهلة للتوقف عند الأشياء، لم يمهلني لأتشرّب تسنيم فردوسي السفلي. ليس تسنيما بالمعنى المتداول، إنه خليط من الألم و الأمل، من الحزن و الفرح، من التكبّد و التمتّع. أٌخِذْت على عجل، توالت الأحداث علي، تراطمت فوق قافية رأسي، فمال عنقي، و صرت أمشي و انحناءة خفيفة تُطوِّع كتفيّ رغم صغر سني، لم يمكني الحيز الزمني المتاح من التقاط أنفاسي، فاكتفيت بشهقات صغيرة ظلت مكتومة داخل رئتيّ, فخفٌتَ صوتي.
في الليل تزورنا الأفكار و الهواجس، حين يتسع المدى للدردشة مع الذات، يكبرالرفض و تنتفخ التفنيدات، تشمخ الإعتراضات في الليل، تتقوى و تنتصر، أعرف أنها مع أول قهوة صباحية، تضمحل و تتلاشى ليحل محلها شيء من المسالمة، يسري كالمخدر في الجسم، يتسلل إلى الأعضاء، تستسلم العضلات إلى الإرتخاء، و يرضى العقل عن الوضع الراهن للكيان و يستسلم. و لأنني أعرف مآل هذه الشطحات الليلية، لا أخضع لنزعاتها التمردية، أتجاهلها و أخصص وقتي لما هو أهم: النوم. يكتسي النوم أهمية كبرى في يومي الحافل بالروتينيات. النوم سر طاقتي النهارية، عمود فقر مجهودي اليومي، شرط أساسي للشروع في التحضير لغد قد يكون أصعب الأيام. عودتي المتأخرة في التاسعة و النصف مساءا لا تترك لي خيارا إلا الارتماء فوق سريري الصغير و التفكير في غدي الذي يبدأ في الثامنة صباحا، موعد مغادرتي البيت.
محل الملابس الجاهزة الذي أشتعل فيه يفتح أبوابه على الساعة التاسعة صباحا، و يودع زبائنه في الثامنة مساءا. يوم واحد للراحة وسط الأسبوع بالإضافة إلى زوال يوم الأحد، أخصصه لقضاء حاجاتي الصغيرة. لا وقت لي للاهتمام بأسرتي، تغنيهم مساهمتي الشهرية في مصروف البيت عن خدماتي العينية. أما يوم الراحة وسط الأسبوع فأخصص صباحه للجمعية، نتلاقى، نتناقش، نحدد الأولويات و برامج الأعتصامات. أنشط في هذه الجمعية منذ حصولي على شهادتي الجامعية، ست سنوات مرت على تخرجي، لم أخلف موعدا أبدا، و جمعية حاملي الشهادات تراكم الأعضاء و لا تتخلص إلا من القليل من عناصرها.
منذ مدة طويلة، لم أعد أعول على تحركات الجمعية للحصول على وظيفة، منذ أن اشتغلت بائعة في المحل، تقريبا منذ عام من تخرجي. في البدء فقط كنا نحلم بالوظيفة، و مع الوقت، تجلت لنا الأشياء، و صرنا نلتقي لنتقاسم همومنا و الأحلام الموؤودة, و لنٌصرَّ: "باقون هنا". شغل المحل كان البديل، الحل الذي خفف أعبائي المادية، و لقح آدميتي ضد التعفن. أما تكويني الجامعي، فلا شيء يذكرني به غير تصفحي للجرائد و المجلات و مصادفتي لموضوع قد يذكرني بدرس من دروسي الأكاديمية, وسقطت الشهادة من ذاكرتي.
كان الصباح شتائيا و لم يكن ممطرا، حين يمَّمْت صوب مقر الجمعية كعادتي، شمس تسطع كالأنثى الغبية في هذه الصبيحة الباردة، صحيح أنها تدفئ المارّة لكنها تنبئهم أن سمائهم لا مطر فيها، و كذا صنابيرهم ستجف عما قريب، و قريبا سيرون فاتورة استهلاكهم السائل الشفاف تعلو في حين يقل استعمالهم للماء بحجة شح مخزون السدود. من بعيد تراءت لي حشود متفرقة و حركة غير عادية في الشارع الذي يضم مقر الجمعية, و باقترابي يتكاثر الضجيج و تتسارع حركة رجال الأمن. لم أتمكن من الدخول إلى المقر، لكن الرفيقات أخبرنني بما حدث. كصاعقة ضربت و خلفت الذعر و الهيجان، تمسح الفتيات دموعهن و منهن من أنحبس بكاءها في الحلق، فأخرجته عويلا. أما الشباب، فمنهم من أطلق العنان لهستيريته ليقول ما لم يستطع إخراجه علنا منذ سنين خلت، و منهم من وقف واجما، زائغ البصر، يرى مستقبله في حاضر رفيقهم.
رفيقهم الذي لا يعرفونه، في اعتصام ما، أمام مقر وزارة ما، في لحظة سوداوية ما، عندما يفقد الفرد معدل مقومات إنسانيته، استدار نحو الحشد و صاح: " لا شيء يُجدي….." وأشعل عود ثقاب كان ساكنا في جيبه، بعدما غسل بالبنزين جسده.
كان الموكب متجها إلى المستشفى الذي سيخرج منه الرفيق محمولا إلى آخر ساحة من ساحات اعتصاما ته، في مسيرة أرادوها وطنية. عندما بلغت المسيرة آخر الشارع، و انعرجت على الشارع العمودي، ودعت الرفيقات، تساءلن لم لا أرافق الموكب، و قلن لي أشياء كثيرة عن أهمية الظرف الراهن و تجدد المعطيات….اعتذرت وقلت: "طريقكم طويل طويل جدا، و يومي أطول".
عدت أدراجي، كلما ابتعدت عن الحشد، كلما استبدت بي رغبة العودة إليه و الانضمام إلى مكوناته، و دس جسدي المنهك بالإحباط بين الأجساد الشبيهة، و إنزال دموعي حبيسة المآقي. لم أقدر، لم أستطع تحمل الظرف، هذا الجو المشحون بالغضب و الحزن، التأسي الذي يسكن العيون و القنوط الذي تفضحه الحركات.
وقفت أمام محطة الحافلة، و التي كانت تحاذي باب مدرسة ابتدائية, و كان وقت خروج التلاميذ. أزعجني ضجيج الأطفال، فكرت في الابتعاد، لكن الحافلة قد تمر بين لحظة و أخرى. و أنا أرقب الشارع متلهفة وصول من تنتزعني من هذا الضجيج، التقطت أذني كلمة بنزين, استدرت، و جدت مجموعة من التلاميذ يتحدثون عن البحث الذي كلفهم به الأستاذ و يتعلق بتاريخ البنزين و استعماله. حملتني خطواتي و وجدت نفسي بينهم و سمعت صوتي يردد: " في بلدي، يستخدم الشباب البنزين للخروج من اليأس… و الصعود نحو العدم."
حسناء فتاحي _ المغرب_


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.