حركة غير عادية ببعض الأزقة بمولاي الميلود بوجدة المؤدية إلى طريق تمر وراء الحي،الساعة تشير إلى السابعة مساء، بعض الشباب، الذين كان أغلبهم يرتدي ملابس وأحذية رياضية، بدوا في حالة استنفار وكأنهم ينتظرون حدوث شيء ما، وبين الفينة والأخرى كانوا يخرجون شيئا من جيوبهم أو من جواربهم ويسلمونه إلى شخص آخر. مراقبة المشهد لبضع دقائق تكشف ما يجري في هذا الحي، فالشباب الذي يتحرك في المكان هم تجار مخدرات العاملين لدى تاجر مخدرات يوجد حاليا بالسجن، فبين الفينة والأخرى كان يقترب منهم زبون ويسلمهم مبلغا ماليا ويتسلم بعض الحشيش، لتنتهي العملية في بضعة ثوان، قبل أن يتحرك تاجر المخدرات من مكانه دون أن تتوقف عيناه عن الالتفات يمينا ويسارا. الحملات الأمنية كثيرة هذه الأيام، حسب ما يقول أحد أبناء الحي الذي استغل تاجر مخدرات زقاق قريبا من منزل أبويه للاتجار في المخدرات، قبل أن يضيف أنه بين الفينة والأخرى يظهر رجال أمن بزي مدني في الحي وهم ممسكون بتاجر مخدرات أو يتعقبونه بعد أن يفطن للأمر ويلوذ بالفرار. تجار المخدرات يقسمون أماكن من الحي فيما بينهم، وكل واحد منهم يعرف حدوده والأماكن التي لا يمكن له أن يتجاوزها، فعملية البيع يجب أن تتم في ثوان والزبناء، الذين غالبا ما يأتون من أحياء أخرى، يجب أن يقصدوا المكان مباشرة حتى لا يثيروا الشبهات. «البوليس والبزناسة دايرين بحال المش والفار في هاذ الحي» تقول امرأة في الستين من عمرها محاولة تسليط الضوء على المطاردات المستمرة للشرطة لتجار المخدرات، قبل أن تروي حكاية وقعت لها ذات يوم من السنة ما قبل الماضية وأصابتها بخوف شديد بعد أن اقتحم شخص منزلها وتوجه نحو السطح ليتعقبه شخص ثان قبل أن تتبعهما إلى السطح، ليرمي الأول بنفسه من سطح المنزل إلى سطح الجيران ومنه إلى آخر قبل أن يتمكن من الفرار، ليغادر بعدها رجل الأمن المنزل وكأن لا شيء حصل، في حين أن إحدى بناتها كاد قلبها يتوقف عن الخفقان بسبب هذا المشهد المرعب. حكايات تجار المخدرات مع رجال الشرطة بحي مولاي الميلود لا تعد ولا تحصى، فهي تبدأ بالمطاردات عبر الأزقة والأسطح وتمر في مرات أخرى عبر إشهار السيوف في وجه رجال الأمن والتهديد بقتلهم في حال عدم التراجع، وتنتهي كذلك في بعض المرات بتدخل أبناء الحي ونسائه لحماية تاجر المخدرات ومساعدته على الهرب. ويجتهد تجار المخدرات في ابتكار أساليب للإفلات من قبضة رجال الأمن، ويبقى على رأسها تحصين منطقة الاتجار في المخدرات من خلال الاستعانة ببعض أبناء المنطقة وتزويدهم بهواتف محمولة للاتصال بتاجر المخدرات فور مشاهدة أحد رجال الأمن أو شخص غريب عن الحي يتجه نحو الزقاق الذي يبيع فيه الشخص المخدرات، في حين تحصن آخرون بمنازلهم، ويبيعون المخدرات من خلف شبابيك محيطة بنوافذ المنزل، مع الحرص على إحكام إغلاق الباب وإيجاد منفذ للهروب من سطح المنزل. الزبون غالبا ما يكون ضحية الحملات الأمنية وملاحقة البوليس لتجار المخدرات، إذ غالبا ما تعرف أثمانها ارتفاعا بعد ازدياد هذه الحملات، وخلال شهر رمضان الذي تعرف فيه عمليات البيع ارتفاعا كبيرا. بعد سقوط تاجر مخدرات من الحي في قبضة عناصر الشرطة، يعمد باقي تجار المخدرات إلى الاختفاء بضعة أيام أو تغيير أماكن بيعها لعلمهم المسبق أن التاجر المعتقل قد يدل على أسمائهم وأمكنة اتجارهم في المخدرات، وهذا التغيير يتطلب منهم الاتصال بزبنائهم المعتادين عبر الأرقام الهاتفية وإخبارهم بأماكن عملهم الجديدة. تتكرر المشاهد نفسها طيلة شهر رمضان ويكون وقت ذروة بيع المخدرات مع اقتراب موعد الإفطار، وبالضبط قبل حوالي نصف ساعة من أذان المغرب، فتجار المخدرات يعتبرونها الفترة التي لا يمكن لعناصر الشرطة مداهمتهم فيها، وعناصر الشرطة قد تستغل هذا الظن لمطاردتهم في هذا الوقت بالذات. بقيت الإشارة،إلى الأرباح الخيالية التي يجنيها بزناسة الحشيش خاصة في شهر رمضان حيث ارتفاع جميع أنواع المخدرات (الحشيش والكيف والقرقوبي والمعجون)،بعدما يعمد تجار هذه السموم إلى خلطها بمكونات أخرى تنفخ في وزنها كالحناء والسيليسيون وقهوة النسكافي والقرقوبي ،وغيرها من المواد التي يتم خلطها من طرف أحد المحترفين الذين يكثرون في رمضان..ومهنة "الخَلَّاطْ" واحدة من الحرف التي يجهل عنها الكثير،لكنها موجودة ومحترفوها قليلون،نظرا لما تتظلبه هذه "الحرفة" الجديدة من إتقان تام حتى لا يكتشف سر الخلطة وكيفية تحضيرها..وقد سبق أن تمت معاينة من يضيف لخلطاته حتى أجسام بعض الحشرات الخطيرة ك"سراق الزيت".