السنتيسي: "الحكومة فشلت في ترجمة وعودها الانتخابية ما دفع المواطنين للاحتجاج"    حصري: قنصلية المملكة المغربية بباليرمو تحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المجيدة    الفريق الاستقلالي بمجلس النواب يشيد بالقرار الأممي حول الصحراء ويؤكد دعمه لقانون المالية 2026    جماجم غاضبة    قصيدتان    سِيرَة الْعُبُور    محكمة ألمانية تنصف غازي أمام ماينز    وفد من الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم يشارك في منتدى الجمعية الفرنسية    سقطة طبّوخ المدوّية    المسلم والإسلامي..    سدس عشر نهائي مونديال قطر لأقل من 17 سنة.."أشبال الأطلس" يرغبون في الزئير بقوة أمام المنتخب الأمريكي    "فيفا" يكشف حكام مبارتي "الأسود"    اختبار مزدوج يحسم جاهزية "أسود الأطلس" لنهائيات كأس إفريقيا على أرض الوطن    تساقطات مطرية تنعش السدود والمزروعات والجديدة وآسفي تتصدران بأعلى المعدلات    الترجمة الفلسفية وفلسفة الترجمة - مقاربة استراتيجية    امطار متفرقة مرتقبة بمنطقة الريف    نجاح واسع لحملة الكشف المبكر عن داء السكري بالعرائش    الوكيل العام يكشف خيوط "شبكة إسكوبار الصحراء" ويلتمس إدانة المتهمين    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    اليابان تسمح للشرطة باستخدام الأسلحة النارية لمواجهة انتشار الدببة    وزير الداخلية يدافع عن تجريم نشر إشاعات تشككك في نزاهة الانتخابات.. لا نستهدف تكميم الأفواه    "ملايير الدراهم لا نعرف هل تصل إلى المواطن أم لا".. التويزي يدعو إلى تقييم دعم الدقيق والغاز    المغرب يستأنف الرحلات الجوية مع إسرائيل اليوم الخميس    وزير خارجية مالي: سيطرة المتشددين على باماكو أمر مستبعد    المجلس الاقتصادي والاجتماعي يوصي بإجراء تقييم مرحلي للإصلاح الجبائي وقياس أثره على المقاولات الصغيرة    تقرير رسمي يسجل تنامي الجريمة في المغرب على مرّ السنوات وجرائم الرشوة تضاعفت 9 مرات    انتعاش مؤشرات بورصة الدار البيضاء    المنتخب الوطني يجري آخر حصة تدريبية بمركب محمد السادس قبل التوجه إلى طنجة    موريتانيا تُحرج البوليساريو وترفض الانجرار وراء أوهام الانفصال    قمة المناخ 30.. البرازيل تقرر تمديد المحادثات بشأن قضايا خلافية شائكة    مجلس ‬المنافسة ‬ومندوبية ‬التخطيط ‬يستعدان ‬لوضع ‬النقط ‬على ‬الحروف الكشف ‬عن ‬جشع ‬الوسطاء ‬والمضاربات ‬غير ‬المشروعة    مباحثات تجمع بنعليلو برئيس "الأنتربول"    بعد القرار 2797.. تغييرات إدارية في بعثة "المينورسو" تمهد لمرحلة جديدة من الإصلاح    إسرائيل تشن غارات في جنوب لبنان    الكونغرس يقرّ إنهاء الإغلاق الحكومي    تراجع أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    بالصور .. باحثون يكتشفون سحلية مفترسة عاشت قبل 240 مليون عام    المديرية الإقليمية للشركة الجهوية متعددة الخدمات ابن مسيك سيدي عثمان مولاي رشيد سباتة .. تدخلات متواصلة لصيانة و تنظيف شبكة التطهير السائل    كيوسك الخميس | المغرب يضاعف إنتاج محطات تحلية المياه عشر مرات    افتتاح مركز دار المقاول بمدينة الرشيدية    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    برنامج طموح يزود الشباب بالمهارات التقنية في مجال الطاقة المستدامة    ديمقراطيون يكشفون عن رسائل مسرّبة تكشف اطلاع ترامب على فضائح إبستين الجنسية قبل تفجّرها    تعاون أمني مغربي–إسباني يُفكك شبكة لتهريب المخدرات بطائرات مسيرة    انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية ستسجل رقما قياسيا جديدا في 2025    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    أشبال الأطلس يرفعون التحدي قبل مواجهة أمريكا في مونديال الناشئين    الحكم الذاتي: من الإقناع إلى التفاوض إلى التطبيق ..    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط للنهوض بالثقافة الرقمية والألعاب الإلكترونية    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    ليلة الذبح العظيم..    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عناصر الإيجابية والسلبية في التواصل النمطي بين السلطة والعلماء
نشر في بريس تطوان يوم 30 - 06 - 2020

أولا:العلماء والسياسة بين الدور الحقيقي والتغير الاجتماعي
قد يكثر الحديث بين الفينة والأخرى عن قرب أو بعد العلماء عموما،وعلماء الفقه والدين خصوصا، عن السلطة أو السياسة على سبيل التبعية الداعمة أو المعارضة الناعمة أو النائمة وغير المؤهلة للممارسة الرسمية،شبيها لما قد يعرف بالكومبارس في الممارسة السينمائية،حيث الحشد ودعم الدور من دون التقرير فيه أو لعب البطولة.وهذه الأحاديث قد تثير الانتباه إلى نقطتين كنا نود الوقوف عندهما إسهابا كبحث خاص ومفصل، وهما ما مظاهر الإيجابية في توظيف السلطة للعلماء بجانبها ،ومن وجه آخر ما مظاهر السلبية في استغلال العلماء لدى السلطة على حساب المصلحة الدينية؟
فكما يرى ابن خلدون في المقدمة حول العلماء والسلطة، نقتبس هذه الفقرة التي تبين جانبا من الإيجابية عند السلطان في تقريبه للعلماء حسب التزامه الديني والعقدي، وهي قوله: "إنما إكرامهم من تبرعات الملوك والأمراء الشاهدة لهم بجميل الاعتقاد في الدين وتعظيم من ينتسب إليه بأي جهة انتسب".
وهذا فيه إشارة إلى أن بعض الحكام قد كانت لديهم ميولات دينية حقيقية غير أنهم ليس لديهم من العلوم الشرعية ما يكفي لأن يجعلهم على مستوى التطبيق العلمي للأحكام، أو أن وضعيتهم السياسية تستدعي منهم التدرج في تطبيق الأحكام بحسب المناخ السياسي السائد في عصرهم سواء أكان متأثرا بالضغوطات الداخلية أو الخارجية والسياسة الدولية، أم بحسب البطانة المحيطة بالحاكم ونوعية تصوراتها وتشكيلاتها العرقية والقبلية وحتى العقدية والمذهبية، إضافة إلى أطماعها وأهدافها الشخصية الضيقة.
لكن ،مع ذلك فقد يأبى الحاكم إلا أن يحافظ على مظهره الديني ولو شكليا باستدعاء الفقهاء أو من يتصدرون الحديث النظري من رجال الفكر والثقافة والمشتغلين في مجال العلوم الدينية وتحليل التراث، وأيضا بعض الزعماء أو المنتمين لكثير من الطرق الصوفية وما إلى ذلك من المشتغلين في الحقل الديني وما قاربه…
ومن هنا فإن السلطة التي توظف العلماء بجانبها كباعث خيري من طرف أصحابها وتعبر عن تشبث على مستوى ما بدينها تمثل إيجابية وأملا لدى الشعوب الإسلامية المتطلعة إلى الاستقرار والاطمئنان على عقيدتها وروحها ومعاشاتها في آن واحد. لكن ولكي يتم لها الهدف من ذلك فينبغي أن تتحرى العلماء الصادقين من الزائفين ،والراسخين من السطحيين، والعاملين من البطاليين ،وإلا وقعت بل ساهمت في انقباض العلماء وتقوقعهم على أنفسهم، وبالتالي عدم إفادتهم للأمة أو الوطن حتى يقبض الله أرواحهم, فلا تجد من ينير الطريق للمجتمع ولا للسلطة في حد ذاتها، لأن الأمر سيصبح فيما بعد هرجا ومرجا وجهلا وتجهيلا رغم توفر التقنيات والصناعات والخيرات المادية، إذ ذلك لا يكفي في تحقيق الأمن والسلام والسعادة.
بل وفرة المال والرخاء بغير ضوابط العدل والأخلاق الشرعية قد يؤدي إلى الطغيان كما نجد وصفه من خلال قول الله تعالى: "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى". ونجد قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"[1] وأيضا "يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج قيل وما الهرج فقال هكذا بيده، فحرفها كأنه يريد القتل"[2]
وهذا الإفتاء بغير علم والإضلال بسببه سيؤدي حتما إلى الفتن وإلى الاختلال سواء بين بطانة الحاكم أو داخل المجتمع ككل، بل إن الحاكم سيصبح هو المنعوت شخصيا بالكذب والجهل والإضلال بسبب تلك الشرذمة من أشباه العلماء المتسيسين والمتربصين بمجلسه ومحيطه. حتى إن خطرهم عليه سيكون أسوأ من خطر السياسيين العاديين، خاصة إذا استحكم أمرهم وأصبحت لهم اليد الطولى في الظهور والحضور الرسمي، بل العمل على تأليف وتكوين خلايا تابعة لها بدعوى أنها هي الحارسة للشريعة، نظرا لما تتوفر عليه من حرية في الحركة وغزارة في التمويل ودعم للخطابة وحشد الجماهير وإثارة انتباهه. ومن هنا فحينما يتفطن الحاكم لهذه البلية ويريد اجتثاثها تجتثه هي بذاتها ويكون الأمر حسب قول الشاعر:
وذاهب بالضرغام ليصطاد به تصيده الضرغام فيمن تصيدا‍‍‍‍
وهذا ما يفسر لنا لماذا عرف بعض الخلفاء ماضيا سواء في الدولة الأموية أو العباسية انتكاسات بعدما أقصي العلماء الحقيقيون من النصح ووضع بدالهم مرتزقة ومداهنون متكالبون على الدنيا وحطامها ضدا على مصلحة الدين والمجتمع ككل، إذ نجد نموذجا من هذا المآل السيء الذي فات استدراكه لدى أحد الخلفاء العباسيين الإصلاحيين كما يحكى:
"لما جاء المهتدي بالله (255-256ه) ونزع نزعته إلى الزهد استغرب منه ذلك ولم يطاوعه الناس وسئموا سيرته وأدى الأمر إلى قتله. ذلك أنه جعل مثله الذي يجب أن يحتدى عمر بن عبد العزيز، فحرم الشراب ونهى عن القيان وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر. وقرب العلماء، ورفع من منازل الفقهاء وأحسن معاملة الطالبين، وقلل من اللباس والفرش والمطعم والمشرب، وأخرج آنية الذهب والفضة من خزائن الخلفاء فكسرت، وضربت دنانير ودراهم… قال المسعودي: "فثقلت وطأته على العامة والخاصة بحمله إياهم على الطريقة الواضحة، فاستطالوا خلافته وسئموا أيامه، وعملوا الحيلة عليه حتى قتلوه".
ولما قبضوا عليه قالوا له أتريد أن تحمل الناس على سيرة عظيمة لم يعرفوها؟. فقال: أريد أن أحملهم على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته والخلفاء الراشدين!. فقيل له: إن الرسول كان مع قوم قد زهدوا في الدنيا، ورغبوا في الآخرة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، وأنت إنما رجالك تركي وخزري ومغربي وغير ذلك من أنواع الأعاجم لا يعلمون ما يجب عليهم من أمر آخرتهم، وإنما غرضهم ما استعجلوه من الدنيا فكيف تحملهم على ما ذكرت من الواضحة؟!"[3] ولم يدم في خلافته إلا أحد عشر شهرا، لأن السعي إلى تقريب العلماء الصالحين كما فعل المهتدي بالله سيكون بالطبع على حساب علماء السوء والذين هم من ضمن البطانة الفاسدة، وحيث إن الصالحين قد كانوا مقصيين من الحضور سواء على المستوى الجماهيري وكسب العامة وتوجيههم، وكذلك غير حاضرين في مجالس الدولة وقراراتها فإنهم سيبقون سلبيين على كل حال، فلا هم يمتلكون قلوب العامة لحساب السلطان الصالح ولا هم يدرءون خطر الخاصة أو رجال الدولة العميقة عن التآمر والتناور ضده وتحديد مساره وتوجهاته، بعدما كان المفروض أنه هو الذي يوجه بطانته لكي تطبق أوامره وتعليماته.
ثانيا:التوظيف النمطي للعلماء وانعكاساته السلبية على الدولة والشعب
وهذا النوع من التوظيف النمطي والمؤدلج سياسيا للعلماء سيضفي على الأنظمة المسخرة له صفة الجهل المركب رغم أن الكثير منها في الماضي وكذا الحاضر قد تتوهم بأنها تراوغ بواسطتهم الجماهير، وتستغل الدين في باب السياسة أو تستعملهم كرادع ومخدر أو مهدئ تحت قاعدة اثنين في واحد 2 × 1 = 1، أي كما يقول المثل المغربي: واحد يحلب والآخر يشد القرنين، إذ الحالب يكون هو الغالب والناهب، وذلك بواسطة الشاد والممسك بالقرنين للحيلولة دون صولة البقرة أو انفعالها بسبب شد الحلب. لكنه في كثير من الأحيان قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" "يخادعون الله وهو خادعهم" "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون"[4]
إذ الدين لا ينبغي أن يستعمل كوسيلة لتحقيق الظلم والباطل والإسراف والفساد في الأرض خداعا، وإنما هو على العكس من ذلك خاصيته ونوره يقتضي أن يقام به الحق والعدل والمساواة وإسناد الأمور وتوسيدها إلى أصحابها وأهلها، ومن ثم يتحقق حلم الإنسان وأمله في المدينة الفاضلة المنورة مدينة السلام والعلم، والمال والأعمال والأذواق والأخلاق…
ولئن عرف تاريخنا فيما مضى وبنسب وأزمان متفاوتة انحرافات مشتهرة لدى بعض رجال السلطة، وخاصة على أعلى مستوى شخصي ذاتي أي بحكم الانزلاق البشري العادي في باب الملذات والشهوات وكذا الضغائن النفسية والانتقامات السياسية وما إليها لكن مع ذلك بقي العلم قائما والعلماء لهم حرمتهم، بل كان هناك نقد متبادل بين المنزلقين والمتحفظين أو الورعين. فقد يُنتقد السلطان وعلماؤه وحاشيته، ومع ذلك يكتسب هؤلاء الناقدون احترامهم من الخليفة نفسه، لأنه ما زالت فيه بقية من الاحترام اتجاه العلم وأهله، و أن أحكام الشريعة في المعاملات العامة قد لا يسقطها من حساباته وأساس سلطانه، لأن الجمهور يتطلبها وهو معهم بقوة ووعي، كما أن علماءها لهم كفاءاتهم في تعليمها وتوظيفها وأيضا لديهم إدراك أخلاقي وذوقي في طريقة نصح الحاكم وصرف الفتنة عن المحكوم، واستعمال أسلوب راقي جدا فيما يمكن أن نصطلح عليه بالوعظ السياسي عند العلماء وخاصة الصوفية منهم… وهذا يعني أن البطالة الفكرية والعلمية الوظيفية لم تصب يوما ما فقهاءنا وعلماءنا في زمن الشموخ الحضاري للأمة الإسلامية وعنفوان دولتها، بل العكس من ذلك فإن الفقه لم يعرف تشعبه وقوة اجتهاداته إلا بعد التدهور السياسي وانقسام النفوذ وتوارد الأزمات والنوازل، إذ سيصبح الفقيه والعالم والعارف الصوفي هو المرجعية الرئيسية لحل الإشكالات وإبداء الرأي السليم حول مصير الأمة وكيفية الحفاظ على بيضتها، وخاصة ذلك العالم المستقل عن كل الضغوطات والإغراءات، حتى إن الكثير منهم قد كان يتعرض للمحن والبلايا من طرف السلطان المنصب آنذاك، ومع ذلك يخرج دائما منتصرا لأن الحق يعلو ولا يعلى! والعلم يؤتى إليه ولا يأتي كما يروى عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أن هارون الرشيد قال له: يا أبا عبد الله ينبغي أن تختلف إلينا حتى يسمع صبياننا منك الموطأ قال: فقلت: أعز الله مولانا الأمير، إن هذا العلم منكم خرج، فإن أنتم أعززتموه عز وإن أنتم أذللتموه ذل، والعلم يؤتى ولا يأتي فقال: صدقت، اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع الناس"[5]
وهذا الموقف قد يعطي لنا صورة حية وراقية لمكانة العالم الشرعي ،أو لنقل بالمصطلح التخصصي، الفقيه الحقيقي الذي جمع بين الورع والتقوى والتحصيل والفهم والتأويل، وبذلك نالوا الفخر والعزة ولم يصبهم ذل ولا ذم رغم تعرض الكثير منهم للمحن من أجل فتاواهم أو مخالفتهم لأهواء أو آراء السلطان في زمانهم، كما يروى عنهم نظما:
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حيا به أبدا الناس موتى وأهل العلم أحياء
هذه شذرات من ذهب خالص ناصح وليست من قصب جارح ،قد تومئ وتصبو إلى ترسيخ ما ينبغي أن يكون عليه الأمر لمن يعنيه الأمر في هذه الأمة حتى يستقيم له الأمر وينسا له في العمر ويبارك له في السعي ويتم به الصلاح والإصلاح :" إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ".
[1] رواه البخاري في كتاب العلم.
[2] رواه البخاري في كتاب العلم.
[3] أحمد أمين: ظهر الإسلام، دار الكتاب العربي بيروت ط5- 1388-1969، ج1 ص 102-103 نقلا عن مروج الذهب ج2 ص 338 وما بعدها.
[4] سورة البقرة آية 8.
[5] الغزالي: إحياء علوم الدين، ج1 ص 33.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.