أمي، أشعر بأني اقتربت من آخر العمر لكن.. نعم، تجاوزتُ حافة كل الفصول حتى وصلتُ لربيعك المختال.. أحب معانقة أزهارك الندية لأتعلم منها كيف تتفتح من جديد كلما ذبلتها صديقتها الشمس. نعم، الحب مازال رفيقنا يا أمي، وإن تسلل من قلوبنا وذاب في عظام الأيام فحتما أنه سيبقى ظلنا الوفي. هو الحب أول فطرتنا، وإن غبنا فلن يغيب. نعم، أنا شقية.. أشبه كعكعتك العنيدة. اعتدت على أن أُزوِّد الحياة بالجنون حتى تنفجر بمائه، وبعدها تُسقى براعم عالمك لتسعدي وأشبع بضحكتك الطفولية. نعم حفرت صوت المدائن على وسادتك الزهرية كما حلمت في الطفولة. وحفرت اعترافات العشاق من كل المارة على جدران قلب نقي خُلق لك فقط. وحفرت أيضا ثرثرة جارتك العجوز على ورق المطبخ حتى يذوب النشاز ويبقى الصمت محفورا في كل مكان عطره صوتك. نعم لا شيء أستطيع قوله بعد ضوء النهار. ببساطة لأني لا أؤمن بالحياة إلا على يدك. وحتى لو انسكبت الحياة نساءً، إلا أن معجزة الأمومة انسلت من مقامك فقط. نعم، كنت مفقودة قبل أن تلدني روحك. كنت كسراط هائم هش. كنت على وشك الانهيار عند أي ريح تلمسني. كنت لا أجيد ممارسة الحياة، ولا أجيد ممارسة تفاصيل الأحلام أيضا. كنت وسط قارب لا يبحر، لا يتحطم، لكنه يغرق بي إلى حيث يشاء.. نعم، جعلتِ الجمال مفرطا من حولي. جعلت الليل سمرا للعاشقين، وجعلت المسافات تتراشق لتصنع غناءً لا يتوقف.. نعم كل الجهات صارت تعرفك، والعالم صار يحفظ خطاك، والكائنات صارت تدمن همسك.. كل هذا فقط لأنك أمي!