خلال حديثي عن بني مكادة وأحياء بني مكادة العتيقة ضمن برنامج “نايضة في بني مكادة” والذي يعده ويقدمه الصديق حفيظ شنكاو أحد أبناء المدينة المكافحين والمناضلين في سبيل تطوير المشهد الإعلامي والجمعوي على راديو بني مكادة الرقمي، تطرقت لنقطة ربما لم ينتبه إليها الكثيرون ممن يتحدثون عن هذه المنطقة. وأشرت إلى خطإ لايغتفر ارتكبه من اسندت لهم مهمة التقسيم الترابي أو الإداري للمدينة ورسم حدود المقاطعات، الأمر الذي تم بموجبه توزيع الأحياء العريقة والتي كانت تشكل بني مكادة الأصل على مقاطعات ثلاث قصد تشتيتها ومحوها من على خريطة طنجة التي كانت تشكل ومازالت أهم مناطقها، وذاع صيتها بين المدن خصوصا إبان انتفاضة 1990. ضُمت مبروكة وبئر الشعيري والموظفين والدار الخالية… إلى مقاطعة السواني، كما ضُمت أرض الدولة والحومة 12 والعزيفات وبوحوت وبوحساين وعلي باي وموح-باكو… إلى مقاطعة مغوغة. وتحولت بذلك ساحة تافيلالت التي كانت تعرف ب” بارادا بني مكادة” والتي كانت ومنذ القدم محطة نهاية خط سير حافلات النقل العمومي رقم 8 الرابط بين ساحة 9 أبريل وبني مكادة، -تحولت- إلى خط فاصل بين المقاطعتين – مغوغة والسواني – وعازل لأحياء بني مكادة عن بعضها البعض، فمحوا بتخطيط عشوائي وجود منطقة يذكرها التاريخ بما لا يذكر غيرها. وقد يظن البعض أن هذا التقسيم لا أثر له على المنطقة وساكنتها، ولايضر في شيء باعتباره تقسيما إداريا لا يسمن ولا يغني من جوع. لكن الذي نشأ في بني مكادة وبين أزقة أحيائها، وعايش اللحظات التاريخية التي من خلالها تعرف المغاربة عليها، وجعلت وزير الداخلية الأسبق ادريس البصري ينطق باسمها مستغنيا عن اسم المدينة التي تنتمي إليها تحت قبة البرلمان وهو يتحدث عن انتفاضة 1990، يعي جيدا الأسباب الخفية لهذا التقسيم ودوافعه التي لم تكن بريئة، ويتحسر بقوة على التهميش الذي صارت عليه هذه الأحياء بعد تفرقتها وتوزيعها على مقاطعات أخرى، وكيف حرمت من برامج تأهيلية وتنموية هي في أمس الحاجة إليها، وكيف تحولت من أحياء منجبة لكتاب ومفكرين وحقوقيين وفنانين ورياضيين وأطر عليا…إلى أحياء ينخرها التهميش والبطالة، وتتفشى فيها كل المظاهر السلبية التي تعاني منها طنجة، دافعة بذلك ضريبة نضالها في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية لأبناء المدينة والبلد ككل. ويكفي إلقاء نظرة بسيطة على خريطة طنجة والتقسيم الترابي لمقاطعاتها الأربع لتبيان الأمر، بل لمعرفة كيف تم الإجهاز على هوية بني مكادة وطمس تاريخها النضالي بإطلاق اسمها على مقاطعة لا تربطه بها تاريخيا سوى أحياء معدودة على رؤس أصابع اليد الواحدة، في حين لم يعد لبني مكادة الأصلية وجود إلى في ذاكرة أبناء أحيائها العتيقة، الذين وجدوا أنفسهم فجأة موزعين على ثلاث مقاطعات حسب مزاج السلطات، والذين لن يكفوا عن المطالبة بإعادة الاعتبار لمنطقتهم، وإصلاح ما أفسدته المقاربة الأمنية التي عانت منها لسنوات طوال، وإعادة رسم خريطة مقاطعة بني مكادة تضم كل أحيائها القديمة والمحدثة، حتى وإن تطلب الأمر إحداث مقاطعة خامسة وسادسة، ومنحهم بذلك أحقية التنافس على تدبير شأن منطقتهم بما يليق وما عانوه لعقود طوال مع الإقصاء والتهميش الذان لم يثنياهم عن مواصلة النضال على المستوي الجمعوي والحقوقي والسياسي والثقافي… وما القائمون على تجربة راديو بني مكان الذي كان له الفضل في فتح هذا النقاش إلا مثال لشباب بني مكادة المثابر، والذي لا يفوت الفرصة لإبراز مؤهلاته وقدرته على الإبداع ولو بأقل التكاليف. فتحية لهم وتحية لكل أبناء بني مكادة الأوفياء.