يشكل المطرح العمومي بمدينة طنجة معضلة حقيقية بعدما أصبح يتوسط البنايات السكنية بسبب الطفرة العمرانية التي عرفتها المدينة خلال العقد الأخير . نادي الأمل الثقافي زار المطرح العمومي واستقى تصريحات الساكنة من جهة وفاعلين جمعويين ومسؤولين من جهة أخرى، وأعد التقرير التالي. لن ننكر على أن مدينة البوغاز شهدت قفزة نوعية نحو الأمام ، وتنفست الصعداء وجنت ثمارها فطبعت ميسم أوجها بالتطورات الهامة التي عرفتها كي تتمكن من خلالها بناء وجودها، وتحقيق ما استحال من خلال الأوراش الكبرى التي أعطى جلالة الملك محمد السادس نصره الله انطلاقتها قبل سنوات، فيما أطلق عليه بالمشروع الرائد طنجة الكبرى، وهو المشروع المتضمن لعشرات من الأوراش التي تحاول تعزيز التموقع السياحي والثقافي للمدينة على الصعيد الدولي .لكن وفي ظل هده التحولات فان العائق الذي أمست تعاني منه والذي يحد هدا التطور ويشوه صورة المدينة هو التلوث. نتحدث هنا عن مطرح مغوغة للنفايات، هذا الأخير المؤسس في سبعينات القرن الماضي اعتبارا انه سيكون مؤقتا في انتظار البديل الذي سيحترم الموصفات البيئية فما وجدنا سوى أن -المؤقت أصبح دائما – الشيء الذي خلف استفسارات وأسئلة ملحة. بعدما تعالت أصوات سكان مغوغة واطفح كيلهم فأردوا الحل المقنن. ذلك أن الدخان الخانق والناتج عن احتراق أطنان من النفايات الصلبة يسفر عن أخطار بالغة تعج عيشهم الصحي. فآبين قدر الحياة، وبين قدر الاستيقاظ كل يوم على روائح تزكم الأنفس وتصب فيها ذعرا وقلقا شديدان يغدوا عمال النظافة ممن يلجون المفرغ في كارثة بيئية سيدفعون ثمنها فتكا بحياة هي حقهم. يقول احمد"(سائق من شركة سيطأ بوغاز.45 سنة وهي الشركة المكلفة بالتدبير المفوض)ان معاناته وككل زملائه لا تتصور، خاصة في فترة تساقط الأمطار بحيث يتحول المطرح إلى مكان "للصراع والحرب".هدا إضافة الى جيش ما يطلق عليهم محليا (بالهباشة)الذين استوطنوا المكان واخذوا يفرضون قانونهم عليه أملا في الاستحواذ في مخلفات الأزبال التي يتم اعادة تدويرها.ناهيك عن المئات من الكلاب الضالة والأبقار، التي اتخذته موطنها تتزود به من قوتها.الأمر الذي يزيد حدة المعانات فتصبح ألما حقيقيا يستوجب النظر له. أخدنا هذه الشهادة في الصميم فانتقلنا بعدها لسؤال ساكنة الحي الغاضبة، واللذين بدت عليهم سمات البؤس واليأس. نابت عنهم "حسناء" وهي طالبة بالسنة الثانية بكلية الحقوق بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، في العشرينات من العمرّ، وقبل أن تنبس بكلمة فالحالة التي بدت عليها تحكي خفايا وندوب كثيفة، فعيناها الحمراء المتورمة هي نتاج لأحد الأضرار، فتقول " منذ بضعة ايام وأنا اشعر بحكة شديدة في عيناي وعند ذهابي للطبيب أكد لي أن السبب هو تلوث الهواء الناجم عن حرق النفايات فاضطررت متأسفة استخدام الفخاخ الخاص بضيق التنفس . وما يزيد ذعرنا هو الأوبئة والجراثيم التي نستنشقها دوما والتي تفتك بنا. أما فاطمة، فهي آم لأربعة أطفال، هاجرت قبل بضع سنوات من إحدى المناطق القروية بضواحي وزان املا في تحسين ظروفها المعيشية بعدما تراجع المحصول الزراعي بسبب الجفاء، واستقرت جوار المطرح العمومي بطنجة بعدما تعذر على رب البيت إيجاد سكن لائق بسبب الغلاء الذي تعرفه مدينة البوغاز، " إننا لا نقدر على نشر الغسيل كي لا يتسخ … كما أننا لا نستطيع الأكل مثل باقي الناس، أو حتى فتح نوافذ بيتنا، فالكثير من جيراننا غادروا المكان بعدما استحال عليهم العيش في هذه الظروف. ختمت فاطمة مآسيها بقولها أن مرور الأيام تعني جعل صحتنا وصحة أبناءنا في خبر كان..غادرنا فاطمة وهي متشبثة بأمل.ولكن أي امل ؟. الأمل يبقى أهون من سماع معلومات تكسرنا، فنفايات المطرح تفرز مواد جد سامة منها(cadmium) والرصاص والزنك يقول مصدر بالقسم الصحي التابع للجماعة الحضرية لطنجة رفض الإفصاح عن اسمه..مضيفا بأنها مسؤولة عن الإصابة بأمراض عضال كالسرطانات وتعطل جهاز المناعة...احتراقها معناه تدهور الصحة او فقدان نعمة كثيرة هي حق أكيد. فإلى متى سيستمر هدا التقصير. الحل الذي أراده السكان نقل المطرح إلى مكان أخر بعيد عنهم .ويؤكدون عن كل الناس عامة لا إن هاته الساكنة نابلة المشاعر لا تبغي الأنانية ومالا توده لنفسها لا تريده لكل الناس. ويأمل، محمد وهو فاعل جمعوي بمدينة البوغاز ومهتم بالبيئة عضو لأحد المراصد النشيطة، بتطبيق الأساليب الحديثة التي وصلها الغرب في بلادنا من عمليات(التدوير والدفن والحرق داخل الأفران...)وإجمالا تكثيف الجهود وجعلها تسمو وتنبني لان المعاناة فعلا مأساوية، والحل بين أيدينا فقط تلزمه المبادرة. تلك المبادرة التي أطلقها العمدة السابق بطنجة فؤاد العماري حيث سبق وان قال بأن الدراسات المتعلقة به وصلت إلى نهايتهما، غير أن مجموعة من الإجراءات القانونية لا تزال تعرقل عملية إحداث هذا المطرح. لكن نفس الموضوع لم يطرح بعد على طاولة المجلس الجماعي الجديد. (*) صحفية بنادي الأمل الثقافي