لم يحملوا لافتات ضخمة، ولا توزعوا على تنسيقيات. بل خرجوا بهدوء حاسم، يرددون كلمات يعرفون انها قد لا تغير شيئا، لكنهم خرجوا. هم "الجيل Z" في طنجة، شباب نشأ بين وعود التنمية وصمت الواقع، واختار ان ينزل الى الشارع بعدما ضاق بما لا يقال في جلسات الانتظار الطويلة. تظهر الارقام ان هذه الفئة العمرية، الممتدة بين 15 و27 سنة، تمثل ما لا يقل عن ربع ساكنة طنجة الحضرية، التي بلغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة حسب احصاء 2024. وفي مدينة تنمو ديمغرافيا بمعدل 3.44 في المئة سنويا، ليس من الغريب ان يضيق الهامش على الشباب، وان تتراكم الاسئلة في العيون اكثر مما تكتب في البيانات. وتفيد معطيات رسمية ان عمالة طنجة–اصيلة تستأثر باكثر من 37 في المئة من سكان جهة طنجةتطوانالحسيمة، و53 في المئة من سكانها الحضريين، ما يبرز الضغط السكاني المكثف الذي ينعكس على فرص التعليم والشغل والسكن. وفي الواقع، يعيش كثير من هؤلاء في احياء مكتظة، ويتنقلون بين مؤسسات تعليمية تعاني الاكتظاظ، كما يصلون الى عتبات الجامعات دون يقين. هذا الموسم وحده، استقبلت مدارس طنجة اكثر من 4200 تلميذ وافد من خارج المدينة، من بينهم 3771 في التعليم العمومي. ورغم حصول توسعة مؤسسية على الورق، الا ان الفصول لا تزال ضيقة، والاساتذة مثقلون، والتوجيه المهني غائب او شكلي، مما يفاقم فجوة التأهيل التي تعيق مسار الاندماج مستقبلا. اما بعد التخرج، فالبوابة المؤجلة اسمها "سوق الشغل". اذ تبدو طنجة، على واجهتها الصناعية، مدينة تزدهر: منصات تصدير، مصانع سيارات، مناطق لوجستية… كل شيء يقال عنه انه قصة نجاح. غير ان كثيرا من شباب المدينة يقفون على هامش هذه الرواية. يطلب منهم ما لم يتلقوه: لغات، كفاءات تقنية، او حتى وساطة خفية. وتظهر بيانات المندوبية السامية للتخطيط ان معدل البطالة في الجهة بلغ 14.3 في المئة، بينما تفوق بطالة الشباب 35 في المئة على المستوى الوطني، ويقابلها اتساع ظاهرة "نيت" التي تشمل واحدا من كل اربعة شبان بين 15 و24 سنة. وتعيش هذه الفئة، ايضا، تحت ضغط معيشي متصاعد. فالإيجارات تقفز، حتى في الاحياء التي كانت تعد في المتناول. كما ان المشاريع السياحية تجلب الزوار، لكنها تدفع بالشباب الى هامش السكن اللائق. وتفيد تقارير ان متوسط كلفة شقة من 80 متر مربع في طنجة يتجاوز مليون سنتيم شهريا كقسط قرض، وهو ما يفوق نصف الدخل الاسري الحضري المتوسط. والنتيجة: العيش باستقلالية حلم مؤجل، وتأسيس اسرة مشروع مؤجل، والخروج من عباءة الاسرة بات مكلفا نفسيا واقتصاديا في آن واحد. هذا الجيل، في جوهر مطالبه، لا يطالب بالكثير. انه يريد تعليما لا يشعره بالاهانة، وفرصة شغل لا تبدأ بالاستغلال، وسكنا لا يبتلعه نصف الاجر. كما يريد ان يصغى اليه. ان ينظر اليه باعتباره طاقة، لا عبئا. وان يدعى الى طاولة التفكير، لا ان يستدعى فقط حين تتعالى الاصوات. من هذا المنطلق، لا يعد خروجه الى الشارع تعبيرا عن ازمة تنظيم، بل عن ازمة ثقة. انها هوة بين ما يعرض في نشرات التنمية، وما يعاش في المقاهي، وفي الحافلات، وفي الصفوف امام الوكالات. انه اعلان هادئ لكنه واضح: "نحن موجودون، لكننا لم نعد ننتظر اذنا لنقول ذلك".