تتوسع بهدوء في مدينة شفشاون شبكة من المطاعم الصينية الصغيرة، بعيدا عن المسارات السياحية التقليدية، لتضيف طابعا جديدا إلى المشهد المحلي في المدينة المعروفة بأزقتها الزرقاء وجدرانها الأندلسية. وقد بات هذا الحضور الآسيوي، الذي تكرس خلال السنوات الأخيرة، جزءا من التحول التدريجي المرتبط بتزايد عدد الزوار القادمين من الصين. في أحياء متاخمة لمركز المدينة، ظهرت مطاعم تقدم أطباقا صينية معروفة مثل الأرز المقلي، الزلابية بالبخار، والدجاج الحلو والحامض، وسط تفاعل إيجابي من الزبائن المغاربة والأجانب على حد سواء. ويلاحظ أن معظم هذه المنشآت لا تعتمد على يد عاملة أجنبية، بل تشغل طواقم محلية تتحدث الدارجة بطلاقة، وتؤمن تواصلا سلسا مع الزبائن غير الناطقين بالعربية. ورغم أن التسيير العام يبقى في الغالب بيد مستثمرين صينيين مقيمين في شفشاون، فإن التشغيل اليومي يمر عبر شباب مغاربة، مما يمنح التجربة طابعا هجينا يجمع بين الانفتاح الثقافي والتجذر المحلي. وتفيد تقديرات غير رسمية بأن المدينة تستقبل نحو 2500 سائح صيني شهريا، ما شجع على ظهور هذه المطاعم التي بدأت تدرج تدريجيا ضمن توصيات بعض المرشدين السياحيين ووكالات السفر، لا سيما لزوار شرق آسيا الباحثين عن تجارب طعام مألوفة داخل مدن مغربية صغيرة. ويأتي هذا التوسع بالتزامن مع انتعاش تدريجي للسياحة الصينية نحو المغرب خلال سنة 2025، حيث تشير التوقعات إلى استقبال نحو 140 ألف زائر صيني خلال العام الجاري، مقابل أكثر من 180 ألفا في سنة 2019. ويعزز هذه الدينامية استئناف الرحلات المنظمة من السوق الآسيوية، وعودة الربط الجوي المباشر بين شنغهاي والدار البيضاء. لكن هذا الامتداد الجديد لا يلقى إجماعا محليا، إذ تطرح تساؤلات حول طبيعة الاستفادة الفعلية للفاعلين المحليين في ظل توسع مشاريع موجهة حصرا للزبائن الصينيين. ويتقاطع ذلك مع تحفظات أوسع حول التغيرات السريعة التي قد تمس توازن النسيج السياحي التقليدي للمدينة. في المقابل، تعتبر هذه الدينامية فرصة لتجديد العرض السياحي، وتنويع الخدمات المقدمة، مع الحفاظ على خصوصية شفشاون كمجال بصري وثقافي مميز. ويعمل المكتب الوطني المغربي للسياحة على مواكبة هذا التحول من خلال برنامج "China Ready"، الذي يهدف إلى تأهيل المهنيين وتكييف الخدمات السياحية مع انتظارات الزبائن الآسيويين. في شفشاون، حيث الأزقة الزرقاء لا تزال تغري عدسات الهواتف والسائحين، تحجز نكهات الصويا مكانها بثبات على موائد المدينة. وبين مطبخ يتوسع بصمت، وسوق سياحية تتحرك في اتجاهات جديدة، تبرز المطاعم الصينية كعلامة على تفاعل ثقافي متنام، لا يطمس هوية المكان، بل يعيد تشكيلها بهدوء.