قال راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية ورئيس البرلمان في بلاد "ثورة الياسمين"، إنه يسعى إلى تأسيس اتحاد مغاربي يضم كل من تونسوالجزائر وليبيا، ودافع، في حوار مع إذاعة ديوان، عن فكرة اتحاد ثلاثي فقط دون وجود المغرب وموريتانيا، معتبرا أن هذا الاتحاد هو الذي سيكون نواة تحقيق حلم المغرب الكبير، موضحا أن علاقته بالرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون جيدة للغاية. هذه التصريحات ليست بريئة لأن راشد الغنوشي معروف كمناور كبير لا يؤمن بشيء اسمه المبادئ في السياسة، منذ أن تواطأ مع الجنرال بنعلي قصد ضرب قوى اليسار التونسي، قبل أن ينقلب عليهم هذا الأخير ويدخلهم السجون، فيما فر كثير منهم إلى بلدان العالم ومنها المغرب حيث درس بعضهم في جامعة محمد الخامس ومنهم رفيق عبد السلام، أول وزير خارجية بعد بنعلي، وهو بالمناسبة زوج بنت الغنوشي، ويوم كانوا هم في السجون أو المنافي كان الباب مفتوحا لنظرائهم في المغرب ل"السطو" على حزب الراحل عبد الكريم الخطيب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية"، وتحويله فيما بعد إلى حزب العدالة والتنمية، وهذا هو الفرق بين من كان في السجون ومن مارس السياسة بحرية. الغنوشي يريد ممارسة نوع من المزايدات الفارغة، رغم أن الحزب الذي يقوده ينتمي لتيار الإخوان المسلمين، إلا أنه يريد أن يظهر جذريا بعد أن وقّع المغرب اتفاقية ثلاثية مع أمريكا وإسرائيل. ما يتجاهله الغنوشي هو أن المغرب حر في خياراته، ولا أحد له الحق التدخل في مسائل تدخل في صلب قراراته السيادية، ثم إن هذا الموقف الصادر عن زعيم حزب النهضة التونسي يعتبر قمة النفاق السياسي لدى الإخوان المسلمين، فالرجل عاش منفيا لمدة 20 سنة بين فرنسا وبريطانيا، ولم تشارك حركته في الاحتجاجات إلا بعد أن تيقنت أن بنعلي سيرحل، ورغم ذلك فإن الزعيم الذي اشتاق إلى تراب الوطن لم يعد مباشرة إلى تونس! فأين يا ترى ذهب؟ لقد ركب طائرة أقلّته مباشرة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث لم يقتصر نشاطه هناك، على لقاء مسؤولين أمريكيين رغم أن لا صفة له سوى أنه زعيم الإخوان المسلمين، لكنه قام بإلقاء خطاب في منظمة "أيباك" وما أدراك ما منظمة أيباك، التي تضم 51 جمعية مساندة لإسرائيل. ومباشرة من أمريكا ركب الطائرة ليس لتقبيل تراب بلده، ولكن في اتجاه الدوحة، عاصمة ما سمي ب"الربيع العربي" ومسانده الرسمي، ومنها قال في تصريح لقناة الجزيرة إن فلسطين ليست أولوية لدى حركة النهضة. هذا هو الغنوشي، الذي يريد اتحادا مغاربيا دون أحد أعمدته الرئيسية أي المغرب، بوابة إفريقيا نحو أوروبا وبوابة أوروبا نحو إفريقيا، المرتكز على دولة ومؤسسات قوية وتاريخ وتراكمات كبيرة. الغنوشي يريد اتحادا مغاربيا من دول كانت قبيْل الاستقلال مجرد أقاليم محتلة إما من طرف العثمانيين أو من الأوروبيين، وكانت أراضي بعضها ملكا للمغرب قبل ان يقتطعها المستعمر الفرنسي من. لا يصح أن يقام اتحاد مغاربي دون أن تشارك فيه الدولة الأصل في المنطقة، وسبق لجلالة الملك محمد السادس أن دعا إلى مبادرة كبيرة لإحياء الإتحاد المغاربي أو المغرب الكبير وفق رؤية جديدة يكون أساسا للمنافع التجارية بين دول المنطقة وركيزة لحل الخلافات بين مكوناتها. أما الشعارات الفارغة كالتي رفعها الغنوشي، فهي لا تعدو أن تكون مجرد مزايدات سياسوية للاستهلاك الداخلي بتونس في محاولة لتلميع صورة حركة النهضة التي فشلت في تحقيق أهدافها ولم يعد التونسيون يثقون في وعودها، كما أن موقف زعيم الإخوان المسلمين بالشقيقة تونس هو تزلف مكشوف لجنرالات الجزائر ومحاولة لابتزاز المغرب، وهي مسرحيات معروفة ولا يمكن أن تنطلي على أحد.