مستشارو جلالة الملك يترأسون اجتماعا لتحيين مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية    بوريطة يعلن قرب عقد اللجنة العليا المغربية السنغالية تمهيدًا للقاء الملك محمد السادس والرئيس فاي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    الفريق الاشتراكي: الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على الصحراء ليس مجرد موقف شكلي بل تتويج لمسار دبلوماسي    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    مئات المغاربة يجوبون شوارع باريس احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    أخنوش: "بفضل جلالة الملك قضية الصحراء خرجت من مرحلة الجمود إلى دينامية التدبير"    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تزوير التاريخ: سخرية سياسية، أم استخفاف بالعقول؟
نشر في شبكة طنجة الإخبارية يوم 26 - 04 - 2011

لم تكن في نيتي الكتابة هذه الأيام عن أي موضوع، وذلك لاعتبارات عدة أهمها أني كتبت بما فيه الكفاية في كل المواضيع وعن كل الطروف والمناسبات البسيطة منها والصعبة، التي كان فيها لكل كلمة ثمن، ثم لأني متواجد في عطلة خارج الوطن بسبب الوضع الصحي لزوجي الذي لا يسمح لي بالكثير من الجهد والوقت والأعصاب ...لكني رغم كل هذا وذاك لم أقدر على الصبر أمام إصرار عادة الكتابة وإلحاحها، خاصة مع زخم الأحداث التي تعرفها البلاد، وكثرة الحراك والانتفاض والتآمر والتكولس الذي يحدث هنا وهناك وفي كل الميادين، والتي فرضتها حمى الانتخابات وما تتطلبه من استقطابات حزبية حادة وصراعات سياسية عنيف لم يسلم منها المغرب، وتعيشها أحزابه ومنظماته النقابية كافة، والتي غالبا ما تلجأ بعض القياداتها السياسية والنقابية، قبيل الانتخابات إلى أساليب الجدل السياسية الهجومي العنيف، لفظا ومعنا، خلال خوضهم للدعاية الحزبية المبكرة، حيث يتفنن أكثرهم في إبتداع المداخلات والتصريحات المثيرة للفضائح، على حساب الحقائق المجردة، ساعين عادة إلى النيل من منضمات وشخصيات حزبية أو فئة معينة من المنافسين، وغالباً ما يفعلون ذلك للتهرب من المسؤولية الفردية والجماعية تجاه قضايا الوطن الحساسة، أو انسياقاً وراء تلبية رغبة نسبة كبيرة من الناخبين ونزوعاتهم القوية للعبث في ظل الاستبداد السياسي، أو بسبب ترهل العمل الحزبي، وغياب مجتمع مدني قائم على احترام حرية التعبير، وانسداد الآفاق السياسية الجادة وانغلاقها أمام فئة عريضة من المواطنين الذين غالبا ما لا يسعفهم وعيهم في تبني المواقف السياسية السليمة، ولا يبحث أكثرهم إلا عن الفضائح السياسية والإثارة الرخيصة فقط، ويستمتعون بالغمز واللمز والقدح، لأنهم لا يستطيعون تجرع الحقيقة المجردة بمعزل عن العواطف، ما كرس السطحية في التفكير لدى الجماهير الشعبية وشجعها على اللامبالاة بالقضايا المصيرية التي ترهن مستقبل البلاد.
وغالبا كذلك ما يعتمد هذا النوع من القادة لتحقيق نجاحهم السياسي والنقابي على أساليب لا تتناول البرامج والافكار المستقبلية، أو تحليل إمكانيات وطرق الوصول إلى الحد الأدنى من الالتقاء مع الخصوم السياسيين في مواقف متفق عليها بينهم لأنقاد البلاد مما تخبط فيه من مشاكل مزمنة.
بل إنهم كثيرا ما يبنون نجاحاتهم على انتقاد كل المعارضين الأموات منهم والأحياء، بالعنف اللفظي والمعنوي، والتنابز بالألقاب، واللمز والسخرية والاستهزاء، والشتم والسب، والتخطيء، والنيل من صحة المناهج، والاتهام الذي يتجاوز الحقيقة إلى البهتان، والقذف، وشخصنة القضايا، وتجاوز الموضوعية، والقفز على الحقائق، وعدم الاحتكام إلى العقل والمنطق والدين.
ولاشك في أن حركة 20 فبراير قد كانت بحق، في الأسابيع الأخيرة، وراء هذا الجدل الحاد والساخن الذي وحد قادة الأحزاب المغربية والمركزيات النقابية، على اختلاف منابتها وأديولوجياتها عبر التراب الوطني من مغربه إلى مشرقه، حتى أصبحت ألسنة مسؤوليها تلهج بتصريحات موحدة وكأنها كتبت لهم بقلم يغمس من مداد محدد، تستخدم الأحداث التاريخية، والتلاعب بها من أجل الإسقاط على اللحظة الراهنة، مرددين نفس الخطابات المستهلكة التي شرخها الزمان من كثرة الاستعمال. وكعادة الكثير ممن ألف منهم الإثارة المبتذلة وتزوير الحقائق وتحوير التاريخ، والتصعيد العبثي للمشاكل، ومخاطبة المواطن بعيدا عن المنطق والحقيقة الذين -(لا يسمعون من الطبل غير التنقيرة)- لا يفوتون أية مناسبة، مواتية كانت أو غير مناسبة، للإسقاط على الأحداث والصراعات السياسية التي تعرفها الساحة فيساهمون فيها بالمشاركة العبثية المثيرة، والتصعيد المفتعل، بعنتريات التصريحات التي ألفوا الخروج بها على الجماهير -التي احتضنت بداياتهم، وكانت سلما صعدوا عليه للجلوس على كراسي القيادة الفخمة والمريحة- في استفزازية متعمدة، واستخفاف خطير بعقول المواطنين، واستهزاء مقيت بمشاعرهم، كالخرجة التي اقترفها عميد الخرجات والخاصة بالحديث النبوي الشريف الذي قال فيه: أن أبا هريرة نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: "ستكون بالمغرب مدينة تسمى فاس أهلها أقوم أهل المغرب قبلة وأكثرهم صلاة. أهلها على السنة والجماعة ومنهاج الحق لا يزالون متمسكين به لا يضرهم من خالفهم، يدفع الله عنهم ما يكرهون إلى يوم القيامة) هذا الحديثة الذي احتج عليه ساعتها عدد من علماء المغرب لكذبه على الرسول صلى الله عليه وسلم والتي رفضت وزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى الخوض في المسألة بالرد عليها، وربما معهما الحق في ذلك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
أو تلك الخرجة التي لا يمكن لأي متتبع للساحة السياسية وحراكها الجديد، إلا أن يقف بلا ريب على فضاعة ما حاول السياسي المؤرخ، تمريره من خلال الكلمة التي القاها بمناسبة 8 مارس بمدينة فاس، حيث عمد هذه المرة إلى تزوير التاريخ وتحريفه، بعد أن جرب من قبل المس بشخصية وطنية تاريخية، لها ما لها وعليها ما عليها، قامت –على الأقل- بما استطاعت وفقاً للمقدرات الزمنية والحدث التاريخي المحيط بها. حيث قال في خرجته الأخيرة: أن المغاربة عرفوا مند 1952 الكثير من الثورات، بخلاف البلدان العربية -مصر وتونس- اللتان لم تعرفا إلا ثورة 25 يناير...الشيء الذي يعد تزويرا للتاريخ واستغفالا واستحمارا للمخاطب، وكأن مؤرخنا العظيم، يستحضر في ذلك مقولة جي دي موباسان الشهيرة(الشعب قطيع غبي لكنه صبور جدا) ولذلك فهو يتعامل معهم بتصريحات الخضوع أو الإخضاع التي كانت أحد أسباب إزدهار الإستبداد السياسي، منذ العصر العباسي الثاني إلى اليوم، والتي تلقى ترحيب بعض أبناء الشعب، من غير الواعين، فالخطر كل الخطر كما قال (لوتر كينغ) ليس فيما يقوله من هم محسوبون على الزعامة الثورية من القادة والرؤساء، بل في صمت العامة وتصديقهم به، ما يفرض ردا يصحح المغالطة ويفضح التزوير وذلك لأن من تصدر عنهم مثل هذه التصرفات ليس إنسانا عاديا بالمرة، وليس أحمقا أبدا، بل- والطامة الكبرى- أنه رئيس مزكزية نقابية لها وزنها، ويعي جيدا ما يرمي إليه من وراء ذاك التحريف الذي لا يضمر سوء فهم للتاريخ والجهل بصيرورته فقط، بل يحمل إذلالا لمشاعر المواطنين، وتلاعبا بعواطفهم أيضا، يجعل الرد عليه والتصحيح واجبا وطنيا مفروضا، والذي لا يجب ألا يكون إلا من التاريخ الذي يفترض أن يقرأ قراءة صحيحة كسبيل وحيد – حتى ممن له إلمام ولو بسيط- لتبني أمثلة واستشهادات وصورا من مسار التاريخ وليس خارجه.
صحيح أن المغرب عرف انتفاضات تحررية مند 1952، لكنها لم تكن ثورات، كما جاء في كلمة القائد الهمام، لأنها لم تكن معارك مبنية على صراعات فكرية حول طرق نهضة شعب, فقد كانت بكل بساطة مقاومة ضد الاستعمار والاستكبار والتسلط الاجنبي الخارجي دفعته كما غيره من شعوب ودول المنطقة العربيه من بينها فلسطين وسوريا والعراق واليمن ومناطق عربية غيرها من شعوب العالم التي قاومت الاستعمار الاجنبي، في الماضي ومن بينها المغرب الذي حارب الاستكبار الفرنسي في خمسينات القرن الماضي.
لكن الثورة كمصطلح، والذي ربما لم يستوعب مفاهيمه وتعريفاته الكثيرة، التي أهمها تغيير الوضع الراهن ونقل الشعب والمجتمع الى وضع ومرحله أخرى أفضل مما كان عليه الوضع من قبل والذي لا يحدث إلا من خلال الانتفاض والتمرد على الوضع القائم وتغييره، والذي يحتاج إلى الأفكار المبتكرة والخطط المصاغة في جمل فعلية لا تحتمل التأويل أو المراوغة. والتي ليست في غالبيتها مجرد حراك سياسي أو ماعركة سياسية مرحلية عاطفية عابرة بين الانظمة والشعوب، وليست حركه طائفة او حزبا معينة يؤمن بايديولوجية معينة سواء دينيه او غيرها.. بل هي انتفاضات عارمة لشعب بكل طوائفه متجذرة في التاريخ، تضع حدا وبداية نهاية لحقبة الصمت والركود، وتساهم في تعزيز الوعي القومي لتذوق طعم الحرية والترقي، كالثورة الفرنسية 1789 التي أنهت الملكية ونشرت الديمقراطية، والثورة البلشفية 1917، والثوره الايرانية التي انهت حقبة حكم عائلة الشاه سنة 1979 واسست لحقبة تداول السلطه من خلال انتخابات، وغيرهما كثير.
فمن غير الصواب أن نسمي ما حدث بالمغرب مند 1952 ثورة بكل ما تعنيه كلمة ثورة من مفهوم سياسي واجتماعي، بينما هي في حقيقتها مقاومة للاستعمار...؛ اللهم إذا اعتبر بعض قادة الأحزاب المغربية ورموزها والشيخصيات السياسية أن تناحرهم من أجل المناصب وغنائمها، هو ثورة، وعد بعضهم الآخر -وخاصة منهم قادة الأحزاب الإسلامية منها- أن التهجم على المهرجانات الفنية، والوقوف ضد مدونة الأسرة، مشاريع نهضوية تنويرية، وحسب فريق ثالث أن المس بالمقدسات هو إبداع سياسي كبير..
وللتاريخ فإن ثورة 25 يونيو لم تكن الأولى من نوعها في مصر، كما جاء في تصريح، أو تحريف، القائد النقابي المحترم، فقد شهد هذا القطر العربي الكبير سلسلة ثورات متباعدة، وهبات متعددة، خرج فيها الناس بمئات الآلاف إلى الشوارع في كل المدن، وعبر تواريخ متواترة، لتغيير الأوضاع وإنهاء الفساد، كما حدث مع ثورة 25 يناير، التي تخلصوا بها من الاستعمار الوطني، واستفحال نفوذ المنتفعين وعلى رأسهم رئيس البلاد وأسرته، الذين استعبدوا الناس وأكلوا حقوقهم وأفقروا وهمشوا وطنهم.
ويستطيع كل باحث متخصص أو حتى البسيط أن يتعرف على تاريخ مصر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وكل ما شهدته من ثورات وحركات تمرد، سواء التي قام بها الجيش ضد حاكمه أو تلك التي قام بها الشعب في مواجهة الاستعمار أو الفقر والجهل والتخلف، والتي نجح بعضها في تحقيق أهدافه، وقُمِع البعض الآخر، إما بتلبية مطالبها صوريًا، أو بقوة القهر، وحظي القليل منها بجزء كبير من اهتمام القائمين على توثيق تاريخها بداء بالثورة العرابية في عام 1881 التي تزعمها ثلاثة من الضباط هم أحمد باشا عرابي، وعلي فهمي، وعبد العال حلمي، ضد الخديوي محمد توفيق مطالبين بحقوقهم كضباط مصريين في الترقي والوصول إلى المناصب العليا في الجيش والتي كانت مقصورة آنذاك على الشراكسة.
مرورا بأشهر ثورة عرفها تاريخ مصر والتي ثورة 1919 التي تعلق بها المصريون وشغفوا بقصص وبطولات أصحابها، والتي اختلفت عن الثورة العرابية شكلاً ومضمونًا لكونها اتسمت بالشعبية والتعبير الجماهيري ولأنها قامت على يد الشعب وليس على يد ضباط الجيش، كما اختلفت مطالبها نتيجة لتغير الظروف التي شهدتها البلاد فلم يكن الحاكم هو الشخص المدان وحده فيها فقط، بل كانت الادانة موجهة للاستعمار الذي مارس على المصريين شتى صنوف الاستبداد.
وقد انطلقت شرارة هذه الثورة من جامعة القاهرة في 8 مارس 1919م، وانتقلت إلى الأزهر, ثم انتشرت لتعم كل أرجاء مصر خلال يومين، وذلك إثر اعتقال الاستعمار البريطاني للزعيم سعد زغلول ونفيه إلى مالطة بسبب مطالبته بمشاركة وفد مصري في مؤتمر الصلح الذي أعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، والذي سيتحدد فيه مصير كل البلدان المستعمرة. مما اضطر الأنجليز للإفراج عن سعد زغلول وزملائه والسماح له وزملاؤه بالمشاركة في مؤتمر الصلح بباريس، ليعرض قضية استقلال مصر.
أما ثورة 23 يوليو 1952 المشابهة في ظروف نشوبها مع الثورة العرابية من حيث قيامها هي الأخرى على يد مجموعة من ضباط الجيش، والمختلفة عنها في المطالب التي لم تكن مجرد إسقاط وزارة والمطالبة بحكم ديمقراطي، بل أنها كانت ثورة قامت بها حركة الضباط الأحرار بزعامة اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبد الناصر لإسقاط الحكم الملكي الذي حكم البلاد ما يقرب من 150 عاما وتعويضه بجمهورية ديمقراطية..
تظاهرات 9 و10 يونيو 1967
لم يكد الشعب المصري يستيقظ من صدمة الهزيمة التي تلقاها هو وجيوش كل من الأردن وسوريا في حرب يونيو 1967م من إسرائيل التي احتلت على إثرها الضفة الغربية وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء، حتى طلع الرئيس جمال عبد الناصر يوم 9 يونيو على الشعب المصري بقرار التنحي عن منصب الرئاسة بسبب الهزيمة. وبعيد انتهائه من إلقاء خطاب التنحي خرج مئات ألوف المصريين إلى الشوارع في مظاهرات استمرت يومين، مطالبين خلالها ناصر بالعودة عن قراره. واعتبر المراقبون الزخم الشعبي المتمثل بالمظاهرات عامل شحن حفز الجيش المصري على القتال لاستعادة الأرض المحتلة.
وليست هذه وحدها الثورات التي عرفتها مصر عبر تاريخها بل عرفت ثورات كثيرة سميت بثورات الجوع أو الجياع، فقد عرف الشعب المصري انتفاضة الخبز عام 1977 حيث استيقظ المصريون في صباح 18 يناير على قرار حكومي -على نظام الرئيس أنور السادات -يقضي برفع أسعار الكثير من السلع الأساسية مثل الخبز والشاي والأرز والسكر واللحوم، وغيرها لتصل إلى الضعف ما دفع بالشعب المصري لانتفاضة شعبية شاملة عمت جميع المدن الرئيسية من الإسكندرية إلى أسوان مرورًا بالقاهرة، طيلة يومي 18و19 يناير 1977م.
كما عرف مثلها في غابر عصوره القديمة في العصر الفرعوني والتي يحدثنا التاريخ عن بداية انهيار هذه الدولة متمثلة في انهيار الأسرة السادسة، حيث كانت مصر يسيطر عليها ملك ضعيف هو الملك (بيبي الثاني)، الذي اعتلى العرش وعمره ست سنوات ولمدة 94 عامًا، وقد عرفت مصر في عهده الفساد والانحلال والانهيار والانقلابات، والحروب القبلية الأهلية، وتصارع حكام الأقاليم، بينما تقدمت القبائل البدوية من الشرق والغرب تغزو البلاد، وكانت الحكومة المصرية في تلك الأثناء ضعيفة؛ مما حدا بالشعب إلى القيام بثورة اجتماعية سجَّلها الحكيم والمؤرخ (إبور) في كتاب (صرخة نبي)
حيث يقول عنها: "إن الناس قد جاعت وماتت من الجوع، ولأن الناس عاجزون عن دفن موتاهم فقد نشطت صناعة الدفن، والعاجزون عن الدفن كانوا يلقون الجثث في النيل حتى أصبحت التماسيح ضخمةً بسبب هذه الجثث.. ولم يعد يُستورد خشب الأرز من لبنان لصناعة التوابيت.. وهجم الناس على قبور الملوك.. وهجموا على طعام الخنازير فلم يعد أحدٌ يجد طعامًا.. وانقلبت الأوضاع في المجتمع.. ولم يعد أحدٌ يضحك..
أما النموذج الثاني لثورة الجوع فقد كان في زمن الدولة الفاطمية، وبالتحديد في عصر الخليفة المستنصر الفاطمي؛ حيث أُصيبت مصر أيضًا بكارثةٍ ومجاعةٍ كبرى؛ ولذلك عُرفت بالشدة المستنصرية أو الشدة العظمى التي لم تشهد مصر لها مثيلاً منذ السنوات السبع العجاف في عصر سيدنا يوسف، وكان سببها اختلال النظام الإداري والفوضى السياسية وتزامن ذلك مع نقص منسوب في مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية وامتدت هذه الأزمة لمدة سبع سنوات متصلة 1065م إلى سنة 1071م، وقد أفاض المؤرخون فيما أصاب الناس من جرَّاء هذه المجاعة من تعذر وجود الأقوات وارتفاع الأسعار التي دفع بالمصريين إلى الغضب الذي هو زيت وزخم الثورات التي تطيح باعتى اشكال الدكتاتوريات والاستكبار سواء كان داخليا ام خارجيا.
حتى أننا كنا ونحن صغارا، نسمع نشيد علم الثورة العربية على أنه نشيد كل البلدان العربية التواقة للحرية والعدالة الاجتماعية:
(يا علمي - يا علمي
يا علم العرب أشرق واخفق - في الأفق الأزرق يا علم من نسيج الامهات في الليالي الحالكات يا علم يا علم
لبنيهن الأباة كيف لا - نفديك كل خيط فيك
دمعة من جفنهن خفقة من صدورهن - قبلة من ثغرهن يا علم
يا علمي - يا علمي
يا علم العرب أشرق واخفق - في الأفق الأزرق يا علم
سراك المجد بنا وابن منا الوطن - وقد حلفنا للقنا حلفة ترضيك أننا نسقيك
من دماء الشهداء من جراح الكبرياء - عشت للمجد سماء يا علم
يا علمي - يا علمي
يا علم العرب اشرق واخفق - في الأفق الأزرق يا علمي).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.