انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    اندلاع حريق ببرج المراقبة لمطار زاكورة ليلة أمس وتمت السيطرة عليه بسرعة    موعد استخلاص مصاريف الحجاج المسجلين في لوائح الانتظار لموسم 1447    مغاربة يتوجهون إلى تونس للمشاركة في "أسطول الصمود" لكسر حصار غزة    20 قتيلا في غارات على قطاع غزة    الرياض تستعد لاحتضان النسخة الخامسة من "نور الرياض" في نوفمبر 2025    باير ليفركوزن يقيل المدرب "تن هاغ"    الكوكب المراكشي يلاقي النجم الساحلي    انتخاب مكتب جديد لجمعية "عدالة"    أكثر من مليون نازح في باكستان بسبب أسوأ فيضانات منذ 40 عاماً    جماعة الحوثي تشيّع القادة القتلى    الملك يعيّن الجنرال عبد الله بوطريج مديرا عاما للمديرية العامة لأمن أنظمة المعلومات    وكالة إيطالية: طنجة تتألق بمشاريع كبرى في أفق كأس إفريقيا وكأس العالم 2030    المغرب يتألق من جديد في الكاميرون.. التتويج الكبير للدراجين المغاربة    ابن الحسيمة محمد احتارين : حلمي أن أحقق المجد مع المغرب    الانتخابات المقبلة: فرصة تاريخية لاستعادة الثقة وتطهير الحياة السياسية    الرئيس الصيني يدعو دول منظمة شنغهاي للتعاون لمواصلة السعي وراء المنافع المتبادلة وتحقيق نتائج رابحة للجميع    مسؤول بالنيابة العامة ينفي إساءة نائبة للوكيل العام للملك لطفل قاصر يتهم خاله بهتك عرضه    احدهم حاول الفرار من ميناء بني نصار.. توقيف ثلاثة أشقاء متورطين في جريمة قتل    إندونيسيا.. أعلام قراصنة "ون بيس" تتحول إلى رمز للاحتجاج الشبابي ضد الحكومة    التقدم والاشتراكية يدعو لمنع "المشبوهين" من الترشح للانتخابات    ارتفاع صادرات الفوسفات المغربي بنحو 21 بالمائة في الأشهر السبعة الأولى من عام 2025    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    رسميا.. الدولي المغربي بن الصغير ينضم لباير ليفركوزن قادما من موناكو        جماعة الدار البيضاء تطلق جيلا جديدا من المراحيض العمومية بالمجان وتدعو الساكنة إلى المحافظة عليها    الملكية وتد ثبات الأمة وإستمرار الدولة المغربية    قبل إغلاق الميركاتو.. أكرد يوقع لأولمبيك مارسيليا    تشارك فيها أكثر من 250 وسيلة إعلامية من 70 دولة.. حملة إعلامية دولية للتنديد بقتل إسرائيل للصحافيين في غزة        الذكرى 88 لانتفاضة 'ماء بوفكران' محطة وازنة في مسار ملاحم الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال    أشغال ملعب طنجة الكبير تقترب من نهايتها..    بعد مواجهات دامية روعت الساكنة.. الأمن يتدخل لإخلاء مهاجرين أفارقة بعين حرودة        دخول القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي حيز التنفيذ    زلزال بأفغانستان يخلف أكثر من 800 قتيل وأزيد من 2700 جريح        كيوسك الإثنين | المغرب يطلق أول محطة عائمة للطاقة الشمسية لتعزيز أمنه الطاقي    اليابان تتجه للسماح ببيع حبوب منع الحمل الطارئة دون وصفة طبية    دعاء اليحياوي.. نجمة صيف 2025 بامتياز… تألق كبير في كبرى المهرجانات المغربية…    تراجع طفيف لأسعار النفط وسط مخاوف من تزايد الإنتاج والرسوم الأمريكية    الإسلام السياسي والحلم بالخلافة    الذهب والفضة يبلغان أعلى مستوياتهما في المعاملات الفورية            طقس الإثنين.. حار بالجنوب وأمطار خفيفة بسواحل الأطلسي        اختتام مهرجان سينما الشاطئ بالهرهورة بتتويج فيلم "أبي لم يمت" بالجائزة الكبرى    الدورة الثامنة لمهرجان أناروز تحتفي بالهوية الأمازيغية من أعالي تافراوت    منع منتجات تجميل تحتوي على مادة TPO السامة    الكاتب المغربي بنزين وصاحب مكتبة في غزة.. لا يمكن استعمار المتخيَّل    هجمة شرسة على الفنان الجزائري "خساني" بتحريض من إعلام الكابرانات بسبب "الرقص" في كليب دراكانوف    تطوان تحتضن المهرجان الدولي للفن التشكيلي في دورته الخامسة ما بين 5 و7 شتنبر        جديد العلم في رحلة البحث عن الحق    الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية تمنع منتجات التجميل المحتوية على أكسيد ثنائي الفينيل ثلاثي ميثيل بنزويل الفوسفين    كيف تحوّل "نقش أبرهة" إلى أداة للطعن في قصة "عام الفيل"؟    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عساكر فرنسا التي فرنسا تتفكك
نشر في العمق المغربي يوم 11 - 05 - 2021

عشرون جنرالا، أكثر من مائة ضابط كبير وأكثر من 1500 من الجنود بعضهم لا زال في الخدمة العسكرية، وجهوا رسالة مفتوحة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وللحكومة والبرلمانيين يحذرون فيها من التهديدات الكبيرة التي تتعرض لها الدولة الفرنسية وتجعلها في خطر كبير قد يصل إلى حد إشعال حرب أهلية.
رسالة مفتوحة على شكل عريضة بلغ عدد ممضيها لحد كتابة هذه السطور أكثر من 22 ألف من العسكريين، القضية أسالت الكثير من المداد ودفعت وزيرة الجيوش الفرنسية إلى الرد عليها والمطالبة بمعاقبة الممضين عليها التي لم تكشف مجلة "فالور اكتيال" اليمينية المتطرفة عن لائحتها الكاملة مكتفية بذكر أسماء الضباط الكبار من رتبة فريق فما فوق، وفعلا قام رئيس الأركان الفرنسي باتخاذ بعض الإجراءات العقابية والتأديبية في حق من سماهم البعض بالمتمردين.
لا تهمنا الإجراءات العقابية ، بقدر ما يهمنا هذا التحول الكبير الذي تعرفه فرنسا ، وصل حد التهديد بعملية انقلابية عسكرية اختير لها تاريخ 21 أبريل ، وهو تاريخ له دلالة ومعنى في مذكرة الشعب الفرنسي وفي تاريخ فرنسا الحديث، فهو يرمز إلى تاريخ المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد الرئيس الفرنسي السابق الجنرال شارل ديجول سنة 1961 بعدما اتهمه خمسة من كبار الجنرالات بالتخلي عن الجزائر الفرنسية ، فشلت المحاولة العسكرية التي كانت تروم الحفاظ على الجزائر فرنسية ، لكن مرتكبيها لم يفشلوا في توريث عقيدتهم العسكرية الاستعمارية العنصرية والتي تظهر في أبهى تجلياتها مع هذا البيان الذي صفق له اليمين المتطرف، وزكاه زهاء 58% من الفرنسيين.
التمترس وراء حب الوطن والدفاع عنه هو سر هذا التأييد الكبير الذي حظيت به هذه الرسالة في أوساط المواطنين الفرنسيين، فالرسالة افتتحت بهذه الجملة :
"الوقت خطير، وفرنسا على مشارف الهاوية تهددها العديد من المخاطر القاتلة، ونحن، حتى في مرحلة التقاعد، لا نستطيع، في ظل الظروف الراهنة ، أن نظل غير مبالين بمصير بلدنا الجميل." ، ولا يمكن لأي وطني حر يحب بلده ويقرأها إلا أن يؤيد محتواها و يهب للدفاع عن بلده في مواجهة الخطر، أي خطر كان.
قد يشك المواطن الفرنسي العادي في كلام السياسيين، لكنه لا يمكن له أن يشك في صدق حماة الوطن خاصة في بلد ديمقراطي عريق، اعتاد سكانه على ثقافة ديمقراطية تجعل العسكر بعيدا عن السياسة إلا في الحالات الاستثنائية، وبعيدا عن الحكم إلا في ظرف الطوارئ الكبرى، ومن ثمة ولتبرير خروجهم المفاجئ هذا ولجوئهم إلى الإعلام، وعدم احترامهم لواجب التحفظ الذي يلزمهم بعدم الخوض في الأمور السياسية بالوضع المزري للبلد، متهمين حكام فرنسا الحاليين بالتهاون في حماية فرنسا من الخطر المحدق الذي بات على الأبواب، قدّم العسكر توصيفا غير دقيق، لا يعكس الحقيقة بقدر ما يعكس تخوفات مبنية على منطق صراع الحضارات، ومخاوف تظهر إيمانهم بنظرية الاستبدال الكبير، وقربهم من أوساط اليمين المتطرف.
من خلال قراءتنا للرسالة، يظهر وكأن فرنسا تحولت إلى كانتونات ذات استقلال ذاتي ترفض القانون الفرنسي، وفي طور الانفصالية عن الجمهورية، وتقترب من إعلان تطبيق الشريعة، وهي مغالطة كبرى، فالضواحي وهذه الأحياء تعاني أكثر ما تعاني من الفقر والتهميش، تعاني من انتشار المخدرات والجريمة المنظمة، تعاني من اليأس والقنوط، تعاني من معضلات اجتماعية جمة، ومشاكل نفسية تدفع بالعديد من الشباب إلى اختيار الانتحار بطريقة بطولية، وهي طريقة القتل والإرهاب فيموت الرجل حسب قناعته وتصوره على منصة الشهادة والبطولة، بينما هو في الحقيقة مجرم سفاح جبان، لم يستطع مواجهة الحياة فهرب بطريقة نذلة خبيثة، تجر الويلات على بني جلدته وعقيدته.
يغذى هذا التطرف علاوة على الجهل المركب والفقر واليأس، من قبل مواقف الإعلام المتحامل وانتهازية الساسة الشعوبيين التي ترد كل أسباب مشاكل فرنسا إلى هؤلاء الشباب، وصل حد التنديد بقرار قضائي والتظاهر للمطالبة بإعادة محاكمة رجل أسود البشرة مسلم الديانة، أكدت كل نتائج الخبرات الطبية النفسية مشاكله النفسية نظرا لتعاطيه الكبير للمخدرات، فحكمت المحكمة بعدم مسؤوليته جنائياً عن قتل امرأة يهودية ، وإيداعه مركزا صحيا للطب النفسي، فثارت ثائرة البعض وشككوا في نزاهة القضاء و وإعطائه رخصة لقتل اليهود ، دفعت فرانسوا مولينز نفسه، وهو النائب العام في محكمة النقض المكلف بالقضايا الإرهابية للتخلي عن واجب التحفظ لينفي تهمة "تراخي العدالة أمام الإرهاب"، والدفاع عن قرار المحكمة.
ترفض الرسالة كل تنديد بالعنصرية وكل دراسة حول الكولونيالية وحقبة الاستعمار الفرنسي، وترفض كل مراجعة لهذا التاريخ أو أي نوع من الاعتذار ولو كان أكاديميا، وتعتبر هذا نوعا من تحقير لفرنسا وثقافتها وتقاليدها، وعدم احترام لتاريخها العظيم وتهجم على الأمجاد.
هل ستخضع فرنسا لمطالب هؤلاء القادة الذين يرفضون علانية منطق الحكمة والتبصر، ويطالبون بتعويضها بمنطق المواجهة، وبالتحلي بالشجاعة والحزم وعدم التهاون في أخذ الأمور بجدية أكثر ، كما يطالبون بالتسريع بأخذ الإجراءات وعدم التسويف وإلا فإن الحرب الأهلية ستضع حدا لهذه الفوضى المتنامية ، حسب قولهم محتجين بالمقولة التي تقول: "عندما يكون الحذر في أي مكان، تغيب الشجاعة من كل مكان Quand la prudence est partout, le courage n'est nulle part. " .
ماذا دهى فرنسا وفي أي مسار تسير وأي طريق تسلك؟ هل تتفكك حقا وهل حضارتها في أفول؟ هل أخذت المنحدر الذي سيمضي بها إلى الهاوية؟ أسئلة لا يمكن للمتابع إلا أن يطرحها وهو يلاحظ ما يقع من انجراف حاد في اتجاه قد يصل بفرنسا فعلا إلى ما تخشاه الرسالة، لا لأنها وضعت الأصبع على الجرح بل لأنها تزيد من تأزيم الوضع السياسي الفرنسي المترهل وتزيده شعبوية وعنصرية وعنجهية ، والذي يعيش أسوأ أيامه منذ الحرب العالمية الثانية، فكل الأحزاب التقليدية انهارت ، والزعامات افتقدت ، والشخصيات القوية غابت ، ولم يبق في المشهد السياسي للوصول إلى سدة الرئاسة إلا امرأة عنصرية تستثمر في الكراهية والعنصرية ومحاربة المهاجرين، في مواجهة رئيس متلون تلون قوس قزح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.