انتقد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الطابع التجزيئي لمشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، معتبرا أن طرح المشروع تم بمعزل عن قانون الصحافة والنشر والنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، رغم الارتباط البنيوي والوظيفي بين هذه القوانين التي تشكل كتلة واحدة تمثل مدونة الصحافة والنشر. جاء ذلك، في مذكرة بشأن مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بناء على طلب رأي توصل به من طرف رئيس مجلس النواب، بتاريخ 16 يوليوز 2025.
وأكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ضرورة توخي الانسجام التشريعي من خلال مراجعة هذه القوانين في إطار حزمة موحدة تسمح بتوفير رؤية مندمجة للقطاع وتفادي المقاربات التجزيئية، وتجنب وجود أي تكرار أو تعارض أو إغفال، بما يسهم في تسهيل النقاش البرلماني والمجتمعي وتحقيق الفعالية المؤسساتية، وتوفير الزمن التشريعي.
وسجلت المذكرة، "غياب نسق منطقي في ترتيب محاور النص وأبوابه"، مبينة أن البناء الهيكلي للنص يعاني من غياب التسلسل المنطقي في عرض المحاور، إذ يبدأ المشروع بتعداد مهام المجلس قبل تعريف طبيعته القانونية وتحديد شروط العضوية فيه، كما تدرج مواد الانتخاب والانتداب قبل تنظيم مبادئ الحكامة والضمانات الأخلاقية، ثم الانتقال إلى بيان المبادئ العامة المؤطرة لعملها، يليه ضبط الإجراءات وآليات العمل، مشيرة إلى أن غياب هذا الترتيب المنهجي يربك القراءة القانونية ويضعف التدرج التشريعي المنطقي للنص، مما قد يؤثر على فعالية تطبيقه.
وأوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بإعادة بناء الهيكلة العامة للنص عبر اعتماد ترتيب منطقي لمحاور القانون، بدءا بتحديد طبيعة المجلس واختصاصاته وتكوينه، ثم المبادئ العامة التي تؤطر عمله، قبل الانتقال إلى الأحكام المتعلقة بالانتخابات، المساطر، والجزاءات.
وطالبت المذكرة بتدقيق مفاهيم مثل "الخطأ المهني" و"الإخال بأخلاقيات المهنة" بتعريفات صريحة ومحكمة، تفاديا للتأويل الفضفاض في ميثاق أخلاقيات المهنة بما يجعل هذا الأخير في منأى عن أي مس أو تقييد لحرية التعبير دون أساس قانوني واضح.
وشددت المذكرة، على ضرورة مناقشة قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة بشكل متزامن مع باقي القوانين المكونة لمدونة الصحافة، مؤكدة أهمية مناقشة مشروع القانون رقم 026.25 بشكل متزامن مع إصلاح باقي القوانين المكونة لمدونة الصحافة وخاصة قانون الصحافة والنشر والنظام الأساسي للصحافيين المهنيين لضمان التقائية النصوص الثلاثة لمدونة الصحافة والنشر وانسجامها.
كما أوصت المذكرة، باعتماد صيغة أكثر توازنا في تركيبة المجلس، باعتماد صيغة توازن ثلاثي صريح بين الناشرين والصحفيين والأعضاء غير المنتمين إلى المهنة مع أولوية لخيار (21 عضوا: 7 ناشرين + 7 صحافيين + 7 مستقلين، منهم 3 ممثلين للمؤسسات الدستورية و4 أعضاء ممثلين للمجتمع لما يوفره من تماثل عددي يحد من اختلالات القرار، أو بصيغة بديلة (19 عضوا: 6 + 6+ 7 إذا تعذر الخيار الأول).
ودعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى تعزيز تمثيلية حصة فئتي الناشرين والصحفيين باعتماد التمثيل النسبي، حيث أوصى إلغاء منطق "الفائز يستحوذ على جميع المقاعد" داخل حصة الناشرين، واستبداله بتمثيل نسبي مع عتبة دنيا وتوزيع تعددي للمقاعد بين هذه الفئة نفسها على أكثر من تنظيم واحد متى توفرت الشروط لذلك.
واقترح المجلس اعتماد نمط الانتخاب القائم على التصويت باللائحة بالنسبة لفئة الصحفيين المهنيين بما يضمن تعزيز تمثيلية هذه الفئة بمختلف أجناسها الصحفية ومشاربها الفكرية المتعددة.
كما دعت المذكرة، إلى مراجعة آلية تعيين اللجنة التأديبية بما يكفل استقلالها الوظيفي والمؤسساتي عن باقي أجهزة المجلس، وذلك من خلال التنصيص على معايير قانونية واضحة للتعيين، مع مراعاة التنوع بتمثيل فئات الصحافيين والناشرين والمستقلين.
وتقترح المذكرة، التنصيص على ضمان حياد أعضاء اللجنة، عبر اشتراط التصريح بالمصالح والالتزامات المهنية والشخصية ذات الصلة، مع إقرار حق التجريح واستبعاد كل عضو تثبت في حقه حالة تضارب المصالح.
وأكدت ضرورة فصل الوظائف داخل المسطرة التأديبية من خلال تعديل المادة 83 بما يضمن الفصل الوظيفي بين من يتولى تلقي الشكايات، ومن يقرر المتابعة، ومن يصدر الحكم.
وطالبت المذكرة، بإدماج المنصات الرقمية والأشكال الجديدة للإعلام، وإحداث آلية للتدخل الاستعجالي في حالات التجاوزات الجسيمة، وتعزيز الإطار الحمائي للحقوق الدستورية للصحافيين خاصة فيما يتعلق بالسلطة التأديبية للمجلس بما يكفل ضمان مبدأ التناسب والضرورة والتدرج (…).
وفضلا عن توصيات المجلس الخاصة بمواد مشروع القانون، تتضمن المذكرة توصيات عامة تُذكر من خلالها بأهمية اعتماد إصلاحات جوهرية في منظومة الحق في الرأي وحرية التعبير تكفل تعزيز ضمان بيئة صحفية وإعلامية حقوقية.
ومن هذه التوصيات تأكيدها على الحاجة إلى اعتماد قانون لتداول المعلومات، وتقليص التدخل التشريعي في مجال الصحافة وتغليب منطق التنظيم الذاتي، مع التأكيد على حتمية توسيع نطاق حرية التعبير من حرية الصحافة إلى حرية الميديا.
وتتضمن التوصيات أيضا: دعم استقلالية المقاولات الصحفية كمدخل لتعزيز حرية التعبير، ومناهضة خطاب الكراهية في إطار التنظيم الذاتي ووفقا للمعايير الحقوقية، وإلغاء القوانين الجنائية المتعلقة بالتشهير واستبدالها بقوانين مدنية منسجمة مع المعايير الحقوقية، واعتماد ميثاق خاص بأخلاقيات للإشهار .