على خلفية النقاشات الواسعة التي أثارها مشروع قانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، أعلنت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، عن جملة من الملاحظات والمقترحات بشأن هذا المشروع بهدف تجويد نصه وجعله متوافقا مع المبادئ الدولية والوطنية المؤطرة لعمل المجلس الوطني للصحافة. وسجلت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، في مذكرة بشأن مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، أن هذه الملاحظات "ذات طابع استعجالي"، مؤكدة الحاجة إلى إعادة تدقيق مجموعة من مواد مشروع القانون، وضبط عناصره القانونية والحقوقية والتوجيهية لضمان ميلاد مجلس وطني للصحافة يجسد ويعزز من حرية الصحافة، ويضمن ممارسة مهنية مستقلة، يمارسها الصحافي بشكل يضمن كرامته، ويقوي من مساحة الرأي والتعبير في الجسم الصحفي لضمان تمتعه بهذه الحقوق في ظل مؤسسات مهنية قوية.
الملاحظة الأولى، للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، تتعلق ب"العدالة التمثيلية والمناصفة داخل المجلس"، قائلة: إنه "بخلاف القانون الحالي المنظم للمجلس الوطني للصحافة (الذي كانت فيه التمثيلية متوازنة بين الناشرين والصحفيين المهنيين وفق المادة الرابعة من القانون الحالي: 7 أعضاء ينتخبهم الصحفيون المهنيون بالإضافة إلى صحفي شرفي تعينه نقابة الصحفيين الأكثر تمثيلية، و7 أعضاء ينتخبهم ناشرو الصحف بالإضافة إلى ناشر تعينه هيئة الناشرين الأكثر تمثيلية)، فإن تركيبة المجلس الوطني للصحافة في الصيغة الواردة في المشروع الحالي، تخل بالتوازن في تركيب المجلس حيث غلبت تمثيلية الناشرين على حساب الصحفيين المهنيين".
ونبهت مذكرة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي توصلت "الأيام 24" بنسخة منها، إلى أن المادة 5 نصت على الانتخابات داخل فئة الصحفيين المهنيين، بينما اعتمدت الانتداب في اختيار ممثلي الناشرين.
وسجلت أنه تم التراجع في مشروع القانون الجديد عن الصيغة الواردة في القانون الحالي التي تنص على أنه "يتعين في تأليف المجلس السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة"، حيث اكتفى النص المقترح بالتأكيد على انتخاب ثلاث صحافيات مهنيات على الأقل (المادة 5)، دون التنصيص على مبدأ المناصفة بشكل شامل في تشكيل المجلس الوطني للصحافة، أو الإلزام بوجود نساء ضمن فئة الناشرين.
وأكدت أن تركيبة المجلس الوطني للصحافة في مشروع القانون الجديد تقتصر على الصحفيين المهنيين والناشرين وممثلي بعض المؤسسات الرسمية، بينما غيبت هيئات من المجتمع المدني: جمعية هيئات المحامين بالمغرب، واتحاد كتاب المغرب.
وفي مقترحاتها بشأن "العدالة التمثيلية والمناصفة داخل المجلس"، ترى المنظمة، ضرورة "ضمان التوازن في تركيبة المجلس، وضمان عدالة تمثيلية لفئة الصحفيين المهنيين وفئة الناشرين، واعتماد نمط اقتراع واحد للصحفيين المهنيين والناشرين لاختيار ممثليهم من خلال منظماتهم المهنية والنقابية".
وشددت المنظمة، على "ضرورة التنصيص على مبدأ المناصفة في تركيبة المجلس الوطني للصحافة انسجاما مع الالتزامات الحقوقية الدولية للمغرب وروح الوثيقة الدستورية"، مع "إضافة ممثلين عن المجتمع المدني إلى تركيبة المجلس الوطني للصحافة".
وتتعلق الملاحظة الثانية ب"ضمان استقلالية المجلس تجاه السلطة التنفيذية"، مشيرة إلى أن المادة 6 من المشروع الجديد تنص على أن "الحكومة تعين مندوبا لها لدى المجلس يعهد إليه بمهمة التنسيق بين المجلس والإدارة، ويحضر اجتماعات المجلس بصيغة استشارية".
وبعد أن أكدت المنظمة، أن "قوة المجلس ونجاعته تتوقف على مدى استقلاليته عن كل سلطة"، اعتبرت أن "تواجد مندوب تعينه الحكومة قد يفهم منه أنه محاولة لفرض وصاية حكومية على المجلس، أضف إلى ذلك فإن مهام التنسيق الموكولة لهذا المندوب الحكومي كما تم طرحها في المشروع يمكن أن يمارسها رئيس المجلس نفسه"، مقترحة "حذف هذه المادة، حفاظا على استقلالية المجلس اتجاه السلطة الحكومية".
أما الملاحظة الثالثة، ب"سلطة المجلس التأديبية والزجرية"، إذ اعتبرت المذكرة، أن مشروع القانون الجديد منح صلاحيات واسعة في مجال التأديب، فبالإضافة إلى التنبيه والإنذار والتوبيخ، والسحب المؤقت للبطاقة، فإنه حدد سحب البطاقة لمدة لا تتجاوز سنة، وفي حالة العود يتم السحب لمدة لا تتجاوز ثلاث (3) سنوات، ولم يتركها للسلطة التقديرية للمجلس.
وأردفت أن المشروع الجديد، "أضاف مقتضى جديدا يتعلق بتوقيف إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الإلكترونية لمدة لا تزيد عن ثلاثين (30) يوما"، مستدركة: "لكن في الصيغة النهائية للمشروع كما تمت المصادقة عليه في مجلس النواب تم الاحتفاظ بمضمون النص مع حذف المقتضى المتعلق بتوقيف إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الإلكترونية".
ولاحظت المذكرة، أنه "بعد حذف الغرامة المالية المفروضة في القانون الحالي على المؤسسات الصحافية، وكذا حذف المقتضى المتعلق بإيقاف الدعم المالي الممنوح للمؤسسة الناشرة المعنية، وبعد أن حذفت اللجنة المقتضى المتعلق بتوقيف إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الإلكترونية، فإن سيف الرقابة أصبح مسلطا بشكل أساس على رقبة الصحفيين المهنيين، وكأن مسألة الأخلاقيات تهم الصحفيين ولا تعني البتة المؤسسات الإعلامية التي يشتغلون فيها".
وبخصوص مقترحاتها بشأن "الصفة التأديبية والزجرية"، اعتبرت المنظمة، أن "منح مشروع القانون الحالي صلاحيات تأديبية واسعة في حق الصحفيين المهنيين بشكل أساس تصل إلى حد سحب بطاقة الصحافة لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، يتجاوز مفهوم التنظيم الذاتي ويقترب أكثر من نموذج التدخل الرسمي المباشر".
واقترحت أن "يكون للمجلس سلطة أخلاقية ومعنوية Autorité Morale لا سلطة تأديبية. ونقترح بهذا الخصوص أن يركز المجلس أكثر على الوساطة والتحكيم والتكوين كما هو معمول به في بعض النماذج العالمية".
ودعت المذكرة، إلى إحاطة العقوبات التأديبية الواردة في نص مشروع القانون بعدة ضمانات من قبيل الإخطار، التناسب، والتدرج، والطعن، إضافة إلى العلنية.
وتتعلق الملاحظة الرابعة ب"نشر تقارير المجلس"، إذ لاحظت المذكرة، أن "مشروع القانون لا يلزم المجلس بنشر تقاريره سواء السنوية أو الموضوعاتية"، مبينة أن "المادة المعدلة من قبل مجلس النواب أشارت إلى أن المجلس يحيل نسخة من تقاريره إلى الحكومة دون الإشارة إلى ضرورة إحالتها إلى البرلمان، كما أنها لا تلزمه بنشر تقاريره حتى تكون متاحة للعموم".
واقترحت، في هذه النقطة، "التنصيص بشكل واضح على إلزامية إحالة المجلس الوطني للصحافة – إلى جانب ما هو منصوص عليه في مشروع القانون – لنسخ من تقاريره إلى السلطة التشريعية (البرلمان) للمناقشة أمام اللجنة البرلمانية المختصة بالموضوع".
كما اقترحت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ضرورة "التنصيص صراحة على إلزامية نشر كل هذه التقارير التي يصدرها المجلس الوطني للصحافة بجميع الوسائل المتاحة بما في ذلك نشرها عبر الموقع الرسمي للمجلس".