كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن وجود أعطاب مزمنة في مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة؛ حيث ينتهك هذا المشروع الدستور، ويكرس للتسييس والانحياز والاستحواذ والهيمنة وتضارب المصالح، ويتجاهل الأشكال الجديدة كالبودكاست والمدونات، ولا ينص صراحة على حرية التعبير وحق الصحافي في الحصول على المعلومة، فضلا عن احتوائه على اختلالات جسيمة في المسطرة التأديبية. وأوضح المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مذكرة له حول المشروع أن الأعطاب في هذا النص التشريعي تمتد من الشكل إلى المضمون، ابتداء من غياب الديباجة الذي يعد عيبا يؤثر على وضوح القانون وغايته ويضعف من بنيته التأويلية، مما قد يفضي إلى تطبيقات تجافي الضمانات الدستورية والحقوقية التي يفترض أن يكرسها النص.
وانتقدت المذكرة الطابع التجزيئي للمشروع، بطرحه بمعزل عن قانون الصحافة والنشر، والنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، ودعت إلى توخي الانسجام التشريعي من خلال مراجعة هذه القوانين في إطار حزمة واحدة. وسجلت المذكرة غياب نسق منطقي في ترتيب محاور النص وأبوابه، ما يفرض إعادة بناء الهيكلة العامة. إلى جنب ضرورة تعريف المفاهيم ذات الطابع التأديبي، عبر تدقيق مفاهيم مثل "الخطأ المهني"، و"الإخلال بأخلاقيات المهنة" بتعريفات صريحة ومحكمة، تفاديا للتأويل الفضفاض الذي قد يمس أو يقيد حرية التعبير. ومن حيث الموضوع، سلط المجلس الضوء على أن المشروع يطرح غموضا في الوضعية القانونية للمجلس الوطني للصحافة والعاملين فيه، وما إذا كان خاضعا للقانون الخاص أو أحكام القانون العام، ما يفرض رفع هذا الغموض. وانتقدت المذكرة عدم التنصيص الصريح في المادة 2 على ضمان حرية الفكر والرأي والتعبير وحق الصحافي في الحصول على المعلومة الموجودة بحوزة الحكومة والتعليق عليها، مسجلة غياب مسطرة تؤطر سحب البطاقة المهنية ما يفضي إلى المس بحقوق الصحافي، ودعت إلى حصر هذا السحب على الحالات الخطيرة التي يكون فيها تعبير المعني وما نشره خارج حدود الحماية الدولية للحق في حرية التعبير، وبما لا يتعارض مع المادة 19 والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وأكد مجلس حقوق الإنسان أن المسطرة التأديبية في المشروع تخل بضمانات المحاكمة العادلة، كما أن هذا النص يطرح إشكالية استقلال اللجنة التأديبية، وغياب الحيادية والاستقلالية، كما يشرع الجمع بين سلطات الاتهام والتحقيق والبت داخل لجنة الأخلاقيات، فضلا عن وجود جملة من الثغرات في المسطرة التأديبية تمس بشكل مباشر ضمانات الدفاع. كما أن النص، حسب ذات المصدر، يكرس غموضا في تحديد الأفعال التأديبية المخالفة، وتغيب فيه أي ضمانة للتناسب بين الخطأ والعقوبة، ما قد يفضي لفرض جزاءات غير متكافئة على الصحافيين تمس جوهر الحق في حرية التعبير وتضعف الثقة في العدالة التأديبية، فضلا عما ينطوي عليه النص من ازدواجية محتملة في العقوبات بين المسطرتين التأديبية والقضائية. وحذرت المذكرة من إمكانية هيمنة تنظيم واحد للناشرين على المجلس، واحتمال توجيه قراراته بما يخدم مصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة وحقوق الجمهور، حيث يعطي النص إمكانية ترجيح كفة الطرف المعني بالرقابة والانضباط (الناشر) على حساب الاستقلالية التي يفترض أن تحميها الهيئة. فضلا عن كون المشروع لا يمنح نصيبا وازنا للجمهور داخل لجان البت، مما يطرح اشكالية احتمال تضارب المصالح ويضعف الضمانات ضد التسييس أو الانحياز. ودعا مجلس حقوق الإنسان إلى ترسيخ تعددية حقيقية واستقلال القرار عبر لجان البت، وآليات تعيين شفافة، وتمثيل عادل، مع نشر معلل للقرارات بما يخدم حرية التعبير ويصون المصلحة العامة. فضلا عن توصيته بإلغاء منطق "الفائز يستحوذ على جميع المقاعد"، واعتماد تركيبة متوازنة للمجلس، تضم 7 صحافيين ومثلهم من الناشرين والمستقلين، مع ضرورة التنصيص على مبدأ التنوع في تشكيل ورئاسة جميع اللجان بما يضمن تمثيل مختلف الفئات، مع إمكانية استبعاد كل عضو في وضعية تضارب للمصالح بشأن القضايا المعروضة عليه. وشدد على ضرورة الفصل الصريح بين هيئات التسيير من جهة وهيئات البت في الشكايات من جهة أخرى، على أن ينص التشريع صراحة على استقلال هيئات البت، ويمنع حضور ممثلي الحكومة جلسات القضايا التأديبية، مع تبني مدونة سلوك تلزم بالتصريح بالمصالح وتحدد عقوبات لخرق قواعد النزاهة، فضلا عن وجوب تعزيز الشفافية عبر الاقتراع السري ونشر المحاضر. وأكدت المؤسسة الحقوقية الدستورية أن المقاربة الحقوقية الحديثة تقتضي إعادة تعريف "الناشر" بما يشمل الإعلام الرقمي والمجتمعي والمبادرات غير الربحية، منبهة إلى أن المشروع الحالي يغفل الأشكال الجديدة مثل البودكاست، المدونات، وصحافة البيانات.