يوم بيوم نور الدين مفتاح يكتب: أصغرنا أسد نور الدين مفتاح نشر في 3 نوفمبر 2025 الساعة 10 و 50 دقيقة الوصول إلى القمة كما جرى في الدوحة وفي سانتياغو صعب، ولكن الأصعب هو أن نبقى في العلا وهو ما يستحقه تاريخ كروي يبدأ من الراحل العربي بنمبارك ويصل إلى زياش وحكيمي وزبيري ووهبي والركراكي، والقادمون إن شاء الله أجمل إذا صدقت النوايا وحسن التدبير. نور الدين مفتاح [email protected]
أستسمح الصديق الدكتور أبوزيد أن أنقل من زاويته لهذا الأسبوع بيتا من شعر أورده في سياق مختلف، لأسقطه بلا تعسف على ما جرى في ملحمة الشيلي. يقول: قالوا هل الشبل المغربي صامد قلت ليس عندنا أشبال أصغرنا أسد
صدقت. هؤلاء الذين زأورا في سانتياغو لم يكونوا أشبالا، بل أسودا بلا قيود. هؤلاء الذين لم يتجاوزوا العشرين من العمر أهدوا المغاربة فرحة العمر، وهذه ليست مبالغة. فهذا البلد المتواضع ربح كأس العالم في كرة القدم! هذا حلم يتحقق ويترقرق، هذا استحقاق طال انتظاره، فكنا على موعد مع المجد، ولهذا خرج المغاربة شلالا هادرا في غبش الصبح يحتفلون بالإنجاز وبالانتماء.
كانت الكتيبة محكمة الخطورة، وقد قادها المدرب الأنيق محمد وهبي. هم خليط بين مغاربة الهنا ومغاربة المهجر، ولكن يجمعهم القميص الوطني، عنوان المشترك الرمزي للتحدي والتألق. ياسر زبيري وعثمان معما ويانيس بنشاوش وياسين جسيم وإسماعيل باعوف وحمزة كوتون وعلي معمر وإسماعيل بختي وحسام الصادق وغيرهم… حققوا المعجزة اليوم وهم على أعتاب المستقبل، بمعنى أننا ربحنا على واجهتين، حاضر الظفر بالكأس العالمية لأقل من عشرين سنة، ومستقبل نجوم للفريق الوطني دخلوا التاريخ قبل أن يبدأوا غمار الكأس الكبرى.
هذا الإنجاز لم يتحقق بضربة حظ، بل هو ثمرة مسار بدأ من مناظرة الصخيرات في مثل هذا الشهر من سنة 2008 والتي قال فيها الملك في رسالة قاسية: «ومن التجليات الصّارخة لاختلالات المشهد الرياضي، ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور، واتخاذها مطية من لدن بعض المتطفلين عليها للارتزاق، أو لأغراض شخصية». ثم توالى العمل بضخ أموال طائلة في اللعبة، شملت تأهيل البنية التحتية والاستثمار في العنصر البشري وفي التكوين، وقد جعلنا هذا رقما صعبا في كل المنافسات الدولية حيث وصلنا إلى المربع الذهبي لكأس العالم في قطر 2022، وحجزنا المركز الثالث في الألعاب الأولمبية باريس 2024، وتألقنا مع منتخبات أقل من 17 سنة، ومنتخب السيدات لكرة القدم، ومقبلون على احتضان كأس إفريقيا للأمم بعد شهرين تقريبا، كما سننظم كأس العالم بشكل مشترك مع البرتغال وإسبانيا سنة 2030.
هذا لا يمنع من وضع الأصبع على بعض النواقص والعثرات التي لا تفسد للإنجازات قضية. فمقابل التألق الدولي، تبقى البطولة الوطنية متثائبة بتدبير شبه كارثي ومستوى بعيد جدّا عن السمعة الدولية لكرة القدم المغربية اليوم. وإذا كانت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم قد أعطت ثماراً وازنة، فإن مغاربة العالم مازالوا يلعبون دورا مركزيا في صناعة المنجزات، وهذا يسائل المنظومة الكروية المغربية التي تظل لحد الآن عصية على كل مشاريع الإصلاح، وبالتالي يبقى إيجاد بيئة كروية حاضنة كالتي تعرفها الدول المتقدمة حلما لحد الآن.
لقد تغلبنا على فرق عالمية عريقة، وهذا فخر ومنجز يستحق التنويه، ولكن، فرصتنا اليوم أكبر في أن نزيد بالحكامة إلى الأمام وأن نخرج من الشخصنة، والفساد الكروي، وبعض الندوب التي تشوه وجه منجزاتنا المشرقة، كما حدث للتمثيل لا الحصر مع فضيحة التذاكر في مونديال قطر، أو مع تورط رؤساء لأكبر الأندية المغربية في قضايا جنائية خطيرة، أو في طريقة تدبير الإعلام الرياضي.
الوصول إلى القمة كما جرى في الدوحة وفي سانتياغو صعب، ولكن الأصعب هو أن نبقى في العلا وهو ما يستحقه تاريخ كروي يبدأ من الراحل العربي بنمبارك ويصل إلى زياش وحكيمي وزبيري ووهبي والركراكي، والقادمون إن شاء الله أجمل إذا صدقت النوايا وحسن التدبير.
في نفس يوم هذا الأحد، كان هناك حدث آخر في نظري أكثر أهمية من الفوز بكأس العالم للشبان، إنه مجلس وزراء استثنائي بقراراته، وبسياق هذه القرارات. لنعد إلى ما جرى من قبل، فبعد احتجاجات اجتماعية ضد التهميش في آيت بوكماز وآيت عباس من أجل «ريزو» هاتفي وطبيب في المستوصف الجبلي، انفجرت احتجاجات أقوى ضد الموت بالمستشفى الإقليمي الحسن الثاني بأكادير بعد وفاة ثمان سيدات خلال الولادة، فكانت العدوى بنشوب ألسنة احتجاجات بعدة مدن حول مستوى الصحة العمومية الكارثي.
انطلقت حركة شبابية هي بشكل أو بآخر امتداد لحركات مماثلة في العالم، وفي نفس الوقت تمثيل مغربي قح لحركة اجتماعية داخلية بمطالب مضبوطة. خرجت حركة «جيل 212Z» من منصة ديسكورد الإلكترونية، ونزلت إلى الشارع في أكثر من 20 مدينة تطالب بالصحة والتعليم والتشغيل ومحاربة الفساد. وإذا كانت هذه الحركة قد ووجهت بالعنف الأمني في البداية، وانزلقت في بعض المدن إلى أعمال شغب وتخريب، فإنها ما فتئت أن حظيت بالسند المجتمعي وزلزلت أركان الاطمئنان الحكومي وحركت الراكد من حياة سياسية رتيبة.
وعموما انتظر الشباب والمغاربة أن يتجاوب ملك البلاد مع مطالب الإطاحة بالحكومة خلال خطاب افتتاح البرلمان منتصف هذا الشهر، إلا أن رسائل الخطاب لم تكن لتقرأ بالشكل الذي يبدو استجابة مباشرة للشارع، وهنا حدث الأسوأ عندما دخل على الخط سياسيون خطيرون على البلاد واعتبروا أن الملك انتصر لهم ضد الشباب المحتج، ورفعوا شعارات أمام البرلمان ستعرف في التاريخ بجذبة «البرلماني السيمو» ومن معه وهو يهتف «موت موت يا العدو الملك عندو شعبو»!
هذا هو السياق الصحيح الذي يجب أن تقرأ فيه مخرجات المجلس الوزاري الذي أعلن كعنوان رئيسي رفع ميزانية التعليم والصحة لتصل في قانون مالية 2026 إلى 140 مليار درهم، وهذا رقم مهول! كما تم تخصيص 24 ألف منصب شغل للقطاعين وتحفيز التشغيل عموما ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة.
وفي شق التخليق تم اعتماد مشروع قانون تنظيمي خاص بمجلس النواب لتحصين الولوج للقبة المحترمة، ومنع المتابعين في الجرائم من الترشيح، كما تم تقرير تحفيزات للشباب أقل من 35 سنة لولوج الحياة النيابية بدعم مصاريف حملاتهم الانتخابية في حدود 75٪ وتعديل قانون الأحزاب وطرق الطعن لدى المحكمة الدستورية.
هذه ببساطة رسائل كبرى يحملها عنوان واحد، وهو استجابة ملكية لمطالب شبابية اجتماعية وسياسية مشروعة. إن الذين خرجوا يصرخون بأن الشارع لا يمكن أن يلوي ذراع الدولة هم جزء من مشكلة هذا البلد، فلا هم حقيقة يغيرون على الدولة ولا هم مع الوطن كما يدعون، إنهم يميلون مع الريح حيث مالت، ولو كانوا مع الوطن لاعتبروا أن هذا العيش المشترك لا يستقيم بالعدالة الاجتماعية والحريات، وأن الدولة أصلا وجدت لتتجاوب مع المجتمع بمختلف تعبيراته، وإلا ستكون دولة صماء لن تصمد.
وفي هذا المجال ليس الضغط منكرا، بل هو وسيلة الضعفاء للتأثير في القرارات، وهل هناك من نجاح لهذه الحركة الشبابية المباركة أكثر من تحريكها للأولويات بما يعود بالنفع على المجتمع وعلى الدولة على السواء، والله يهدي ما خلق!
في هذا الأحد الأثير، كان حرف Z هو البطل، كأس العالم جاء به جيل Z الكروي، وبعض المكتسبات جاء بها جيل Z الوطني، والبلاد ربحت جيلا متألقا واعيا أبيّاً أهدانا الثقة في مستقبل مشرق، نتمنى من صميم الفؤاد ألا يسرقه الفريق الوطني للقطاطعية الذي سارت بذكره الركبان. فهنيئا لمنتخبنا وللمغرب ولجيل Z ودامت لنا المسرات.