تتبع التحضيرات الخاصة ببطولة إفريقيا القارية لكرة الطائرة الشاطئية للكبار    طقس الجمعة: أجواء حارة مع احتمال نزول برد وهبات رياح قوية    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    افتتاح الدورة ال26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة    سان جرمان يسقط في فخ بوتافوغو    موكب استعراضي يبهر الصويرة في افتتاح مهرجان كناوة    التصادم الإيراني الإسرائيلي إختبار لتفوق التكنلوجيا العسكرية بين الشرق والغرب    تطورات حريق عين لحصن.. النيران تلتهم 20 هكتارًا والرياح تعقّد جهود الإطفاء    مؤسسة بالياريا تقدّم في طنجة مختارات شعرية نسائية مغربية-إسبانية بعنوان "ماتريا"    وزير الداخلية يودّع شقيقته الكبرى بجنازة هادئة وبدون بروتكول ومتواريا عن الأنظار    العيون.. رئيس "سيماك": التجربة التنموية في الأقاليم الجنوبية للمغرب نموذج يحتذى على الصعيد القاري    كوت ديفوار تجدد تأكيد "دعمها الكامل" للمبادرة المغربية للحكم الذاتي    انطلاق فعاليات النسخة الأولى من ملتقى التشغيل وريادة الأعمال بطنجة    ميسي يقود ميامي إلى هزم بورتو    حكومة أخنوش تصادق على إحداث "الوكالة الوطنية لحماية الطفولة" في إطار نفس إصلاحي هيكلي ومؤسساتي    "عائدتها قدرت بالملايير".. توقيف شبكة إجرامية تنشط في الهجرة السرية وتهريب المخدرات    رئيس النيابة العامة يجري مباحثات مع وزيرة العدل بجمهورية الرأس الأخضر    تغييرات في حكامة "اتصالات المغرب"    بعيوي يكذب تصريحات "إسكوبار الصحراء"    الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يستقبل وزيرة العدل بجمهورية الرأس الأخضر    البيت الأبيض: موقف دونالد ترامب من إيران "لا يجب أن يفاجئ أحداً"    ماركا: ياسين بونو "سيد" التصديات لركلات الجزاء بلا منازع    إصدار أول سلسلة استثنائية من عشرة طوابع بريدية مخصصة لحرف تقليدية مغربية مهددة بالاندثار    الحرب الامبريالية على إيران        الأحمر يلازم تداولات بورصة البيضاء    المغرب والولايات المتحدة يعززان شراكتهما الأمنية عبر اتفاق جديد لتأمين الحاويات بموانئ طنجة المتوسط والدار البيضاء    نشرة إنذارية تحذر المواطنين من موجة حر شديدة ليومين متتاليين    "مجموعة العمل" تحشد لمسيرة الرباط تنديدا بتوسيع العدوان الإسرائيلي وتجويع الفلسطينيين    هل يعي عبد الإله بنكيران خطورة ما يتلفظ به؟    أخبار الساحة    بنكيران يهاجم… الجماهري يرد… ومناضلو الاتحاد الاشتراكي يوضحون    مجازر الاحتلال بحق الجوعى وجرائم الحرب الإسرائيلية    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    تعدد الأصوات في رواية «ليلة مع رباب» (سيرة سيف الرواي) لفاتحة مرشيد        الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    ست ميداليات منها ذهبيتان حصيلة مشاركة الرياضيين المغاربة في ملتقى تونس للبارا ألعاب القوى    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسيحيون في بلاط السلاطين المغاربة : 20 ألف مومس في مراكش سنة 1884 وقصة ساحة جامع الفنا مع الفنون الشعبية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 07 - 09 - 2010

ما الذي نعرفه عن المسيحيين في بلاطات السلاطين المغاربة منذ العهد الموحدي والسعدي؟!.. هل نعلم أن القائد الذي قاد بحنكة معركة وادي المخازن، مع السلطان عبد الملك السعدي، والذي أخفى وفاته عن جنده حتى يواصلوا انتصارهم، هو القائد والحاجب رضوان العلج، البرتغالي الأصل والمسيحي الذي أسلم بعد أسره، وأنه ساهم في الإنتصار على ملك البرتغال وقائدها في تلك المعركة الشهيرة، سلفستر؟!.. ما الذي نعرفه عن مسيحيي السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله؟!.. وعن الفرنسي عبد الرحمان دوسولطي؟!.. ما الذي نعرفه عن القائد العسكري إيركمان؟!.. إنها بعض من المساحات النادرة في تاريخ بلادنا، التي سنحاول تتبعها في هذه السلسلة من المقالات، من خلال الإعتماد على كتابات الفقيه السلاوي الناصري، صاحب كتاب «الإستقصا في تاريخ المغرب الأقصى»، وكذا كتابات الباحث الأنثربولوجي الفرنسي دولامارتينيير، الذي نواصل ترجمة رحلته في مغرب القرن 19.
بنيت مراكش على أرض كانت بها دوما حدائق غناء، بدليل أن أغلب أحياء المدينة القديمة تحمل أسماء نباتات وحدائق. هكذا نجد اليوم الحي القديم والحي الجديد لحدائق رياض الزيتون، مثلما أن هناك حي رياض عروس، وحي جنان بنشكرة قرب قصر الباهية، ثم عرصة مولاي موسى غير بعيد عن حي اليهود، ثم هناك حي جنان الصدر الأعظم بوعشرين.
يتكون وسط المدينة من حي المواسين وحي سيدي عبد العزيز، بينما الإقامة السلطانية، أي دار المخزن والقصبة، فقد كانوا دوما في جنوب المدينة، تفصلهما عن باقي الأحياء مساحات أرض جرداء واسعة. [ حي المواسين بمراكش لا يزال قائما إلى اليوم، وهو قريب من حي القصور، غير بعيد عن ساحة جامع الفنا. وكان الحيان معا يضمان منازل الأغنياء بالمدينة منذ القدم، إذ بها رياضات واسعة وجميلة. وأغلب الرياضات التي باعها الأحفاد اليوم للأروبيين بملايين الدراهم توجد بهذه الأحياء، وهي للحقيقة تضم نفائس نادرة لا أحد يعرف قيمتها، خاصة أنها لم تشهد أي بحث إركيولوجي لاكتشاف المخبوء فيها، خاصة الغرف التي تحفر تحت الأرض والتي كانت مخازن سرية للعديد من النفائس. إن الحيطان هناك كاتمة أسرار، وجزء هائل من ذاكرتنا الجماعية يباع بأبخس الأثمان للأجانب. أما حي سيدي عبد العزيز، فهو حي الفقراء دوما بالمدينة القديمة بمراكش، وهو حي ينسب إلى ضريح سيدي عبد العزيز التباع، أحد رجالات مراكش السبعة. - م - ].
لقد تم نقل حي اليهود بدوره، إلى المنطقة السلطانية، في عهد السعديين. وتعتبر ساحة جامع الفنا الرابط بين وسط المدينة ومقر دار المخزن. الساحة هذه، التي تعني «ساحة الفرح»، لا علاقة لها بالفرح [!!]. المكان محاط بالكثير من القاذورات وبعض الدور المهدمة، ما عدا منزل وحيد، بشع في شكل بنائه، والذي يقيم فيه «القايد ماك لين» قائد المدفعية في الحرس الشريفي. [القايد ماك لين هو مواطن عسكري إنجليزي عمل بدار المخزن في عهد السلطان مولاي الحسن الأول. ولقد احتك به الكاتب بمراكش سنة 1884، تاريخ أول زيارة له للمدينة. وهي الفترة التي يحكي عنها هنا. - م - ]. لكن، ما يهب للمكان رونقا، هو الإمتداد الذي يبدو في الأفق لجبال الأطلس، ثم صومعة الكتبية الشامخة في السماء، والتي تكتسب لونا ذهبا مع كل شمس أصيل، مما يعطي للمكان منظرا أخادا وآسرا. ثم إن أكبر تجمع بشري يمكن أن تسعد به وتحتك به، يوجد في ساحة جامع الفنا بالتحديد. كل المهن هنا، باعة الخردة وقطع الحديد البالية، زجاجات قديمة مستعملة، علب عتيقة، والعديد من الأشياء المستعملة البالية، القادمة في رحلة مثيرة من أصقاع بعيدة. ثم، نجد أهل الحرف والمهن، المتخصصون في وضع جبيرة الكسور [الجبارون]، والحلاقون وأهل الحجامة، ثم باعة الأدوية الشعبية، والعديد من الباعة الآخرين. الجميع يجلس تحت خيام صوف. فيما العطارون يعرضون موادهم على الأرض، التي تتضمن بعضا من المواد المخدرة العجيبة، مثل دقيق الثعابين المجفف في زجاجات خاصة. وهياكل عصافير وبوم وحمام وعدد من الحيوانات المفترسة، مثل الثعالب والسرعوب وزغب غزال الصحراء وعظام عدد من الحيوانات غير المعروفة الأصل.. الكل موضوع فوق مصطبة من خشب متهالكة.
يعتبر الحلاقون الأكثر حركة، لأنهم منهمكون دوما في العمل. وتمة ظاهرة مثيرة، تجعل البسطاء من الناس، يتجهون إلى هؤلاء الحلاقين وأهل الحجامة، من أجل أن يمتصوا لهم بعضا من دمهم، بضربة من قصبة مبراة في العنق. يوضع على الجرح، قليل من غبار النحاس، ويشرع الحلاق في امتصاص الدم بفمه ويضعه في زجاجة خاصة. العملية بسيطة، نظيفة وسريعة، يستشعر المواطن بعدها راحة كاملة ويتبعها بحلق رأسه، قبل أن يغادر بقلب أكثر خفة، ويعبر من أمام جمع من الزبناء الجالسين القرفصاء ينتظرون دورهم.
يعتبر وسط ساحة جامع الفنا، المملكة الخاصة للحكواتيين وأصحاب حلقات الرقص والغناء. هنا، تجد جماعة من المتفرجين متحلقين، يصغون باستغراق وبأفواه مفتوحة، لمغن يحمل في يده دفا. هناك، في الجوار، تملك فرقة موسيقية شعبية قوة إجبار تجمع آخر من الناس على الجلوس للإنصات. إن المكان فضاء للتفريغ والترويح عن الذات، والجميع غير مهتمين بالقذارة المحيطة بالمكان. في حلقة أخرى، نجد فرقة البهلوانيين المهرة، وهي فرقة تعرف ب «سيدنا موسى»، وهم أناس قادمون من «تازروالت»، ولهم دربة عالية في ممارسة الألعاب البهلوانية. أحدهم يعدو سريعا في مكان ضيق ويقوم بدوران على ذاته بسرعة فائقة، فيما يقف متعاضدين في ما يشبه سلما متشابكا في السماء، رفاق له شداد، حليقي الرؤوس، وكلهم يرتدون بدلة موحدة فاتحة اللون وعليها صدريات سوداء مزينة برسوم بيضاء. [ منذ نهاية الخمسينات من القرن العشرين، أصبحت تلك الصدريات حمراء عند بهلوانيي «سيدي حماد أموسى». وهم مريدون تابعون لزاوية تزروالت بسوس، وبالتحديد بضريح سيدي حماد أوموسى بإقليم تزنيت. ولا تزال هذه الفرق البهلوانية موجودة بكثرة في مدن الجنوب المغربي بين مراكش وتنزنيت، مرورا بأكادير وتارودانت ووصولا حتى وارزازات في أقصى الشرق السوسي. وهي فرق تجوب الدواوير والأسواق وساحات العرض العمومية الشعبية بالمدن المغربية الجنوبية. ويندر أن تجدهم في مدن الشمال إلى اليوم. وللحقيقة، فإنها فرق جد منظمة، عناصرها مدربون تدريبا عاليا على ما تتطلب العمليات البهلوانية من رشاقة. ولهم دوما زي موحد وجميل. بل يمكن اعتبارهم الفرقة الشعبية الرياضية القادمة من البوادي المغربية، الوحيدة، المنظمة بذلك الشكل الإحترافي العالي، وكثيرا ما ربط بين احترافيتها تلك والإعتقاد ببركة الولي الصالح الذي ينسبون إلى ضريحه، لهذا كان ودهم مطلوبا، وكثيرا ما كانت تقدم لهم الأعطيات بشكل وافر. - م - ].
مكان التجمع الأكبر في ساحة العروض بجامع الفنا، هو ذلك الذي تكون فيه الفرق الغنائية الأمازيغية القادمة من سوس. يكون هؤلاء مرتدين لباسا أبيض طويل لها حزام ملفوف في الوسط ويضعون «رزة» على الرأس، ويصطف جوارهم عدد من الفتية الذين يؤدون رقصات خاصة مثيرة [فيها لعب بالكتفين متواصل]. هؤلاء الراقصون لا يصلون إلى روعة رقصات منطقة جبالة في الشمال المغربي، التي تتميز بحذاقة أكبر. ثم هناك في الجوار، لاعبوا النار، الذين يتشبهون بأهل عيساوة [الذين أصلهم من مكناس بضريح الهادي بنعيسى، ولا تزال فرقهم قائمة إلى اليوم بذات الطقوس العنيفة، ولهم موسم سنوي يقام مع كل احتفاء بذكرى مولد الرسول الكريم - م -]. إنهم يوهمون الناس بشرب النار والماء المغلي، والحال أنهم يشربون من أباريق مفصولة في الوسط بغشاء صلب. وهؤلاء في الحقيقة فنانون مبدعون، لأنهم بأدوات وتقنيات بسيطة ينجحون في إبهار الحضور ب «بركاتهم» التي لا يرقى إليها الشك عند العامة. هؤلاء العامة الذين لا يترددون في نفحهم الأعطيات والتصفيق لهم مطولا.
بين تلك الجموع الهائلة التي تملأ ساحة جماع الفنا حتى مغيب الشمس، يحدث أن تصادف نساء متلحفات بلحاف أبيض، محجبات، لكنهن يحرصن على إظهار بعض الغنج. لقد فوجئت بتقنياتهن في الإغراء للوقوع على زبون بعد هبوط الليل، كلهن يلبسن في أرجلهن بلغة مزينة بألوان صفراء فاتحة. الجميع هنا، يصنفهن في مرتبة وضيعة، وتمة حديث أنه بمراكش توجد 20 ألف بائعة هوى. [ هذا رقم غير رسمي وهو مبالغ فيه من قبل دولامارتينيير. لكن ما هو مؤكد هو أنه كان في عرصة مولاي موسى، وأيضا في «عرصة الحوثة» بمراكش، القريبة من حي ضباشي، تجمع كبير لبيوت الهوى خلال القرن 19 والنصف الأول من القرن العشرين. وكان يشرف عليها قائد خاص ينظم عمل الفرق الغنائىة، وأيضا دور الدعارة ويراقبها، إسمه القايد بوفسيو. ومع السنوات الأولى لاستقلال المغرب، ألغيت هذه المهمة، وصدر قرار بمنع تخصيص أحياء في المدن المغربية لبائعات الهوى. هذا ما حدث في مراكش وكذلك في فاس وطنجة والدارالبيضاء، التي كان بها حي بوسبير القديم، المعروف كحي للدعارة رسميا - م - ].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.