مكتب التكوين المهني/شركة "أفريقيا".. الاحتفاء بالفوجين الرابع والخامس ل"تكوين المعل م" بالداخلة    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الخميس    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفريق الاشتراكي يشكك في قدرة الحكومة على تنفيذ الاصلاح وينبه إلى أن المصداقية الدولية للاقتصاد الوطني في خطر

تدخل النائب عبد العالي دومو باسم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية رقم 115.12 للسنة المالية 2013 المنعقدة يوم الجمعة 23 نونبر 2012. وقد كان تدخل الفريق كالتالي:
"تندرج قراءة الفريق الاشتراكي لمشروع قانون المالية برسم 2013 ضمن مقاربة تقييم المسار الإصلاحي الذي دشنه المغرب مع حكومة التناوب في نهاية التسعينات. ذلك المسار الذي تميز باعتماد إصلاحات مهمة أنتجت تراكمات تنموية حقيقية في مجموعة من المجالات.
وعلى غرار جميع السياسات المتفاعلة مع السياقات المحلية والدولية، فقد استنفد هذا المسار مهامه وهوامشه تحت وقع تراجع متصاعد للقدرة المؤسساتية للدولة، وضغط المطالب الاجتماعية والحراك الاجتماعي والسياسي الذي تعرفه البلاد، وآثار الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الوطني، بعد أن حقق تحولات كبرى غيرت من وجه المغرب سياسيا ومؤسساتيا واقتصاديا، وعلى مستوى التجهيزات والخدمات الأساسية.
وتتوخى هذه القراءة إبراز المكتسبات التنموية الذي حققتها البلاد، والتي لعب الاتحاد الاشتراكي دورا طلائعيا في إنجازها، كما تتوخى إبراز المحدوديات التي يعرفها نمط التنمية المعتمد وضرورة إعمال جيل جديد من الإصلاحات البنيوية تمكن من الاستجابة إلى المطالب الاجتماعية المتزايدة والملحة.
وفي هذا السياق، ومن منطلق موقعنا في المعارضة نتحمل مسؤوليتنا في حصيلة الانجازات المحققة منذ 1998، ونرى من مسؤولياتنا تشخيص الاختلالات التي مازالت تعيق توسيع الرقعة الاجتماعية والمجالية للمستفيدين من المسار التنموي للبلاد. ومن البديهي أن نتساءل اليوم عن مدى قدرة الحكومة الحالية على ربح الرهان التاريخي الذي جاءت في سياقه، والذي يكمن في ضرورة تفعيل مقتضيات الدستور الجديد من خلال إصلاحات بنيوية للدولة من أجل تقويم أدائها، والرفع من مردودية القطاع العمومي في إنتاج الخدمة العمومية.
طبيعة الائتلاف الحكومي لا تسعفه في امتلاك الرؤية التي من الضروري ان تمتلكها حكومة سياسية
وقبل ذلك، نود أن نطرح بعض التساؤلات التي نراها مشروعة:
قانون المالية برسم سنة 2013 الذي جاء انتقائيا وغير هادف ولن يمكن من تحقيق النتائج الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها وضعية البلاد
أولا: إننا نتساءل عن مدى قدرة الحكومة الحالية على تنفيذ الإصلاح بحكم تركيبتها وبحكم توليفتها غير القابلة للتوليف، وهو ما يتجسد في الصراعات والمعارك المندلعة بين مكونات الحكومة، مكونات تريد ان تمارس الحكم وتمارس المعارضة في نفس الآن.
ومن جهة أخرى، فإن طبيعة الائتلاف الحكومي لا تسعفه في امتلاك الرؤية التي من الضروري أن تمتلكها حكومة سياسية تتحمل مسؤوليات قراراتها التي قد تفقدها بعض شعبيتها ولكنها ضرورية لمستقبل البلاد. هكذا مثلا، وتجنبا لتصدع الائتلاف قرر التحالف الحكومي الحالي الاستمرار دون تقييم أو تقويم أو شروط في سياسات قطاعية استنفد بعضها مهامه ولم يعد ناجعا. وقد تجسد هذا الهاجس أيضا في توزيع الميزانية الذي تحكمت فيه الهواجس الحزبية أكثر من أي شيء آخر.
ثانيا: نتساءل عن مدى قدرة الحكومة، على أجرأة جريئة للإصلاحات البنيوية التي يفرضها تفعيل الدستور وتتطلبها الاستجابة لانتظارات المواطنين، نقول هذا ونحن ندرك مدى ابتعاد ممارستها بشأن الإصلاح، عن هذا الهدف.
ثالثا: نتساءل كذلك عن قدرة هذه الحكومة على الإبداع والتخطيط والتنفيذ ونحن نقف من خلال قراءتنا لقانون المالية 2013 على غياب أية رؤية منسجمة للحكومة لتقويم آثار الاختلالات الليبرالية المتوحشة التي تهدد الاستقرار الاجتماعي للبلاد، في اعتماد سياسة اقتصادية واجتماعية تمكن من تقوية تنافسية اقتصاد السوق وتضمن في نفس الوقت التماسك الاجتماعي الضروري للاستقرار.
انطلاقا من هذه المقاربة يتحمل الفريق الاشتراكي مسؤوليته كاملة في تحذير وتنبيه الحكومة من المضاعفات الاجتماعية والسياسية السلبية التي قد تنتج عن الأداء الحكومي والمتمثلة اليوم في قانون المالية برسم سنة 2013 الذي جاء انتقائيا وغير هادف ولن يمكن من تحقيق النتائج الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها وضعية البلاد، وذلك لثلاثة اعتبارات جوهرية:
أولا: إن هذا المشروع لا يحمل في طياته إصلاحات جديدة وإجراءات إرادية تمكن عمليا من إطلاق الدينامية الضرورية للاقتصاد الوطني، وهي الدينامية التي تجسدت في الإصلاحات التي اعتمدها المغرب ما بين 2001 2010 ( وكان من مؤشراتها الأساسية معدل سنوي للنمو يقارب 5%).
ثانيا: إن قانون المالية لسنة 2013 لم يحمل أي إصلاح للسياسات العمومية من أجل تفعيل السياسة الاجتماعية المعلنة للحكومة التي بقيت حبيسة مفارقة تعيشها الدولة المغربية، مفارقة بين ضخامة الاعتمادات المرصودة للقطاعات الوزارية الاجتماعية من جهة (التعليم، الصحة، التشغيل، الأمن إلخ) وضعف نتائج و مردودية هذه السياسة الاجتماعية على أرض الواقع من جهة أخرى.
ثالثا: إن هذا القانون لا يمكن من تحصين التوازنات الماكرو اقتصادية من الانزلاقات، الشيء الذي يهدد المصداقية العالمية للاقتصاد الوطني وقدرته على الاستمرار في جلب الاستثمارات والموارد الأجنبية.
غياب الإصلاحات
البنيوية للدولة
يواجه الاقتصاد العالمي صدمات على درجة قوية من الحدة، ذلك أنه بالإضافة إلى الآثار الكارثية للأزمة الاقتصادية، تجد الدول نفسها عاجزة عن تلبية الحاجيات التقليدية للتمويل الذي يتطلبه الخروج من الأزمة وإعادة إطلاق الدورة الاقتصادية.
وهكذا، فإن الدول التي تواجه مديونية كبرى تعجز عن تعبئة الموارد المالية الضرورية لتدبير الأزمة وتلبية حاجيات المطالب الاجتماعية المتزايدة، ومرد ذلك كون النماذج الاقتصادية التقليدية التي استوحت منها السياسات العمومية المالية، توجد اليوم في مأزق. وفي المقابل تبدو الوصفات الكبرى للمدرسة الاقتصادية المبنية على التقشف أو إعادة الإطلاق الاقتصادي، عاجزة أمام حجم التحديات .
وتتعرض التوازنات المالية العمومية للاهتزاز بسبب حاجيات تمويل عمومي مفرط في الإنفاق وضعيف النجاعة، وبسبب المأزق المالي الخطير الذي تغرق فيه صناديق التقاعد وبسبب العجز المتزايد لصندوق الموازنة.
وينجم عن احتدام الأزمة العالمية، ضيق هامش المناورة مما يجعل ضرورة الاستدامة المالية في قلب الأولويات. ومع كامل الأسف فإن مشروع قانون المالية لا يستحضر هذه الإكراهات والهواجس.
وفي وضع مثل هذا يكمن هامش المناورة الممكن للخروج من هذا المأزق، في تحسين إنتاجية الدولة من خلال إنتاج خدمة عمومية بأقل كلفة ممكنة، وهو هدف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إصلاح حقيقي لمؤسسات الدولة، وهو إصلاح يتعين أن يتم، وبالتوازي، في خمسة مجالات مؤسساتية استراتيجية ومتكاملة:
إصلاح القانون التنظيمي للمالية
إصلاح اللاتركيز
إصلاح اللامركزية
-إصلاح نظام الموازنة من خلال صندوق المقاصة
-إصلاح أنظمة التقاعد.
ويتعين في جوهر هذه الإصلاحات ضمان الإنصاف الاجتماعي والمجالي والنجاعة وتكافؤ الفرص، وهي مبادئ جوهرية في الدستور الجديد..
ومع كامل الأسف فإنه لا مشروع قانون المالية الذي نحن بصدد مناقشته، ولا الوتيرة التي يتم بها تفعيل الدستور و لا السياسات العمومية، تؤشر على عزم حكومي على إعمال المشروع الإصلاحي الذي يتعين أن ينفذ حتى يكون لاعتماد دستور فاتح يوليوز مضمون سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، فالشعب المغربي لم يصادق على الدستور الجديد فقط ليسجل انه يتوفر على دستور متقدم لأن هذا الأخير لن تكون له الجدوى والنجاعة المتوخاة ما لم ينعكس على المعيش اليومي للمواطنين، وعلى علاقة الدولة بالمجتمع وعلى ضمان حقوق المواطنين.
ويمكن لتلازم الإصلاحات السابق ذكرها أن يؤدي إلى تحسين القدرة المؤسساتية للإدارات المركزية والمحلية من خلال حكامة جديدة للمالية العمومية تتأسس على تقييم النجاعة الاقتصادية والاجتماعية والترابية والمالية، وعلى جعل الفاعلين العموميين المحليين والجهويين مسؤولين أكثر في تدبير المال العام.
الاستدامة المالية
وفي حالة المغرب يمر البحث عن استدامة مالية أحسن، بالضرورة من خلال إعادة توزيع حقيقي لأدوار الدولة المركزية على المستوى الترابي. وتجد هذه الأطروحة مبررها في ضرورة تجنب سلبيات نموذج "الدولة الراعية" لفائدة" الدولة القوية" كحل للأزمة الراهنة التي توجد عليها المالية العمومية خاصة بسبب صعوبات الاستدامة المالية التي تواجهها العديد من الدول.
وتعود بوادر هشاشة المالية العمومية خلال العشرين سنة الأخيرة في المغرب إلى 2008. فبعد الفائض المحقق على التوالي خلال السنوات من 2001 إلى 2006، ما فتئ الحساب الجاري للأداءات يحقق عجزا خلال الفترة من 2008 إلى 2011 : 5,2% 5,4% ، 4,3%، و7,9% . ويكرس تطور عجز الميزانية نفس المنحى. ففي الوقت الذي كان يصل فيه إلى 2,6% فقط في 2001، ارتفع هذا العجز إلى ما يقرب 6,1% في 2011 بعد الفائض المحقق في 2006 و 2007، والذي بلغ على التوالي 0,5 + في المائة و 0,4 + في المائة. ومع ذلك فإن نجاعة السياسة العمومية التي يتعين على المغرب اعتمادها في مواجهة أزمة الاستدامة المالية، ترتبط بتحديد طبيعة هذه الاستدامة، ذلك أن السؤال المطروح يتعلق بأوجه الاختلاف والتشابه في الأزمة الحالية للاستدامة المالية.
فإذا كانت أزمة الاستدامة المالية ناجمة في الغرب عن نفاذ الموارد التقليدية لتمويل الدولة، فإن الموارد المالية العمومية في المغرب تواصل تحقيق مكتسبات هامة (خاصة في الشق الجبائي منذ 1999)، ولا تزال تتوفر على هوامش كبيرة يمكن استغلالها. ومع ذلك فإن الاستدامة المالية العمومية بالمغرب غير مضمونة في المستقبل ، إلا من خلال شفافية أكبر وترشيد أحسن للإنفاق العمومي. فعلى الرغم من النتائج الإيجابية المحققة بفضل ارتفاع المداخيل، بنسبة 100% خلال الفترة من 1998 إلى 2011، فإن النفقات العمومية ارتفعت بوتيرة أكبر من وتيرة ارتفاع المداخيل.
وهكذا فإنه إذا كانت المداخيل العادية قد تضاعفت إذ انتقلت من 88,5 مليار درهم سنة 1998 إلى 191 مليار درهم سنة 2011، فإن نسبة زيادة جميع مكونات الإنفاق العمومي ارتفعت بوتيرة أكبر:
ارتفاع كبير في الكتلة الأجرية التي ازدادت بأكثر من 90% خلال الفترة المذكورة؛
زيادة أكبر في باب النفقات المخصصة للمعدات والنفقات المختلفة حيث بلغت 180%؛
فورة في تكاليف الموازنة؛
زيادة هامة في نفقات الاستثمار.
وعلى الرغم من هذا الارتفاع الكبير في الإنفاق العمومي، فإن الولوج إلى الخدمة العمومية وجودتها لم يحققا التحسن الضروري.
وعلى العكس من ذلك يبدو أن هذه القفزة في الاستثمار العمومي، يواكبها وهذه مفارقة مسلسل إضعاف القدرة المؤسساتية للدولة أمام المطالب الاجتماعية المتزايدة وخاصة في قطاعات الأمن والصحة والتربية والعدل. وهكذا بقي الأثر المتوخى من التنمية الاقتصادية والاجتماعية محدودا بالقياس إلى الكلفة الهامة للاستثمار العمومي (188 مليار درهم في 2012، أي حوالي ثلث الناتج الداخلي الخام).
على العكس من ذلك تحقق بلدان أخرى، كتركيا والتايلاند، التي يقارب مستوى التنمية فيها المستوى المحقق في المغرب، وتخصص اعتمادات استثمار عمومي أقل مما يخصصه المغرب (حوالي 20% في المائة)، تحقق نموا اقتصاديا أعلى مما هو محقق في المغرب والشهادة هنا للبنك الدولي.
وتجد هذه المفارقة تفسيرها في الاختلاف الكبير في مستويات إنتاجية الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
ويضع تقرير للبنك العالمي يقيم أثر الإصلاحات المحققة في قطاع التربية في أهم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا برسم 2011، المغرب في مرتبة بعد الأردن والكويت ولبنان وتونس بكثير .
وبالفعل، فإن وتيرة وجودة إنجاز الاستثمار العمومي تشكلان أهم العوامل التي تجعل من ضعف حكامة القطاع العمومي العائق الرئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق يكشف تحليل وضعية النفقات العمومية بالمغرب فضاءات ظل / عتمة ((Opacit? كبيرة، لا تسمح بتشخيص الاختلالات الحقيقية لتوزيع الموارد العمومية.
وإذا كان إصلاح المالية العمومية، وفي قلبه إصلاح القانون التنظيمي للمالية، احد مرتكزات إصلاح الدولة، فإنه لن يحقق النجاعة المطلوبة ما لم يتزامن مع إصلاح اللاتركيز وإعمال اللامركزية من أجل إعمال التضامن المجالي والتوزيع العادل والمنصف للثروات، وكذا إصلاح نظام الموازنة من أجل إنصاف فئوي واجتماعي وإصلاح نظام التقاعد لجعله يتسم بالاستدامة ويفي بالغرض الاجتماعي والاقتصادي الذي أحدث من أجله وحتى لا يتحول إلى محور اصطدام بين الدولة والمجتمع.
الجهوية: رهان المستقبل
يتأهب المغرب لاعتماد إصلاح جهوي نتطلع الى ان يكون رافعة جديدة للتنمية ولتعميق الممارسة الديموقراطية ،كما يستعد في 2013 لتنظيم انتخابات محلية وإقليمية وجهوية. وقد أغفل القانون المالي هذه المواعيد التاريخية حيث لم يتضمن إجراءات تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الترابية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعكس هذا التوجه الحكومي النزعة الارتجالية وضعف الرؤية الاستشرافية وسيادة منطق الإرضاء القطاعي. وإذ نذكر برفض الحكومة وأغلبيتها لتعديلات الفريق الاشتراكي بالزيادة في موارد الجهات، نشدد على أن التعاطي الحكومي مع هذه القضايا الحيوية يتناقض والحد الأدنى المعلن عنه في البرنامج الحكومي وبرامج أحزاب الأغلبية بشأن التضامن المجالي، واستدراك العجز الاجتماعي في الأطراف.
إن الامر يتعلق بمشروع المستقبل والديموقراطية والقرب، ولا يتعين تركه للارتجال ولا يمكن تدبيره بنفس الوسائل السابقة ، نقول هذا ونحن نستحضر كيف جرت انتخابات مجالس الجهات مؤخرا.
إصلاح نظام الموازنة
نحذر من تحويل هذا الملف إلى موضوع مزايدات تتحكم فيها الاعتبارات الحزبية وإرادات التحكم.
سبق لنا منذ سنوات، ومن هذا المنبر ، أن حذرنا من تضخم نفقات المقاصة على الميزانية العامة وعلى التوازنات المالية، وفي نفس الوقت على تكافؤ فرص المواطنين في الحصول على الخدمات العمومية وعلى السلع الأساسية بالسعر الاجتماعي. وبناء على الدروس التي استنتجناها من المشاركة في تدبير الشأن العام من 1998 إلى 2007، اقترحنا عدة خطط لإصلاح نظام الموازنة، جوهرها الاستهداف المباشر وجعل الدعم العمومي يصل إلى مستحقيه من الفقراء، وجعل الدولة تسترجع الدعم الذي تستفيد منه المؤسسات والشركات والفئات ذات الدخل العالي في عدة صيغ.
ومع كامل الأسف، فإننا لم نعثر في مشروع قانون المالية على ما يجعلنا نثق بأن الحكومة دشنت بالفعل إصلاح نظام الموازنة، والذي يعتبر من الملفات العاجلة التي يجب على هذه الحكومة الانكباب عليها.
إننا لا نختلف هنا كمكونات سياسية، في كون أن نظام الموازنة تحول إلى معضلة اقتصادية ومالية بالنسبة للمغرب، وأن إصلاحه يتطلب توافقا وطنيا، وفي نفس الوقت جرأة سياسية تذهب في اتجاه جعل هذا النظام يحقق أهدافه النبيلة في التضامن والأخذ بيد الفئات المعوزة.
ومن جهة أخرى فإن برامج الاستهداف التي يتعين أن تعوض النظام الحالي، مطالبة بأن تكون ذات جودة وتتسم بالاستمرارية وتكون منتجة وتنعكس على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمستهدفين، وخاصة على نمط حياتهم ومستقبل أبنائهم.
وفي نفس الوقت نحذر من تحويل هذا الملف إلى موضوع مزايدات تتحكم فيها الاعتبارات الحزبية وإرادات التحكم.
صناديق التقاعد
لا نجد أثرا ولا مؤشرا ولا علامة على أن وضعية هذه الصناديق تقلق الحكومة.
أما الملف الآخر الذي تغافله مشروع القانون المالي، فيتعلق بإصلاح نظام التقاعد الذي بدأت مؤشرات تحوله إلى معضلة مالية واجتماعية تلوح في الأفق، قد تتحول إلى موضوع اصطدام بين الدولة والمجتمع وتكون سببا لتقويض الاستقرار الاجتماعي.
لقد سبق لحكومة التناوب أن شرعت في إصلاح هذا النظام وأخرجت هذه الصناديق من الأزمة التي كانت تتخبط فيها جراء ممارسات الريع وسوء التدبير التي عبثت بهذه الصناديق لسنوات قبل 1998.
وبفضل هذه الإصلاحات التي كانت استعجالية، والتي تطلبت ملايير الدراهم، تمكنت هذه الصناديق من الاستمرار إلى اليوم بعد أن تعافت. وبعد حوالي اثني عشر عاما على إعمال برامج الإنقاذ التي استفادت منها هذه المؤسسات، لا نجد أثرا ولا مؤشرا ولا علامة على أن وضعية هذه الصناديق تقلق الحكومة.
إن هذا الهروب إلى الأمام، بإغفال ملفات من حجم ملف التقاعد، التي تحول عجزها الى دين اجتماعي يبلغ حوالي خمسمائة مليار درهم في حين ان الموارد المتوفرة لا تتجاوز29 في المائة من الحقوق المكتسبة والمستقبلية، الشيء الذي يحتم على الدولة تعبئة 2,5 من الناتج الداخلي الخام سنويا طيلة المدة ما بين 2020 و 2050 وذلك لتجنب سيناريو التهديد بالإفلاس الذي أصبح ماثلا اليوم. ويؤشر وضع هذه الصناديق على أننا أمام تدبير حكومي غير استباقي وغير استشرافي و لا يرتب الأولويات، إذ لا يكفي الاعتراف بالأزمة المالية لصناديق التقاعد، بل المطلوب خطط حكومية عاجلة للإنقاذ، لأن في ذلك إنقاذا لأوضاع ملايين المعنيين بالأمر وأسرهم .
استمرارية غير مشروطة
في الاستراتيجيات القطاعية
إذا كنا نستحسن الاستمرار في تنفيذ عدد من الاستراتيجية القطاعية التي كنا من صناع عدد منها، فإن المسؤولية السياسية تقتضي وتفترض إجراء تقييم موضوعي لهذه الاستراتيجيات من أجل تقويمها وتحسين مردوديتها والتساؤل عما إذا كان من المجدي، أم لا، الاستمرار في بعض من هذه الاستراتيجيات. وفي هذا العمل كنا سنلمس قدرة الحكومة على الإبداع والتنسيق الأفقي والتنفيذ ،وكنا أيضا سنلمس مدى وفائها بالتزاماتها المتضمنة في البرنامج الحكومي وفي التزامات مكوناتها مع الناخبين. إننا نعتبر أن عدم اعتماد هذه المنهجية، يعكس ضعفا في رؤية الحكومة وقصورها في التنسيق والتحكيم والتنفيذ.
إنه لمن المشروع اليوم التساؤل عما إذا لن يكون من المتوقع أن يصطدم تنفيذ هذه الاستراتيجيات بمشاكل التمويل جراء نقص السيولة المالية، والذي ازداد بثمانية ملايير درهم ما بين 2010 و2012.
لقد كنا نتطلع الى أن يتوجه تقييم ومراجعة الاستراتيجيات القطاعية الى تحقيق بعض الأهداف المركزية منها:
أ-الجواب عن سؤال محدودية نجاعة الاستمرار في بعض هذه الاستراتيجيات بعد ا أن استنفدت أغراضها
ب- إعمال الالتقائية لضمان الانسجام في المخططات
ج- ضمان لامركزية التخطيط والتنفيذ لضمان التنمية المنسجمة للبلاد.
إن من السمات الأساسية لمشروع قانون المالية، الاستمرارية اللامشروطة في السياسات القطاعية المعتمدة من طرف مختلف الوزارات. وإذا كان هذا النهج يثمن تراكم المكتسبات المنجزة منذ 1998 إلى 2011 ويحافظ على التوجهات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة من طرف الحكومات السابقة، فإنه كذلك يشكو من غياب مبادرة لتقييم السياسات العمومية من أجل تقويم الاختلالات التي أعاقت نجاعة بعضها.
فالمخطط الأخضر جاء بتصور واضح لسياسة فلاحية تهدف إلى تطوير الإنتاج كما جاء بمجموعة من آليات التحفيز، بإجراءات تمكن من تحسين مناخ ووسائل الانتاج: تطوير الري الموضعي، وإصلاح المحيط المؤسساتي لقطاع الفلاحة إلخ.
وبعد أربع سنوات من التنفيذ لابد من القيام بتقييم عميق للمخطط واقتراح إجراءات من أجل التقويم.
في هذا الصدد نكتفي بسبع ملاحظات أساسية:
1- الاستفادة غير المتكافئة من إجراءات المخطط بين المستثمرين في الفلاحة من جهة وبين الفلاحين الصغار والمتوسطين، وذلك بسبب إشكالية الولوج إلى التمويل البنكي. فتحويل القرض الفلاحي إلى بنك تجاري حد من قدرته على تمويل الفلاحين الصغار والمتوسطين.
واستدراكا لهذا الاختلال، تتوجه الوزارة اليوم لإحداث آلية لتمويل الفلاحين الصغار والمتوسطين من خلال بنك للفلاحين الصغار والمتوسطين. ويبقى تفعيل تمويل الفلاح مرتبطا بضرورة رفع سقف القروض إلى 200.000 درهم و تخفيض الفائدة من 8,5% إلى 5,5%، إذ لا يعقل أن تظل القروض الفلاحية خاضعة لنسبة فائدة عالية.
2- الملاحظة الثانية: جاء المخطط الأخضر بمجموعة من التحفيزات في قطاعات إنتاجية متعددة تحمل الإدارات الجهوية والمحلية للفلاحة مسؤوليات جديدة لتتبع ملفات الدعم. ويتضح اليوم أن نجاح هذا الشق من المخطط أصبح مرتبطا بتقوية الموارد البشرية والمالية للإدارة المحلية لوزارة الفلاحة في مختلف أقاليم البلاد.
3- الملاحظة الثالثة: يهدف المخطط الأخضر إلى تطوير الإنتاج، وقد بدأ هذا الإنتاج ينمو دون مواكبة للمنتج في تيسير التسويق وتوفير اللوجستيك الضروري للتخزين والنقل.
4 الملاحظة الرابعة: ضعف في انسجام وتساوق السياسات القطاعية، فالمغرب الذي اعتمد استراتيجية قوية وواعدة لإنتاج الطاقة الشمسية، يستمر إنتاجه الفلاحي في استعمال المحروقات. هذه المفارقة تستدعي دعم الطاقة الشمسية المستعملة في الانتاج الفلاحي.
5-الملاحظة الخامسة: يعتبر تشجيع غرس الأشجار المثمرة والزراعات ذات القيمة المضافة المرتفعة إيجابيا لأنه سيمكن من تطوير صادرات المغرب، لكن تهميش زراعة الحبوب ينطوي على مخاطرة بالأمن الغذائي في مناخ عالمي يتسم بالمضاربة في الحبوب وارتفاع مستمر في أسعارها.
فقد يصبح المغرب مصدرا كبيرا لمنتوجات فلاحية عديدة، ولكن ذلك لن يحصنه من نقص في الحبوب وهو ما يهدد الأمن الغذائي للبلاد إذا لم نشجع زراعة الحبوب. إن الامر يتعلق بمسألة استراتيجية بكل المقاييس وعلى الحكومة ألا تستهين بها.
6-الملاحظة السادسة: تتعلق بدور صندوق التنمية القروية في مواكبة السياسة الفلاحية لتطوير بعض البنيات التحتية الضرورية لتطوير الإنتاج الفلاحي. فالوصاية المالية على هذا الصندوق غامضة، وتحرفه عن وظيفته الرئيسية المتمثلة في المساهمة في التنمية القروية، لأن القطاع الوزاري الأكثر امتدادا ترابيا بالوسط القروي هو وزارة الفلاحة.
7- الملاحظة السابعة: إن سياسة التحفيز المعتمدة لا ترتكز على مقاربة مجالية تمكن من تصنيف الأنشطة الفلاحية وتشجعها حسب المؤهلات المجالية في كل جهة وداخل كل إقليم.
أما النموذج الثاني للاستراتيجيات القطاعية فيتمثل في الصناعة:
السياسة الصناعية
لقد اعتمد المغرب منذ 1998 نمطا للتنمية الاقتصادية لعب الطلب الداخلي دورا أساسيا فيه. إلا أن العولمة التجارية والمالية أصبحت تفرض تدريجيا على المغرب، بالموازاة مع ذلك، تطوير صادراته من أجل الرفع من القيمة المضافة وتوفير الاحتياطي من العملة الضرورية لتمويل مبادلاته وتسديد الدين الخارجي.
وإننا إذ نسجل بارتياح أخذ ملاحظاتنا واقتراحاتنا بشأن التصنيع وإدراك الحكومة لأهميته في التشغيل وتحديث البلاد وزيادة القدرة التصديرية للبلاد، ننبه الى انه لا يمكن للحكومة أن تكتفي بالمشاريع التي انطلق انجازها أو استقطابها في عهد الحكومات السابقة (من قبيل مشروعي رونو واستثمارات مجموعة بومبارديي). إننا نتطلع مع الرأي العام الى بصمات الحكومة في مجال جلب الاستثمارات الاستراتيجية وإلى إبداعها في المجال، وهو تحد كبير ستكون ممتحنة فيه في ظرفية دولية تتميز بمنافسة قوية على جلب الاستثمارات.
وتعكس الاعتمادات الضعيفة المرصودة للاستثمار في الصناعة خاصة الموجهة للتصدير حالة من الارتجال والانتقائية. فما الذي يمكن مثلا تحقيقه بميزانية الاستثمار في قطاع الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، والتي لا تفوق مليارا ومائتي مليون درهم. ومن جهة أخرى كان حريا بالحكومة تثمين وتطوير المبادرات الجريئة المتمثلة في برامج امتياز وإنماء وتطوير على طريق تقوية نسيجنا الاقتصادي، وإعطاء المقاولة الصغرى والمتوسطة الوسائل التي تمكنها من تنمية قدراتها الذاتية.
أما النموذج الثالث في السياسات القطاعية فيتمثل في العقار الذي يطرح إشكالية الحكامة بامتياز، ويطرح سؤال تقييم السياسات العمومية. هكذا لا يزال المواطن المغربي ينتظر الإجراءات والسياسات الحكومية في مجال إعمال حكامة وحسن تدبير المرفق العمومي ووضع حد لأنظمة الريع . ومع كامل الأسف، فإننا لم نلمس في مشروع القانون المالي الذي يجسد السياسة الاقتصادية والاجتماعية للحكومة هذه الإجراءات والسياسات، اللهم بعض الخرجات الإعلامية الانتقائية والتي تدخل في باب الدعاية الحزبية والعلاقات العامة والتي تضاربت مواقف وآراء مكونات الائتلاف الحكومي بشأنها.
وحتى في حالة هذه الخرجات الإعلامية يتم إغفال القضايا والقطاعات التي تعتبر عصب الريع في البلاد. إننا نتساءل مثلا الى متى سيظل سؤال العقار العمومي والاستفادة منه مؤجلا؟ وقبل ذلك نعيد السؤال الكبير الذي طرحناه منذ 2007 بشأن الاختلال الكبير بين المجهود العمومي غير المسبوق من حيث التمويل وتوفير العقار العمومي للبناء والتعمير وإطلاق مشاريع كبرى بميزانيات عمومية ضخمة، وتمكين المنعشين الكبار من جميع الامتيازات الضريبية من جهة والعجز الكبير في مجال السكن، واستمرار نمو مدن ومراكز غير مهيكلة ستشكل في المستقبل وتشكل اليوم عبئا عمرانيا واقتصاديا خطيرا.؟
وفي نفس الوقت نتساءل عما إذ لم يحن الوقت لفتح ملفات الفساد في هذا القطاع الذي أصبح الجانب الريعي فيه يوظف سياسيا وانتخابيا، وأصبح مصدرا للتحكم.
وفي نفس السياق نطرح مع الرأي العام، وبإلحاح إشكالية، الجودة والسلامة في إنتاج السكن وتشييد المدن والأحياء الجديدة، وهو موضوع يتساءل الرأي العام عن السر في استمرار تأجيل فتحه. إن حالة المدن الجديدة لدالة وناطقة في هذا الشأن.
لقد أضعنا على المغرب، الذي كان يفخر بنمطه المعماري، أن يواصل هذا التميز وفي التوفر على مدن من أجل المستقبل. فبعد سنوات تحكم الداخلية في السابق في التعمير والبناء، نتساءل عما الذي يجعل البلاد عاجزة عن وقف هذا التسيب في قطاع يساهم في دينامية الاقتصاد الوطني، ويعتبر مصدر إثراء لا مشروع لفئات جد محدودة.
وسيظل سوء تدبير القطاع ورهنه للاحتكار والتحكم، مصدر عدم الاستقرار وتيئيس العديد من الفئات الاجتماعية، ويعطي صورة غير ملائمة عن بلادنا.
وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن تأتي الحكومة بإجراءات من أجل إخضاع القطاع لنوع من الشفافية، فوجئنا بإجراءات بعيدة عن الحكامة من قبيل إضافة وظيفة جديدة لصندوق التضامن للسكنى والاندماج الحضري، تتمثل في تمويل تجهيز الأراضي المفتوحة للتعمير، مع علم الجميع بالأطراف المستفيدة من هذه الأراضي. أو ليس في هذا الإجراء تحويلا للصندوق عن نبل أهدافه؟
السياسة الضريبية
أصبحت إشكالية تمويل السياسات العمومية مطروحة بحدة في جل البلدان ومعها تطرح عدة أسئلة من قبيل :
-كيف نمول السياسات العمومية
-هل نلجأ الى الضغط الضريبي لتوفير الموارد الضرورية مع المخاطرة بالقدرة الشرائية
-أم نلجأ الى توسيع الوعاء الضريبي والاستمرار في خفض الضغط الضريبي، والرفع من مردودية إدارة الضرائب خاصة من خلال تمكينها من الموارد البشرية.
إن هذا الخلاف المذهبي جوهري في اعتماد نمط لتدبير المالية العمومية .
فمنذ حكومة التناوب اعتمد المغرب مقاربة في تدبير المالية العمومية تهدف الى تحسين المداخيل الجبائية، عبر توسيع الوعاء الضريبي والخفض من الضغط الجبائي وتحسين مردودية الإدارة.
وقد أنتج هذا النمط من التدبير فعلا تحسنا غير مسبوق للموارد، إذ تضاعفت المداخيل الجبائية ما بين 2001 و2011، مما مكن من تجنيب المغرب السكتة القلبية التي كانت تهدد هو من زيادة غير مسبوقة في الاستثمار العمومي الشيء الذي أعطى للبلاد القدرة على فتح أوراش تنموية لا تزال مستمرة الى اليوم.
إن الخوف على هذه المكتسبات هو ما يدفعنا اليوم إلى إبداء تخوفنا من الإجراءات التي جاء بها قانون المالية، والتي تدشن لرؤية مخاطرة في منهجية توفير الموارد المالية عبر اعتماد إجراءات ضريبية غير مدروسة قد ترفع الضغط الضريبي وتهدد القدرة الشرائية للمواطنين وتنافسية المقاولة.
وقد أكدنا في تعديلات الفريق الاشتراكي أن أحسن إجراء ضريبي كان على الحكومة اعتماده هو توفير ألف منصب شغل لإدارة الضرائب لتمكينها من تقوية مراقبتها وتوسيع الوعاء الضريبي. فرغم الجهود المبذولة لا تزال 2 في المائة من المقاولات هي التي تؤدي 80 في المائة من مداخيل الضريبة على الشركات ، ولا تزال 73 في المائة من مداخيل الضريبة العامة على الدخل يؤديها المأجورون، ولا تزال 27 في المائة من مداخيل هذه الضريبة تؤديها المهن الحرة والتجار وفي المقبل تمنح 36 مليار درهم كامتيازات للمقاولات وتحرم منها خزينة الدولة.
وهكذا يتأكد انه يوجد بالفعل في المغرب مخزون ضريبي حقيقي لا يتم استغلاله، وكان على الحكومة تعبئة جميع الآليات لاستهدافه قبل اللجوء إلى إجراءات ترقيعية كتضريب المأجورين لتحصيل موارد متواضعة لا تفوق 40 مليون درهم..
وقد اقترحنا في تعديلاتنا ضرورة توجيه المعدل للضريبة على الشركات المطبق على القطاعات المحمية من طرف الدولة وإدماج قطاع الاتصالات في الشطر المطبق على القطاع المالي، أي 37%، هو الإجراء الذي كان سيمكن من تحصيل 840 مليون درهم ورصدها في صندوق التماسك الاجتماعي لتعميم التغطية الصحية.
لقد كان حريا بالحكومة سن جيل جديد من الإصلاحات الضريبية لتحقيق عدالة جبائية حقيقية، عبر توسيع الوعاء واعتماد التدرج في المعدلات المطبقة والرفع من معدلات الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لاستهلاك واستيراد المنتوجات الفاخرة ( Pdts De Luxe ). وهي إجراءات كانت موضوع تعديلاتنا المرفوضة طبعا من طرف الحكومة وسندافع عن هذه الرؤية الإصلاحية خلال المناظرة حول النظام الجبائي التي تنوي الحكومة تنظيمها خلال سنة 2013.
يعتبر الاستثمار العمومي الآلية الاستراتيجية للدولة إنجاز البنيات الأساسية، وتحسين ولوج المواطنين لخدمة عمومية جيدة، وضمان الدينامية الاقتصاد المغربي عبر الصفقات العمومية، علما بأن المغرب حقق مكتسبات مهمة في هذه السياسة التي دشنتها حكومة التناوب.
وعلى العكس من ذلك نلاحظ اليوم استنفاد هذا النمط في التدبير لقوته ونجاعته، نظرا للاختلالات التي يطرحها تنفيذ الإنفاق العمومي من جراء ضعف للقدرة المؤسساتية للإدارة المغربية في البرمجة والإنفاق وتتبع الأوراش.
وفي هذا الإطار لا بد من التأكيد على ضعف وتيرة تنفيذ استثمار ميزانية الدولة، حيث لا تتجاوز نسبة الإصدار 38 % سنة 2012، وكذلك الشأن بالنسبة للمؤسسات العمومية التي تفلت من مراقبة مالية حكومية أو البرلمانية.
وفي نفس السياق نسائل الحكومة عن الاستمرار في خلق الصناديق والحسابات الخصوصية التي تصل اليوم إلى 179 تدبر موارد تفوق 59 مليار درهم لا نعلم ، من يصرفها، وما هي معايير برمجتها، مع العلم أنها توجد في الأوراق ولا يعرف توطينها أو تواجدها الترابي، مما تطرح إشكالية ولوج المواطنين للخدمات الممولة من هذه الصناديق، خاصة تلك التي لها طابع مجالي: كصندوق التنمية القروية، وصندوق تشغيل الشباب، وصندوق الطرق، وصندوق السكن والاندماج الحضري إلخ.
إن إصلاح الدولة من أجل تحسين مردوديتها في إنتاج الخدمة العمومية أصبح أولى الأولويات من أجل تفعيل الدستور، وإعطائه محتوى يمكن من تحسين ظروف عيش المواطنين.
وفي هذا الإطار نؤكد من خلال قراءتنا هذه لمشروع قانون المالية لسنة 2013، غياب رؤية واضحة وشمولية للسياسة الاجتماعية واعتماد مقاربة انتقائية تعتمد على إجراءات ترقيعية.
السياسة الاجتماعية للحكومة
يخصص المشروع ما قيمته 85 مليار درهم للقطاعات الوزارية الاجتماعية ، أي نضف مبلغ الاستثمار العمومي، إلا ان وقع ذلك على حياة المواطن يظل ضعيفا كما يؤشر على ذلك تراجع ترتيب المغرب في التصنيف الدولي لمؤشرات التنمية البشرية حيث تراجع من الرتبة 124 إلى الرتبة 130، وهو ما نقف عليه في قطاعات التربية والتكوين والصحة العمومية حيث تراجع الجودة وطبيعة الخدمة العمومية على الرغم من الموارد الكبرى المخصصة لهذه القطاعات. إننا لا نختلف في هذا الصدد حول أن جوهر الإشكال يتمثل في ضعف الحكامة الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي للبلاد ويسائلنا حول مستقبل البلاد إذ الامر يتعلق بأجيال المستقبل.
واسمحوا لي ان أدعو الجميع الى ضرورة الانتباه الى حالة التعليم في البلاد وهي حالة تراجع، خاصة بسبب ضعف المواكبة العمومية لإعمال مبدأ التعميم بإجراءات ترفع من الجودة وتثمن مكتسبات إعمال هذا المبدأ. ولعل حالة التعليم في الوسط القروي لخير مثال على التراجع المذكور.
وسيظل قطاع الصحة دون الحاجيات المجتمعية ودون المعايير الدولية المتعلقة بالخدمة الصحية العمومية، ما لم تتم إعادة النظر على نحو جذري في توزيع الموارد البشرية عبر التراب الوطني وزيادتها وإعمال حكامة جيدة في قطاع تقع عليه رهانات كبرى ، وما لم يتم توفير التجهيزات الضرورية في مستشفيات البلاد وتجديد البنيات المتلاشية والحرص على إقامة تجهيزات بمواصفات الجودة والمتانة الضرورية والمتعارف عليها دوليا.
وغير بعيد عن الصحة يبقى أمن المواطنين هاجسا يوميا يخيم على حواضر المغرب. وإذا كانت المؤشرات الحالية للجريمة متحكما فيها، فإن السياق المغربي الحالي يستدعي تقوية أجهزة الأمن بالموارد البشرية والعناية بها، وبتكوينها وتمكينها من التجهيزات التكنولوجية التي تمكنها من القيام بالدور النبيل الموكول لها في حماية المواطنين وأملاكهم.
وتبقى الرافعة الأساسية في تحسين المؤشرات الاجتماعية هي توفير الشغل وتحسين الأوضاع الاجتماعية للمأجورين. ومع كامل الأسف، فإن الحكومة تفتقر الى مقاربات وخطط ناجعة في هذا الشأن، حيث انطلق الحوار الاجتماعي متعثرا وحيث إن الإجراءات الحكومية المقترحة لدعم التشغيل غير ناجعة ولن تحدث الدينامية المطلوبة في سوق الشغل بالمغرب، ما دام القانون المالي لم يعرف كيف يؤلف بين تحفيز المقاولة لتنمو وتشغل أكثر وضمان الموارد الضريبية الضرورية علما بأن المناصب المنصوص عليها في القانون في الإدارة العمومية لن تحل إشكالية البطالة في المغرب. إننا ننبه الى ضرورة استيعاب الاحتقان الاجتماعي وإبطال فتيل التوتر الذي نجح المغرب في تجاوزه سياسيا ومؤسساتيا.
إن الإجراءات المقترحة مثلا في صندوق التماسك الاجتماعي تظل انتقائية وإسعافية وظرفية، إذ أنها لا تندرج في رؤية استشرافية شمولية تطبعها الاستمرارية وإذ أنها تفتقر الى الموارد التي تجعلها ضعيفة النجاعة والمردودية، وجودتها لن تكون بالمستوى الضروري.
سيواصل الفريق الاشتراكي تحمل مسؤوليته كاملة، من موقع المعارضة وعلى أساس الرصيد التاريخي للحزب الذي هو امتداد له والتراكمات التي ساهم في انجازها في مغرب الأمس واليوم، وعلى أساس خطه السياسي المناهض لليبرالية المتوحشة وللنزوعات المحافظة، في الدفاع عن قيم التضامن الاجتماعي والمجالي والإنصاف والإنتاج والمردودية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما حاولنا تجسيده في التعديلات التي تقدمنا بها على مشروع قانون المالية ورفضتها الحكومة، وهي نفس القيم التي غابت في القانون المالي علما بأنها من صميم وجوهر مقتضيات الدستور الذي فتح آفاقا واسعة للإصلاح والمشاركة والمحاسبة،
وعليه، سنظل حريصين على إعطاء المؤسسات والقوانين التنظيمية التي سيتم إعمالها طبقا للدستور مضمونا ديموقراطيا وتقدميا حتى يلمس المواطن وقع الاصلاح على معيشه اليومي، عبر تحسين علاقاته مع المؤسسات وتيسير ولوجه لخدمة عمومية في مستوى تطلعاته، وسنظل بالأساس حريصين على عدم إجهاض حلم الإصلاح »..
إن اختيار هذا الموضوع نابع من كون هذه الظاهرة متفشية في مجموع التراب الوطني، وأصبحت تزداد وتيرتها في الأماكن العامة والخاصة (أماكن العمل، الإدارة، المؤسسات التعليمية، الأماكن العمومية..)،
واقتناعا من جمعية فضاء للمستقبل كون التحرش الجنسي يشكل سلوكا جنسيا غير مرغوب فيه ويسبب أذى نفسيا ومعنويا للمتحرش بها، ذلك أنه يشكل اعتداء على حرمة الآخر. وهو إما لفظي مثل التعليقات على المظهر أو المخاطبة بكلمات ذات محتوى جنسي، ومنه ما هو غير لفظي متل التحديق و النظرات أو إيحاءات وإشارات جنسية، وغيرها، وكذا المضايقات الجسدية .) وقد يصدر عن شخص له سلطة تجاه المتحرش بها (العمل، الإدارة، المؤسسات التعليمية..) أو سلطة اجتماعية نابعة من الثقافة السلطوية الذكورية.
بالرغم من أن القانون الجنائي الحالي في فصله 503 يعاقب على التحرش الجنسي الناتج عن استغلال السلطة المباشرة على المتحرش بها من أجل الحصول على أغراض ذات طبيعة جنسية، غير أنه يصمت عن التحرش الجنسي التي تعاني منه النساء و الفتيات في الشارع وفي كل الفضاءات العمومية . وتؤكد الإحصائيات الصادرة للمندوبية السامية أنالتحرش الجنسي غير مرتبط بشكل اللباس والمظهر الخارجي، كما انه غير مرتبط بالسن أو بشريحة اجتماعية معينة.
وتطالب الجمعيات النسائية والحركة الحقوقية بتجريم كل أشكال التحرش الجنسي بما فيه التحرش في الشارع.
إن الدستور الجديد يحظر التمييز والعنف مهما كان مصدره والفضاء الذي يتم فيه ، عاما أو خاصا ، كما ينص على المساواة بين النساء والرجال في الحريات والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
وجمعية فضاء للمستقبل إذ تنخرط في النضال الحقوقي الى جانب الحركة النسائية والحقوقية من أجل تفعيل مقتضيات الدستور لضمان الحرية والكرامة والمساواة لجميع المواطنات والمواطنين، تدعم مطالب الحركة النسائية من أجل قانون شامل يحمي النساء من العنف والتمييز ويضمن حقوقهن الإنسانية . كما تعي أن القانون وحده وبالرغم من أهميته، غير كاف للقضاء على الظاهرة إذ لابد من تغيير العقليات . وتدعو إلى تعبئة كل الشباب والشابات من أجل المساهمة في النضال لمكافحة التحرش الجنسي في أفق القضاء عليه.
وتتوج حملته التحسيسية بتنظيم وقفة وطنية تحت شعار
"وقف "ما تحرش بيا متساويين في الكرامة والحرية"وذلك بالرباط أمام البرلمان يوم السبت 1 دجنبر 2012 ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال.
وتعود تفاصيل الحادثة المروعة التي خلفت مصرع شخصين، إلى حالة السكر التي كان عليها الجاني والتهور وعدم احترام مسار السير، حيث كانت الدراجة النارية قادمة بسرعة مفرطة دون أن يراعي السائق عدم ملاءمة السرعة لظروف الزمن ومكان السياقة، حيث دهس المسمى قيد حياته "عمر احرازمي" البالغ من العمر 26 سنة( متزوج وينتظر مولودا) يعمل حارسا ليليا في ورشات الفخار بمنطقة بنجليق، بينما الشخص الآخر الذي كان راكبا خلفه توفي حين وصوله إلى المستشفى بفاس. وعقب دفن الشاب بعد صلاة الظهر من أول أمس السبت، خرجت مسيرة جماهيرية غاضبة وحاشدة نددت من خلالها الساكنة وأصدقاء المرحوم وعدد من فعاليات المجتمع المدني بهذا الحادث وبالجرائم المستمرة في مسيرة حاشدة  حيث انطلقت من مكان الحادث وجابت شوارع المنطقة طولاً وعرضا قبل أن تحاصرها القوات الأمنية على مستوى ساحة باب الفتوح، خوفا من أن يتطور الوضع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.