التوفيق يكشف حصيلة تأهيل المساجد المتضررة من زلزال الحوز    الذكاء الاصطناعي يرفع التجارة العالمية ب 40%    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    والي بنك المغرب يشدد على أهمية التعاون العربي في المجال النقدي    وفد قطري رفيع يزور مشروع المحيط السقوي "اسجن" بإقليم وزان    تحذير للمديرية العامة لأمن نظم المعلومات بوجود ثغرات في أنظمة إلكترونية    تصفيات مونديال 2026.. جيبوتي يختار ملعب العربي الزاولي بالدار البيضاء لمواجهة مصر    الرجاء يوضح قواعد حضور جماهير مباراة الكلاسيكو أمام الجيش الملكي    وهبي يكشف لائحة أشبال الأطلس لمونديال الشيلي    إقصاء ثلاثة عدائين مغاربة من سباق 800 متر لألعاب القوى بطوكيو 2025    زخات رعدية متوقعة اليوم الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    ترشيد "الروشيرش"... النيابة العامة توجه دورية لعدم الالتجاء لبرقيات البحث إلا عند الضرورة القصوى    أمن طنجة يوقف مروج مخدرات ويحجز كميات مهمة من الشيرا والكيف بحي بير الشيفا        "حين سقط القمر" رواية جديدة للكاتب والأديب المغربي محمد بوفتاس    هوليوود تودع أسطورة السينما روبرت ريدفورد عن عمر يناهز 89 عاما        قهيوة مسائية بطنجة رفقة الفنان فؤاد الزبادي    بعد أكادير والناظور.. دعوات لوزير الصحة لزيارة المستشفى الاقليمي بالحسيمة    السيارات الكهربائية: المغرب يحتضن أكبر مصنع للبطاريات            تفاوت في أسعار الخضروات والفواكه بسوق الجملة بالدار البيضاء    التقدم والاشتراكية: خطابٌ حكومي في وادٍ والواقع المعيشي للناس في وادٍ آخر            غرق مركب الصيد "أبو الهناء" بسواحل الداخلة وإنقاذ كامل طاقمه    الجيش الإسرائيلي يعلن قصف "أكثر من 150 هدفا" في مدينة غزة منذ الثلاثاء    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    إيران تؤكد إعدام "جاسوس لإسرائيل"    بوبريك: 24 مليون مستفيد من التغطية الصحية و4 ملايين أسرة تحصل على الدعم المباشر    تراجع أسعار الذهب وسط توقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية    اللجنة ‬المشتركة ‬بين ‬وزارة ‬التربية ‬الوطنية ‬والنقابات ‬تواصل ‬الحوار ‬وسط ‬انتظارات ‬الشغيلة ‬التعليمية        مع تكثيف القصف.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن إقامة "مسار انتقال مؤقت" لخروج سكان مدينة غزة    إيران تعدم شخصا بتهمة التخابر لصالح إسرائيل    القمة ‬العربية ‬الإسلامية ‬تحث ‬المجتمع ‬الدولي ‬على ‬إدانة ‬إسرائيل ‬وردعها    جيش إسرائيل يواصل التقتيل في غزة    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    15 ألف عداء مرتقب في سباق 10 كلم بالدار البيضاء    الصين تطلق قمرا اصطناعيا اختباريا لتكنولوجيا الانترنت    إدارة المستشفى الإقليمي محمد الخامس بالجديدة تكذّب إشاعة وفاة سيدة بقسم الولادة    هيئات جمعوية وحقوقية تدافع عن القسم الاقتصادي بعمالة إقليم الجديدة    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    الكان، الشان، ودوري الأبطال: الكاف يرفع الجوائز المالية ويشعل المنافسة القارية    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب «يكذب، يهرب»    حفل الإعلان عن الفائزين بجائزة علال الفاسي لسنة 2024    "التغذية المدرسية" تؤرق أولياء أمور التلاميذ    كلاسيكو الرجاء والجيش يلهب الجولة الثانية من البطولة الإحترافية    أدب الخيول يتوج فؤاد العروي بجائزة بيغاس        مهرجان "موغا" يكشف برنامج "موغا أوف" بالصويرة    افتتاح الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي بمشاركة مغربية    الملك محمد السادس يدعو لإحياء ذكرى 15 قرناً على ميلاد الرسول بأنشطة علمية وروحية    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا يموت أستاذ الفلسفة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 09 - 2013

دفنا الأستاذ سالم يفوت مساء أول أمس السبت بعد صلاة العصر. جرت مراسيم الدفن في تواضع جم: ما حضرها سوى أهل الفقيد وثلة من زملائه وقليل من قدماء تلامذته ممن تمكنوا من الحضور. وما ضر الرجل ذلك، لا ولا ينبغي أن يضره، هو الذي جعل من التواضع سيرة له. هكذا ينطفئ العظماء في صمت وفي تواضع وفي استحياء، ولسان حالهم يردد القول الصوفي: رب إن الغمرة أحب إلي من الشهرة، وحب الانغمار أرحب لبالي من حب الظهور.
أذهلني منظر قبره وهو يوارى الثرى: حنت طينة جسده المعذب إلى طينة أرض المقبرة. فما تعرفت على جثمان الفقيد لما وضعوه في رمسه. أهو ذا، يا ترى، الرجل ذو البنية الرياضية الذي كان حضوره الجسماني يكتسح قاعة الدرس وصوته المجلجل يبلغ الداني والقاصي؟ يا للعجب، ما عاد جثمان الرجل سوى رجع ذكرى جسد قوي البنية، وذلك من أثر طول معاناته مع المرض العضال الذي ألم به. وما كان الرجل يتحدث عن مرضه أبدا أو يحدث به، ولا هو كان يشتكي من أي كان لأي كان. فلعله كان يتمثل بنصيحة نيتشه: إذا أضناك المرض فلا تحدث به، وإنما تحدث الحديث عن الصحة، حدث الناس عن صحتك ولا تحدثهم عن مرضك! أو لعله كان دائم التذكر لنصيحة سارتر إلى ألبير كامي لما هو كتب هذا كتابا سوداويا يتبرم فيه بأشد تبرم يكون من العيش: إذا تعبت، يا كامي، خذ لنفسك يا هذا قسطا من الراحة، ولا تسقط تعبك على العالم، فترسم سوادا على سواد!
أثار انتباهي رقاده تحت شجرة. قلت في نفسي: كان الرجل شجرة معرفة لا فناء لثمارها، وشجرة كبرياء وأنفة وعزة نفس، حتى أنه رفض أن يتم تعويضه عن سنوات الاعتقال والتعذيب التي طالته، وحتى أنه قليلا ما كان يذكرها، وذلك لكي لا يظهر أنه يمن بها على أبناء وطنه. وها هي الأقدار تريد اليوم أن يموت كما عاش: كان شجرة وارفة الظلال معرفة وعزة نفس، وها هي الآن شجرة تقف شامخة تحمي قبره، فليس يحمي ظهر الشجر سوى الشجر.
شموخ النفس، والتفاني في العمل، والتواضع الجم، والمعرفة الوارفة، والعطاء الذي لا ينقطع: تلك هي الدروس التي علمنا إياها أستاذنا سالم يفوت. وهي أمور لم نألفه يتحدث عنها في كتبه، وإنما شهدت عليها حياته برمتها. عاش متفانيا في رسالته، ومات من غير أن يزعج أحدا. هو ذا الموت الهنيء! وأهنأ بها من موتة!
حالنا نحن معشر من تتلمذ له أو تتلمذ على تصانيفه كحال الفيلسوف واكنين مع «شيخه» المفكر والشاعر إدموند جابيس: كان التلميذ ما يفتأ يطلب من الأستاذ أن يترك له وصية. وحدث أنه بعد أن توفي جابيس أخبرته الزوجة أنه ترك له وصية في ظرف وسلمته إياها. لكنه لما فتحها وجد فيها ورقة بيضاء لم يرقم عليها حرف. وسرعان ما أدرك الطالب أن الوصية التي أوصى إليه بها أستاذه هي أن لا وصية هناك! لم يكن يفوت يرغب في تكوين مريدين، ولا ادعى في يوم من الأيام المشيخة.
هكذا يموت أستاذ الفلسفة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.