الدمناتي: مسيرة FDT بطنجة ناجحة والاتحاد الاشتراكي سيظل دائما في صفوف النضال مدافعا عن حقوق الشغيلة    تيزنيت: الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ينظم تظاهرته بمناسبة فاتح ماي 2025 ( صور )    عندما يهاجم بنكيران الشعب.. هل زلّ لسانه أم كشف ما في داخله؟    وزراء خارجية "البريكس" وشركاؤهم يجتمعون في ريو دي جانيرو    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة.. المنتخب المغربي يدشن مشاركته بفوز صعب على كينيا    في عيد الشغل.. أمين عام حزب سياسي يتهم نقابات بالبيع والشراء مع الحكومة    صادرات الفوسفاط بقيمة 20,3 مليار درهم عند متم مارس 2025    تنفيذ قانون المالية لسنة 2025.. فائض خزينة بقيمة 5,9 مليار درهم عند متم مارس    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينتصر على كينيا ويشارك الصدارة مع نيجيريا قبل المباراة المرتقبة بينهما    أمطار طوفانية تغمر زاكورة.. وسيول كادت تودي بأرواح لولا تدخل المواطنين    الشرطة الإسبانية تعتقل زوجين بسبب احتجاز أطفالهما في المنزل ومنعهم من الدراسة    كلية الناظور تحتضن ندوة وطنية حول موضوع الصحة النفسية لدى الشباب    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فرنسا.. ضبط 9 أطنان من الحشيش بعد سطو مسلح على شاحنة مغربية قرب ليون (فيديو)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    نشرة إنذارية: زخات رعدية وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    كرة القدم.. برشلونة يعلن غياب مدافعه كوندي بسبب الإصابة    توقيف لص من ذوي السوابق لانتشاله القبعات بشوارع طنجة    لماذا أصبحت BYD حديث كل المغاربة؟    عمر هلال يبرز بمانيلا المبادرات الملكية الاستراتيجية لفائدة البلدان النامية    موخاريق: الحكومة مسؤولة عن غلاء الأسعار .. ونرفض "قانون الإضراب"    رحيل أكبر معمرة في العالم.. الراهبة البرازيلية إينا كانابارو لوكاس توفيت عن 116 عاما    المركزيات النقابية تحتفي بعيد الشغل    "تكريم لامرأة شجاعة".. ماحي بينبين يروي المسار الاستثنائي لوالدته في روايته الأخيرة    باحثة إسرائيلية تكتب: لايجب أن نلوم الألمان على صمتهم على الهلوكوست.. نحن أيضا نقف متفرجين على الإبادة في غزة    اتحاد إنجلترا يبعد "التحول الجنسي" عن كرة القدم النسائية    المغرب يجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 9.16 مليار درهم في ثلاثة أشهر    تقرير: المغرب بين ثلاثي الصدارة الإفريقية في مكافحة التهريب.. ورتبته 53 عالميا    الحكومة تطلق خطة وطنية لمحاربة تلف الخضر والفواكه بعد الجني    تراجع طفيف تشهده أسعار المحروقات بالمغرب    أمل تيزنيت يرد على اتهامات الرشاد البرنوصي: "بلاغات مشبوهة وسيناريوهات خيالية"    المملكة المتحدة.. الإشادة بالتزام المغرب لفائدة الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل خلال نقاش بتشاتام هاوس    معرض باريس.. تدشين جناح المغرب، ضيف شرف دورة 2025    عادل سايح: روح الفريق هل التي حسمت النتيجة في النهاية    العثور على جثة مهاجر جزائري قضى غرقاً أثناء محاولته العبور إلى سبتة    تسارع نمو القروض البنكية ب3,9 في المائة في مارس وفق نشرة الإحصائيات النقدية لبنك المغرب    الإسباني لوبيتيغي يدرب منتخب قطر    السكوري بمناسبة فاتح ماي: الحكومة ملتزمة بصرف الشطر الثاني من الزيادة في الأجور    أغاثا كريستي تعود للحياة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي    دول ترسل طائرات إطفاء إلى إسرائيل    الإعلان في "ميتا" يحقق نتائج أرباح ربعية فوق التوقعات    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدعو الحكومة إلى تحسين الأجور بما يتناسب والارتفاع المضطرد للأسعار    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    أكاديمية المملكة تشيد بريادة الملك محمد السادس في الدفاع عن القدس    الدار البيضاء ترحب بشعراء 4 قارات    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصل في أخلاق الحمار الوديع
نشر في المساء يوم 04 - 07 - 2010

الحمار حيوان وديع جميل، بآذان طويلة، وظهر جاهز للركوب، غير مزعج البتة، صبور بدون ملل، يخدم بدون رفس وزعل! درويش طيب مريح، ركبه المسيح مع غصن الزيتون، داخلا القدس حاملا رسالة السلام، وركبه الموظف السعودي في جيزان، وهو يقوم بإحصاء الخلق من الإنسان.
وكتب المغربي حميد طولست في خدماته لأهل فاس المغاربة فقال: «تنتقل الحمير المسيسة بين الأزقة والدروب مارة بكل بيوتها لجمع ما توفر لديها من نفايات صلبة، تتحرك بدقة بالغة ونظام «ربوهاتي» محكم، تخرج صباحا من مرابطها مصطفة وراء بعضها في اتساق متقن، لا يحاول بعضها تجاوز سابقيه، ولا تتزاحم أو تتراكض أو تجري على غير هوادة، فلا تصدم المارة ولا تحرج السواقة، ولا تخيف المارة لوداعة منظرها»، وهو ما جعلني أيضا أضع هدية صديقي إدريس الأحفيري، تمثال حمار مع صاحبه، على الطاولة أمامي.
وملهم مرافق (دون كيخوته) فلم يكن راكبا حصانا مثل صاحبه الفارس، بل على بردعة حمار، وكان أكثر حكمة من مصارعة الطواحين، كما ذكر ذلك الكاتب الإسباني سرفنتس من القرن السادس عشر..
كما كان دابة جحا المفضلة، يذيع منها أخباره السياسية على طريقة النكتة، فيقول كلاما لا يعنيه، أو يعني ما لا يقوله؟..
وكان الدكتور رزق أستاذ القلبية عندما يدرسنا يقول هل تعلمون الفرق بين الحمار والتيس؟ ثم يتابع.. الحمار لا يكرر أخطاءه، أما التيس فيقع في الحفرة التي وقع فيها من قبل؟ فهذا ما استفدته من رزق، ولم يلحقنا من مادة القلبية رزق؟
وكثيرا ما أسمع من السائقين، وهم يشتمون بعضهم بدون مواجهة، إذا خالف أحدهم أو هجم أو اقتحم، أن ينعت الآخر بأنه حمار؟ أما هو فلقمان الحكيم؟
وأحيانا يحدث أن يأتي مريض، يشكو من علة تناوب عليها أطباء شتى بدون فائدة، فإذا رأى أحدهم وصفة زميله قال إنه.. حمار..
وهكذا فالحمار أصبح مسبة، والقرآن يقول إن البشر أسوأ من الحمير بمقدار؟!
إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا؟!!
ومثل الحمار يحمل أسفارا..
وهنا يتفوق الحمار الظريف، كما نرى، على ابن آدم.
ويقولون إن التكرار يعلم الحمار، ولكن كم يعيد الإنسان خطأه بدون أن يتعلم، فيسبق التيس في البهمنة، والحمار في البلادة.
وعبد الناصر عندما كرر كارثة اليمن في سيناء بألف ضعف، خرجت الجماهير لعبادته تخر ساجدة؟ فهل هناك أتيس وأتعس وأبلد من هذه البلادة والغباوة؟
والواقع أن مثل الحمار رائع لتعامل البشر ومستواهم، وأنا أتبع طريقة سقراط، فأفكك الكثير من التعابير والمصطلحات والمسلمات، التي اتفق البشر على أنها مسلمات، فتخرج أنها ليست مسلمات، ومنها الحمار المسكين!!
صحيح أن القرآن اعتبر أن نهيقه مزعج، لأنه يرفع صوته، ولكنه في نفس الوقت تحدث في سورة كاملة أخذت اسم (الحجرات) عن النداء المرتفع، الذي لا يليق من وراء الحجرات والجدران (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون؟!)، ووجه الأنظار إلى أنهم لو صبروا حتى يخرج إليهم الرسول لكان أليق..
وأعرف أنا من سهل الزبداني أن البشر إذا تحدثوا (عووا) مثل الذئاب ليسمع بعضهم بعضا.. يا أحم..د..
وفي باب الفرج في حلب، أو حراجات السيارات عندنا، ينهقون بأشد من الحمير، وحاشا الحمير، فوجب الدفاع عن هذا الحيوان الوديع الطيب، الصبور المتحمل للمكاره، بدون شكوى ودموع وتقرير سري..
إن مقدار تحمل هذا الحيوان جعل بعض الصحابة يأخذ اسمه كما في (زينب بنت جحش) زوج النبي (ص)، وكذلك الخليفة المرواني الأخير من بني أمية، وكان من أجلدهم وأشدهم صبرا، فأخذ اسم (مروان الحمار)، وهي ليست سبة بل مكرمة وحمدا لهذا الرجل، كما هو في لقب أبو عبدو الجحش، الذي مكن الطائفيين والبعثيين من اعتلاء ظهر السوريين.
أما مروان الحمار وليس الجحش فقد جاء في الوقت الغلط، في مواجهة الإيرانيين الخراسانيين الدهاة المنظمين، بقيادة رجل داهية إيراني يشبه الرفيق المغنية (مؤسس حزب الله الإيراني)، الذي قتله الرفاق في دمشق، أو فتحوا الطريق لمن قتله، تحت أبصارهم بيد قوم آخرين!! والنتيجة واحدة فليس من فرق كبير.. كما في مصرع (بناظير بوتو) في باكستان مع كل ضمانات البنتاغون..
أما عبدو الجحش فقد فر إلى عند صدام فشنق صدام وهرب الجحش..
كما قتل من قبل صاحبه الخراساني أبو مسلم، بيد السفاح العباسي، فالكل من نفس الملة الدموية.
وذكرت لي ابنتي من كورسات العلوم السياسية أن رئيسا عربيا من الطغاة الذين غيبهم التراب، الذين فتحوا الطريق لعصر المماليك البحرية، كان لا يدخل عليه من الجنرالات ثلاثة؟ لأنه انقلابي دموي، وصل إلى الحكم على ظهر دبابة، فلربما فعلوا كما فعل ف(يكّتفوه) ويجلسوا محله، كما كان يفعل المماليك.. حين قتلوا شجرة الدر في الحمام بالقباقيب..
وحين خطط الخليفة العباسي لقتل الخراساني، أدخله بدون خنجره إلى المجلس، فبدأ في ذكر انتصاراته، في خدمة الدولة، فما كان من الخليفة إلا أن صفق إعجابا بكلماته، وكانت إيعازا للزبانية بالإجهاز عليه ذبحا؟
صرخ الإيراني يا خليفة المؤمنين أنا يدك لعدوك؟
قال الخليفة وهل من عدو ألعن منك؟ ثم ذبحوه.. كما ذبح الرفاق (المغنية) وهم يغنون النشيد الوطني في جنازته؟!
وتعجبني قصة اجتمعت بها من كتاب (القوة) ل(روبرت جرين) عن فضائل هذا المخلوق الحبوب الحمار؟
ففي يوم ضربت المجاعة الغابة، فوقفت الحيوانات جميعا تبحث عن السبب؟ فجاء ثعلب أحمر فقال لقد أذنبتم فاعترفوا!!
قام الأسد فقال أيها الرفاق: في الحقيقة كنت أتمتع بأكل لحم الخرفان وأحيانا الرعاة معهم، وكأنها فطيرة محشوة بالزبيبة والجوز؟ فعلتها ولم يسيئوا إلي بشيء؟
صرخ ذئب من جانب: حاشا يا ملك الغابة بل إنهم أنجاس يستحقون أن تأكلهم بدون تردد، إن حساسيتك لكبيرة مرهفة يا سيدي!!
همهمت الحيوانات نعم نعم.. إن سيدنا الأسد يستحق أن يأكل ما يشاء وليس عليه ذنب أو خطيئة؟
ثم تتابع النمر والدب والضبع والواوي والكل يقول ليس عليكم من حرج..
ثم جاء دور الحمار الحبوب الوديع فقال يا قوم؟؟
فنظر الجميع إليه بغضب ونرفزة، وقالوا بصوت واحد: تابع تابع أيها المجرم ماذا فعلت؟؟
التفت الحمار مذعورا من العيون المحمرة حوله من الرفاق والأعوان والمخابرات والبلطجية، وقال بعد أن بلع ريقه الناشف الحقيقة.. الحقيقة يا جماعة مررت بجنب حديقة، فأعجبني العشب، فقضمت بعرض فمي قبضة من العشب، وكذلك سولت لي نفسي؟
صاح الذئب ووافقه الثعلب وتابع الرفاق جميعا بصوت واحد عرفنا سبب المصيبة، فسحبوا الحمار إلى المشنقة، وهو ينهق بأعلى صوته مظلوم مظلوم؟؟
فهذه هي فضائل الحمار حتى في الشنق؟؟
وأعلم تماما أني حين أكتب ما أكتبه في فضائل الحمار فلسوف تحمر لها أنوف كثيرة؟ وهو ليس بجديد مع القراء الغاضبين؟
فحين تحدثت عن الغدر والغدير ونظرية الدم النبوي ما يهدم فكرة الخلافة من جذورها، ويعطل الشورى، ويمحو العقل، هجم علي الشيعة وقالوا أنا وهابي عميل؟
وحين تحدثت عن الإله الذي انشطر إلى ثلاثة، بدون أن ينشطر، مما يعجز عن شرحه مجمع الكرادلة والبابوات التسعة عشر وبنديديكت السادس عشر ولحسن الحظ لا توجد محاكم تفتيش وإلا فتشوني مثل الحرامية قال لي طبيب يعمل في الجراحة العصبية، من منطقة القامشلي من جماعتي: خالص أنت مسكين قاصر الفهم، ويجب أن تعتبر أن الثالوث يعمل مثل مجلس ديمقراطي رفيع المستوى على مستوى الوجود للتشاور في خلق ذبابة وطيران نحلة، في حين أن ربكم في الإسلام ديكتاتور لا يقبل الشراكة والتشاور؟
قلت له: نعم لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا..
وهكذا يتم (تجيير) مفاهيم الحداثة لفكر ظلمات العصور الوسطى.
وهو أمر يدل على أن العقل كما يقول (الوردي) آخر ما يفكر فيه العقلانية والمنطق والتاريخ والنبوات والأخلاق وسواه، بل هو عضو للبقاء مثل قرن الثور وساق النعامة ودرع السلحفاة وسفاد الأرانب وزنافة العقرب.
وفي يوم هتف قس من هولندا لقبني يوما بغاندي العرب حين رأى نقدي وتفكيكي للمسألة الدينية أنني طائفي حاقد..
والرفاق حسب لوغارتم الحزب وضعوني أيضا في نفس الفصيلة، لأنني قلت إن مسألة الطائفية مثل الخراج، أفضل حل لها فتحها للخارج للتنفس والاعتراف بها، فهناك مناطق تعشش فيها الطائفية مثل خراجات ما تحت الكبد اللعينة، نهايتها موت المريض، وانفجار الحرب الأهلية..
ولكن بيننا وبين هذا النقد والمراجعة مسافة ثلاث سنوات ضوئية؟
وحين تحدثت عن تفسخ الجثة العراقية عند أوروك ونينوى، أرسل إلي من الدنمارك رجل عراقي يصفني بالحمار أن أكف رذاذي عن شعبه، لأن المسألة العراقية تخص أهل الناصرية ونينوى وتكريت؟
فعرفت أن الحمار مسكين متهم، وجب الدفاع عنه، فكتبت مقالتي في أخلاق الحمار الوديع..
وحين تحدثت عن خرافة الدولة الإسلامية، قام السلفيون من جهتهم بوضعي في لائحة التكفير، وهي تضم قائمة من كرام القوم فأعطوني أهمية لا أستحقها؟
وكنت في مؤتمر في البحرين فضربت مثلا في الطغيان من صدام؟! فصرخ رجل من القاعة بغضب:
لقد مات الرجل، ورحمة الله عليه، ونطق بالشهادة، ومات بطلاً؟
قلت له لا تغضب فلأضرب المثل بي أنا، فلو أعطيتني من القوة والنفوذ والجبروت ما منح لصدام لكنت صدام باسم مختلف؟
وأذكر هذا من صديقي أبو كمران رحمه الله حين قلت له وهو العراقي الفار من صدام لو كنت مكانه لما تغير الأمر كثيرا!
تغيرت أسارير وجهه وغضب؟
قلت له لا تغضب فلأضرب المثل بي أنا؟
فلو كنت محله لبرز صدام باسم مختلف؟
فلانت أسارير أبو كمران، وبدأ يستوعب المسألة على نحو مختلف.
والواقع أن كل نفس ألهمت فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها..
وفي داخل صدر كل منا وحش وملاك، فرعون وموسى..
ولو ولد فرعون بيبي الثاني أو بسماتيك الأول أو رعمسيس السادس هذه الأيام وعاش في فرنسا لتعجب نفسه من سيرته؟؟ فالثقافة عندها قدرة أن تنتج عبد الناصر الديكتاتور أو ساركوزي الديمقراطي، ليس لأن ساركوزي ولد ديمقراطيا، بل لوجود شعب يفرمل طغيانه، مثل صناعة سيارة بيجو 308 الرائعة بفرامل ودعسة بنزين.
ونحن شعوب لا تملك الفرامل، فليس أمام سيارات من هذا النوع، إلا كوارث عبد الناصر، فذهب مثلا في السوء.
وهناك أخ مصري قرأ مقالتي في مثل الحمار، مقارنة مع غلطة عبد الناصر في حرب يونيو الكارثة عام 1967م، وكيف خرجت الجماهير المغفلة تطلب منه بعد الفشل الذريع أن يركب رقبتها مرة أخرى؟ غضب واعتبرها إهانة للشعب
المصري.
واعترف الأخ المصري بأنه كان يجب أن يذهب إلى بيت أبيه وأمه منتهيا مودعا مذؤوما مدحورا، ولكنه شعر بأن فيه ظلما للشعب المصري؟ وكلامنا كان عن تلك الجماهير المسكينة التي لا تعرف ما ينفعها ويضرها؟ ويقودها السياسيون إلى المهالك؟
وإذا كان عبد الناصر قد قاد العرب إلى شفا جرف هار في عار 1967 لأنه خرج بطرا ورئاء الناس، في عنتريات لا تتحملها حسابات السياسة، فصدام المصدوم، شنق الملايين قبل أن يشنق؟
وفي إحدى الحملات الدموية التي أعطاها اسم سورة من القرآن: (الأنفال) بلغ عدد القتلى عشرات الآلاف، ومنهم من رفع الرقم إلى 180 ألفا، وذهبت قبائل كردية بكاملها إلى الفقر والذل، وامتهنتْ بعض نسائهم من خلف الحرب الدعارة؟ فهل يفعل الحمار هذا؟
وأنا رجل أزعم لنفسي أنني غير عنصري، وحجتي من كتاب الله أن البشر يمكن أن يصبحوا ألعن وأشرس وأضل من الأنعام.
إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.
وفي قناعتي أن أمراض الشعوب متشابهة، وفي القرآن عن اليهود والنصارى أنه تشابهت قلوبهم.
ويلحقهم في هذا السنة والشيعة، والكرد والعرب، والسلفيون وجماعة سعيد النورسي بديع الزمان وتلميذات منيرة قبيسي، والبوذيون وشهود يهوه، وطائفة الشنتو والزن، والزيديون واليزيديون، والهندوس والسيخ والصابئة، والنصارى والناصريون، والبعثيون والعبثيون، والنازيون والشيوعيون وجماعة ماو..
فكلهم ليسوا استثناء على القانون.. وأمراض أهل الكتاب والجماعات الإيديولوجية متشابهة..
وتمتاز كل الشعوب بقصر الذاكرة، فالخائن يصبح وطنيا بطلا، والبطل يصبح خائنا يستحق الإعدام؟
إنها تشبه نكتة الطبيب والمريض، ففي يوم دخل مريض مذعور على طبيب فقال يا دكتور هل حالتي خطيرة ؟ هل سأموت؟
أجاب، لا ولكن لا أنصحك بالحياة؟؟
وما حدث في مصر من كارثة 1967 وما جرت من ويلات على العرب جميعا، مازالوا يدفعون دينها مع الفوائد المركبة، لأن ثلث العرب هو مصر، إن نجحت نجحوا، وإن فشلت فشلوا، وحين حاول السادات أن يصلح الخطأ دفع حياته ثمنا لذلك؟
واليوم يحاول الكثيرون من ساسة المنطقة أن يصلوا إلى بعض مما وصل إليه السادات بدون فائدة.
وخلاصة الكلام علينا أن نتعلم من القرآن ثلاثة دروس مفصلية:
لا يعمم على الجميع ما ينطبق على بعض الأفراد، والقرآن يقول ليسوا سواء، والقرآن يقول ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. والقرآن يقول أولم يكفهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل. والقرآن يقول إن هناك من إذا سمعوا القرآن يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا..
والأمر الثاني يقول إن هبوط البشر لا حد له، كما أن صعودهم لا سقف يحده، إلى أعلى عليين وأسفل سافلين..
ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين.
وأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمني، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانني..
وهي أمور يفعلها الإنسان بيديه، ولكن ثقافتنا تعطينا من الزخم أن نلوم الجميع وكل شيء والجن الأحمر والذباب الأزرق، ولا يخطر في بالنا، ولو للحظة، أننا يمكن أن نكون سبب مصائبنا و(بلاوينا)..
والقرآن الكريم حين يتكلم عن أمراض أهل الكتاب والشعوب والثقافات يقول: إنه ليس من شعب أو أمة أو ثقافة محصنة ضد المرض، أو تحمل المناعة الأبدية، بل هو مثل الموت الذي لا مفر منه مع أن النفس عنه تحيد..
والقرآن يقول ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به.
والقرآن يقول إن اليهود والنصارى زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه فكان الجواب فلم يعذبكم بذنوبكم..
وما ذكرت عن خروج طوابير البشر لإعادة عبد الناصر الفاشل على الرقاب حيا، ثم ميتا في جنازته، كما رأيت انتحار البعض من المغفلين في لبنان ليلة موته، جعلني أكرر ما كان والدي يقوله أحيانا رحمه الله:
إن البشر فيهم عرق من الجنون؟؟
فهل أنا المجنون أم هم؟
خرج جحا على الناس يوما فقال التعزية يا جماعة؟؟
قالوا خيرا يا جحا من مات؟
قال: البارحة مات أبو ابني؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.