يكاد لا يمر يوم دون أن نرى صورته أو نسمع اسمه أو اسم التنظيم المنسوب إليه، «القاعدة». قليل الظهور، كثير الحضور، يهدد ويتوعد، يفجر ثم يختفي. من هو هذا الرجل الأسطوري؟ من أين أتى؟ أين نشأ وعلى من تتلمذ؟ لماذا تحالف مع الشر وعاد ليحاربه؟ ما هي تفاصيل حياته السابقة لاحتراف «الجهاد»؟ من هو أسامة الإنسان؟ كثيرون يجعلون من قصة حركة طالبان مطابقة لسيرة شيخها الملا عمر، وهذا الأخير يحكي تلك القصة بقوله: «كنت أدرس في مدرسة سنج سار بقندهار مع حوالي 20 من زملائي، فسيطر الفساد على وجه الأرض، واستشرى القتل والنهب والسلب، وكان الأمر بيد الفسقة والفجرة، ولم يكن أحد يتصور أنه يمكن تغيير هذا الوضع وإصلاح الحال، ولو فكرت أنا أيضا وقلت في نفسي: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لكفتني هذه الآية ولتركت الأمر لأنه لم يكن في وسعي شيء، لكني توكلت على الله التوكل المحض، ومن يتوكل على الله هذا النوع من التوكل لا يخيب أمله أبدا... لعل الناس يتساءلون متى بدأت هذه الحركة؟ ومن كان وراءها؟ ومن يمولها؟ ومن يوجهها ويديرها؟ وأقول: بداية الحركة أنني طويت الكتب وأخذت معي شخصا آخر وذهبنا مشيا على الأقدام إلى منطقة «زنجاوات»، واستعرت هناك دراجة نارية من شخص اسمه سرور ثم ذهبنا إلى «تلوكان»، هذه هي بداية الحركة وأخرجوا كل تصور من أذهانكم، بدأنا نزور الطلاب في المدارس وحلقات الدرس، في صباح ذلك اليوم ذهبنا إلى حلقة يدرس فيها حوالي 14 شخصا، جمعتهم في دائرة حولي وقلت لهم: إن دين الله يداس تحت الأقدام والناس يجاهرون بالفسق وأهل الدين يخفون دينهم، وقد استولى الفسقة على المنطقة يسلبون أموال الناس ويتعرضون لأعراضهم على الطرق العامة. يقتلون الناس ثم يسندونهم إلى حجر على قارعة الطريق، وتمر بمن قتل السيارات ويرى الناس الميت ملقى على قارعة الطريق ولا يجرؤ أحد على أن يواريه التراب، لا يمكن لنا الاستمرار في الدراسة في هذه الظروف، نريد أن نقوم نحن الطلبة بعمل ضد هذا الفساد، إذا أردنا عملا فلنترك الدراسة ونبدأ». يواصل الملا عمر سرد حكاية الحركة التي أسسها، في حوار مع إذاعة «صوت الشريعة» كما ينقله كتاب «قرآن وسيف» لرفعت سيد أحمد: «لم يوافق أحد من هؤلاء ال14 على القيام بهذا العمل وقالوا: ممكن أن نقوم ببعض الأعمال أيام الجمعة، فقلت لهم: ومن سيقوم به في الأيام الأخرى، أُشهد الله على أن الحقيقة هي هذه، وأنني سأشهد بذلك يوم الحشر، هذه الحركة نتيجة للتوكل المحض، لأنني لو قست على هذه الحلقة باقي المدارس والحلقات لعدت إلى مدرستي، لكنني وفيت بالعهد الذي قطعته على نفسي له تعالى. فذهبت إلى حلقة درس أخرى، وكان فيها حوالي 7 طلاب، فعرضت الأمر عليهم فأعلنوا استعدادهم للعمل... تجولنا على الدراجة على حلقات الدرس، وما إن جاءت صلاة العصر حتى وصل عدد المستعدين للعمل 53 من أهل التوكل، فعدت إلى مدرستي وقلت لهم تأتون غدا في الصباح، لكنهم جاءوا الساعة الواحدة ليلا إلى سنج سار، فكانت هذه البداية، إن العمل بدأ قبل أن تمضي على الفكرة 24 ساعة، وكان أحد أصدقائي يصلي بالناس فلما صلى صلاة الفجر قال أحد المأمومين: إني رأيت الليلة في المنام أن الملائكة نزلت إلى سنج سار، وكانت أيديهم ناعمة، فطلبت منهم أن يمسحوني بأيديهم للتبرك». يواصل الملا عمر سرد قصته: « طلبنا في صباح الغد الساعة العاشرة سيارتين من الحاج بشر، أحد تجار المنطقة. سيارة صغيرة وسيارة شحن كبيرة، فنقلنا هؤلاء الطلاب إلى منطقة «كشك نخود» وانضم إلينا الآخرون، ولما كثر العدد استعرنا الأسلحة من الناس. فكانت هذه هي بداية الحركة حتى استمرت». د. رفعت سيد أحمد يعلق بعد هذا السرد بقوله إن «لهذه الحركة المثيرة للجدل رؤية تجاه الحياة، وهي رؤية من وجهة نظرنا شديدة السلفية والانغلاق، قياسا بالإسلام الحق، ولنتأملها من خلال أبرز وثيقة صدرت عنها تحدد أفكارها، والتي هي عبارة عن تعميم صدر بعد دخول طالبان إلى كابول (1996) بشهرين، موقع باسم نائب الوزير في الرئاسة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو يبلغ الجميع بأنه تلقى من رئاسة الحكومة خطابا يكلف جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمراقبة التزام الناس بتجنب قائمة من المحظورات بلغ عددها 15 محظورا...». الوثيقة التي يتحدث عنها الخطاب تمنع «الفتنة وسفور النساء» وتحظر الاستماع إلى الموسيقى وحلق اللحى بعد شهر ونصف من صدور الإعلان، وتفرض أداء الصلوات في المساجد، فيما تعود لتمنع تربية الحمام واللعب بالطيور، وإطلاق الشعر «على الطريقة الأمريكية أو الإنجليزية»... السفير السابق لأفغانستان بالعاصمة الباكستانية إسلام أباد، وأحد أقرباء الملا عمر، يقول عن سبب عداء المجتمع الدولي لحركة طالبان، كونها جسدت «النظام الإسلامي الحقيقي في العالم» وليس اعتداءات 11 شتنبر، ويقول السفير نجيب الله: أعداء بلدنا ينظرون إلينا كشوكة في أعينهم، ويفتشون عن أعذار للقضاء علينا، وبن لادن الموجود في أفغانستان أحد هذه الأعذار. المقطع الأخير من شهادة قريب الملا عمر قد تفسر مقدار الصدمة الذي أصاب آل سعود عندما رفضت طالبان تسليمهم أسامة بن لادن رغم ما قد يكونوا قد عرضوه من إغراء ووعيد. عندما توجه الأمير تركي الفيصل إلى قندهار في شهر شتنبر 1998، مستعملا طائرة خاصة على متنها أيضا وزير الشؤون الإسلامية السعودي والقائم بالأعمال السعودية في كابول، بما أن العربية السعودية كانت إحدى الدول الثلاث التي اعترفت بحكم طالبان (بالإضافة إلى باكستان والإمارات العربية المتحدة). وربما تكون البعثة السعودية قد أساءت تقديم طلبها بقولها إنها تريد من رفاق الملا عمر أن يسلموا بن لادن إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية باعتباره إرهابيا سبب الأذى للأمريكيين، فكان رد الملا عمر: «إن كنت تتحدث باسم أمريكا، فلا تلمني إن تحدثت باسم الشيخ بن لادن»، كما ينقل الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان، لتقطع العربية السعودية علاقاتها الدبلوماسية بنظام طالبان مدة وجيزة بعد هذا اللقاء.