كأس العرب.. جمال السلامي يوضح الفرق بين طموح الأردن وأولويات المغرب    الجريمة المالية… تراجع قضايا الفساد وارتفاع جرائم الشيكات والتزوير في 2025    حريق يسلب حياة الفنانة نيفين مندور    ماجد شرقي يفوز بجائزة نوابغ العرب    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية        البنك الألماني للتنمية يقرض المغرب 450 مليون أورو لدعم مشاريع المناخ    الملك محمد السادس يبارك عيد بوتان    انتخاب الاستاذ بدر الدين الإدريسي نائبا لرئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية    لأجل الوطن والأمل    تشابي ألونسو يحذر من مفاجآت الكأس أمام تالافيرا    الحكم السويدي غلين المثير للجدل يدير نهائي كأس العرب بين المغرب والأردن    مطالب بتدخل أخنوش لإنقاذ حياة معطلين مضربين عن الطعام منذ شهر ونصف    تدخل ينقذ محاصرين بثلوج بني ملال    من فاس إلى آسفي... الكارثة ليست فقط قدرا بل مسؤولية وتعويض وحق في المعلومة    هولندا.. توقيف شخص للاشتباه في التحضير لتنفيذ عمل إرهابي    أكادير تحتضن الدورة العشرين لمهرجان تيميتار الدولي بمشاركة فنانين مغاربة وأجانب    وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور عن 53 عاما إثر حريق داخل منزلها بالإسكندرية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    هجومان للمتمردين يقتلان 4 أمنيين كولومبيين    مديرية التجهيز تتدخل لفتح عدد من المحاور الطرقية التي أغلقتها التساقطات الثلجية    "ترامواي الرباط سلا" يصلح الأعطاب    في حفل فني بالرباط.. السفيرة الكرواتية تشيد بالتعايش الديني بالمغرب        التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن مقاطعة انتخابات ممثلي المهنيين في مجموعة صحية جهوية    واشنطن توسّع حظر السفر ليشمل عددا من الدول بينها سوريا وفلسطين    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط تدين عملية الهدم في حي المحيط والتهجير "القسري" للمهاجرين    تمارين في التخلي (1)        الفدرالية المغربية لمقاولات الخدمات الصحية.. انتخاب رشدي طالب رئيسا ورضوان السملالي نائبا له    مونديال 2026: ال"فيفا" يطلق تذاكر ب60 دولارا ل "المشجعين الأوفياء"    محكمة تلزم باريس سان جيرمان بدفع أكثر من 60 مليون يورو لمبابي    القضاء التجاري بالدار البيضاء يأمر بإرجاع المفصولين إلى العمل بفندق أفانتي وأداء أجورهم    منفذ "اعتداء بونداي" يتهم بالإرهاب    خلف "الأبواب المغلقة" .. ترامب يتهم نتنياهو بإفشال السلام في غزة    مركز إيواء يستقبل مشرّدي المحمدية    "بنك المغرب" يراجع فوائد القروض ويحضّر لتغيير طريقة التحكم في الأسعار ابتداء من 2026    موجة البرد القارس: مؤسسة محمد الخامس للتضامن تطلق عملية دعم لفائدة 73 ألف أسرة في 28 إقليما    عوامل مناخية وراء التقلبات الجوية التي يعرفها المغرب: "لانينيا" تُضعف المرتفع الأزوري والاحتباس الحراري يُكثّف التساقطات    إسبانيا تعتمد مسيّرة بحرية متطورة لتعزيز مراقبة مضيق جبل طارق        الدوزي ينسحب من أغنية كأس إفريقيا    تماثل للشفاء    ترامب يطالب BBC ب10 مليارات دولار تعويضاً عن تهمة التشهير    أبرز أحزاب المعارضة الكولومبية يرشح مؤيدة لترامب لانتخابات 2026 الرئاسية    أبرز عشرة أحداث شهدها العالم في العام 2025    إحباط مخطط إرهابي خطير كان يستهدف لوس أنجلوس في ليلة رأس السنة    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأعمال الصالحة»
نشر في المساء يوم 25 - 12 - 2014

مرة ‬أخرى، ‬دون ‬سابق ‬إيذان، ‬مرّ ‬الموت ‬من ‬هنا ‬وسرق ‬منا ‬محمد ‬بسطاوي. ‬ذهب ‬الفنان ‬النبيل ‬إلى ‬الأبد، ‬رقد ‬جسده ‬المتعب ‬في ‬‮«‬مقبرة ‬الشهداء‮»‬ ‬وترك ‬‮«‬أعماله ‬الصالحة‮»‬ ‬وراءه، ‬في ‬الفن ‬كما ‬في ‬الحياة. ‬كلما ‬مات ‬رجل ‬من ‬طينة ‬بسطاوي ‬تسمع ‬الناس ‬يرددون: ‬‮«‬الطيبون ‬يموتون ‬والأشرار ‬يعمّرون!‬‮»‬، ‬ليس ‬فقط ‬لأن ‬الموت ‬أنجح ‬‮«‬عملية ‬تجميل‮»‬ ‬يتعرض ‬لها ‬الإنسان، ‬باعتباره ‬يخفي ‬العيوب ‬ويظهر ‬الفضائل، ‬بل ‬لأن ‬الموهبة ‬والتواضع ‬والتفاني ‬في ‬العمل ‬خصال ‬قلما ‬تجتمع ‬في ‬شخص ‬واحد ‬في ‬هذا ‬الزمن ‬الرديء.‬
‬كنت ‬طالبا ‬في ‬‮«‬المعهد ‬العالي ‬للفن ‬المسرحي ‬والتنشيط ‬الثقافي‮»‬ ‬في ‬بداية ‬التسعينيات، ‬حين ‬تعرفت ‬أول ‬مرة ‬على ‬المرحوم ‬محمد ‬بسطاوي، ‬شاهدته ‬على ‬الخشبة ‬مع ‬فرقة ‬‮«‬مسرح ‬اليوم‮»‬ ‬وجالسته ‬في ‬مقهى ‬‮«‬المثلث ‬الأحمر‮»‬، ‬الذي ‬كان ‬محجّا ‬للفنانين ‬والكتاب ‬والصحافيين. ‬خلال ‬تلك ‬المرحلة ‬السياسية ‬الدقيقة ‬من ‬تاريخ ‬البلاد، ‬استطاع ‬بسطاوي ‬وخيي ‬والخمولي، ‬إلى ‬جانب ‬ثريا ‬جبران ‬وعبد ‬الواحد ‬عوزري، ‬أن ‬يعيدوا ‬الحياة ‬إلى ‬الخشبة، ‬عبر ‬أعمال ‬أصبحت ‬من ‬كلاسيكيات ‬المسرح ‬المغربي: ‬‮«‬حكايات ‬بلا ‬حدود‮»‬، ‬التي ‬استلهمت ‬نصوص ‬الشاعر ‬والمسرحي ‬محمد ‬الماغوط، ‬و«بوغابة‮»‬ ‬التي ‬اقتبسها ‬محمد ‬قاوتي ‬عن ‬رائعة ‬‮«‬بانتيلا ‬وتابعه ‬ماتي‮»‬ ‬لبيرتولد ‬بريشت، ‬و»نركبو ‬لهبال‮»‬ ‬و«النمرود ‬فهوليود‮»‬... ‬وفي ‬عام ‬1995، ‬سيدخل ‬بسطاوي ‬تجربة ‬جديدة ‬مع ‬‮«‬مسرح ‬الشمس‮»‬، ‬الفرقة ‬التي ‬أطلقها ‬رفقة ‬محمد ‬خيي ‬ويوسف ‬فاضل ‬وعبد ‬العاطي ‬لمباركي ‬وعبد ‬المجيد ‬الهواس ‬وعبد ‬الله ‬الريامي، ‬الشاعر ‬العماني ‬الذي ‬كان ‬يقيم ‬في ‬الرباط ‬مع ‬قصائده ‬الجميلة. ‬كانت ‬مغامرة ‬مسرحية ‬مدهشة، ‬تفاعل ‬فيها ‬الممثل ‬والكاتب ‬والمخرج ‬والسينوغراف ‬والشاعر، ‬ورغم ‬أنها ‬لم ‬تعمر ‬طويلا، ‬فقد ‬تركت ‬أعمالا ‬متميزة ‬مثل ‬‮«‬خبز ‬وحجر‮»‬ ‬و»فانتازيا‮»‬ ‬و«بوحفنة‮»‬ ‬و«الخمارة‮»‬ ‬التي ‬مثلت ‬تكريما ‬جميلا ‬للشاعر ‬الراحل ‬أحمد ‬المجاطي.‬
‬كان ‬بسطاوي ‬يجلس ‬كل ‬يوم ‬في ‬‮«‬المثلث ‬الأحمر‮»‬، ‬رفقة ‬صديق ‬عمره ‬محمد ‬خيي، ‬وكم ‬كان ‬مثيرا ‬ذلك ‬الصمت ‬الذي ‬كان ‬يخيم ‬على ‬جلستهما، ‬لا ‬يتحدثان ‬البتة، ‬يعطيان ‬الانطباع ‬بأن ‬الكلام ‬انتهى ‬بينهما، ‬قالا ‬كل ‬شيء ‬ودخلا ‬في ‬تواصل ‬روحي ‬عميق. ‬عندما ‬دخل ‬بسطاوي ‬عالم ‬السينما ‬والتلفزيون، ‬في ‬العقد ‬الأخير، ‬ربحته ‬الشاشة ‬والجمهور ‬العريض، ‬وخسرته ‬الخشبة. ‬دوره ‬في ‬شريط ‬‮«‬ألف ‬شهر‮»‬، ‬لفوزي ‬بنسعيدي، ‬سيظل ‬من ‬أجمل ‬الشخصيات ‬التي ‬جُسّدت ‬في ‬تاريخ ‬السينما ‬المغربية، ‬من ‬خلال ‬ذلك ‬التواطؤ ‬الرفيع ‬مع ‬الفنان ‬عبد ‬العاطي ‬لمباركي، ‬الذي ‬تألق ‬في ‬دور ‬‮«‬القايد‮»‬.‬
‬بسطاوي ‬كان ‬ممثلا ‬كبيرا، ‬يخلص ‬لعمله ‬الفني ‬دون ‬جلبة ‬أو ‬ادعاء، ‬مثل ‬المرحومين ‬محمد ‬مجد ‬ومحمد ‬الحبشي، ‬اللذين ‬رحلا ‬قبله ‬تاركين ‬فراغا ‬لا ‬يعوض ‬في ‬المشهد ‬الفني، ‬لأن ‬ثمة ‬أدوارا ‬لا ‬يمكن ‬أن ‬يلعبها ‬غيرهم.‬
‬رحل ‬البسطاوي، ‬قبل ‬أوان ‬الرحيل، ‬بعد ‬أن ‬حفر ‬طريقه ‬وسط ‬المنعرجات ‬الوعرة، ‬ووصل ‬إلى ‬مرحلة ‬النضج، ‬بحيث ‬بات ‬يستطيع ‬وضع ‬بصماته ‬المتميزة ‬على ‬أكثر ‬الشخصيات ‬تعقيدا، ‬لكن ‬عزرائيل ‬لم ‬يمهله ‬وأخذه ‬إلى ‬‮«‬ذلك ‬القطر ‬المجهول ‬الذي ‬لا ‬يعود ‬منه ‬أحد‮»‬، ‬كما ‬وصفه ‬هاملت ‬في ‬مأساة ‬قديمة. ‬مع ‬رفيق ‬دربه ‬الفني ‬محمد ‬خيي، ‬شكل ‬بسطاوي ‬الاستثناء ‬وسط ‬قاعدة ‬عريضة ‬من ‬الممثلين ‬الذين ‬استسهلوا ‬اللعب ‬مع ‬الكاميرا، ‬وباتوا ‬يقفون ‬وراءها ‬وأمامها ‬في ‬الآن ‬ذاته، ‬بكثير ‬من ‬النزق، ‬يخلطون ‬بين ‬إخراج ‬الأفلام ‬و»إخراج ‬العينين‮»‬، ‬ويصرّون ‬على ‬‮«‬إتحافنا‮»‬ ‬ب»أفلام‮»‬ ‬تسبب ‬للمشاهدين ‬ارتفاعا ‬في ‬‮«‬الضغط‮»‬ ‬و»السكري‮»‬، ‬في ‬إطار ‬استغلال ‬بشع ‬ل»المال ‬السايب‮»‬ ‬الذي ‬ما ‬فتئ ‬صندوق ‬الدعم ‬السينمائي ‬يوزعه ‬بلا ‬حسيب ‬أو ‬رقيب، ‬محطما ‬الرقم ‬القياسي ‬في ‬إنتاج ‬‮«‬اللفت‮»‬ (‬Les navets)‬، ‬إلى ‬درجة ‬بات ‬معها ‬يستحسن ‬فصله ‬عن ‬وزارة ‬الاتصال ‬وإلحاقه ‬بوزارة ‬الفلاحة!‬
الراحل ‬كان ‬يملك ‬من ‬الموهبة ‬والجدارة ‬ما ‬يؤهله، ‬أكثر ‬من ‬غيره، ‬لتوسيع ‬نشاطه ‬الفني ‬خارج ‬دائرة ‬التمثيل، ‬لكنه ‬بقى ‬وفيا ‬لمهنته. ‬كان ‬بإمكانه، ‬هو ‬أيضا، ‬أن ‬يخرج ‬ثلاثة ‬أفلام ‬قصيرة ‬ويحصل ‬على ‬دعم ‬المركز ‬السينمائي، ‬وينضم ‬إلى ‬‮«‬جمعية ‬منتجي ‬اللفت‮»‬، ‬لكنه ‬يحترم ‬شغله ‬ويعرف ‬أن ‬مهنة ‬التشخيص ‬صعبة ‬وتحتاج ‬إلى ‬تفرغ ‬كامل، ‬وأن ‬الممثل ‬حين ‬يحتال ‬على ‬الدور ‬يظهر ‬غشه ‬على ‬الشاشة. ‬الغش ‬في ‬العمل ‬والادعاء ‬والتطاول ‬على ‬اختصاصات ‬الغير ‬واستسهال ‬كل ‬شيء ‬هو ‬ما ‬يجرّ ‬المغرب ‬باستمرار ‬إلى ‬الوراء، ‬إنه ‬‮«‬سوسة‮»‬ ‬‮«‬الهواية‮»‬ ‬التي ‬تنخر ‬كل ‬مناحي ‬الحياة، ‬مقابل ‬‮«‬الاحتراف‮»‬ ‬الذي ‬يعني ‬الإخلاص ‬والتمكن ‬والتفاني ‬في ‬العمل. ‬التمثيل ‬مهنة ‬لا ‬مكان ‬فيها ‬للكذب ‬والادعاء، ‬وبسطاوي ‬دخل ‬قلوب ‬الناس ‬لأنه ‬كان ‬مخلصا ‬لمهنته، ‬و»رحم ‬الله ‬امرءا ‬عمل ‬عملا ‬فأتقنه‮»‬، ‬رحم ‬الله ‬محمد ‬بسطاوي.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.