قبيل انتخاب الأمين العام.. مؤتمر الاستقلال يعتمد البيان الختامي ومناوشات بين مزور وشقيقة أفيلال        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    اتحاد العاصمة يواصل تداريبه رغم تهديده بالانسحاب.. ومراقب المباراة يرفض تسجيل اعتراضهم    أيت الطالب وأمزازي يعطيان انطلاقة خدمات 34 مؤسسة صحية بجهة سوس    مناصرو الحزب الاشتراكي يتظاهرون في مدريد لحضّ سانشيز على عدم الاستقالة    الملك: علاقات المغرب والطوغو متميزة    "حماس" تعلن ارتفاع عدد القتلى في غزة    وزير الصحة يدشن مستوصفات جديدة    إسبانيا تعترض 25 طنا من المخدرات    إسدال الستار على فعاليات "ليالي الفيلم السعودي" في الرباط    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    الأمور مضبوطة: بركان لاعبين بالتوني اللي فيه خريطة المغرب ضد اتحاد العاصمة الجزائري    الملفات الساخنة في حقيبة وزير الخارجية الفرنسي خلال زيارته إلى الجزائر !    بدء أشغال المؤتمر السادس للبرلمان العربي بالقاهرة بمشاركة المغرب    التلميذة فاطمة الزهراء ضحية مدير ثانوية "التقدم" فمولاي يعقوب فتصريح ل"كود": هادي 3 سنين والمدير كيتحرش بيا وكيدير هادشي مع بزاف دالبنات    منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    تتويج شعري في ملتقى الشعر والفلسفة    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    العلماء يعثرون على قبر أفلاطون بفضل الذكاء الاصطناعي "صورة"    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    وفد ألماني يطلع بتطوان على العرض البيداغوجي للمعهد المتوسطي للتدبير    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    هذا تاريخ عيد الأضحى لهذه السنة بالمملكة    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    مظاهرة حاشدة في مدريد لدعم رئيس الوزراء وحثه على البقاء    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح وآثم من فعل ذلك    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    الخارجية البريطانية: ملتازمين بتعزيز وحماية حقوق الإنسان فالصحرا وكنشجعو الأطراف باش يواصلوا جهودهم فهاد الصدد    المغرب يواجه واحدا من أكثر المواسم الفلاحية كارثية في تاريخه    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    مؤتمر الاستقلال يمرر تعديلات النظام الأساسي ويتجنب "تصدع" انتخاب القيادة    قناة عبرية: استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي قريبا وجميع الضباط المسؤولين عن كارثة 7 أكتوبر سيعودون إلى ديارهم    تواصل حراك التضامن مع الشعب الفلسطيني في المغرب.. مظاهرات في 56 مدينة دعما لغزة    خمسة فرق تشعل الصراع على بطاقة الصعود الثانية وأولمبيك خريبكة يهدد حلم "الكوديم"    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    مجلس أمناء الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    فرنسا مستعدة ل"تمويل البنية التحتية" لنقل الطاقة النظيفة من الصحراء إلى الدار البيضاء    سيناريوهات الكاف الثلاث لتنظيم كأس إفريقيا 2025 بالمغرب!    مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة    زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    هجوم روسي استهدف السكك بأوكرانيا لتعطيل الإمدادات د مريكان    سامسونغ تزيح آبل عن عرش صناعة الهواتف و شاومي تتقدم إلى المركز الثالث    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    الأمثال العامية بتطوان... (582)    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الشبح.. “اليوم 24” في قلب رحلة شباب باحثين عن “الفانتوم”
نشر في اليوم 24 يوم 29 - 09 - 2018

في محطة “طاكسيات” بمدينة العرائش، التي تبعد عن مدينة تطوان قرابة ساعة ونصف على الطريق الوطنية، تجمهر عشرات الشباب يتسابقون على سيارات الأجرة التي تقل إلى مدينة تطوان، لا حديث لدى المسافرين إلا عن وقفة، أمس السبت 22 من الشهر الجاري، التي طالب من خلالها المحتجون ب”الهجرة” إلى الديار الإسبانية بالمجان، كانت الآراء بين مؤيد ومستغرب ورافض لهذا النوع من المطالب والاحتجاج. أحد المسافرين، الذي كان يقف بجانبي ويحتضن طفله، لم يفهم كيف عادت الهجرة لتطفو على السطح وتشغل عقول الناس بهذه الطريقة، إذ علق على الأمر قائلا: “هناك إنّ كبيرة في الموضوع”. الأهالي الذين يرافقون أبناءهم للمحطة، والمتوجهين صوب مدينة الأحلام “تطوان”، كانت يبدو على محياهم مزيج بين السعادة والخوف، بعض الأمهات يرفعن أكفهن للسماء طالبين من لله أن يحفظ أبناءهم، وأن يكون سندا لهم حتى يصلوا إلى الضفة الأخرى، والبعض الآخر كن يغالبن دموعهن ويقتنصن اللحظات لعناق فلذات كبدهن. المشهد كان محزنا كأن المدينة ستصبح مدينة للكهول والشيوخ.
ركبت سيارة الأجرة بعد ساعة ونصف من الانتظار ليحين دوري، من سوء أو حسن حظي، كان المسافرون المرافقين لي جلهم من الشباب الذين ينوون الهجرة ويضربون موعدا مع “الفانتوم”، الذي وعدهم أحدهم على مواقع التواصل الاجتماعي أنه سيظهر اليوم، في مدينة “مارتيل” على الساعة الحادية عشر مساء. الشابان اللذان جلسا بقربي يبدو عليهما أنهما لم يصلا إلى سن الرشد بعد، بادرتهما بالحديث لأذيب كرة الثلج التي كانت تكونت بين ركاب السيارة “يبدو أنكما من مدينة القصر الكبير”، فردا عليّ بانشراح “نعم، من أين عرفت ذلك؟”، أجبت بنفس الحماس “أيضا لي أصول من تلك المدينة التاريخية”.
بلال هو اسم الشاب الأول، عمره لم يتجاوز 17 سنة، نحيل وقمحي البشرة، عيناه تشعان حماسا، لم يكمل دراسته بسبب ظروفه الاجتماعية الصعبة لأسرته، واشتغل في مهن كثيرة قبل أن تسيطر عليه فكرة الهجرة إلى أوروبا. يحكي بلال والحماس الذي كان يظهر في عينيه اختفى: “أعلم أني بهذه المغامرة إما سأموت أو سأحيى، ليس لي أي حل ثالث”. قبل أن يكمل بلال حديثه رن هاتفه، نظر إلى شاشة الهاتف كان مكتوبا “أمي”. تأخر في الرد، بعدها فتح الخط، يبدو من ملامحه التي تغيرت مع أول كلمة نطقها أن والدته ترفض أن يركب “قوارب الموت”، لكنه كان يطمئنها ويعدها ب”المنزل وإرسالها إلى الحج”، حلما يصل إلى إسبانيا.
أنهى بلال المكالمة معلقا “الوالدة خايفة عليا بغاتني نبقى معاها”، صمت لبرهة ثم عاد ليروي قصته والأسباب التي جعلته يفكر بالهجرة قائلا: “كنا نعيش استقرارا نسبيا، كان والدي سائق سيارة أجرة، لكن قبل أربع سنوات، تعرض لحادثة سير راح ضحيتها طفل، فحكم عليه بخمس سنوات، إثر ذلك فقدت الأسرة معيلها الوحيد، وهو ما اضطرني لأترك الدراسة وأخرج للعمل”، يتوقف الشاب عن الحديث يتأمل الطريق يغالب أحزانه التي هجمت عليه دفعة واحدة ثم يسترسل: “عملت كنادل وفي النجارة وحمال في الأسواق لكني تعبت، مهما عملت لا أستطيع سد مصاريف البيت”.
لبلال محاولة سابقة في الهجرة من ميناء طنجة، لكنها كانت فاشلة، وقبل ظهور “الفانتوم” كان يستعد بلال للهجرة رفقة عدد من شباب المدينة في “لفلوكة” مقابل 15 ألف درهم، والتي كان من المفروض أن تنطلق من شاطئ “مولاي بوسلهام” قرب مدينة العرائش، لكن بعد انتشار خبر “نقل الشباب مجانا للضفة الأخرى بواسطة “الفانتوم”، قرر أن يجرب حظه هو الآخر، فإذا نجح يكون وفر ذلك المال، أما في حالة ما إذا لم يحالفه الحظ سيحاول مرة أخرى بطرق أخرى.
الطريق إلى الجنة
بعد ساعة ونصف من الطريق وصلنا إلى مدينة تطوان، كانت المحطة تعج بالناس أغلبهم من الشباب ذكورا وإناثا، أخذنا نحن الثلاثة سيارة أجرة صغيرة لتوصلنا إلى مكان وجود سيارات الأجرة التي تقل إلى مدينة مارتيل، سائق السيارة عند رؤيتنا مازحنا قائلا: “أنتم أيضا تريدون الهجرة؟” ثم استرسل في الحديث أن “الفانتوم” ظهر أمس في شواطئ مارتيل وأخذ ما يقارب 40 شابا نحو “إسبانيا”، لكن أفراد البحرية الملكية طاردوا القارب الثاني الذي كان سيقل باقي الشباب المنتشرين على شواطئ مارتيل، وهو ما دفع المئات منهم إلى “الاحتجاج” والمطالبة بالسماح لهم بالهجرة في قوارب “الفانتوم”، والتي يقال إنها تقل الراغبين في الهجرة بالمجان.
ظهور هذا النوع من القوارب السريعة ونقل الراغبين في الهجرة بالمجان للسواحل الإسبانية يطرح علامات الاستفهام لدى ساكنة مدينة تطوان، فهناك من يصدق هذه الرواية ويؤكد أن عددا من أبناء حيه ذهبوا إلى إسبانيا بدون تخطيط مسبق، إذ كانوا يجلسون في الشاطئ حتى ظهر أمامهم قارب عليه ثلاثة رجال ملثمين يدعونهم إلى الصعود قائلين “vamos ; vamos”، فلبوا النداء وصعدوا إلى القارب، وبعد 15 دقيقة وجدوا أنفسهم في “جنة أوروبا”.
أما الفئة الأخرى، فتعتقد أن هناك اتفاقا مسبقا بين أصحاب القارب والراغبين في الهجرة، ولا يمكن تصديق أن هؤلاء الملثمين الذين يتحدثون فقط الإسبانية، هكذا وبدون سابق إنذار، تذكروا أن هناك شبابا مقهورا يريد البحث عن فرصة حياة جديد في أوروبا، فقرروا فجأة أن ينقذوهم من الجحيم الذي يقبعون فيه. القيادة العامة للقوات المسلحة، وفي بلاغها الذي كان الأول من نوعه، والذي قطع الشك باليقين بخصوص هذه القوارب، لم يحسم في أمر المجانية من عدمها، لكنه أكد ما يقوله السكان والشباب الذين حجوا إلى شواطئ مارتيل ينتظرون “الفانتوم”، حيث قالت إن عناصر البحرية الملكية تمكنت بتعاون مع الدرك الملكي من إحباط محاولة للهجرة السرية انطلاقا من شاطئ مارتيل، موضحة أن وحدة قتالية تابعة للبحرية الملكية تنشط على مستوى السواحل المتوسطية تعقبت ليلة 22-23 من الشهر الجاري قاربا كان منطلقا بسرعة فائقة، محاولا الوصول إلى شاطئ مارتيل لنقل مرشحين للهجرة السرية، وهو ما اضطره إلى الفرار.
البحث عن الحلم !
الرحلة إلى مدينة مارتيل كانت أشبه بالهجرة إلى الشمال، محطة سيارات الأجرة كانت ممتلئة عن آخرها، الكل ينتظر “الطاكسيات”، وما إن يدخل أحدها حتى يبدأ السباق والأسرع والأقوى هو الذي يركب في النهاية، كان الوقت يداهمنا لم يعد يفصلنا عن موعد ظهور “الفانتوم” سوى ساعتين ولم نستطع بعد إيجاد سيارة تقلنا، مرافقي كانا يحاولان الصراع والدفع حتى نحصل على ثلاثة مقاعد وبعد ساعة من الصراع أخيرا صعدنا السيارة، كان كل المسافرين من الراغبين في الهجرة. في الطريق إلى مارتيل التي تبعد عن مدينة تطوان ب8 كيلومتر شاهدنا حزاما من الشباب الذين فقدوا الأمل في إيجاد المواصلات، فقرروا الذهاب على الأقدام إلى غاية حلمهم، لم يكن هناك شيء سيمنعهم من تحقيق الحلم حتى ولو رموا بأنفسهم في النار، وفي مثل هذه اللحظات يصبح الحلم أهم من الحياة.
عند وصولنا إلى مارتيل أول ما يشد الانتباه، التعزيزات الأمنية على غير العادة، حيث أقيم حاجز أمني في مدخل المدينة يراقب الداخل والخارج منها، أما مدخل الكورنيش الذي من المرتقب أن يشهد ظهور “الفانتوم” المفترض، عرف شتى أنواع الأجهزة الأمنية، من أمن وطني وقوات مساعدة، فيما يقوم آخرون بجولات على متن سيارات الأمن في شوارع المدينة. الشاطئ، أيضا، لم يسلم من التعزيزات الأمنية، حيث انتشرت قوارب القوات المساعدة على طول الشاطئ، ملوحين بالكشاف الضوئي الأزرق الذي يشير إلى وجودهم وإصرارهم على عدم السماح لأي قارب من الاقتراب من الشاطئ، مرافقاي اندهشا من كم “قوات الأمن” والمراقبة، حيث علق أحدهما قائلا: “لو كانوا يسهرون على راحتنا كما يسهرون على بقائنا هنا، لما كنا أردنا مغادرة البلد”، يرد عليه صديقه “هم يرفضون أن يقتلنا أخطبوط البحر، لكنهم يريدون قتلنا بأخطبوط الفساد والقهر والفقر”.
وصلنا إلى الشاطئ، دلفنا إلى الداخل، كان عند كل عشرة أمتار تجد مجموعة من الشباب واليافعين يجلسون على الرمل يلتحفون السماء، يراقبون البحر وهم ينتظرون المجهول، الكل يتساءل إن كان سيكون هو المحظوظ الذي سيصل إلى “الفانتوم” أولا وسيحقق حلمه، سألت أحد الشباب في المجموعة التي انضمينا إليها “ألا تخاف الموت؟”، أجابني بسؤال هو أيضا “وهل ظهرت لك ملامح إنسان حي؟”، ثم سألني بدوره “وأنت ما الذي رمى بك هنا، ألا تخافين الموت؟”، أجبته وأنا أحاول أن أبتسم “كلنا ذاك الرجل”.
المجموعة التي كنت أرافقها، كانت تضم شبابا من وجدة والقنيطرة والدار البيضاء ومكناس والقصر الكبير، لم يكن هناك تعارف مسبق بينهم، لكن جمعهم اليأس والهدف، كانوا يتحدثون عن أحلامهم والحياة التي تنتظرهم في أوروبا بشغف وحماس. ياسين شاب عشريني كان يعمل كرجل أمن في ميناء طنجة، لكنه بعد سنتين من العمل وجد نفسه في الشارع بدون تعويض، يحكي في حديثه ل”أخبار اليوم” عن السبب الذي جعله يفكر في الهجرة قائلا: “بعد طردي من العمل رفضت كل الشركات التي قدمت فيها سيرتي الذاتية تشغيلي، رفعت دعوى على الشركة الأولى وذهبت عند مفتش الشغل لكني لم أحصل على حقوقي، أنا أعيش في العطالة منذ أزيد من سنة ونصف، إذ إن كل الأبواب أغلقت في وجهي، لدى قررت المغامرة والبحث عن حياة جديدة في بلد يحفظ لي حقوقي”. ياسين، حاصل على الإجازة في التاريخ، هو المعيل لأسرته بعد وفاة والده، استقر في مارتيل منذ أسبوعين ينتظر دوره للذهاب إلى إسبانيا، خلال هذه المدة تنقل بين كل الشواطئ التي سمع أن القارب السريع سيظهر بها، لكن لم يحالفه الحظ بعد ليركب قوارب الموت.
ظهور «الفانتوم»
وصل الموعد المحدد لظهور “الفانتوم”، لكن لم يظهر أي شيء بعد، كان الكل في حالة تأهب واستنفار، ينتظرون فقط كلمة السر “vamos” لينطلقوا صوب البحر إلى أن يصلوا إلى القارب، مضى على تلك الحال أزيد من ساعة والحركة متوقفة كل من اتخذ مكانا على الشاطئ لم يغادره، أحد الصيادين الذين يقتاتون من صيد السمك في الليل، حكى ل”أخبار اليوم” كيف شاهد عشرات الشباب يصعدون في “الفانتوم” خلال الليالي الماضية، “كنت في المكان نفسه، فجأة ظهر قارب لديه أربعة محركات، كان عليه رجلان ملثمان يتحدثان الإسبانية، نادوا على الشباب “vamos vamos”، فبدأ السباق في عرض البحر من أسعفته قدماه وصل إلى القارب فقد وصل، ومن لم يستطع الركض في مياه البحر والسباحة فقد تعثر وسقط فيه”، ويضيف “القارب يقف على بعد 10 أمتار من الشاطئ، وعلى الذين يريدون الذهاب أن يسبحوا إلى أن يصلوا إليه”. الصياد أكد أن كل الشباب الذين هاجروا بنفس هذه الطريقة لم يكن لهم معرفة مسبقة بأصحاب القارب، ولم يدفعوا ثمن نقلهم بين الضفتين، ذهبوا مجانا والبعض ممن يعرفهم وصلوا إلى إسبانيا وتحدثوا إلى أهاليهم. وعن السبب الذي دفعه هو للمكوث هنا وعدم الذهاب مع الشباب الذين هاجروا، أجاب المتحدث ذاته: “أنا عندي وليدات صغار لمن نخليهم إلى مشيت”.
مرت ساعتان عن الموعد المحدد، كان الصمت هو سيد الموقف عشرات الشباب يجلسون قبالة البحر، الأضواء الزرقاء لقوارب البحرية الملكية تضيء من بعيد، فجأة ظهر قارب يجري بسرعة فائقة يتبعه قارب للبحرية الملكية، في تلك الأثناء الكل نهض من مكانه يجري في الاتجاه الذي ذهب فيه القارب، وهم يصرخون ملء حناجرهم “ها حنا هنا حنا”، كان مشهدا أشبه بمارتون، الكل يركض، منهم من يتعثر في الرمل، ومنهم من طلق سيقانه للريح.
“كانت هي نعم قدمت لتقلنا، لكن البحرية طاردتها وأبعدتها عن الشاطئ، ربما تعود، علينا ألا نفقد الأمل”، هكذا علق بلال وهو لا يستطيع تجميع أنفاسه، كانت صدمة كبيرة لهم، بعدما شاهدوا حلمهم يتحقق أمام أعينهم ضاع مرة أخرى وعليهم العودة إلى نقطة الصفر، كان يبدو عليهم التذمر، بعضهم استسلم للتعب واستلقى فوق الرمال، يتأملون السماء ويشكون لها قلة حليتهم وحظهم العاثر.
بعد مدة قصيرة لم تكن كافية حتى لتجميع أنفاسهم، كان رجال الأمن قد حاصروا المكان وبدؤوا بإخلاء الشاطئ وإلقاء القبض على كل من استطاعوا إيقافه، مرافقاي استطاعا الهرب من قبضة رجال الأمن، راكضين نحو المجهول بحقيبتهما الصغيرة التي كانت تحوي على بذلة نظيفة وبعض الأكل وكلهم أمل أن يعود “الفانتوم” لينقذهما من هذا “الجحيم” كما وصفوه.
لغز «الفابور»
بعد تضارب الآراء حول مجانية الرحلة التي تقل الراغبين في الهجرة إلى إسبانيا من طرف مجهولين بواسطة “الفانتوم” بدأنا رحلة البحث عن حقيقة هذا الأمر، انتقلنا إلى مدينة ل”فنيدق” أو كما يطلق عليها “باب سبتة”، كان لنا موعد مع أحد المهربين الذي ضرب لنا موعدا بدوره مع أحد أصدقائه الناشطين في مجال “الهجرة السرية”، والذي أكد لنا أن إمكانية أن يكون أصحاب “الفانتوم” يقلون الراغبين في “لحريك” بالمجان واردة جدا، بيد أن أغلب أصحاب هذه القوارب السريعة هم من تجار المخدرات، حيث أوضح لنا أن “هؤلاء التجار في بعض الأحياء يأتون إلى المغرب محملين المخدرات وعند عودتهم يأخذون في يدهم الراغبين في الهجرة، مشيرا إلى أن ذلك النوع من القوارب بفعل سرعته يحتاج إلى الثقل ليسير في المياه وألا ينقلب بأصحابه”.
أما الاحتمال الثاني، حسب المتحدث ذاته، فيكمن في أن يكون بين تجار المخدرات لديهم حساب مع السلطات، فيتم تصريف ذلك الحساب بهذا الشكل حتى يتم التفاوض معهم وفتح الطريق لتجارة المخدرات، لكن في الوقت ذاته أبدى تخوفه من أن يكون لشبكات الاتجار بالبشر يد في هذا، خصوصا بعد ظهور جثث غير مكتملة في سواحل البحر الأبيض المتوسط. من جهة أخرى، انتقلنا إلى لقاء والدة أيمن وهو أحد الشباب الذين ذهبوا عن طريق “الفانتوم” قبل أسبوعين من الآن، والذي ينحدر من مدينة لفنديق، أكدت في حديثها ل”أخبار اليوم” أن أبنها وصل إلى الديار الإسبانية وقد اتصل بالأسرة ليطمئنها عليه، وأنه بصحة جيدة ولم يحدث له أي مكروه. السيدة الخمسينية تحكي أن ابنها لم يكن يخطط للهجرة، لكنه فجأة وجد نفسه وجها لوجه مع أشخاص ينادونه للصعود إلى القارب والذهاب إلى الضفة الأخرى، فصعد ليجرب حظه، مضيفة أن “أيمن حكى لها أن رحلته استغرقت 15 دقيقة في عرض البحر وعند اقترابهم إلى الجزيرة الخضراء طلبوا منهم النزول رفقة شباب آخرين دون أن يطلبوا منهم مقابلا، حيث أكملوا الطريق المتبقية سباحة”، مشيرة إلى أنها “لم تكن تعرف أن ابنها، البالغ 19 سنة، قد هاجر وظلت تبحث عنه ليومين قبل أن يربط بها الاتصال بتقنية الواتساب”.
بعد تجميع هذه المعطيات انتقلنا فورا إلى عمالة المضيق لفنيدق، لطلب توضيحات ومعلومات في الأمر، غير أن ديوان الكاتب العام حين عرف بموضوع اللقاء رفض استقبالنا، وأكد لنا أن العامل والكاتب العام للعمالة في اجتماع ولن ينتهوا منه إلا مساء، فيما أكدت الشابة التي استقبلتنا أن العمالة ليس لديها معلومات بهذا الشأن، وهو ما يؤكد تكتم السلطات عن الموضوع وتقديم معطيات حوله.
لحريك ب5 المليون !
قدم لي نفسه على أنه أحمد من مدينة وجدة، شاب في نهاية عقده الثاني، أسمر البشرة، ذو شعر خمري، متوسط القامة، في البداية أراد أن يتعرف وبدأ بطرح الأسئلة علي بخصوص المدينة القادمة ومنها وسبب وجودي في مدينة “المضيق”، وبمجرد معرفته بأنني أخطط “للهجرة”، بدأ يقدم خدماته، حيث أخبرني أن هناك وسيلتين للهجرة أولى مضمونة وهي الذهاب في قارب يشبه “الفانتوم” بخمسة محراكات، بثمن خمسة ملايين درهم، والثانية في قارب عادي ب 7000 آلاف درهم. بالنسبة إلى الهجرة بمبلغ 5 ملايين درهم، أخبرني أحمد أنني لن أسلم المال للشخص الذي يقلنا بشكل فوري، بل سيبقى عند أحد أقربائي الذي بدوره سيكون مع وسيط آخر وعند وصولي واتصال بهم سيتسلمون المبلغ، وليطمئنني أكثر أكد لي أن الرحلة لن تستغرق أكثر من نصف ساعة في حالة ما وجدنا صعوبة أمنية. هذا الأخير نصحني بالهجرة في “الفانتوم” لأنها أكثر أمانا ومضمونة، لكنه عاد ليقول إنه علي أن أنتظر أسبوعين على الأكثر لأن مداخل ومخارج البحر مراقبة، عارضا علي الذهاب إلى أحد البيوت في مدينة لفنيدق، يقطنها المرشحون للهجرة السرية، في انتظار أن يصل موعد الرحيل، أحمد منحني رقم الوسيط الذي ينسق رحلات الهجرة السرية وأخبرني قبل أن أقول له شيء في الهاتف أن أخبره أني من طرف “أحمد من وجدة” لكي يتحدث إليّ بكل أريحية، لأن هناك حملة على المهربين والعاملين في الهجرة السرية. اتصلت بذلك الوسيط المسمى مصطفى، والموجود في مدينة ل”فنيدق” أطلعته على كلمة السر، وأخبرته برغبتي في الهجرة. هذا الأخير كان مختصرا في حديثه معي، حيث اكتفى بالقول إن كنت أرغب في الهجرة في قارب 5 ملايين، أن أجهز المبلغ وأتصل بأحمد وهو الذي سينسق العملية بيننا. ما إن أخبرته بموافقتي حتى قطع الخط.
بليونش.. جنة «الحراكة»
عند أول منعطف تتفاجأ بالطريق الوعرة لهذه المنطقة التي يتحدث عن جمالها كل من زارها، أول سؤال يتبادر إلى الذهن كيف يصل المهاجرون إلى هذه المنطقة رغم وعورة تضاريسها وطريقها المنحرفة؟ هذه القرية الصغيرة المقابلة لمدينة سبتة، تحولت إلى ملجأ لكل راغب في الهجرة، على شاطئها الذهبي انتشر عشرات من الشباب ينتظرون ظهور “الفانتوم”. وحسب عدد منهم، فقد حط القارب بهذا الشاطئ لمرات متعددة، أقلّ عشرات من الشباب الذين حالفهم الحظ، لكن بعد انتشار مقاطع الفيديو بدأت حركة “الفانتوم” تقل، حسب أحد الذين تحدثنا إليهم.
الشباب الموجودون في القرية لم يفقدوا الأمل ولازالوا ينتظرون ضربة الحظ، لينتقلوا إلى بوابة أوروبا، بعضهم بعد أسابيع من الانتظار قرر الهجرة في قوارب الموت عن طريق دفع مبالغ مالية. سعيد شاب ينحدر من مدينة سوق الأربعاء، يحكي ل”أخبار اليوم” أنه يوجد هنا منذ ثلاثة أسابيع، لكنه لم يتمكن من الهجرة، هذا الأخير قال لنا إنه اتفق مع “حراك” بمليون ونصف ليقله نحو الضفة الأخرى، وهو ينتظر رفقة شباب آخرين حتى تضعف الحراسة ليركبوا البحر. شاب آخر يحكي ل”أخبار اليوم” أنه قضى ليالي هناك في هذه القرية ينتظر “الفانتوم”. عدد من أصدقاءه تمكنوا من الركوب فيه، لكن ما إن يصل العدد إلى قرابة الأربعين ينطلق، مشيرا إلى أن أصاحب القارب يعدونهم أنهم سيعدون ليأخذونهم وهو سبب مكوث أغلب الشباب هنا، مبديا أمله في أن يكون هذا القارب هو ورقته الرابحة ليعيش حياة كريمة تحفظ كرامة وجهه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.