لأول مرة يجد الأطر التربوية أنفسهم أمام مذكرة بعدد ثقيل من الأوراق، تتطلب قراءتها فقط، يوما أو يومين بتركيز شديد، كما فوجئ أولياء وآباء التلاميذ في بعض المؤسسات الخاصة بتغير الصيغتين اللتين اقترحتهما الوزارة على الأسر للاختيار، فبدل الاختيار بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، جرى تخيير الأسر بين التعليم التناوبي الذي يجمع الحضوري وعن بعد، وبين التعليم عن بعد، كما فوجئت المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة، بتوجه الغالبية العظمى للتعليم الحضوري. السيد وزير التربية الوطنية، بدل أن يتفاعل مع هذه الوضعية التي تزيد الأمور تعقيدا، أصدر بلاغا يحاول من خلاله أن يبرئ ساحته من ممارسات القطاع الخاص بخصوص واجبات التأمين، ويدعو هذه المؤسسات إلى انتهاج الشفافية مع أولياء وآباء التلاميذ، حتى لا يستثمر التأمين كذريعة لاستخلاص واجبات شهر يوليوز وغشت بالنسبة إلى الأطر التربوية العاملة بالمؤسسات الخاصة. البعض رأى في ذلك بطولة من وزارة التربية الوطنية، لا سيما في هذه الظرفية الصعبة، لكن التوقيت يطرح أسئلة كبيرة، وما إذا كان الأمر يتعلق بتوتر مع أرباب القطاع الخاص، أم أن الأمر يتعلق بتجسير مهمة، لا سيما وأن وزارة التربية الوطنية كانت دائما تنأى بنفسها عن التدخل لحل المشاكل المالية بين القطاع الخاص وأولياء وآباء التلاميذ، وتعتبر أن ذلك يخص الطرفين. والحقيقة، أن الأمر لا تبدو فيه أي بطولة، بل العكس هو الصحيح، فالوزارة تريد باسم حقوق المتعلمين، أن تدفع القطاع الخاص إلى ترسيم أجرتي شهر يوليوز وغشت بما يجعل الوضع أسوأ من السابق، الذي كان تستخلص فيه واجبات التسجيل، فالسيد الوزير أعطى من طرف خفي إشارة واضحة إلى أن ما يهم الوزارة هو الشفافية وفصل ثمن التأمين عن المستحقات الأخرى، وأن بإمكان القطاع الخاص، أن يؤمن حاجياته من خلال فرض رسوم تلبي مستحقات الأطر التربوية العاملة بالقطاع الخاص خلال شهري يوليوز وغشت، وهو ربما الثمن الذي يقدمه السيد الوزير للقطاع الخاص من جراء الأزمة التي واجهتها زمن الحجر الصحي. وبغض النظر عن هذه الحيثية، يبدو أن ما شرحه السيد الوزير ووضحه في أكثر من خروج إعلامي حول طريقة تدبير التدريس في هذه الظرفية الوبائية، كان أشبه بالحلم أو السراب، فالمؤسسات التعليمية اليوم، أمام اختيار الغالبية للتعليم الحضوري، أصبحت تدرك أن الكرة عادت إلى مربع الوزارة، بعد أن ألقتها الوزارة على الأسر، وأنه لم يعد هناك من خيار سوى أن تتحمل مسؤوليتها هي، لا الأسر، في تحديد واختيار نمط التعليم المعتمد، وأن أي خيار لتحميل المؤسسة التعليمية وحدها النظر فيما يناسب حالتها، هو رمي بالكرة مرة أخرى في مربع الإدارة التربوية والأساتذة الذين لا يملكون الإمكانات اللوجستية التي تساعدهم على تقرير الخيار الأنسب للتعليم. الواضح أن الذي دفع الوزارة إلى رمي الكرة في ملعب الأسر، ثم رميها مرة ثانية في ملعب المؤسسات التعليمية بعدما كثر الطلب على التعليم الحضوري، هو عدم جاهزية الوزارة، وعدم قدرتها على تلبية التجهيزات الضرورية لاعتماد تعليم تناوبي يحترم الشروط الاحترازية والوقائية، وأن الوضع سيؤول في نهاية المطاف إلى خوض تجربة السنة الماضية، بتحويل شبكات التواصل الاجتماعي وهواتف التلاميذ إلى الآلية الأكثر فعالية في إجراء "تعليم" منقوص، لا يتمتع بأي مواصفات التعليم عن بعد. لا أحد يدري اليوم، لا سيما في المؤسسات العمومية، كيف سيتم تحقيق تعليم تناوبي، مع العلم أن الاختيار أفضى في نتائجه الكبرى إلى التعليم الحضوري، ولا الطريقة التي سيتم بها الجمع بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، وهل سينقل الدرس الحضوري لفائدة الذين يدرسون عن بعد، وكيف سيتم ذلك في غياب التجهيزات، وهل سيكون الإطار التعبوي هو نفسه مخيرا بين تعليم حضوري وتعليم عن بعد، أم سيعتمد النمطين معا، وكيف سيتم ذلك، وهل سيتم احترام الزمن المدرسي، وغير ذلك من الأسئلة التي لا يملك أحد جوابا عنها. المطلوب في هذه الظرفية المشحونة بالمخاوف والقلق، أن تخرج الوزارة، لتباشر خيار الوضوح، لا أن تركب لغة البطولة في ملف يعرف الجميع أن القصد منه، هو دفع القطاع الخاص لترسيم ما لم يكن مرسما، وإثقال كاهل الأسر بأداء واجبات غير مدرسية لم يكونوا في السابق يؤدونها.