قالت الجزائر قبل يومين إن سلطاتها اعتقلت 84 مرشحا مغربيا للهجرة السرية ليلة عيد الأضحى، فيما تقول مصادر من أوساط المغاربة العاملين في الجزائر إن الأمر يتعلق بمئات المغاربة الذين يعملون في الجزائر، ويرغبون في العودة لقضاء عطلة العيد رفقة ذويهم، فتصيدتهم الأجهزة الجزائرية. التاريخ يعيد نفسه كل سنة هنا، حيث إن الاعتقالات والمطاردات التي وقعت قبل يومين ضد المغاربة من قبل عناصر الجيش والأمن الجزائريين، وشملت 84 مغربيا بدعوى سعيهم إلى الهجرة السرية، تحاكي كل سنة ما وقع سنة 1975 عندما قادت السلطات الجزائرية تلك الحملة الكبيرة للطرد التعسفي في حق المغاربة. وتتكرر هذه الأيام مشاهد الكرّ والفرّ على طول الشريط الحدودي الغربي الجزائري، خوفا من الوقوع بين كماشتي الآلة العسكرية لبلد الجيران التي لا ترحم، وفي سبيل العودة إلى أرض الوطن لقضاء عطلة العيد، فإن العمال المغاربة الذين يعملون في الجارة يخاطرون بحياتهم. الشرطة أمامكم والجيش وراءكم ينطلق موسم العودة على العموم قبل أسبوع من عيد الأضحى، لذلك فإن الاستنفار على الحدود يبدأ قبل هذه الفترة، وعلى العموم، فكل المتابعين للتطورات الواقعة على الشريط الحدودي يؤكدون أن هذا الاستنفار مستمر في الحقيقة منذ أشهر، وبالتحديد منذ تاريخ إجراء السلطات الجزائرية توسعة شاملة للخنادق التي حفرتها. دوريات الهجرة التي شكلتها السلطات الجزائرية خصيصا لتعقب المهاجرين تكثف أنشطتها في المدن الواقعة بولاية تلمسان في الغرب. وعلى الحدود الجزائرية تنشط دوريات الجيش. «الدوريات التي شكلتها السلطات الجزائرية تتعقب المهاجرين في الأوراش وفي باقي أماكن العمل، وتشكل مناسبة العيد، التي تشهد عودة مكثفة للمهاجرين المغاربة، فرصة لتقديم أكبر عدد منهم إلى القضاء بتهمة الهجرة غير الشرعية، وممارسة عمل بدون ترخيص مسبق»، يقول (ع.ب) وهو عامل في مجال «الزليج»، قبل أن يضيف أن المغاربة العاملين في الجزائر يخاطرون مخاطرة حقيقية بحياتهم أثناء العودة، خاصة الذين يواجهون دوريات العسكر الجزائري بالفرار. وتكاد تكون قصص العودة من هذا الجحيم تتشابه في تفاصيلها، فمعظم الذين استقصت «أخبار اليوم» تصريحاتهم بخصوص هذا الأمر يؤكدون أنه يجب في البداية العثور على مهرب، أو ما يعرف محليا ب«الكراسة»، ينقلهم مقابل أجر معين إلى الشريط الحدودي، ومن ثم يختار كل مهاجر طريقته للعبور. ولأن فترة عيد الأضحى هي فترة الذروة، فالعثور على مهرب لتمكينهم من التنقل أمر صعب نوعا ما، وحتى التنقل يصبح مكلفا، ويبلغ سعره في بعض الأحيان أكثر من 200 درهم لمسافة لا تتجاوز 50 كلم. وتعكس أعداد المعتقلين من المغاربة في هذه الفترة حجم التدفق على الشريط الحدودي، حيث كشفت وزارة الدفاع الجزائرية عشية العيد أنها تمكنت من اعتقال 84 مغربيا، وربطت بين توقيفهم وبين يقظة الجيش الجزائري، مضيفة أن العملية تمت في إطار «حماية الحدود ومحاربة الجريمة المنظمة»! من الورش إلى الزنزانة! يكدح العمال المغاربة سنة كاملة في أوراش البناء المنتشرة في الجارة الشرقية، غير أن مجهود هذه السنة يمكن أن يضيع في رمشة عين، بمجرد أن يقع أحدهم في قبضة دوريات الهجرة التابعة للشرطة والدرك أو حرس الحدود. وحسب شهادة أحد العاملين في البناء، الذي تمكن من العودة أياما قليلة قبل عيد الأضحى، فإن التوقيف يعني بالضرورة عقوبة حبسية أدناها 6 أشهر موقوفة التنفيذ، حيث إن المغاربة الذين يتم توقيفهم يحالون على أنظار وكيل الجمهورية في يومي الثلاثاء والأربعاء، اليومين المخصصين لتقديم المهاجرين أمام القضاء، وإن كان المهاجر محظوظا وليس من ذوي السوابق، فإن حكمه معروف سلفا، حيث تقضي المحكمة في حقه بالحبس 6 أشهر موقوفة التنفيذ وإبعاده إلى الحدود، لتتسلمه بعد ذلك السلطات المغربية! لكن، وفي حالات كثيرة، فإن العقوبة الحبسية تتحول إلى عقوبة نافذة، حيث تشير الكثير من الشهادات إلى أن هناك عددا كبيرا من السجناء المغاربة في سجون الجارة الشرقية، لا يعرف عددهم بالتحديد، بالنظر إلى غياب أرقام رسمية بهذا الخصوص. على خط النار بعدما يتمكن المهاجرون من الوصول إلى الشريط الحدودي بمساعدة «الكراسة»، تبدأ رحلة ترقب الفرصة السانحة لتخطي الحواجز التي وضعت على الحدود. «خلال السنتين الماضيتين أصبحت العودة أمرا صعبا للغاية بسبب الخنادق التي حفرتها السلطات الجزائرية، والتي قامت بتوسعتها»، يقول علي، وهو عامل آخر تمكن من العودة لقضاء عطلة العيد بين أهله، ورغم تأكيد علي أنه لم يصادف وقوع إصابات في صفوف العمال نتيجة تخطي الحدود، فإنه يضيف أنه علم من باقي زملائه أن العديد من العمال أصيبوا بجروح نتيجة القفز فوق الخنادق. وحسب المصدر نفسه، فإن التضييق والمطاردات مستمرة، ما دفع بعدد من المهاجرين إلى تغيير وجهة العودة، حيث اتجهوا أكثر إلى الجنوب الغربي الجزائري، على اعتبار أن هذه المناطق غير معروفة بكونها منافذ للعاملين في الجزائر، وبالتالي، فإن الاستنفار فيها لا يكون بالدرجة التي تعرفها مناطق الشمال الغربي، المعروفة منذ عقود بكونها تضم منافذ دخول العمالة والتهريب! من التسليم إلى القضاء غالبا ما تتم إحالة المهاجرين الذين يُعتبرون في حكم المهاجرين غير الشرعيين، الذين تتسلمهم السلطات المغربية من نظيرتها الجزائرية في الحدود البرية المغلقة، على أنظار القضاء المغربي، الذي يتابعهم بتهمة مغادرة التراب الوطني بطريقة غير شرعية، ولا يكاد يوم يمر دون أن تبت المحكمة الابتدائية بوجدة في قضية من هذه القضايا! لكن، نظرا إلى ظروف هؤلاء العمال وطبيعة الجرم المنسوب إليهم، فإن متابعتهم تتم في حال سراح.