1. الرئيسية 2. المغرب "سيلفي" قيوح مع أردوغان.. هل هو تجاوز بروتوكولي وهشاشة في الوعي بموقع المسؤولية أم روح "انفتاح شخصي" مطلوب؟ الصحيفة من الرباط السبت 28 يونيو 2025 - 14:06 تحوّلت صورة "سيلفي" التقطها وزير النقل واللوجيستيك المغربي عبد الصمد قيوح، برفقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى مادة جدل حادة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ساعات من نشرها على حساب الوزير قبل أن تُحذف لاحقا دون توضيح، في خطوة فُهمت على نطاق واسع كاستجابة لضغوط وانتقادات رأت في الصورة تجاوزا للسياقات البروتوكولية في تمثيل المملكة خلال فعاليات دولية رفيعة. الصورة المثيرة، التي التقطت على هامش منتدى الربط العالمي للنقل المنعقد بإسطنبول في الفترة ما بين 27 و29 يونيو 2025، لم تكن وحدها محور النقاش، بل ما رافقها من تأويلات سياسية وتفسيرات متباينة حول الدلالة الرمزية لتصرف وزير يمثل المغرب الرسمي أمام رئيس دولة ترتبط معها المملكة بعلاقات قائمة على توازن دقيق. وعبد الصمد قيوح، الذي يشغل منصب وزير النقل واللوجيستيك وقيادي في حزب الاستقلال، كان يترأس الوفد المغربي الرسمي إلى منتدى الربط العالمي للنقل المنعقد في إسطنبول في الفترة ما بين 27 و29 يونيو، تحت شعار: "اتصال متواصل، فرص بلا حدود". وقد ضم الوفد المغربي كلا من سفير المملكة لدى الجمهورية التركية محمد علي الأزرق، وعددا من مديري ومديرات قطاع النقل والسلامة الطرقية، وشارك في جلسات المنتدى، الذي عرف حضور عدد من وزراء النقل الأفارقة والدوليين، ومسؤولين أمميين وخبراء في السياسات اللوجيستيكية والتنقل المستدام. وفي الجلسة الافتتاحية للمنتدى، ألقى كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو كلمة بالمناسبة، أكدا فيها أهمية تعزيز البنية التحتية العابرة للحدود، وربط الدول النامية بالشبكات العالمية للنقل، فيما وعلى هامش هذه الفعاليات، وقّع المغرب وتركيا مذكرتي تفاهم، الأولى تتعلق بالتعاون في مجال السلامة الطرقية، والثانية بخصوص دراسة إمكانيات تطوير الممرات البحرية وتعزيز الأسطول البحري الوطني، وقد وقّع على الاتفاقيتين الوزير قيوح ونظيره التركي، بحضور السفير المغربي، في خطوة وُصفت بالمهمة في مسار التعاون الثنائي. لكن ما طبع مشاركة الوزير المغربي لم يكن مضمون المذكرات، بل تلك الصورة التي ظهر فيها المسؤول الحكومي المغربي ممسكا بهاتفه المحمول مبتسما، وهو يلتقط "سيلفي" قريبا جدا من وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في لحظة بدت خارجة عن سياق اللياقة والرسميات التي يفرضها الموقف. وبينما اعتبر البعض أن اللقاء مع رئيس الدولة المضيفة يُعدّ فرصة لتوثيق المشاركة المغربية، فإن طريقة التقاط الصورة، وطابعها الشخصي، وما تبعها من نشر سريع ثم حذف مفاجئ، كلها عوامل جعلت المشهد يُقرأ باعتباره سقطة بروتوكولية لا تليق بتمثيل المغرب في منتدى دولي. وتفاعل المغاربة مع الصورة جاء حادا ومنقسما، فهناك من رأى في ما فعله الوزير لقطة إنسانية طبيعية، تُعبر عن عفوية المشاركة، وترسّخ حضورا رمزيا للمغرب في محفل مهم، وذهب بعضهم إلى أن هذه اللحظات لا تُضر، بل تُسهم في إضفاء طابع مرن على العلاقات الدبلوماسية، وتعكس روحا من الانفتاح الشخصي في التعامل مع قادة الدول. لكن في المقابل، طغى صوت المعترضين الذين رأوا في الصورة إساءة ضمنية لموقع التمثيل المغربي، وانتقاصا من جدية الحضور في مناسبة يفترض أن يُظهر فيها الوزراء المغاربة حرصا مضاعفا على الرصانة، والقدرة على تمثيل الدولة بمستوى رمزي ومهني رفيع. وكتب أحد المعلقين: "حين نرسل وزيرا إلى محفل دولي، لا نريده أن يعود بصورة، بل باتفاقيات ومواقف محسوبة"، فيما تساءل آخرون عن المعايير التي تؤطر سلوك الوزراء في الخارج، وهل يُتركون لتقديراتهم الفردية أم أن هناك توجيها مؤسساتيا لا يُحترم دائما؟". وأحد جوانب الإرباك في هذا الجدل أن الصورة نُشرت على حساب الوزير، ما يجعل الفعل يبدو وكأنه "تصرف شخصي"، لكن السياق لم يكن شخصيا، فالوزير قيوح لم يكن في زيارة خاصة، ولم يكن اللقاء عرضيا، بل حضر بصفته الرسمية، وكممثل للدولة المغربية، موقّعا على مذكرات تفاهم باسم الحكومة، وعليه، فإن كل ما يُنشر من قلب هذا السياق، ولو كان على منصة "شخصية"، يخضع لتقدير رمزية الموقع الذي يشغله صاحبه. ف"السيلفي"، وإن بدا بسيطا، يحمل دلالات ثقيلة حين يأتي في لحظة تمثيل، إذ أن رفع الهاتف أمام زعيم أجنبي، وتجاوز كل الحواجز البروتوكولية لالتقاط صورة ذاتية، يُقرأ – خارج حسن النية – كنوع من المزاحمة الرمزية على واجهة الحضور، وهو ما لا يتماشى مع روح المؤسسات ولا مع فلسفة الدبلوماسية المغربية الهادئة والمتزنة. في النهاية، لم تكن صورة "قيوح وأردوغان" مجرّد لقطة عابرة، بل وفق مراقبين هي مرآة تعكس هشاشة الوعي أحيانا بموقع المسؤولية، وخطورة الخلط بين الذات الرسمية والذات الفردية في تمثيل الدولة، وما حصل يعيد طرح سؤال قديم حول الحاجة الملحة لتقنين السلوك الاتصالي للمسؤولين المغاربة في الخارج، وضبط ما يُنشر ويُصور ويُعلن باسم المؤسسات، فالمغرب، اليوم، ليس في موقع يمكنه أن يُغامر بصورته الخارجية، أو يترك هامشا للتأويل في سلوك ممثليه، لا سيما في سياقات تعرف حساسية رمزية، وحسابات دقيقة على مستوى التموقع الإقليمي والدولي، وصورة واحدة، كما ثبت في هذه الواقعة، قد تطغى على مضمون التفاهمات، وتحجب ثقل الملفات، لتصبح هي وحدها عنوان المشاركة.