تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    اتحاد طنجة يفوز على ضيفه نهضة بركان (1-0)    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    "أسود الفوتسال" بنهائي ألعاب التضامن    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أفغانستان إلى العراق..أكذوبة التحرير مازالت مستمرة
نشر في التجديد يوم 08 - 03 - 2003

خلال خطابه في لتل روك بولاية أركانساس يوم 29 في شهر أغسطس الماضي قال الرئيس الأمريكي جورج بوش : " لقد حررنا أفغانستان من براثن النظام الوحشي ...و لهذا فنحن الأمريكيون نحرر و لا نغزي ".
و حين وجه خطابه للقوات الأمريكية خلال يناير الماضي في منطقة فورت هود بولاية تكساس قال بوش :" مادام صدام مصر على موقفه و على مصيره و يرفض نزع أسلحته و يتجاهل الرأي العام العالمي فستحاربونه ليس لتغزو ذاك البلد و لكن لتحررو شعبه ".
و فقط مؤخرا حين وجه أيضا كلمة بمناسبة حالة الاتحاد لسنة 2003 كرر الرئيس بوش نفس الكلام فقال :" أمريكا هي دولة قوية و أمينة في استخدامها لهذه القوة و نحن نضحي من أجل أن نحرر الآخرين و ليس من أجل غزوهم ".
كلمة التحرير ليست وليدة اليوم بل هي موغلة في الماضي و قد استخدمتها القوى الاستعمارية الكبرى كغطاء لأهدافها الحقيقية . و تاريخيا كانت تستعمل كلمة حضارة بدل تحرير و قد قيل إن الإمبراطوريات دخلت لتمدين و تثقيف الشعوب المستعمرة . و هناك نقطة مهمة , فمثلا حين استعمر البريطانيون مناطق شاسعة من العالم أعطاهم ذلك إحساس بالقوة و التميز عن بقية العالم و هذا أدى أيضا إلى ممارسة العنصرية ضد الآخرين . و إلى جانب هذا هناك الإحساس بعظم المسئولية الملقاة على عاتقهم . و غالبا ما يدعون انهم أي الغزاة جاءوا منطلقين من مثلهم العليا لنشر الحضارة .
و هكذا نجد أن استخدام كلمة " حضارة " في الماضي و كلمة " تحرير " حاليا توظف بطريقة ذكية من قبل القادة لنيل رضى الناس و تعاطفهم .
فمنذ بداية ما سمي بالحرب على الإرهاب في أفغانستان و الحرب المعدة الآن على العراق و كلمة " تحرير " سيطرت على معظم خطابات رؤساء الدول . و غالبا ما تجد هذه الخطابات تتعرض لمآسي الملايين من سكان العالم الثالث و المجاعة و التعذيب و المعاناة التي يكابدونها تحت تسلط طاغية ما و أعوانه .
و هذا يجعلنا نتصور أن هؤلاء البؤساء سوف يرقصون طربا لتحريرهم و القنابل تهوي على رؤوسهم . و لسان حال الأمريكيين يقول " ماذا يضيرهم بضعة مئات من قنابل حارقة أو قنابل عنقودية أو بضعة أشهر من المجاعة إذا كان الأمريكيون في طريقهم لتحريرهم من الطغاة ".
حقا لقد تعب الأمريكيون و هم يحررون سكان العالم الثالث من الشيوعية و الآن الإرهاب الممارس من قبل قادتهم كطالبان و صدام حسين ! و لكن ماذا تعني كلمة " تحرير " في سياق الهجمة الأمريكية على أفغانستان و الآن العراق ؟

ماذا عنى التحرير للأفغان ؟

كثيرا ما يستخدم بوش النموذج الأفغاني في إشارة إلى العراق و لربما هذا يعني أننا يجب على الأقل انتظار نفس الهجمات على العراق كذلك . و حقيقة ساهمت القنابل الأمريكية في رحيل طالبان و فتحت الباب على مصراعيه أمام النساء و الرجال من اجل مستقبل مختلف على الأقل نظريا . و يواجه معظم المعارضين للحرب انتقادات لاذعة من صقور الحروب حين يقولون لهم " ألم نحرر هؤلاء الناس ؟ " . و لربما هذا ما جعل الكثيرين يغالطون أنفسهم حين وصفوا هذه الحرب بالحرب العادلة و ظنوا على هذا الأساس أن الملف الأفغاني قد أقفل بشكل نهائي و لكن الحقيقة غير هذا .
كلمة " تحرير " الأمريكية جلبت صديقا حميما للولايات المتحدة و هو حميد قرضاي و فرضته غصبا على الشعب الأفغاني في إطار ما سمي بالدعم المقدم لملك أفغانستان السابق . فبدل أن تتعامل الولايات المتحدة ديمقراطيا مع الوضع ضغطت بشدة على ظاهر شاه بعد يومين من عقد اللويا جيرغا التي اجتمع فيها أمراء القبائل و الأعيان و أعضاء حكومة الانتقال و ممثلين من الأمم المتحدة ليعلن رسميا تخليه عن كل طموحاته السياسية .
و في أحسن أحوالها عنت كلمة " تحرير " انقلابا على العملية الديمقراطية التي كان يتطلع إليها المواطن الأفغاني و من ضمنهم النساء و اللاجئين . و ساهم التدخل الغربي في كل صغيرة و كبيرة في الداخل الأفغاني في فرض نموذج قائد أفغاني موالي للغرب و مستعد أيضا لإرضاء شهوات و رغبات أمراء الحرب . و أول إشارة على هذا التدخل هو الضغط الكبير الذي مورس على ظاهر شاه . و في ظل هذا الوضع كان من الصعب على من كان يأمل في تغيير الوضع بشكل جدي و حقيقي ترجمة أفكاره إلى حقيقة تحت ظل سيطرة مطلقة لأمراء الحرب و تدخل دولي متواصل في شؤون الأفغان .
و أيضا عنت كلمة " تحرير " عودة سلطة أمراء الحرب و رجال العصابات الذين ارهبوا المواطنين الأفغان في الماضي و الحاضر , و خصوصا رجالات ما يسمى بتحالف الشمال الذي انفض و تلاشت روابطه و اتحاده بمجرد سقوط عدوهم اللدود طالبان . و إضافة إلى هذا هناك النشاط المتزايد لبقايا طالبان و حكمتيار الذي تمتع خلال الثمانينات بدعم أمريكي كبير و هذا الأمر يهدد نظام قرضاي المتهالك و المقرب من الأمريكان و الضحية أولا و أخيرا هو الشعب الأفغاني . و كمثال على اضطراب الأوضاع في هذا البلد فقد تزامن هجوم مسلح على قافلة تابعة للأمم المتحدة في شرق البلاد مع انفجار قنبلة في سقف أحد مباني القوات الدولية المتواجدة في كابل و قتل خلالها اثنان من رجال الشرطة الأفغان . و بعد يوم من هذه الحادثة تسبب انفجار حافلة في قندهار في مقتل 18 أفغانيا . و استطاع مندوب الخاص بممثل الأمم المتحدة في المنطقة من إحصاء اكثر من 16 عملية خلال أسبوعين . يقول قرضاي حليف الولايات المتحدة :" حاولنا أن نوفر للمواطن الأفغاني فرصة لحياة آمنة من اعتداءات المجرمين و رجال العصابات خصوصا في المناطق التي نسيطر عليها ". إذا فالمواطن الأفغاني تخلص من
تشدد طالبان ليجد نفسه مرة أخرى بين براثن مجرمي الحرب السابقين . و للإشارة فقد لوحظ مؤخرا عودة نقاط التفتيش السيئة الذكر و التي عانى منها المواطن الأمرين خلال حرب الاخوة الأعداء بين 92 و 95 .
إن ما سمي بتحرير أفغانستان تسبب على الأقل في مقتل اكثر من 3500 مواطن أفغاني على يد القنابل الأمريكية الذكية . هذا إضافة إلى المئات من القنابل المحرمة دوليا كالقنابل العنقودية و التي لم تنفجر بعد . فقد أسقطت الولايات المتحدة حوالي ربع مليون قنبلة عنقودية على هذا البلد و في مناطق مكتظة بالسكان و الأخطر من هذا أن الخطر لم ينتهي بعد فهناك حوالي 12400 قطعة لم تنفجر بعد و هي بمثابة الغام أرضية . و حاليا يقتل من خمسة إلى عشرة مواطن أفغاني يوميا بسبب الألغام .
و هذا التحرير أيضا تسبب في عودة إجبارية لأكثر من مليوني أفغاني إلى البلاد من مخيمات اللاجئين المزدحمة في باكستان و إيران . لقد عادوا ليجدوا أنفسهم في شوارع كابل بدون عمل و حتى من لم يهاجر سابقا لا يجد عملا يوفر له لقمة عيش يطعم بها صغاره . و بسبب اضطراب الأوضاع خارج كابل فقد استقر كل العائدين في العاصمة التي تتمتع بوجود أمنى دولي مكثف و ربما هذا لتوفير الأمن لنظام قرضاي فيما بقية الأراضي الأفغانية تعيش تحت رحمة أمراء الحرب .
أما النساء و الأطفال و العجائز الذين طالما استشهدت بهم لورا بوش زوجة الرئيس الأمريكي و جورج بوش نفسه كتعبير على تضامنهم معهم فمازالوا يقبعون تحت الفقر و الجهل و الحرمان و فقدان الأمن .
هذا يجعلنا نستنتج انه مادام القمع و القتل و سفك الدماء يمارس تحت أعين الولايات المتحدة و من قبل أصدقائها فهذا شيء مقبول و يمكن التغاضي عنه , أما أن يمارسه أعداؤها فهذا إرهاب . إن ما حدث في أفغانستان لهو درس قوي لما يمكن أن يحصل في العراق .

أفغانستان كنموذج للحرب المتوقعة على العراق

نشرت وزارة الدفاع الأمريكية خلال شهر أغسطس تقريرا جاء فيه أن وزير الدفاع رامسفيلد اعتبر أفغانستان نموذجا ناجحا يمكن تطبيقه في العراق و استخدم أيضا كلمة تحرير للدلالة على هذا الأمر و أيضا ربط المسألة بالحرب على الإرهاب . يقول رامسفيلد :" ألن يكون الأمر طيبا إذا كانت أفغانستان شبيهة بالعراق , فيطاح بنظام قمعي و يحرر الشعب و يدخل الطعام بكميات كبيرة و تفتح الحدود و تلغى المعتقلات ...ألن يكون هذا جميلا !" بالطبع يا وزير الدفاع سيكون جميلا إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة ظلما على هذا البلد و يصدر الطعام و الدواء بدون قيد أو شرط و لكن هذا ليس مراد وزير الدفاع رامسفيلد . و يختتم التقرير بالإشارة إلى أن مسألة ما سماه التقرير بالتحرير و الحرية و الديمقراطية سوف تأخذ وقتا طويلا لإرسائها لأنها عمليات منفصلة عن بعضها البعض . و ربما يفضل رامسفيلد منظر الدم و عمليات القصف أو التحدث مع الغوغائيين و العملاء الذين يلهثون وراء مستقبل في بلادهم على ظهر دبابة أمريكية .
و جزء ليس بالهين من خطة إعادة تشكيل الوضع السياسي في العراق ترجع إلى سنة 1998 حين تم تجميع معظم قوى المعارضة ضد صدام حسين . و يرى الكثيرون أن أحمد جلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي المعارض هو أحد ابرز المرشحين لخلافة صدام حسين و هذا الرجل شبيه إلى حد كبير بقرضاي أفغانستان .
فقد أمضى جلبي معظم حياته خارج بلده الأم و طفى على السطح فجأة بسبب دعم لامحدود من الولايات المتحدة . و يكفي القول أن عشرات الملايين من الدولارات صرفت على المؤتمر الوطني المعارض في إطار ما سمي بإعلان تحرير العراق لسنة 1998 و الذي رسم ملامح الانتقال الديمقراطي في عراق ما بعد صدام . و جلبي هذا لا يملك رصيدا شعبيا يذكر داخل العراق و لكن قربه الشديد من الأوساط العليا في الإدارة الأمريكية جعله يتبوأ مركزا مهما شأنه في ذلك شأن قرضاي أفغانستان .
و حتى الخطط الحربية التي تحاك ضد العراق تبدو شبيهة بتلك التي حدثت في أفغانستان . فبعد 11 سبتمبر 2001 و بعد الحرب على أفغانستان طور احمد جلبي خطة حربية بالتعاون مع جنرالات أمريكيين متقاعدين و منهم واين داونين الذيي كان أحد القادة البارزين للقوات الخاصة إبان حرب الخليج , و ضابط الاستخبارات السابق دوان كلاريدج و هما يعملان كمستشارين بدون أجر للمؤتمر الوطني المعارض . و عرف على كلاريدج شهرته في حرب نيغاراغوا حين أسقط نظام الساندانيستا اليساري . و سميت الخطة المطورة بخطة داونين downing plan . و لربما ما جرى في أفغانستان هي صورة مصغرة عنها بقوات خاصة أكبر و تغطية جوية مكثفة .
و لا يجب هنا أن تتجاهل الحركات المعارضة للحرب و هي تركز جهودها لانتقاد جورج بوش و الجمهوريين الدور الذي لعبه الرئيس السابق بيل كلينتون في تشديد الخناق على العراق و رفض رفع الحصار عنه و الإمعان في تجويع ذلك الشعب . و انه هو من مرر إعلان تحرير العراق سنة 1998 الذي وفر دعما غير مسبوق لقوى المعارضة العراقية و شرع لمبدأ الإطاحة بالنظام العراقي .
إذا فما يسمى بالتحرير سوف يعني مأساة اكبر بكثير من تلك التي تعرضت لها أفغانستان . فبعد سنة من إعلان تحرير العراق خلال الفترة الرئاسية لكلينتون أصدرت الأمم المتحدة تقريرا أوضحت فيه أن وفيات الأطفال تضاعفت بشكل خطير بين 1989 و 1999 . و قد قال أشرف بيومي الرئيس السابق للجنة مراقبة برنامج الغذاء العالمي المسئولة عن توزيع المواد التموينية في العراق :" الولايات المتحدة تقتل هؤلاء الناس بشكل هادئ و من دون أن يشعر الأمريكي العادي أن هناك أطفالا يموتون في بلد ما بسبب حكومتهم ".
نعم الناس يموتون بصمت في أسرتهم . فإذا كنا نتحدث عن 5000 طفل عراقي يموتون كل شهر فهذا يعني 60.000 كل سنة . و خلال ثماني سنوات نصل إلى نصف مليون و هذا أضعاف ما حصل في هيروشيما . و هذا هو التصور الأمريكي لتحرير الشعب المسكين . و ربما أراد كلينتون تحرير العراقيين من الحياة نفسها .
و أطلقت خلال نوفمبر الماضي حملة من قبل بعض صقور اليمين الأمريكي المقربين من رامسفيلد و ديك تشيني و حددوا الهدف من ورائها في جمع الدعم و التأييد للحرب على العراق و أسموها ب" لجنة تحرير العراق " . و ترأسها راندي شونمان و هو سيناتور جمهوري سابق كان أحد الموقعين على إعلان تحرير العراق لسنة1998 .
و أعضاء هذه اللجنة كانوا أو مازالوا اعضاءا في لجان شبيهة ك( أصدقاء المركز الديمقراطي في أمريكا اللاتينية ) خلال الثمانينات و ( لجنة السلام و الأمن في الخليج ) التي شكلت سنة 1991 و ( لجنة التحرك البلقاني ) سنة 1999 التي وفرت دعما متواصلا للولايات المتحدة و الناتو خلال الحرب على يوغسلافيا . و ليس من الغريب أيضا أن نجد واين داونين صاحب خطة داونين لغزو العراق هو أحد المستشارين المقربين لدى لجنة تحرير العراق . و من الأعضاء البارزين أيضا في هذه اللجنة نجد بروس جاكسون و هو نائب مدير شركة لوكهيد مارتن للصناعة العسكرية حتى أغسطس الأخير . و هناك أيضا زالماي خليل زاده و هو المفوض أمريكيا بشؤون المعارضة العراقية و بهندسة عراق ما بعد صدام و الذي كان أيضا أحد أبرز الوجوه الأمريكية في اجتماعات اللويا جيرغا الأفغانية . و هذا الأمر يعطينا صورة مبسطة عن التداخل الغريب بين منتجي السلاح و صناع السياسات الحربية و رجال الدبلوماسية البيض و هؤلاء هم من يوجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة لتحقيق ما أسموه بتحرير الشعوب المستضعفة .

الإمبراطورية الأمريكية و تطويع العالم العربي برمته

جاء في صحيفة الولستريت جورنال خلال السنة الماضية في أحد تقاريرها :" إذا كانت أمريكا تريد غزو العراق فعلا و تقدم الدماء من اجل ذلك فلا يجب أن يكون الهدف فقط نزع السلاح و تغيير النظام بل تحرير فعلي للعراقيين و تغيير شامل للوضع في الشرق الأوسط , و إذا ما نجحت في زرع نظام عراقي موالي للغرب فيمكن توسيع هذا النموذج ليشمل باقي الأقطار العربية ".
إذا تكلمنا عن أفغانستان فهي بهذا المستوى فعلا من الموالاة للغرب . و يبدو أن الولايات المتحدة تستعد لخلق إمبراطورية على الأرض التي استعمرها أسلافهم في الماضي . و هذا تقريبا ما أشار إليه الكاتب الصحفي ماكس بوت في صحيفة الول ستريت جورنال حين قال :" يا لها من مفارقة غريبة أن تكون أمريكا اليوم تحشد القوات لغزو الأراضي التي غزاها قبلهم المستعمرون البريطانيين . و هي أيضا نفس الأراضي التي زعم المستعمرون انهم جاءوا لبسط النظام و مواجهة العنف . و لكن حقيقة فأفغانستان تعلم تمام العلم ماهية الحضارة التي جلبتها لهم الإدارات التي زرعتها القوات الاستعمارية في بلادهم , فالمستعمرون الإنجليز جلبوا الخراب و الدمار و القتل و ليس الحضارة ". و ربما هي نفس القصة تتكرر مع الولايات المتحدة الآن و محاولتها لزرع حكومة موالية لها في العراق و في كل الوطن العربي .
لقد بات واضحا اليوم أن ما تدعيه أمريكا بالتحرير ما هو إلا مفهوم عنصري استعماري . و هي نفس اللغة التي استخدمها المستعمرون في الماضي حين ادعوا انهم يتحملون مسئولية دينية و أخلاقية في تحرير الشعوب البدائية و المتوحشة و لربما لغة المستعمرين اليوم تفوقها بكثير . و يسجل لنا التاريخ البريطاني أن فيسري كورزن اعتبر سنة 1800 أن الهند كانت هبة من الله . و الغريب أن البريطانيين يعجزون عن فهم الدور الكبير الذي لعبته تلك الشعوب في تقدمهم و لولاهم لما وصل العالم الغربي إلى ما وصل إليه اليوم .
و هذه الأفكار العنصرية هي نفسها التي حملها خطاب حالة الاتحاد للإمبراطور بوش حين قال :" إن الشعب الأمريكي شعب حر و يعلم أن الحرية حق لكل واحد و ضرورة لمستقبل أي مجتمع . و هذه الحرية التي نتمتع بها هي هدية و هبة من الله لنا و هي أيضا هدية للإنسانية ".
في الماضي سيطر البريطانيون على عقول شعوبهم فساعدهم هذا على إطالة أمد الاستعمار و يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد فعل نفس الشيء و هي تستعد لما سمته بتحرير العراق و العرب و الأفغان و الإيرانيين و الكوريين الشماليين و الكولومبيين و الفينزويليين و آخرون أيضا . دعونا لا ننسى التاريخ و دلالاته حيال هذه الأفكار العنصرية , فالتاريخ يعيد نفسه .

ترجمة : حميد نعمان
سونالي كولاتكار مجلة زدنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.