أقصى مدة الحمل بين جدل الواقع وسر سكوت النص    تطورات مهمة في طريق المغرب نحو اكتشاف جديد للغاز    إطلاق مشروع "إينوف فير" لتعزيز انخراط الشباب والنساء في الاقتصاد الأخضر    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الأربعاء    باليريّا تعلن عن 15 رحلة يومية إلى المغرب خلال عملية "مرحبا"    هلال: تقرير المصير لا يعني الاستقلال    توقيع على اتفاقية شراكة للشغل بالمانيا    القناة الرياضية … تبدع وتتألق …في أمسية فوز الأسود اسود    "الأسود" يزأرون بقوة ويهزون شباك الكونغو برازافيل بسداسية نظيفة    الركراكي: يلزمنا الاشتغال بشكل أكبر وتحقيق النقاط هو الأهم    انتخابات 2026: التحدي المزدوج؟    غباء الذكاء الاصطناعي أمام جرائم الصهيونية    محكمة فاس توزع 20 سنة حبسا نافذا على "شبكة الإتجار في الرضع"    أفاية: الوضع النفسي للمجتمع المغربي يمنع تجذّر النقد.. و"الهدر" يلازم التقارير    الركراكي: ماتبقاوش ديرو علينا الضغط الخاوي    ولاية امن تيزنيت… توقيف سيدة وشقيقها بتهمة ترويج مواد طبية مهربة    منتخب "أسود الأطلس" يدك شباك الكونغو بسداسية في تصفيات المونديال    إعادة تهيئة مسارات مغادرة الرحلات الدولية والوطنية بمطار طنجة ابن بطوطة لاستقبال أزيد من مليوني مسافر    ندوة أطباء التخدير والإنعاش تستعرض معطيات مقلقة حول مرضى السكري    مديرية آسفي "تتبرأ" من انتحار تلميذة    تدعم "البوليساريو".. استقالة نائبة سانشيز من قيادة "سومار"    المغرب استقبل أكثر من 5.9 مليون سائح خلال 6 أشهر بما فيهم مغاربة يقيمون في الخارج    طقس الأربعاء.. أمطار رعدية مرتقبة بهذه المناطق    الملك محمد السادس يحل رسميا بتطوان لقضاء العيد والعطلة الصيفية        الأمثال العامية بتطوان... (622)    جمعية هيئة المحامين بتطوان تتضامن مع الشعب الفلسطيني    تشكيلة المنتخب المغربي أمام الكونغو برازافيل    فرنسا.. اليسار يتجمع بعد تيه ورئيس حزب "الجمهوريون" يريد التحالف مع اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية    من المغرب.. وزيرة خارجية سلوفينيا تدين إسرائيل وتدعو لوقف تام لإطلاق النار بغزة    عاجل.. الركراكي يكشف عن تشكيلة المنتخب المغربي الرسمية أمام الكونغو برازافيل    المغرب وسلوفينيا عازمان على إعطاء دينامية أكبر لعلاقاتهما الثنائية    العثور على جثة فتاة داخل حفرة يستنفر السلطات الأمنية بمرتيل    الأخضر يغلق تداولات بورصة البيضاء    وفاة المعلم علال السوداني، أحد أبرز رموز الفن الكناوي    عيد الأضحى: المكتب الوطني للسكك الحديدية يبرمج حوالي 240 قطارا يوميا    صندوق الإيداع والتدبير يعلن عن صرف المعاشات بشكل مسبق ابتداء من 12 يونيو    مصرع نائب رئيس ملاوي و9 أشخاص آخرين في حادث تحطم طائرة    وهبي يعلن بدء استخدام الذكاء الاصطناعي في محاكم المغرب    سفر أخنوش يؤجل الجلسة الشهرية بمجلس المستشارين    المغرب يرحب بقرار مجلس الأمن الدولي    وهبي: أدوار الوساطة تحتاج التقوية .. ومنصة رسمية تحتضن الإعلانات القضائية    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    أبرزهم أيت منا.. 5 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي (صور)    الفنان عادل شهير يطرح كليب «دابزنا» من فرنسا    شركة "آبل" تطلق نظاما جديدا للتشغيل في أجهزتها قائما على الذكاء الاصطناعي التوليدي    من إصدارات دار الشعر بمراكش الديوان الخامس من سلسلة "إشراقات شعرية" للشعراء المتوجين بجائزة "أحسن قصيدة"    الفنانة التشكيلية كوثر بوسحابي.. : أميرة تحكي قصة الإبداع من خلال لوحاتها    بوطازوت وداداس يجتمعان من جديد في المسلسل المغربي "أنا وياك"    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس اعتبارا من السبت القادم    مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش تنظم ورشة لتلقين مبادئ النقد السينمائي وتجويده، لفائدة الصحفيين    المغرب يلتزم بإدماج التقنيات النووية السليمة في مختلف القطاعات    " فخورون، معلقون وعنيدون بعض الشيء"، عن منطقة كتامة والحشيش وأشياء أخرى..فيلم بالمسابقة الرسمية لفيدادوك    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحرير سعيد بن زعير ورفاقه- بقلم ذ. عزام التميمي
نشر في التجديد يوم 11 - 08 - 2005

أن يعفو الملك عبد الله بن عبد العزيز عمن يظن بأنهم تآمروا علي قتله فإن ذلك من شيم الكرام، وأن يأمر بإطلاق سراح المطالبين بالإصلاح فإنها بلا شك مبادرة طيبة يشكر عليها. لكن لابد من التأكيد علي أنه إذا كان الفعل في حال الفريق الأول عفواً فإنه في حال الفريق الثاني تصويب لوضع خاطئ وإعادة اعتبار لمن لم يكن أصلاً تجدر معاملته معاملة المجرمين. فلا يستوي وضع من يشتبه بضلوعه في محاولة اغتيال بوضع ثلة من خيرة أبناء البلاد من العلماء والأدباء الذين كان احتجازهم وحبسهم ظلماً وعدواناً، والذين يعلم الجميع بمن في ذلك المسؤولون السعوديون بأنهم إنما سعوا جاهدين لخدمة المصلحة العامة وطرحوا مبادرات للإصلاح لو أخذ بها أصحاب النفوذ والسلطان لما تعرضت المملكة لكثير من أحداث العنف ولجنبت ما حل بساحتها من فتن.
ليست المطالبة بالإصلاح أو حتى انتقاد الأوضاع غير السوية جريمة حتى يسجن من يصرح بها وتنتهك حقوقه التي ضمنتها له الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية. ولا يجوز في حق مثله أن يمن عليه من بعد بالعفو حتى إذا ما عاد إلى ما نهاه أولو الأمر عنه اعتبر كافراً بنعمهم جاحداً لأفضالهم.
يمكن لقرار إطلاق سراح الشيخ سعيد بن زعير ورفاقه أن يشكل بداية لمرحلة جديدة في تعامل العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية مع منتقدي سياستها من أبناء البلاد إذا ما كان تحريرهم جزءاً من سياسة إصلاحية شاملة لا مجرد نخوة سلطانية آنية بمناسبة انتقال الملك من يد إلي يد.
ليس من غير المألوف أن يعمد الحاكم الجديد كما جرت عليه العادة في بلاد العرب من مغربها إلى مشرقها إلى مثل هذه المبادرات احتفالاً واحتفاء وإيذاناً ببدء عهد جديد، أو من باب إدخال السعادة على المواطنين بمناسبة الاحتفال بعيد من الأعياد أو حدث من الأحداث. ولكن سرعان ما تعود الأمور إلى ما كانت عليه بعد أن تنقضي أيام الاحتفال، ولا تكاد زنازين الاعتقال الفردي ترتاح من روادها حتى يزج فيها من جديد بكل من تراوده نفسه الصدع بالحق أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر.
لا نرى مثل هذا يحدث في بلاد يحترم فيها الحكام رغماً عنهم شعوبهم لأن الحاكم هناك مسؤول تجاه الشعب ومقيد بالقانون صاحب السيادة الأعلى ومحكوم كغيره من أبناء البلاد بقضاء نزيه ومستقل. فلا يملك الحاكم أن يزج بمن يكره في السجون، بل تلك من صلاحيات القضاء الذي لا يتلقي الأوامر من السلطة التنفيذية لأنها طرف في المقاضاة قد تربح وقد تخسر حسبما يتوفر لديها من الأدلة. وها هو رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير يهدد ويتوعد لا بسجن منتقديه والمتهمين له بالتسبب في الأزمة التي تعصف بالبلاد حالياً، وإنما بتقديم مشاريع قوانين أمام البرلمان المنتخب من قبل الشعب البريطاني أملاً في زيادة نصيب الأجهزة الأمنية من الصلاحيات والأجهزة التنفيذية من السلطات. ورغم الكارثة التي حلت ببريطانيا في السابع من يوليوز الماضي إلا أن الرأي العام البريطاني بمجمله غير متحمس لمشاريع طوني بلير لأن الحرية عندهم مقدسة ومقدمة، ولأن كثيرين منهم يعلمون علم اليقين بأن سياسات حكومة بلير تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية عما جري لأنها جرت البلاد نحو تحالف مشؤوم مع الولايات المتحدة الأمريكية في حربها المزعومة علي الإرهاب وفي غزوها
وتدميرها للعراق.
إن النقد والتوجيه والنصح لا يضعف دولة ولا يقوض نظاماً، بل علي العكس تماماً، هو كالمصل الواقي من الأمراض، يزيد من المناعة ويعزز القدرة علي تخطي الصعاب والأزمات. في بريطانيا اليوم نقاش متواصل حول أسباب استهداف البلاد من قبل فئة قد تكون محسوبة على القاعدة، ورغم تباين وجهات النظر حول الموضوع إلا أنها كلها تجد حيزاً لها في وسائل الإعلام مع تفاوت بالطبع وكلها يحظي باهتمام الشارع البريطاني المتطلع إلى وضع حد للخطر الذي يتهدده. حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي تتخلف كثيراً عن الموقع البريطاني من حيث حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان، بدأ الرأي العام فيها يتفاعل بعد أن خمد تفاعله إلى حين بسبب جسامة أحداث الحادي عشر من شتنبر، وها هي وسائل إعلامه توفر حيزاً متزايداً يوما بعد يوم للرأي الآخر الناقد للرئيس جورج بوش وسياسة إدارته التي ترزح تحت هيمنة اليمين المتطرف والمتصهين.
أما في بلادنا العربية فلا مجال إلا لصوت واحد لا يعبر إلا عن رأي واحد، إنه صوت من لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر، صوت من يمالئ وينافق.
لقد شهدنا منذ الساعات التي تلت الإعلان رسمياً عن وفاة الملك فهد تحول القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف الرسمية أو الممولة سعودياً أو خليجياً إلي مجالس عزاء احتل الصدارة منها على الدوام من لا يسمع منهم أولو الأمر إلا الإطراء والتمجيد، يبيعون ضمائرهم بعرض من الدنيا زائل، كل همهم اغتنام الفرصة لجني مزيد من الدخل أو الفوز لدي أصحاب النفوذ والسلطان بالحظوة والمعية. بينما غيب عن هذه المنابر بقصد كما لا يخفي علي اللبيب كل من يخالفهم الرأي مترفعاً عن ان يبيع دينه بريال أو دولار.
ماذا كان سيضير المملكة العربية السعودية لو أن تحليلاً علمياً موضوعياً لمرحلة حكم الملك فهد تم تناوله من قبل وسائل إعلامها بدلاً من التنافس المحموم على التمجيد والتعظيم، بينما وسائل الإعلام العالمية الأخرى، والتي لم يعد بإمكان أحد منعها بفضل ثورة الاتصالات العولمية من دخول البيوت والتأثير علي العقول، أمتعت مشاهديها بتحليلات كبار الخبراء والأكاديميين وأتاحت المجال أمام الرأي والرأي الآخر دونما حرج أو تخوف؟
إن ما تحتاجه المملكة العربية السعودية وهو ما تحتاجه كثير من البلاد العربية الأخرى هو تصالح الأنظمة الحاكمة مع نخب المفكرين والعلماء فيها، فهؤلاء هم الذين يتألمون لما آلت إليه الأوضاع في بلدانهم وهم الذين لا يملكون إلا أن يقولوا كلمة الحق إعذاراً إلى الله وقياماً بفريضة تغيير المنكر ما وسعهم ذلك. والخطوة الأولى نحو ذلك هي ترسيخ مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء، ولعل الخطوة التي تليها مباشرة تكون رفع اليد عن وسائل الإعلام حتى تكون المرآة التي تعكس ما يجول بخاطر الناس وتعبر عن اهتماماتهم وتدافع عن حقوقهم. ليست المشكلة اليوم في حق الحاكم حتي تخصص الساعات الطوال من الندوات حول واجبات الرعية تجاهه من سمع وطاعة في المنشط والمكره و إن جلد ظهرك وأكل مالك ، بل المشكلة كل المشكلة هي في حقوق الرعية التي لا يعترف بها الحكام في بلاد العرب والمسلمين الذين لا هم لهم سوى جلد ظهور الناس والتسلط علي أرزاقهم.
ولعل الملك عبد الله يريد بالإفراج عن هؤلاء الإصلاحيين العمالقة أن يدشن حملة التصالح والتقارب بين النظام في عهده والممثلين الحقيقيين للشارع المعبرين عن طموحاته وآلامه.
وستظل أنظارنا مسددة نحو الرياض ترقباً لما ستسفر عنه هذه المبادرة الملكية المشكورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.