مباحثات تجمع بنعليلو برئيس "الأنتربول"    إسلام آباد.. ولد الرشيد يجري مباحثات مع عدد من رؤساء وفود البرلمانات الوطنية المشاركين في مؤتمر البرلمانات الدولي    وزير الفلاحة يتفقد مشاريع "الجيل الأخضر" بالجديدة وبنسليمان    بعد القرار 2797.. تغييرات إدارية في بعثة "المينورسو" تمهد لمرحلة جديدة من الإصلاح    المنهجية ‬التشاركية ‬الاستشرافية ‬تنبثق ‬عن ‬الرؤية ‬الملكية ‬الحكيمة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مجلس ‬المنافسة ‬ومندوبية ‬التخطيط ‬يستعدان ‬لوضع ‬النقط ‬على ‬الحروف الكشف ‬عن ‬جشع ‬الوسطاء ‬والمضاربات ‬غير ‬المشروعة    إعلام إسرائيل يعلن عودة الرحلات مع المغرب.. ومصدر: "لارام" غير معنية    موريتانيا تُحرج البوليساريو وترفض الانجرار وراء أوهام الانفصال    قمة المناخ 30.. البرازيل تقرر تمديد المحادثات بشأن قضايا خلافية شائكة    المنتخب الوطني يجري آخر حصة تدريبية بمركب محمد السادس قبل التوجه إلى طنجة    منخفض "كلوديا" يعيد التساقطات إلى المغرب بعد أسابيع من الانتظار    إسرائيل تشن غارات في جنوب لبنان    الكونغرس يقرّ إنهاء الإغلاق الحكومي    تراجع أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    افتتاح مركز دار المقاول بمدينة الرشيدية    بالصور .. باحثون يكتشفون سحلية مفترسة عاشت قبل 240 مليون عام    المديرية الإقليمية للشركة الجهوية متعددة الخدمات ابن مسيك سيدي عثمان مولاي رشيد سباتة .. تدخلات متواصلة لصيانة و تنظيف شبكة التطهير السائل    كيوسك الخميس | المغرب يضاعف إنتاج محطات تحلية المياه عشر مرات    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية ستسجل رقما قياسيا جديدا في 2025    برنامج طموح يزود الشباب بالمهارات التقنية في مجال الطاقة المستدامة    تقرير دولي يرصد ارتفاعاً في مؤشر الجريمة المنظمة بالمغرب مقابل تحسن محدود في "المرونة المؤسسية"    تعاون أمني مغربي–إسباني يُفكك شبكة لتهريب المخدرات بطائرات مسيرة    ديمقراطيون يكشفون عن رسائل مسرّبة تكشف اطلاع ترامب على فضائح إبستين الجنسية قبل تفجّرها    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    إعادة رسم قواعد اللعبة السياسية من خلال الضبط الصارم وتشديد الرقابة الرقمية وتوسيع دائرة العقوبات    تفكيك شبكة إجرامية تهرّب الحشيش من المغرب إلى إسبانيا بواسطة طائرات مسيّرة    بعد ضغط أوربي... تبون يعفو عن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال    عامل إقليم الحسيمة يترأس لقاء تشاورياً حول برامج التنمية الترابية المندمجة (فيديو)    بنكيران يدعو لدعم إمام مغربي حُكم بالسجن 15 عاما في قضية "صامويل باتي"    أشبال الأطلس يرفعون التحدي قبل مواجهة أمريكا في مونديال الناشئين    الحكم الذاتي: من الإقناع إلى التفاوض إلى التطبيق ..    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط للنهوض بالثقافة الرقمية والألعاب الإلكترونية    عجز في الميزانية يقدر ب55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر المنصرم (خزينة المملكة)    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    في معرض يعتبر ذاكرة بصرية لتاريخ الجائزة : كتاب مغاربة يؤكدون حضورهم في المشهد الثقافي العربي    على هامش فوزه بجائزة سلطان العويس الثقافية في صنف النقد .. الناقد المغربي حميد لحميداني: الأدب جزء من أحلام اليقظة نعزز به وجودنا    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق بالمملكة غداً الخميس    رئيس برشلونة يقفل الباب أمام ميسي    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    ليلة الذبح العظيم..    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في نقد النسق الاستهلاكي المعاصر- بقلم سلمان بونعمان
سلمان بونعمان
نشر في التجديد يوم 16 - 09 - 2011

تشترك النزعة الاستهلاكية العالمية مع الإمبريالية في الكثير من سماتها، فالاستهلاكية توسعية تسعى إلى تحويل ذات الإنسان إلى سوق يمكن أن تلقى فيه بالسلع، لكنها تمتاز عن الإمبريالية في كون مجالها الحيوي هو النفس البشرية بوجدانها وشعورها ونماذجها الإدراكية وتطلعاتها، فبدلا من القيام بالغزو العسكري المباشر وإرسال الجيوش لاستعمار الأراضي والأسواق، تقوم أدوات الترويض المتجددة من برامج تلفزيونية وأفلام وموضة وغيرها بغزو الإنسان والهيمنة عليه والسعي لإنتاج سيكولوجية الإنسان المهدور.
ترتكز النزعة الاستهلاكية إلى فلسفتها في فهم طبيعة النفس البشرية على أنها لا تشبع قط في غياب الحدود والقيم، ويمكنها أن تتمدد دون توقف إلى أن تفني ذاتها، فهي تنكر عليها أي ثبات وترى أنها في حالة صيرورة دائمة، لا تفرق بين أبيض وأسود أو أصفر، فكلهم- حسب ما فسره عبد الوهاب المسيري – مجرد مادة نزعت عنها القداسة ومادة خام محايدة صالحة التمدد الدائم والانتشار الثابت.
ويقول في ذلك المسيري:»قررت الإمبريالية الغربية توسيع رقعة السوق لا عن طريق الانتشار الأفقي في الخارج (الذي يتطلب القوة العسكرية) وإنما عن طريق الانتشار الرأسي داخل النفس البشرية (الجوانية) ذاتها، التي تتحول إلى سوق دائم الاتساع، فتحل الذات الجوانية محل الأسواق البرانية، وهكذا يحل البراني محل الجواني، ومن ثم يسهل التحكم فيه.»
كما يحدد النسق الاستهلاكي الاستعماري الهدف من وجود الإنسان في الأرض ليس بالبحث عن الحق والخير والجمال أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما إدخال الإنسان في حلقة الإنتاج والاستهلاك المفرغة، فينتج ليستهلك ويستهلك لينتج، بل تتحول الوسائل في سياق الحداثة المنفصلة عن القيمة إلى غايات، وهكذا يتحول الإنتاج إلى غاية في حد ذاته، كما تمثل صورة الإنسان الكامنة في الحداثة المنفصلة عن القيمة إلى ذلك الفرد صاحب السيادة الكاملة المطلقة، فيصبح مرجعية ذاته ومكتفيا بذاته، هدفه تحقيق المصلحة الشخصية وتعظيم المتعة وزيادة اللذة وعبادة الشهوة، فهو بتعبير المسيري إما إنسان اقتصادي يتمركز حول قيم الثروة والربح والمصلحة الاقتصادية، أو إنسان جنسي متمركز حول قيم اللذة وخاضع للحتميات الجنسية، وهو في جميع الأحوال إنسان طبيعي/ مادي لا علاقة له بالخير أو الشر أو بأي قيم خارج نطاق حواسه الخمسة؛ فهو حيوان اقتصادي جسماني لا يبحث إلا عن منفعته (الاقتصادية) ولذته (الجسدية)، وسلوكه لابد أن يصبح نمطيا حتى يمكن أن يستهلك السلع التي تنتجها خطوط التجميع.
تعد الموضة إحدى أهم تجليات الحداثة المنفصلة عن القيمة، إذ ترمز إلى التغيير الدائم والتطلع الحاد نحو الاستهلاك، وهي تجسد رؤية العالم كمادة متحركة، حيث تعيش البشرية مع طاغوت الموضة وآلتها الجهنمية المستندة على سلطة الإشهار وسحر الشاشة ونتوءات الجسد، حالة من الاستصنام إزاء الاستهلاك، تتحول فيه الموضة من وسيلة للإغواء والإغراء بالاستهلاك إلى قيمة مطلقة، تريد تحقيق الربح على حساب الحاجة الحقيقية للإنسان، وعلى حساب إنسانية الإنسان، فصارت إلها يعبد من دون الله.
فالأمر يتعدى كون الموضة طريقة للخداع والتحايل والاستغفال من أجل الإقناع بالزيادة في الاستهلاك لإرضاء الرأسمالية الشرهة، بل تتجلى الخطورة في الانتقال بذلك من الاقتصاد إلى الثقافة، بهدف تغيير نسق السلوكات والقيم، وتكريس عقلية تقوم على بناء منظومة من التبريرات والتفسيرات من أجل الاستهلاك، تكون معه الموضة إعلانا عن إفلاس العقل البشري واستلاب خصوصيات الهوية الحضارية، وسقوط الآدمية وتسليم الإنسانية مفاتيح عقولها لفلاسفة الموضة ومصمميها لصياغتها كما تشاء وتقديم استقالتهم من التفكير النقدي.
وفي هذا السياق يمكن فهم بعض الدلالات السيميائية والرمزية والأبعاد الحضارية، لفلسفة الزي في الإسلام عموما وحركة الستر والعفة التي يضفيها الحجاب على المرأة المسلمة في أنه يمثل ثورة تجديدية جذرية ضد تأليه الموضة كسلطة عليا مقدسة فارغة من المعنى يخضع لها، بل يعتبر الجهاد ضد الموضة معركة مصيرية وحاسمة لتحرير الذات المسلمة، ومقاومة لكل المحاولات المستمرة لعولمة النموذج الاستهلاكي الغربي.
إن الإيقاع العادي للاستهلاك يقوم على الحاجة المبررة والحقيقة، فهو مرتبط بمنطق الفطرة والشرع من جهة، وقائم على الحاجة والقدرة من جهة أخرى، وليس على اختلاق الحاجات وصناعة الأذواق والاختيارات، أو الانتقال بالكماليات إلى الضروريات وبالضروريات إلى ضروريات قصوى.
إن خطورة تحويل الاستهلاك إلى غاية، وتحويل الموضة إلى قيمة مطلقة عليا، مع ما يتضمنه من اختزال لجسد المرأة وعبادة أنوثتها والتركيز على الإغواء الجنسي، يشكل إحدى التهديدات الخفية للعقيدة، فلا يوجد شيء غاية في ذاته وله معنى في ذاته إلا الله سبحانه وتعالى.
يشكل النسق الاستهلاكي المعاصر تعبيرا عن تبلور نموذج إمبريالي توظيفي عنوانه أن تستهلك كل شيء وتوظف كل شيء وتبدد كل شيء (الطاقة - المواد الخام - الأغاني - جسد الأنثى - طبقة الأوزون)، فالثابت الوحيد في هذا النسق هو التغير الفاقد للمعنى الوظيفي أو الرمزي أو الجمالي، ولذا تتغير فيه الأغاني والرقصات والموضات والأذواق والقيم والمواهب وأشكال العلاقات الاجتماعية وأنماط الفنون والموسيقى بسرعة فائقة.
إن الحاجة تبدو ملحة لثورة فكرية وقيمية ونماذجية ضد هذه الموجة الاستهلاكية الاستعمارية الجديدة، وإطلاق دورة جديدة في مسار حركة التجديد والمقاومة ضد هذه السلطة المقدسة الجديدة التي تغتصب العقول والنفوس وتسعى لقتل إنسانية الإنسان وتفكيك القيم وإفقاد المعنى، وتحويله إلى مادة استعمالية ووسيلة قابلة للتوظيف ذات بعد أحادي سائل.
فلا يمكن بناء النهضة المنشودة دون الثورة ضد موجة التطلعات المتزايدة وآثارها الثقافية والقيمية المدمرة وعلى ما خلفته الحداثة الداروينية من صراع وتفكك واستهلاك جنوني، بإطلاق ثورة تبتدئ بتحرير الذات والفكر من هذا الاستعمار النفسي وخوض معركة لتحرير الإنسان وإرادته وتكريمه، بهدف تفعيل رساليته في الوجود واستخلافه في الأرض واسترجاع إنسانيته ذات الأبعاد المتعددة والمركبة، باعتباره صاحب هوية وحاملا لقيم النهضة والتحرر، وتبني الإسلام كرؤية للكون بمرجعية إنسانية منفتحة .
(✺) باحث وكاتب مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.