رغبة في "تعميق وإشاعة روح التسامح والسلام والتعايش بين مختلف الشعوب والديانات السماوية، وترسيخ مكانة كقطب عالمي لحوار الثقافات والحضارات"، نظم المركز المغربي للتسامح وحوار الأديان، اليوم الاثنين، إفطارا رمضانيا جماعيا بحضور شخصيات دينية مسلمة ويهودية ومسيحية وفعاليات من المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وشخصيات دبلوماسية. ولأن شهر رمضان يصادف هذه السنة عيد الفصح المسيحي وعيد البوريم بالنسبة لليهود، فإن منظمي هذا "الإفطار التواصلي" بين مختلف الملل أرادوا التأكيد على "الإرث التاريخي والحضاري في العيش المشترك بين جميع مكونات الشعب المغربي"، من خلال اختيار فضاء الكنيسة الكاثوليكية بطنجة كتوقيع مكاني للفكرة، وتم رفع أذان المغرب فيها ب"مواكبة أمنية عالية" لإنجاح "هذه المهمة الحضارية". وفي هذا الإطار، قال محمد اعبيدو، رئيس المركز المغربي للتسامح وحوار الأديان، إن "تنظيم إفطار رمضاني داخل كنيسة مسيحية، وبحضور شخصيات دينية يهودية ومسيحية ومسلمة، هو تأكيد على أن المغرب بلد قادر على استيعاب مختلف العقائد الدينية دون أن يقصي أيا منها". وأكد رئيس المركز المغربي للتسامح وحوار الأديان أن "تنامي خطابات الكراهية في العالم اليوم يستدعي وقفة تأمل حقيقية لوقف التجديف، الذي يتم ضد معتقد بعينه بلا أية خلفية معقولة". واعتبر اعبيدو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "اختيار طنجة لهذه المهمة الحضارية النبيلة يرجع إلى أن هذه المدينة، التي تقعُ عند ملتقى الأطلسي والمتوسطي، هي أيضا ملتقى الحضارات والثقافات وتعيش فيها كل الديانات منذ قديم التاريخ"، مشيرا إلى أن "طنجيس معروفة كمدينة كانت دائما فضاء لكل الألوان الدينية وكل الاختيارات العقدية وحتى التي تمتح من المعقولية الحديثة، وكل من هؤلاء كان يجد صوته مسموعا في طنجة". وأضاف المتحدث ذاته أن "النسخة الأولى من هذا الإفطار السنة الماضية أعطت للمغرب إشعاعا مهما كبلد يحتضن مختلف الديانات السماوية ويستدمجها"، مشددا على أن "مواصلتها هذه السنة يكرس أهداف التعايش والتسامح والرحمة مهما كان الاختلاف في الدين أو المعتقد عاليا، ولذلك رفعنا الآذان في الكنيسة"، وزاد: "نريد أن نُشعر الآخر خارج المغرب بأن البلدان الإسلامية ليست كما يتم تصويرها من طرف أنصار الإسلاموفوبيا في الغرب". وعد الفاعل المدني عينه المغرب "بلدا منفتحا"، لكون "هذه الخطوة من الصعب القيام بها في دول أخرى قد تعتبر نفسها معاصرة، وذلك لكونها "تنطلق ابتداء من فكرة عدائية تجاه الدين"، مسجلا أن "ما قمنا به اليوم رسالة حضارية وقيمية للبشرية وللإنسانية؛ لأن غض الطرف عن دعاة التعصب هو خيار موضوعي أمام بناء دولة تحت إمارة المؤمنين، بعيدا عن كل الخطابات المناوئة لحق الإنسان في أن يشبه نفسه ويعتقد ما شاء". من جانبه، ثمن ألفريد زويريب، سفير الفاتيكان في المغرب، "هذه الفرصة العظيمة التي أتيحت له للمشاركة في هذا الإفطار الرمضاني الإنساني مع اليهود والمسلمين وغيرهم من المسيحيين"، حيث أكد أن "تعاليم بابا الفاتيكان فرانسيس كانت تصب دائما في اتجاه تشجيع الأديان السماوية على التحاور والاجتماع وبناء شروط السلام والتعايش والأخوة في ما بينها". وأضاف زويريب، في تصريحه لهسبريس على هامش الإفطار، أن "بناء عالم أفضل يستطيع فيه الكل أن يجد نفسه صار يستدعي أن نكون معا حتى يكون السلام قدرا وحتى تتوقف كل هذه الحروب"، لافتا في الختام إلى "حاجة البشرية إلى المزيد من الجرأة لتعزيز حضور العدالة في العالم"، في إشارة إلى "الاختلالات القيمية" التي بدأت تظهر في العديد من الأصقاع على خلفية الانتماء الديني والحضاري أولا وأخيرا.