وهبي: آن الأوان للاعتراف القانوني بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية    السياحة المغربية تحطم الأرقام القياسية .. 7,2 مليون زائر في خمسة أشهر    إيران: سيطرنا على أجواء الأرض المحتلة اليوم وبداية نهاية أسطورة الدفاع للجيش الصهيوني    المغرب يرفض الاصطفاف وراء طهران: موقف ثابت ضد نظام يدعم الانفصال والإرهاب    طقس حار وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    الدرك الملكي يحجز 8 أطنان من الشيرا    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    جلالة الملك يهنئ رئيس السيشل بمناسبة العيد الوطني لبلاده    خامنئي: إيران "لن تستسلم أبدا" للضغوط    توقيف سيدة وبحوزتها 3072 قرص طبي مخدر من أنواع مختلفة وجرعات من مخدر الكوكايين    التصعيد الاسرائيلي – الإيراني.. تأكيد خليجي على ضرورة وقف إطلاق النار ودعم جهود السلام في المنطقة    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    رحيمي وحركاس وعبيد ضمن أغلى عشرة لاعبين في صفوف الفرق العربية المشاركة في كأس العالم للأندية    القناة الناقلة لمباراة الوداد ومانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    لقجع: الدعم الاجتماعي المباشر حلقة جديدة ضمن المبادرات الملكية الهادفة إلى صون كرامة المواطن    وهبي: آن الأوان للإقرار التشريعي بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية    اعمارة: أنماط التشغيل الجديدة تواجه تحديات غياب التأطير القانوني والحرمان من الحماية الاجتماعية    على بعد أشهر قليلة من الطي النهائي لملف النزاع المفتعل في الصحراء المغربية...    أردوغان: "نتنياهو تجاوز هتلر في جرائم الإبادة"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    شكوك حول مشاركة مبابي في مباراة ريال مدريد الافتتاحية بكأس العالم للأندية    بعد أزمة القطيع.. مطالب لمجلس الحسابات بافتحاص أموال وبرامج جمعية مربي الأغنام والماعز    جهة "سوس-ماسة" تسهم ب9.5% من التجارة الخارجية للمغرب وتستهدف تعزيز موقعها التصديري    المغرب ‬يواصل ‬تموقعه ‬بقوة ‬على ‬الخريطة ‬العالمية ‬لصناعة ‬الطيران    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    المغرب ‬خامس ‬قوة ‬اقتصادية ‬في ‬إفريقيا: ‬مسار ‬تحول ‬ونموذج ‬إقليمي ‬صاعد    "أزطا أمازيغ" تنتقد سياسات الدولة وتدعو لاحترام التنوع والعدالة الثقافية    الرباط.. المحكمة الإدارية تنظر في طلب افتحاص صندوق تقاعد المحامين بمراكش    إضراب مفتوح ووقفة احتجاجية لعمال النظافة بشركة أوزون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر الأجور    كأس العالم للأندية 2025.. تعادل فلومننزي البرازيلي وبوروسيا دورتموند الألماني دون أهداف    مسؤولو حسنية أكادير يفشلون في الحفاظ على الركائز بعد رحيل الشماخ    الشرعي يدرب "لويسترلو" البلجيكي    "واتساب" ينفي نقل بيانات مستخدمين إلى إسرائيل    مجازر الاحتلال تتواصل.. إسرائيل تقتل 32 فلسطينيا بغزة بينهم 11 من منتظري المساعدات    ارتفاع أسعار النفط في التعاملات الآسيوية    الخليج يحث على التهدئة بين إيران وإسرائيل ويؤكد دعم مساعي الاستقرار الإقليمي    من الحرير إلى الشراكة الذكية.. المغرب والصين ينسجان مستقبلًا بحكمة حضارتين    تحول "OpenAI" إلى الربحية يشعل الخلاف مع "مايكروسوفت"    فياريال الإسباني يتعاقد مع لاعب الوسط موليرو لخمس سنوات    مشروع سكني بالغرب يجلب انتقادات    كأس العالم للأندية .. قمة إنجليزية مغربية وصدام إسباني سعودي    عائلة بودراجة تتوعد بالمتابعة القضائية    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحداث الفنيدق...
نشر في هسبريس يوم 08 - 10 - 2024


توطئة:
أثارت أحداث 16 من شتنبر 2024، فيما أصبح يعرف بأحداث الهجرة بمدينة الفنيدق، سؤالًا حول شرعية ووظيفة الأحزاب السياسية بالمغرب. وهو سؤال تتولد عنه العديد من التساؤلات حول مستقبل السياسة ودور الأحزاب السياسية والوسائط الاجتماعية بشكل عام بالمملكة.
وإذا كان لا أحد يختلف على الدور المركزي والهام للأحزاب السياسية في الحقل السياسي الحديث وفي البناء النسقي للديمقراطية بمختلف البلدان، فإن مكانتها ببلادنا ازدادت قوة في ظل الوثيقة الدستورية الحالية، التي بمقتضاها أضحت الأحزاب السياسية خيارًا وثابتًا ضمن الثوابت الأساسية الأربعة المشكلة لبنية النظام السياسي المغربي؛ فالحزب السياسي أصبح مؤسسة دستورية استراتيجية ومحورية تضطلع بمهام التأطير السياسي وتفعيل أبعاد الديمقراطية وتجسيدها عبر نظام التمثيلية، بل الأكثر من ذلك، فإن مؤسسة الحكومة أصبحت من نصيب الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية التي يتم تنظيمها كل خمس سنوات.
معنى ذلك أن الأحزاب لم تعد مهمشة في النسق السياسي المغربي كما كان عليه الأمر في السابق، بحيث أضحت تتطلع، بالإضافة إلى المهام المنوطة بها بمقتضى قانون الأحزاب السياسية، إلى مهام تسيير وتدبير الشأن العام، سواء على المستوى المركزي أو الجهوي والمحلي. فالحكومة لم تعد تُعين من قبل المؤسسة الملكية، بل أصبحت تفرزها أصوات الناخبين بشكل ديمقراطي، حيث يتم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية.
لكن في الحالة التي يفوز فيها الحزب ويصل إلى المشاركة في ممارسة السلطة، فإنه يكون ملزمًا بتطبيق برنامجه لتمكين المواطنين من حقوقهم في إطار ما تفرضه المواطنة مقابل ما يؤدونه من واجبات. وتتم ترجمة هذه الحقوق عبر برامج ومشاريع وخطط حكومية على المستوى المركزي، ومن خلال مخططات التنمية المحلية التي تعدها الجماعات الترابية، خاصة وأن هذه الحقوق مكرسة دستوريًا بمقتضيات الفصل 31 من الدستور الذي يفرض على الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعبئة كل الوسائل المتاحة لاستفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة.
بيد أنه، وبقراءة المشهد السياسي المغربي الحالي، يتضح أن هذه الأهمية تبدو لا قيمة لها في الواقع السياسي والاجتماعي. وهذا ما أكدته أحداث الهجرة التي عرفتها مدينة الفنيدق، والتي تطرح العديد من الأسئلة الحارقة التي تؤدي إلى معطى أساسي مفاده أنه لم يعد هناك أي دور للأحزاب السياسية في الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي للأسف ببلادنا. فما هي الأسباب التي أدت إلى الغياب التام لأدوار الأحزاب السياسية؟ هل هي بالأساس أسباب ذاتية مرتبطة بأعطاب الأحزاب السياسية نفسها؟ أم أن الأمر يتعدى ذلك لوجود أسباب موضوعية تتعلق بحدود الوظيفة المرسومة لها في النظام السياسي المغربي، وأخرى ترتبط بالفضاء السياسي والاجتماعي والثقافي السائد بالمجتمع بشكل عام؟
لا يتسع المقام هنا للحديث عن الأسباب الموضوعية التي كانت تحول دون قيام الأحزاب بوظائفها الأساسية، لأن الكثير من هذه الأسباب قد خفت وطأتها، وإن كانت الدولة تتحمل بعض المسؤوليات في هذا الجانب. ونذكر هنا مثالًا يوضح مجال التهميش الذي لا زالت تعاني منه الأحزاب السياسية، خاصة على مستوى إشراكها في بلورة التصورات والتوجهات والخيارات العامة والاستراتيجية للمملكة.
وارتباطًا بالموضوع، فالدولة تتحمل من جهتها المسؤولية فيما وقع من أحداث 16 شتنبر 2024 بالفنيدق، كونها لا تقوم بإشراك الأحزاب السياسية في بعض التوجهات والقرارات المصيرية للمجتمع. ولدينا أمثلة كثيرة عن ذلك في الحياة السياسية، ولعل آخرها استبعاد ممثلي الأحزاب السياسية من تشكيلة اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد. هذا الإبعاد أثار سؤالًا حول دور الأحزاب السياسية ووظائفها في النظام السياسي المغربي، وهو في الحقيقة سؤال ليس بجديد، نظرًا لأن استبعاد الأحزاب السياسية من المبادرات والأوراش ذات الطابع الاستراتيجي لم يكن وليد اللحظة، بل هو خاصية تلاحقها منذ الاستقلال. وهي بذلك يمكن تشبيهها ب"طائر منيرفا" عند هيجل، ولكن بالمعنى السلبي لهذه الاستعارة؛ أي أن الأحزاب السياسية لا تبدأ عملها إلا بعد أن تكون المبادرات الكبرى للدولة جاهزة، مما يجعل دورها يقتصر على التنفيذ أو تزكية ما سبق، وفي أحسن الأحوال، على لعب دور استشاري بدل أن تكون المبادرة أو المساهمة الفعلية في بلورة تلك المشاريع.
وإذا كانت مسألة بلورة نموذج تنموي جديد قد أملتها محاولة تحسين المعطيات والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والرفع من التحديات المطروحة على كافة المستويات المجتمعية والمجالية، فإن مسألة إشراك الأحزاب السياسية في لجنة النموذج التنموي الجديد تكتسي أهمية بالغة، لأنها ستجد نفسها معنية، بشكل مباشر أو غير مباشر، بتنفيذ الأهداف والخيارات العامة التي يتضمنها تقرير هذا النموذج. فالأحزاب السياسية معنية بالدرجة الأولى في تسيير الشأن العام الوطني وفي مختلف مجالاته الحيوية، سواء من خلال مشاركتها في الاستحقاقات الانتخابية التي تطمح من خلالها إلى المساهمة في تقديم تصورات واقتراحات حول مختلف الإشكاليات المطروحة، أو من خلال تقديم مذكرات حول مواضيع ذات أهمية مجتمعية وتكتسي صبغة استعجالية.
إلا أنه، وبالرغم من الاعتراف للأحزاب السياسية بحق المشاركة في ممارسة السلطة من خلال ولوجها إلى مركز القرار السياسي في مختلف مجالاته، فإن الحزب السياسي عندما يصل إلى مواقع القرار يجد نفسه طرفًا في مربع السلطة الذي يتشكل من أطياف متعددة، حاملة لتصورات وبرامج مختلفة ومتنوعة. وبالتالي، يجد نفسه مجبرًا على تنفيذ مجموعة من الخطط والبرامج التنموية التي تعتمدها الدولة كخيار لسياستها العامة، ولا سيما الاستراتيجية منها، والتي لم يشارك أصلاً في بلورتها. وفي أحسن الأحوال، يتم إشراكه في النقاش الدائر حولها، كما حدث مع النموذج التنموي الجديد. وفي هذه الحالة، يضطر الحزب إلى الخضوع لقواعد اللعبة السياسية (تحالفات، توافقات، تنازلات... إلخ).
هذا مثال صارخ على بعض العوامل الموضوعية التي لا زالت تساهم في تهميش الأحزاب السياسية وتقزيم دورها. لكن، حتى إذا ما تم إشراكها في الخيارات والقرارات المصيرية للمجتمع، فإن الأحزاب لا تملك تصورات ورؤى واضحة حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. فجلها، إن لم نقل كلها، تفتقر إلى تصورات صائبة وبرامج واقعية دقيقة ومتجددة ترتبط بالواقع الاجتماعي المتغير والمشاكل المستجدة، وتلبي حاجيات المواطنين عند المشاركة في ممارسة السلطة، وتشكل أساسًا للتعاقد بين الحزب والكتلة الناخبة.
من خلال الاطلاع على مذكرات الأحزاب السياسية بشأن النموذج التنموي الجديد، نجد أنها تتفق على ضرورة بلورة إصلاحات اقتصادية كأحد المداخل الهامة لهذا النموذج، بيد أنها لا تبدي أي موقف واضح تجاه النمط الاقتصادي المغربي الحالي الذي عزز الفوارق الاجتماعية بشكل مهول، وكاد أن يقوض المقتضيات الدستورية المحددة لطبيعة النظام الاقتصادي المغربي. كما تحدثت جميع المذكرات عن ضرورة محاربة اقتصاد الريع، لكنها لم تعمل على تحديد مظاهره وآليات تشكله، فضلًا عن عدم تحديد الأدوات اللازمة لمواجهته. لذلك، لم تمنح المذكرات المكانة اللازمة لمبدأ التنافس الحر في الاقتصاد والحياد الضريبي الذي ينبغي أن يتأسس عليه، باعتباره آلية لضبط الاقتصاد والتنافس والاستثمارات ومنح الامتيازات.
كما يتبين أن هذه المذكرات تتقاطع في استنادها إلى الدعوة الملكية لبلورة نموذج تنموي جديد، وكذا عدد من الخطب الملكية ذات الصلة التي حملت إشارات في هذا الإطار. لكنها، في المقابل، تتشابه من حيث خلوها من إشارات إلى أطرها المرجعية في بلورة هذه المذكرات، باستثناء نسبي لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي أشار في مذكرته إلى أحد مؤتمراته التي ناقش فيها مسألة النموذج التنموي ولو بشكل محتشم. كما تتقاطع هذه المذكرات في توظيف قاموس مفاهيمي ينهل من الأسس الفكرية والإيديولوجية لكل منها. لكن تصورها بشكل عام لا يساعد على رسم مسافة واضحة تسمح بالفرز الإيديولوجي بين المذكرات تبعًا لما رسمته الأوراق المذهبية لكل حزب سياسي في هذا المضمار، مما يطرح سؤال مدى امتلاك الأحزاب السياسية المغربية لتصور تنموي بديل يعكس التوجه الإيديولوجي الفعلي ومقوماته لكل حزب سياسي.
لذلك، يبدو أن الأحزاب السياسية لم تركز في مقترحاتها بشأن التصور التنموي على مقوماتها الإيديولوجية والمذهبية الفعلية، رغم الإيحاءات التي جاءت بها بعض المذكرات في هذا الشأن. بل إنها بلورت تصورات تحاول من خلالها فقط الإجابة، ولو نسبيًا، على الحاجيات التنموية للمجتمع والفاعلين الاقتصاديين والسياسيين وغيرهم، مما يجعلها فاعلًا في مجال التدبير وليس التقرير، ويتحول تنافسها من تنافس حول الوصول إلى السلطة والحكم إلى تنافس حول الإدارة والتدبير، مع ما قد يترتب عن ذلك من تقويض للمستجدات الدستورية الهامة لدستور 2011 في هذا المجال.
في سياق هذه الاستنتاجات، يطرح سؤال جوهري: لمن تُعطى الأولوية في العملية الانتخابية، للولاء الحزبي أم الشخصي؟ فالانتخابات المغربية منذ عقود تشهد سيطرة الاعتبار الشخصي في تحديد وجهة التصويت على حساب الولاء الحزبي. التصويت على الأشخاص بدل البرامج الانتخابية الحزبية لا يزال السلوك الأكثر ممارسة في المغرب، ولذلك نجد غالبية الأحزاب السياسية تعتمد على الأعيان والنافذين في المجتمع لضمان المقعد الانتخابي.
علمًا أنه لم تكن هناك روابط قوية في السابق بين الأحزاب والناخبين كما هو الحال في الدول الديمقراطية. فالعلاقات كانت قائمة بين الناخبين والمرشحين بشكل مباشر، بدوافع عائلية أو قبلية أو مصلحية. ومع مرور الوقت، بدأت الأحزاب تحاول استقطاب ناخبين يصوتون لاعتبارات إيديولوجية، كما هو الحال بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، أو لاعتبارات تتعلق بالبرنامج الانتخابي، كما هو الحال بالنسبة لبعض أحزاب اليسار. لكن الملاحظ أن الأحزاب السياسية تتقدم أثناء الحملات الانتخابية بوعود مصاغة بشكل إنشائي خالٍ من التدقيق، وغالبًا ما تتكرر عند كل استحقاق انتخابي، بالإضافة إلى تشابهها بين عدد من الأحزاب.
الناخبون المغاربة لم يعودوا يهتمون بالشعارات الانتخابية الرنانة. هناك حاليًا ميل تدريجي لتبني علاقة بين المواطن والأحزاب تقوم على أساس التعاقد الانتخابي، المتمثل في الوعود التي تتضمنها البرامج الانتخابية. لكن برامج الأحزاب السياسية لا تتضمن سوى وعود انتخابية غير قابلة للتطبيق، لأنها تفتقر إلى الرؤية والتصور، وغير واقعية، لأنها لا تحمل هموم وانشغالات المواطنين. في ظل افتقارها للكفاءات والأطر العلمية والزعامات السياسية التي تملك رؤية شاملة حول الوضعية العامة في البلاد، ومع عدم امتلاك الأحزاب لبنوك معلومات ومعطيات كافية حول مختلف المجالات والقطاعات، تصبح غير قادرة على إعداد برامج وتصورات جدية. وهذا يكرس أزمة التصور السياسي والرؤية التنموية للأحزاب السياسية المغربية.
إذا كان من الصعب، في ظل التعددية السياسية التي يعرفها المشهد السياسي المغربي، الحديث عن إفراز العملية الانتخابية لاصطفاف إيديولوجي واضح ينعكس في البرامج الانتخابية، فإن النموذج التنموي الجديد كان من المفترض أن يمثل فرصة لتحقيق هذا التوازن. النموذج التنموي لا يتعلق باستحقاق انتخابي لفرز أغلبية حكومية وإدارة الجهاز التنفيذي، بل بتصور استراتيجي يحدد المعالم الكبرى لتعزيز التراكمات الإيجابية وإحداث قطيعة مع السياسات الإدارية والتدبيرية التي أثبت الزمن فشلها.
خاتمة:
تكشف أحداث الفنيدق المرتبطة بأزمة الهجرة بوضوح عن وجود أزمة في الرؤية التنموية لدى الأحزاب السياسية. هذه الأزمة لا يمكن الكشف عنها انطلاقًا من مذكرات وبرامج الأحزاب السياسية حول النموذج التنموي الجديد دون ربطها بنشأة وتطور الأحزاب نفسها. فمن خلال قراءة سريعة للظروف التي رافقت نشأة الأحزاب المغربية، نجد أن تحولات كل مرحلة كانت محكومة بالظروف السياسية لتلك المرحلة. أزمة الرؤية التنموية للأحزاب السياسية المغربية ترتبط بشكل وثيق بالهشاشة المزمنة التي تعاني منها تنظيماتها الحزبية.
(*) أستاذ العلوم السياسية بالمعهد الجامعي للدراسات الإفريقية
رئيس مركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.