كتب عبد السلام ياسين رسالته البئيسة "الإسلام أو الطوفان" سنة 1974، وكان يعتقد أن العنف هو الوسيلة الوحيدة لتركيع الحسن الثاني رحمه الله، لأن الطوفان يحمل انتقاما إلهيا ينفذه البشر، أي أن ياسين كان يهدد بنفير عام بعده الموت والشهادة. وكانت الإقامة الجبرية الرد الأمثل على تخاريف زعيم العدل والإحسان. لكن رغم كل هذا، فإنه يحسب لياسين أنه كان يتحاور مع الملك بعنف من أجل قضايا وطنية وليس قضايا أجنبية، مهما كانت رؤية النظر متعارضة بين طرف يحكم وآخر يطمع في تغيير النظام قبل الاستيلاء على الحكم. بعد خمسين سنة تم تنفيذ الطوفان وتجاوزت الجماعة مجرد التهديد به، لأن الإخوان وألوانهم نفذوا زحفا ماديا على ميناء "طنجة ميد" للانتقام لغزة ومنع التطبيع ولو بخبر كاذب لسفينة تحمل معدات إسرائيلية. وأن يتم استعمال مصطلح "النفير" فذلك يعني انتقاء مقصودا لأقصى ما في الشريعة من تعبير عن جهاد الدفع، على اعتبار "هجوم العدو على غزة" عبر ميناء مغربي. ليتبين أن هؤلاء الكائنات يستغلون التحولات السياسية الإيجابية استغلالا خبيثا، سبقهم إليه إخوان حسن البنا عشرات السنين قبل اليوم. حتى إني بدأت أتفهم سبب النكبة التي ابتلاهم بها عبد الناصر، الذي لا أذكره بخير أبدا، لا هو ولا أبالسة "وأعِدّوا". القوميون المغاربة لا يستطيعون جر القطيع إلى الهجوم على الميناء، لأن قلة من المواطنين لا زالوا يؤمنون بخرافات الأُخوة العربية والاشتراكية الوطنية والتاريخ المشترك والخزعبلات القديمة، في حين استطاعت الجماعة وأصحابها أن تنفذ هذا الهجوم بحشد واسع يؤمن بنصرة الإسلام ضد اليهود، أعداء الماضي والحاضر، في السلم والحرب. وحين تعلن الجماعة وأتباعها والمتعاطفون معها الحرب على الدولة فإن ذلك أمر يدعو إلى اليقظة ووضع جميع الاحتمالات التي لا تخطر على بال، لأن هؤلاء الناس ليس همهم غزة ولا بيت لحم وإنما هم ذئاب تترصد الفرصة للانتقام الواسع الذي لم ينجحوا في تنفيذه منذ زمن بعيد. في مقال سابق دعوت إلى تجريم استعمال الدين في السياسة، وقلت إن الاستقواء بالدين في العمل السياسي هو بمثابة الخديعة والنصب والاحتيال بعد أن يعدم المنافقون الحجة والدليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. إقناع المواطن بخطاب منطقي مبني على الحجة المادية أمر ليس سهلا، بسبب الاستقرار النهائي لعدم الثقة بينه وبين السياسيين. لكن الخطاب الديني الذي يمتلك آلية التأويل والتحليل والتحريم والتكفير والتبشير بالجنة يمكن أن يجر الناس كالضباع إلى أفعال غير محسوبة، بفعل الاندفاع العاطفي الديني. نبأ كاذب تم احتواء مفعوله بسرعة، لكن إذا انفجرت ينابيع الكذب في كل مكان في البلاد، وجيّش شياطين الدين الناس، فتمّ تنفيذ النفير في عشر مدن أو مائة، كيف نحتوي هذا المصاب لا قدر الله؟ نحن اليوم لا ندري من يحرك الشارع المغربي، هل الغيرة الوطنية الصادقة أم تصفية الحساب مع الدولة والثأر لأحداث قديمة أم تنفيذ الأجندات الخارجية، أخطرها الجزائرية والإيرانية. لأن حدود الإخلاص للقضية الفلسطينية تجاوز المعقول والمقبول والمنطقي، وغدا واضحا أن أشباه المغاربة هؤلاء لا تهمهم أي قضية بقدر ما يتحينون الفرصة لإشعال جذوة النار الأولى، لفتنة لا تبقي ولا تذر.