أشاد نيكولا ليرنر، المدير العام للمديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE) في فرنسا، بمستوى الشراكة والتعاون الفعال مع الأجهزة الأمنية المغربية في مواجهة التهديدات الإرهابية، خاصة ما يتعلق بمتابعة تحركات بعض الجهاديين في منطقة شمال إفريقيا الناطقين بالفرنسية للانضمام إلى الجماعات الإرهابية في إفريقيا، وخصوصا في الصومال، حيث يقاتل عشرات الجهاديين المغاربيين إلى جانب "حركة الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة"؛ وهي الظاهرة التي أكد أنها تحظى باهتمام كبير من جانب أجهزة الاستخبارات الخارجية الفرنسية. وأكد المسؤول الأمني الفرنسي ذاته، في حوار حصري مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، أن "القارة الإفريقية لا تزال تعد المركز العالمي للجهاد، لأسباب متعددة؛ منها أن أغلب الهجمات الجهادية تقع في هذه القارة، خاصة في منطقة الساحل وبحيرة تشاد ونيجيريا ومنطقة البحيرات الكبرى والقرن الإفريقي، ثم الدعاية التي تبثها القاعدة وتنظيم الدولة التي ترفع من قيمة العمليات التي تُنفذ في إفريقيا"، مشيرا إلى أن "الجهاديين الأفارقة شرعوا، في السنوات الأخيرة، يتحملون مسؤوليات أكبر داخل ما تبقى من التنظيمات المركزية التي كانت لفترة طويلة يهيمن عليها رجال من سوريا أو العراق أو دول الخليج". منطقة حساسة ذكر ليرنر أن "الوضع مقلق على مستويات وأماكن مختلفة في القارة الإفريقية، إذ تظل منطقة الساحل منطقة حساسة للغاية على هذا المستوى"، مضيفا: "عندما تدخلت فرنسا هناك، مع شركائها الأفارقة وبطلب من دول المنطقة، كان الهدف منع إقامة خلافة إقليمية. وعند انسحابنا، وحتى مع استمرار مكافحة الجماعات الإرهابية، كان الهدف قد تحقق". وتابع المدير العام للمديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسية قائلا: "اليوم، الجماعات الإرهابية نفسها تتمتع بحرية تحرك واسعة في جزء كبير من المنطقة الفرعية، وهذه الديناميكية تؤذي السكان المدنيين، وتهدد مباشرة استقرار دول الساحل؛ وهو ما لا يسر أحدا، لكنها تؤثر أيضا على حدود دول مجاورة عديدة، صديقة وشريكة لفرنسا، التي تواجه امتداد التهديد نحو الجنوب والغرب، والمديرية العامة للأمن الخارجي تظل إلى جانب تلك الدول". في سياق آخر، شدد المسؤول الأمني عينه على أن "الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها العاصمة باريس في ال13 من نونبر 2015 لا تزال جراحها مؤلمة حتى اليوم، خاصة أنها حملت بصمة ثلاث طرق تنفيذية محددة جدا، إذ صُممت وخُطط لها من مناطق نزاع، من قِبل تنظيم إرهابي كان يسيطر آنذاك على مساحة واسعة من الأراضي، كما اكتسب المنفذون خبرة وتدريبا في الخارج، ونجحوا في الإفلات من مراقبة أجهزة الاستخبارات والشرطة على الحدود، ليحصلوا بعد ذلك على دعم خلايا نشطة في أوروبا وفرت لهم الأسلحة والمتفجرات والدعم اللوجستي الواسع". وبيّن ليرنر أن "احتمال تكرار اجتماع هذه العوامل جميعا أصبح ضئيلا جدا، اليوم؛ وهذا راجع بالأساس إلى نتائج العمليات العسكرية التي خاضها التحالف الدولي بمشاركة كاملة من فرنسا ضد الجماعات الجهادية في المنطقة السورية-العراقية، فضلا عن تعزيز حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي استنادا إلى الدروس المستخلصة من أزمة الإرهاب والهجرة عام 2015. كما يُعزى ذلك إلى تفكيك أجهزة الأمن الداخلي في أوروبا لعدد كبير جدا من الخلايا النشطة". ساحات رئيسية أفاد نيكولا ليرنر بأن "هناك ثلاث ساحات رئيسية تحظى باهتمام أجهزة المخابرات الخارجية الفرنسية، وهي سوريا والمنطقة الأفغانية-الباكستانية والساحة الإفريقية؛ ففي هذه المناطق يجب بذل كل الجهود لتفادي أن تستقر التنظيمات الإرهابية فيها وتُنشئ ملاذات إقليمية آمنة، تسمح لها بإرسال خلايا جديدة إلى فرنسا". وأضاف المسؤول الأمني ذاته: "مع تراجع خطر التهديدات الخارجية الموجهة، أصبحت التهديدات اليوم في الغالب داخلية المنشأ وتظهر في شكلين رئيسيين: تهديد «مُفَعَّل»، قادته خلال العامين الماضيين خصوصا "تنظيم الدولة-ولاية خراسان"، الذي كانت مسؤولة مثلا عن اعتداء قاعة "كروكوس سيتي هول" في موسكو في مارس 2024؛ وتهديد «مُلهم»، أي صادر عن أفراد ليست لهم صلات مباشرة بمناطق النزاع، لكنهم يتغذّون من الدعاية الإسلاموية". وحول إحباط مشاريع اعتداءات إرهابية عديدة داخل العمق الفرنسي خلال السنوات الأخيرة، أوضح المدير العام للمديرية العامة للأمن الخارجي بفرنسا أن "جميع الأجهزة الاستخباراتية والشرطية والقضائية الفرنسية تعمل بانسجام كامل، بفضل التنسيق الوثيق بين المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI)، والمديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE)، ومكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب (PNAT)، ومركز التنسيق لمكافحة الإرهاب (UCLAT)، إذ سمحت هذه البنية المتكاملة بالكشف عن العديد من الهجمات قبل وقوعها، ما أنقذ أرواحا كثيرة". وزاد المسؤول الأمني ذاته: "لكننا نعلم أن التهديد يتغير باستمرار، فالعدو لا ينام، بل يبدّل أساليبه، وأدواته، وخطابه الدعائي. وقد انتقلنا من مخططات الهجمات الكبيرة والمنسقة، مثل تلك التي استهدفت باريس في 2015، إلى هجمات فردية أكثر بساطة لكنها غير متوقعة.. وبالتالي، فإن هذا التحوّل يتطلب قدرة عالية على التكيّف والاستخبار المسبق واليقظة المجتمعية". وتابع نيكولا ليرنر بأن "المديرية العامة للأمن الخارجي تعمل بالتعاون مع المديرية العامة للأمن الداخلي على رصد التهديدات خارج حدودنا قبل أن تصل إلينا، إذ نراقب عن كثب تحركات المقاتلين الأجانب، وقنوات التمويل، والبنى الدعائية للجماعات الإرهابية في الخارج. وفي كل مرة يظهر فيها تنظيم جديد أو ملاذ جهادي، نعمل على تحليل نواياه وقدراته ووسائله؛ ذلك أن هدفنا هو منع التهديد قبل أن يصبح وشيكا". وسجل المدير العام للمديرية العامة للأمن الخارجي بفرنسا أنه "بفضل العمل الاستخباراتي المكثّف في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، تمكّنا من تدمير شبكات عديدة ومنع محاولات استهداف مصالحنا أو مواطنينا في الخارج". ملاذات إرهابية على صعيد آخر، أكد نيكولا ليرنر أن مشهد التهديدات الإرهابية في إفريقيا أكثر تعقيدا، إذ "تنتشر الجماعات الجهادية من الساحل إلى خليج غينيا، ومن الصومال إلى الكونغو الديمقراطية.. وغالبا ما ترتبط هذه الجماعات بنزاعات محلية أو بضعف الدولة المركزية؛ لكنها تبقى مدفوعة بإيديولوجيا عالمية". وشدد المدير العام للمديرية العامة الأمن الخارجي بفرنسا على أن "استقرار ملاذات إرهابية في إفريقيا يشكل خطرا مباشرا علينا؛ لأن هذه المناطق قد تُستخدم كنقاط انطلاق لشبكات التهريب والهجرة غير النظامية، ومنها يمكن أن يتسلّل إرهابيون محتملون إلى أوروبا". وزاد المسؤول ذاته شارحا: "نظرا لاضطراب تنظيماتهم وتشديد الرقابة على الحدود الأوروبية، بما في ذلك إنشاء قواعد بيانات بيومترية، أصبح استخدام هذه القنوات أقل قدرة على التنفيذ.. ومع ذلك، لا يزال بعض الجهاديين يعبرون بشكل منفرد عبر شبكات المهاجرين ليصلوا إلى فرنسا.. ولذلك، أيضا نظل في أعلى درجات اليقظة تجاه تلك التنظيمات، لأنها تنتهج أسلوب الصبر واستغلال الفرص عند ظهورها". وتفاعلا مع سؤال حول التعاون الأمني بين الجزائروفرنسا، ذكر مدير الاستخبارات الخارجية في هذا البلد الأوروبي أن "التعاون العملياتي بين أجهزة البلدين وصل إلى أدنى مستوياته التاريخية خلال الأزمة الأخيرة. ومع ذلك، فإن وظيفة أجهزة الاستخبارات هي الحفاظ على قناة تبادل أساسية حتى لو انقطعت جميع القنوات الأخرى. وقد حرصنا على الحفاظ على هذه القناة مع الأجهزة الجزائرية، حتى في أوج الأزمة". وأضاف: "لديّ قناعة أنه لو تم اكتشاف تهديد إرهابي يستهدف فرنسا، فإن الجزائر كانت ستنقل المعلومة عبر هذه القناة، لأن ذلك في مصلحة الأمن القومي لكلا البلدين.. وهناك مؤشرات عديدة على أن الجانب الجزائري يرغب في إعادة فتح الحوار؛ وأهمها خطوة الرئيس تبون تجاه بوعلام صنصال، الذي تم العفو عنه ونقله إلى ألمانيا. لذلك، فإن فرنسا جاهزة لذلك، دون أن تتنازل عن مطالبها الأساسية المعروفة للجميع".