السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    بنكيران: "مرشحو العدالة والتنمية لا تهزمهم المنافسة الشريفة بل استعمال المال ورئيس الحكومة يختبئ وراء الملك"    رئيس الوزراء الاسباني يقرر البقاء في منصبه عقب فتح تحقيق قضائي في حق زوجته    تيزنيت.. 5 نقابات صحية تدعو لفتح تحقيق معمّق بشأن شبكة المؤسسات الصحية    أسعار الذهب تتراجع مع انحسار آمال خفض سعر الفائدة الأمريكية    "غلاء الأضاحي" يجر وزير الفلاحة إلى المساءلة    الدرهم يتراجع ب 0,46 في المائة مقابل الأورو    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    النفط يهبط 1% مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في غزة    تقرير: نمو "سياحة المغامرات" يتخطى 19% بحلول 2032    نهضة بركان يتأهل للنهائي بعد انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للشباب (نصف النهاية): المنتخب المغربي يتأهل إلى النهاية على حساب نظيره التونسي 22-20    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    تواصل الحركة الاحتجاجية بالجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف الحرب في غزة    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    حادث سير خطير بالقرب من المحكمة الابتدائية يتسبب في إصابة خمسة أشخاص    مافيات الشينوا دخلات للبلاد. طاحت وحدة كتپيراطي المكالمات    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    النائب المرابط إلى وزير التربية الوطنية: إحداث ثانوية بجماعة بليونش ستكون له انعكاسات جد إيجابية تربويا واجتماعيا    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    استطلاع.. غالبية المريكانيين كيبان ليهوم أن إدارة ترامب أنجح من ديال بايدن    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    الحكومة والنقابات توقعات على زيادات عامة في الأجور وتخفيضات في الضريبة على الدخل    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسطول الحرية يفضح العالم الحرّ
نشر في هسبريس يوم 31 - 05 - 2010

القضية الفلسطينية على واجهة الأحداث مرة أخرى
لنقرأ الحدث من منظور أبعد
تحرك أسطول الحرية كما كان متوقعا بكثير من الحماسة والقلق والتطلع لفك حصار غاشم عن شعب معذّب. أسطول محمل بمساعدات ليس من بينها أسلحة كما أكدت رسميا تركيا قبل انطلاق الأسطول. وبعد أن تمّ الإنزال العسكري المفاجئ على متن السفينة التركية احتج المدنيون العزّل على البلطجة الإسرائيلية ، وفقط هاهنا سمعنا المسئولون الإسرائيليون يتحدثون عن وجود عصي وسكاكين أي أسلحة تبرر لإسرائيل قتل المدنيين واقتياد السفينة إلى أشدود وأخذ الباقي رهائن. حدث هذا في صمت عربي وآخرون بدوا كما لو أن على رؤوسهم الطير قبل أن يتداركوا إلى روتين التأسّف والشجب البارد الذي لا يعني إسرائيل بقدر ما يعزز قناعتها بأن ليل رعبها لا يزال يخيّم على بعض الأنظمة العربية. القضية الفلسطينية اليوم تعيش تباشير غد يقلق حراس الهزيمة في المنطقة كما يقلق إسرائيل وحلفاءها. في مهمة إنسانية شارك فيها أحرار40 دولة من العالم، تبدو إسرائيل في وضعية لا تحسد عليها. بل تؤكد على أن للحرية ثمنا كما أن للحرية رجالا يمكنهم أن يكسروا الحواجز بأيادي خالية من وسائل الفتك. السلاح وحده لن يمنح إسرائيل شرعية إبادة النوع البشري في ربوعنا التي أصبح فيها فن صناعة الموت لا يثير الضمير الإنساني كما يجب. هذه المرّة ستجد إسرائيل نفسها تناطح "غولا" تركيا يسعى إلى تعديل تاريخه والعودة إلى مجده كما ستجد نفسها في مواجهة رأي عام عالمي يتفرّج على الإرهاب الصهيوني المتحدّي لكل الأعراف الدولية. لقد استندت إسرائيل طيلة حروبها الكبرى ضد الدول العربية إلى لعبة تحييد كل من تركيا وإيران ، بل عملت على ضمهما إلى صفّ حلفائها التقليديين. اليوم إسرائيل تعود إلى يتمها الأول؛ وحش مهزوم منكسر يمتلك الكثير من السلاح ووسائل الدمار، لكنه لا يملك الكثير من خيارات الحرب كما لا يملك أن يخيف ضحاياه. ويظل الأمر الأكثر إثارة للأسف هو وضع الدول العربية لا سيما مصر التي اجتهدت في الزمن الخطأ لتقدم أروع خدمة إلى إسرائيل بإقامة الجدار الفولاذي إمعانا في تشديد الحصار على غزّة. ولم يعد ينفع الخارجية المصرية أن تشجب الاعتداء على السفن التي تقصد غزّة لفك الحصار بعد أن كانت مصر هي بطلة إحكام الحصار على غزّة . وهي اليوم تتحمل المسؤولية الأكبر في موضوع الحصار. وقد بات واضحا أن الفولاذ ليس أمتن من الحرية في صناعة التحدّي. فما دام هناك ضمير في طور التشكل داخل الرأي العام الغربي، فإن الطرق الكلاسيكية التي أتبعتها إسرائيل في ممارسة الفتك وإخفاء صوره عن العالم لم يعد يجدي. كما أن الصمت المميت الذي احترفته الأنظمة العربية تجاه القضية الفلسطينية بات صمتا في غير صالحها. إن إسرائيل التي رفضتها الجغرافيا والتاريخ بالأمس، هي نفسها اليوم، يرفضها الضمير الحرّ كما يرفضها المستقبل.
قرصنة أسطول الحرية جوابا على غولدستون
من المؤكد أن لا شيء يزعج الإدارة الإسرائيلية أكثر من أن تطفوا القضية الفلسطينية على واجهة الأحداث. ولهذا السبب تحديدا رأينا كيف أنها سعت طيلة أكثر من ألف يوم من حصار غزّة إلى إلهاء المنتظم الدولي بقضايا لعب فيها التهويل والتضخيم المفتعل لعبته في حجب تراجيديا الشعب الفلسطيني الذي يخضع إلى ماكينة قتل ممنهج طيلة عقود من الاحتلال. بين صمتين : الصمت الدولي والصوت العربي ذبح الشعب الفلسطيني وذبحت قضيته أمام الرأي العام العالمي. ويبدو أن مسلسل المطالب الإسرائيلية ستضطر الرأي العام الدولي إلى أن يصبح جزءا من الانتفاضة الفلسطينية كما نشهد اليوم مع أسطول الحرية الذي انضاف إلى سجل إسرائيل الحافل بإرهاب الدولة وانتهاك الشرعية الدولية. منذ حرب تموز ومرورا بحرب غزّة ، دخلت إسرائيل دورة جديدة من الدينامية الفلسطينية التي لم يشهدها تاريخها الحافل بالكفاح. خلال ظرف وجيز خسرت إسرائيل حربين وفقدت مع ذلك هيبتها كما فقدت فاعلية إستراتيجيتها الأمنية. وقد أظهر تقرير فينوغراد أنها بالفعل خسرت حربا كما أضاف تقرير غولدستون إلى صدمة خسران معركة غزة تهمة ارتكاب جرائم حرب في حق الأهالي الفلسطينيين. أي خسران معارك الدعاية والإعلام. وستظهر الماكنة الإسرائيلية المتهالكة التي تعاني الإفلاس، أن لا طريق لها غير نهج أسلوبها التقليدي ، وذلك حينما أقدمت على اغتيال المبحوح القيادي في حماس على أرض الإمارات العربية المتحدة . الاعتداء على سيادة دولة وتزوير وثائق سفر رسمية لصالح عملائها وضعها في خانة الدول المتعسفة غير الوفية حتى لحلفائها التقليديين. واليوم يضيق الخناق أكثر لتتورط عسكريتها بإيعاز من وزارة الدفاع الصهيونية باعتراض أسطول الحرية وقتل 19 متطوع مدني أغلبهم من الأتراك بالإضافة إلى عشرات الجرحى. أي بربرية هذه التي تختم بها إسرائيل حفل توديع آخر أساطيرها بأنها قاهرة الإنس والجن في منطقة لا زالت شعوبها تنتظر اليوم الذي تمحو عنها هذا العار الذي صنعه على حين غفلة حفنة من عصائب الصهيونية العالمية. لقد خسرت إسرائيل حلفاء وأصدقاء لها ، كان آخرهم تركيا التي وجدت نفسها في مسار يؤكد على أن مسلسل التوتر بينهما لا يوحي بمستقبل للعلاقات بين الطرفين. فتركيا اليوم التي تقود أسطول الحرية حكومة وشعبا ويوجد علمها على السفينة المقرصنة ، اختارت أن تعيد تركيا إلى جبهتها الطبيعية ، وهي شكل آخر من المواجهة لم تجربه إسرائيل التي تجد نفسها اليوم في مواجهة دولتين إسلاميتين من حجم إيران وتركيا والباقي أعظم. إسرائيل إذن، تخسر اليوم كل شيء ؛ تخسر الأصدقاء وتلهم خصومها إرادة جديدة. ليس المهم أن تصل المساعدات إلى غزّة، بل الأهم اليوم أن رسالة فك الحصار عن أهالي غزّة وصلت في أسرع وقت وبأفضل تعبير. اليوم إسرائيل تدمر المدنيين بأسلحة محرمة دوليا وتدان من قبل خبراء يهود مثلما حصل مع تقرير غولدستون وتحرج حليفها الإستراتيجي (الولايات المتحدة الأمريكية) وتغتال الفلسطينيين في أراضي ذات سيادة وتزوير وثائق سفر لدول حليفة مثل بريطانيا وفرنسا وأستراليا ؛ وها هي اليوم تستعمل قوة الكومندوس لقرصنة أسطول الحرية المحمل بمساعدات غدائية وطبية ومواد بناء للشعب الفلسطيني المحاصر في غزّة. هذا انتصار فلسطيني جديد ونكسة إسرائيلية تؤكد على ارتباك الحكومة الصهيونية. ولا يخفى أن مسرحية جديدة تنتظر الرأي العام العالمي من قبل القوى الداعمة لإسرائيل وشريكتها في هذا الصمت إزاء كل مخالفات إسرائيل للشرعية الإنسانية والدولية. فالولايات المتحدة الأمريكية أعلنت بلغة الخشب أنها تتفهم قطه الرئيس نيتنياهو رحلته إلى واشنطن لمتابعة مجريات أحداث أسطول الحرية. وقد أعرب البيت الأبيض عن أسفه للأحداث الخطيرة. نقطة ورجوع إلى السطر. هذا أقصى ما يمكن أن ينطق به أوباما الذي قال كثيرا عن السلام والحرية والإنسانية والأمل. وتماما كما حصل مع غولدستون وهو أضعف الإيمان الذي واجه الإهمال في أروقة مجلس الأمن ، سيحدث غدا مع جريمة قرصنة أسطول الحرية وقتل وجرح المدنيين في المياه الدولية. فحتى في تقرير غولدستون كانوا قد ساووا بين الجلاد والضحية في تحمل مسؤولية الدمار الذي لحق بالمدنيين. وهو ما أسست له حكاية المسؤولين العسكريين بزعامة باراك . كان العدوان السافر على غزة قد وضع المنتظم الدولي أمام مسؤوليته ولو في نطاق الحرج. هذا بعد أن كنا في كل تاريخ العدوان الصهيوني على الفلسطينيين لا نسمع صوتا لمجلس الأمن ولا للمحكمة الدولية ولا للأمم المتحدة. وكان الأمر يتطلب كل هذا العدوان حتى نستطيع انتزاع إدانة دولية عن جرائم الحرب ضد المدنيين العزل. بل حتى حينما قررت المحكمة إصدار قرار إدانة ، خلطت الأوراق وحملت المسؤولية لإسرائيل وحماس معا. ماذا ننتظر إذن من الاجتماع الأممي المنعقد غدا تجاه جريمة القرصنة الإسرائيلية لأسطول الحرية؟ هذا بالتأكيد إن حصل. وهل دعاوى انعقاد اجتماع الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية سيسفر هذه المرّة عن إحراجات للدول العربية على الأقل تتناغم مع مستوى الإحراجات الدولية؟
ربما احتاج الأمر إلى أكثر من ستين سنة من معاناة الشعب الفلسطيني والتحدي السافر لكل القرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة من قبل الكيان الإسرائيلي الذي تمثل منذ قيامه في 48 سياسة العنف وإرهاب الدولة النازي في تركيع إرادة الشعب الفلسطيني ؛ وحتى يفيض الكأس بعد مجزرة غزة ليفيق ضمير العالم وينتدب غولدستون لصياغة تقرير من شأنه إن تم البث فيه أن يدين إسرائيل بتهم أقل ما يمكن أن تحققه هو لجم إسرائيل عن الاستهتار بالأعراف الدولية في ممارسة العدوان الحربي على المدنيين. لكننا رأينا كيف أن إسرائيل استمرت في عدوانها وتحرشها بالمدنيين بدءا بمشروع سن قانون التهجير الجماعي لآلاف الفلسطينيين من الضفة وانتهاء بالاستيطان وتغيير هوية القدس إلى إحكام الحصار على غزّة وانتهاء بجريمة القرصنة لأسطول المساعدات لغزّة. ما الذي ينتظره المنتظم الدولي لكي يبادر إلى لجم دولة إسرائيل المارقة؟ هناك ما يؤكد أن الغرب بعد طول أمد المقاومة للمحتل والصمود الطويل في وجه سياسات فرض الأمر الواقع لم يعد في مستطاع النظم الغربية في أوربا وأمريكا أن تخفي ما يحدث في المنطقة. فوتيرة الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط بالنسبة للشارع الأوربي والأمريكي تغيرت عما كانت عليه على الأقل قبل أن تعلن الولايات المتحدة الأمريكية عن قرار التدخل العسكري في أفغانستان والعراق إضافة إلى حرب تموز في جنوب لبنان وحرب غزة. لم يعد الرأي العام الأوربي والأمريكي بعد أن أدرك ما للعبة الحرب من تداعيات على اقتصادياته. ومع ذلك هناك حرص كبير من قبل حلفاء إسرائيل التقليديين على الوقوف ضد كل قرار يدين إسرائيل في كل حروبها ضد العرب. يكفي أن نتذكر ما حدث في مناقشة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف حينما حاول السفير الفرنسي المنتدب لتأجيل البث في تقرير غولدستون لمدة نصف ساعة طمعا في تحشيد أصوات معارضة من البيت الأوربي. ومع أن فرنسا كانت من بين ال 11 الممتنعين عن التصويت إلا أن الدور الفرنسي المنافق ما كان له أن يغامر على الأقل أمام الشارع الفرنسي الذي يغلي مجتمعه المدني ضد جرائم الحرب التي اقترفتها الآلة العسكرية الإسرائيلية ضد أهالي غزة ، لذا اختار عدم التصويت. والأمر نفسه بالنسبة لبريطانيا التي التزمت الموقف الفرنسي نفسه حتى لا تغامر بمصداقيتها التي تسعى في الآونة الأخير لترقيعها قدر المستطاع. أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد عارضت بطريقة تقليدية البث في التقرير المذكور يومها. وإذا كان من المفترض أن يشكل ذلك التقرير منعطفا هاما في مسار القضية الفلسطينية ، فإننا لا نتصور لحظة حرجة مثل هذه ، لا تلفت انتباه الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم نفسها لا عبا في عملية السلام وفي لحظة من حصول أوباما على جائزة نوبل للسلام. أجل ، فمن هنا يبدأ السلام في الشرق الأوسط على الطريقة الأمريكية ، التصويت ضد تقرير يقاضي إسرائيل على جرائم حرب كان ضحيتها أزيد من 1400 مدني في غزة. والاكتفاء بالتأسّف البارد حيال جريمة قرصنة مشهودة كان ضحيتها 19 قتلى وعشرات الجرحى بين عسكر ومدنيين في مياه دولية. ولا زال الغباء سيد الموقف. فالسؤال الذي لا يزال محيرا : ماذا كان يتوقع رئيس السلطة الفلسطينية ومن أشار إليه بتأجيل البت يومها في تقرير غولدستون في الاجتماع الأممي الأخير من الرأي العام العربي والعالمي؟
وبالتأكيد ما يفسر أن أبا مازن لم يكن قد تلقى تلك الإشارة من أي طرف عربي ، هو هذا الصمت المطبق الذي أحاط بمبادرته. لو كان الأمر محض مشورة عربية لألقى بها أبو مازن على رأس النظام العربي. الأمر في تمام الوضوح. هناك صفقة رخيصة بين إسرائيل التي فقدت إمكانيتها في صد ذلك التقرير المذكور حتى على سبيل تهديد القاضي غولدستون بالتصفية. وبين سلطة هشة لم تعد تملك أي ورقة بعد أن باتت فاقدة للشرعية في الداخل وتستجديها من الخارج. ولأن إسرائيل لم يعد أمامها من الوقت ولا من إمكانية احتواء الموقف وفق أصوله السياسية التكتيكية، ما كان أمامها سوى أن تأمر محمود عباس أمرا لا يهمها عواقبه على السلطة الفلسطينية. إنها الخطوة الأخيرة العارية من السياسة. وجد محمود عباس نفسه في مأزق وتنكر إسرائيلي وأمريكي. لم يعد أمام السلطة في رام الله بعد أن ظهرت بمظهر الخائن للدم الفلسطيني أمام شعب لا يزال يطالب بالعدالة والإنصاف ، استدركت السلطة متابعة الموضوع بعد أن فقد حرارته الأولى وبعد أن خيبوا أمل صاحب التقرير وضربوا بجهده عرض الحائط. وقد عاد بعد ذلك تقرير غولدستون من حيث بدأ. وبعد أن تم التصويت عليه في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بنسبة 25 صوت مؤيد مقابل 6 أصوات، كان لا زال هناك شيء من القوة التي يؤمنها القصور الذاتي للتقرير المذكور ليوضع بموجب هذا التصويت أمام مجلس الأمن الدولي. وهنا لا شك أننا أمام حالة استدراكية لا زالت تحتفظ بأهميتها على مستوى إدانة إسرائيل بارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية أثناء عدوانها على غزة. في هذه الأثناء بدت إسرائيل أمام خيارات كثيرة ستجبرها على التملص من هذا التقرير بافتعال حرب جديدة واستدراج أمريكا لها. وهذا ما عجزت عنه حتى الآن ، لأن الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة عن المضي في إقراراتها للدولة الصهيونية. وليس من مخرج سوى بإعادة تذكير العالم بالأزلية الصهيونية حول إسرائيل الضحية. كان تقرير غولدستون منعطفا حاسما لما كانت الإدانة لإسرائيل هذه المرة يتزعمها قاضي يهودي من جنوب افريقا؛ تحييد تلقائي لتهمة معاداة السامية والميز العنصري. منذ ذلك التاريخ وإسرائيل المدانة تخسر الرأي العام الغربي نفسه الذي أظهر من خلال التصويت لتقرير غولدستون أنه بدأ يتحرر من شبح الأيديولوجيا الصهيونية المتحكمة في صناعة القرار والمتغلغلة في الثقافة السياسية والحقوقية للمؤسسات الدولية. غولدستون هو نفسه يؤكد على تفاجئه بانتدابه لهذه المهمة. وقد بدا واضحا أيضا أن أحداث أسطول الحرية سيعيدنا إلى تقرير غولدستون وما قبله وإلى تاريخ صهيوني حافل بالدم في المنطقة.
النفاق الدولي
من سوء حظ أوباما أنه غارق حتى الركبتين في مآوق أمريكية محض. ففضلا عن العراق وأفغانستان والملف النووي الإيراني والمسألة الكورية والتلوث البيئي الذي يهدد السواحل الأمريكية ومآزق المؤسسات المصرفية الأمريكية ومستقبل الانتخابات الخاصة بالكونغريس ، يجد نفسه منشغلا عن الرضوخ إلى البكائيات الإسرائيلية كاملة. فإسرائيل هي اليوم تنط من حظ عاثر إلى آخر أعثر منه. وكذلك حليفها التقليدي. وقد أكدت الاستراتيجية الجديدة الأمريكية على أن الموقف الأمريكي يجب أن يتغير. هناك لا عبون كبار يجب أن نتقاسم معهم المصلحة بكثير من التنازل والتوافق. ولعله من سوء حظ الإثنين معا أنهما كانا على وشك لقاء قبل أن يقطع نيتينياعو رحلته على إثر أحداث أسطول الحرية. ولم يكن من المنتظر أن تعبر أمريكا عن أكثر من الأسف. هناك شيك أبيض أمضته الولايات المتحدة الأمريكة على كل جرائم إسرائيل في المنطقة. يجد أوباما نفسه اليوم في حرج أكثر من أي وقت مضى. فإسرائيل تطلب من الولايات المتحدة الأمريكية ما لا يستطيع المجازفة به حتى حلفاؤها المغامرون داخل الولايات المتحدة. وربما قد يتعرض أوباما لبعض المزايدات من خصومه الجمهوريين؛ فلن يكون ذلك سوى لعبة تتعلق بالانتخابات. لكن المؤسسة الأمريكية اليوم عاجزة عن أن تلبّي كل طموحات ومطالب إسرائيل بما فيها المغامرة بتسديد ضربة ضد إيران أو معاودة الكرة في لبنان. ولكن ما مصير إسرائيل بعد أن فقدت هيبتها أمام جيل جديد في منطقة لم تنس يوما أن فلسطين هي أرض تم اغتصابها من قبل عصابات صهيونية وبمباركة من بريطانيا ودعم لا محدود اليوم من أمريكا. ربما لا زالت الولايات المتحدة الأمريكية تجهل الكثير عن سيكولوجيا هذه المنطقة. وتعتقد أن مشكلتها مع العرب والمسلمين ستنتهي بمجرد أن يغادروا العراق وأفغانستان؛ فإن كان هذا جزء أساسي من الكراهية ضد أمريكا، فإن هذه الكراهية لن تتوقف ما لم توقف أمريكا دعمها اللامشروط لإسرائيل وتكف عن التحيز لسياساتها. ففي كل جرائم إسرائيل لم نقف على إدانة أمريكية حقيقية. فأما الإدارة الأمريكية اليوم فقد أكلت القطة لسانها ، مع أن الوضع يتعلق برسالة أسطول الحرية ؛ الرسالة التي كان من المفترض أن تستثير الخطابات الرومانسية لأوباما الذي يحسن الحديث عن الحرية والإنسانية في المناسبات فقط ، وبالثرثرة لا بالمواقف. أما الدول الغربية فهي تسعى للملمت الوضع بأي طريق اتفق. ففي الحد الأقصى يمكن أن نستمع إلى استياء هذه الجهة وشجب من تلك الجهة ولكن لا شيء غير الثرثرة الأوربية حينما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. قبل فترة كتب آلان غريش فاضحا هذه السياسة بكثير من الصراحة. فقد وصف مواقف ليبرمان بالعنصرية. لكن هذه المواقف كانت ستدان على أنها فاشية وعنصرية فقط لو لم يكن هذا الأخير إسرائيليا ، أي لو كان إيطاليا أو نمساويا. وقد لخّص غريش الوضعية في فرنسا بالإشارة إلى أن "إدانة إسرائيل" عبارة غير موجودة في قاموس الرئيس ساركوزي. في المؤتمر الصحفي الذي عقده أيهود باراك وزير الدفاع الصهيوني بمعية قائد هيئة أركان الجيش وقائد القواة البحرية على إثر الحادثة المشؤومة، تحدث عن أن الأمر يتعلق برد فعل ضد العنف الذي مارسه ركاب السفينة. أن أن المعتدي هم المدنيون الذي يشرفون على مهمة إنسانية وليس العسكر الإسرائيلي الذي قام بإنزال مسلح فوق السفينة. لا تحتاج إسرائيل إلاّ أن تتكلم، لأنه لا يطلب منها تفسير منطقي يقنع الرأي العام الدولي. نفهم إن كانت إسرائيل لا تعترف بوجود مقاومين لسياساتها أو كما عبّر مرة جان بول شانيولو بأنه لم يسبق لقوة محتلة أن اعترفت يوما لأعدائها بصفة المقاومين سواء في الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي أو في جنوب أفريقيا خلال نظام التمييز العنصري، فلطالما كان العدو فقط إرهابيا ؛ ولكن كيف نفهم تواطؤ النظام الغربي مع هذه الكليشيهة الصهيونية؟ هل يتعلق الأمر بحادثة أم بتدبير مبيت لقمع أي محاولة دولية لفك الحصار. إسرائيل اليوم تتحدى العالم أو بالأحرى تتحدى الرأي العام العالمي لأنها مدعومة حتى النخاع من المنتظم الدولي والقوى العظمى. يتحدث جون بول شانيولو عن أن "اعتبار الآخر إرهابيا يعدل أيضا قواعد اللعبة . فبما أن المسالة تقضي بمحاربة هذا النوع من الأعداء ، يصبح كل شيء مسموحا لان قوانين الحرب لم تعد تطبق...ومن هنا لا يعود مهما إن كانت المعارك توقع العديد من الضحايا في صفوف المدنيين". هذا تحديدا ما تقوم به إسرائيل اليوم. الإرهاب يبرر حجم الفتك بالمدنيين. بل يبدو أن إسرائيل ممتعضة من التغيير الذي بدأت تضطر إليه الولايات المتحدة والذي يطال معجم الحقبة البوشية مثل : الجهاد الإسلامي والإرهاب الإسلامي وغيرها من المصطلحات التي راقت إسرائيل وخدمت أجندتها في خلط الأوراق وحجب القضية الفلسطينية عن العالم. لقد أدرك أمثال جون بول شانيولو بأنه في الوقت الذي لم يعد أي بلد عربي يهدد وجود دولتهم يلجأ السياسيون والعسكريون الإسرائيليون أكثر فأكثر إلى العنف. العنف الإسرائيلي إذن لا يقاوم بعجز المعنيين بالأمر عن فرض عقوبات على إسرائيل وإكراهها على القرارات الأممية ولو في الحد الأدنى. إن أسطول الحرية اليوم لا يفك الحصار عن غزّة فحسب، بل هو يفك الحصار عن القضية الفلسطينية ويرفعها إلى قضايا تهم الرأي العام العالمي. وهي في كل حال تحرج الدول العربية، وبالتحديد العجوز المصري الذي لا يزال يحاصر شعبين: المصري والفلسطيني على السواء. فهل يكفي مصر شجبها لأحداث أسطول الحرية أم مطلوب من أكبر دولة عربية على حدود غزّة، نفض اليد من كل اتفاق بيني فوق الطاولة أو تحتها . بالأمس سعى النظام المصري لإلهاء الشعب المصري عن التحضيرات الدقيقة لسياسة إحكام الحصار على غزّة بجدار فولاذي ، بافتعال صراع كروي زعراني بين الفريقين الشقيقين: المصري والجزائري. ويومها بلغ العناد السياسوي عنان السماء. لكن القطة اليوم أكلت لسانه أيضا تجاه ما يجري على شواطئ فلسطين المحتلة. قد نغفر للجزائر زلتها الكروية حينما نجد من بين أسطول الحرية سفينة تحمل علمها تخوض في معركة فك الحصار عن غزّة ، لكن أليست تلك هي أفضل إصابة في المرمى المصري اليوم ؛ حيث لم يعد في جعبة القاهرة سوى أحجيات خطاب مهزوم تجاوزته المنطقة. وهل تحسن مصر اليوم أكثر من محاكمة حاملي المساعدات عبر الأنفاق إلى غزّة أو تعميق الجدار الفولاذي العازل: ناطور عملاق على باب دولة مارقة. قد يكون من مصلحة القضية الفلسطينية أن تخرج عن سجن التعريب والأسلمة إلى المدى الدولي الأوسع . فهذا ليس جديدا يجب أن نستقبله كمعطى ، بل هو نتيجة كفاح خاضه الفلسطينيون واليوم يقطفون ثماره الواحدة تلو الأخرى ، حيث الأهم ما في ذلك كله ، أن يقلب الطاولة على خطاب التيئيس من المقاومة الفلسطينية باعتبارها لم تقدم شيئا: أسطول الحرية هو أكبر دليل على أن الرابح هو الممانعة وليس الاعتدال بمعناه الملتبس.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.