سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    ميارة يجري مباحثات مع رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    إسبانيا تُطارد مغربيا متهما في جريمة قتل ضابطين بالحرس المدني    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    احتفاء بموظفي مؤسسة السجن في أزيلال    الزمالك المصري يتلقى ضربة قوية قبل مواجهة نهضة بركان    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    المديرية العامة للأمن الوطني تنظم ندوة حول "مكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي"    الإيسيسكو تحتضن ندوة ثقافية حول مكانة المرأة في الحضارة اليمنية    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي        المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا قال الويكيليكس آنفا؟!
نشر في هسبريس يوم 07 - 12 - 2010

تسريبات الويكي و لعبة التشغيب الأمريكية
لاشيء يوحي بالفراغ. كم هو مؤسف أننا ننسى دائما أن العلاقات الدولية هي مسرح أمثل للعبة الأمم ؛ مسرح لا يقبل الفراغ اللّعبي مطلقا. المسألة هنا ليست مجازا. بل هي قضية توازن دولي قائم على المنافسة والصراع. إن الفراغ هنا قاتل ، وهو مؤشر على نهاية حقيقية للنظام الدولي . يتمّ ملأ هذا الفراغ في الغالب بألعاب شبه منطقية في تمظهرها الخارجي و العام ، لكن في كثير من الأحيان حينما تفقد اللعبة هذا الحس المنطقي الخادع ، فهي إذن النهاية الوشيكة. تنتهي النظم الدولية حينما تفقد آخر إمكانية من إمكانيات الخداع المنطقي. ثمة على طول الخط لاعبون في انتظار فراغ الملعب. وبالمقابل دائما هناك من يدرك خطر الفراغ ، الذي لا يمكن مواجهته إلاّ من خلال لعبة أخرى لا تقلّ عن كل ألعاب العلاقات الدولية؛ إنها لعبة الإلهاء الكبرى. ففي لحظات الانكسار والضعف تحتاج الدول الكبرى إلى خلق بعض الملهيات في انتظار استعادة قدرتها على السيطرة. عادة ما يحدث ذلك حينما تأخذ الدول المستهدفة في تقوية جبهتها الداخلية أو تمسك بأوراق قوية أو تتشكل ضمن أحلاف جديدة. أتقنت الولايات المتحدة الأمريكية اللعبة وأصّلت في طريقها قواعد ونظريات بلغت ذروة المهارة والخبث السياسي والاستراتيجي. تقتضي نظرية الألعاب أن لا يتم التفريط في إنش واحد من محصول المصالح الممكنة حتى مع بروز مظاهر الهزيمة. نتحدث عن حكاية المنشار الذي يقضم من الخشب المقدار نفسه، صعودا ونزولا. وعلينا استحضار سياسة المنشار هذه عند تناولنا للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. إن هذه الأخيرة لا تتعاطى مع ملف الشرق الأوسط كالتزام أخلاقي تجاه الكيان الإسرائيلي ، بل تتأمل مصالحها الحيوية ضمن هذا النزاع الذي لا تملك فيه إدارة أوباما أي تصور حقيقي ما عدا ما يبدو من وعود مخملية، كتلك التي تتعلق بالضمانات التي منحتها الإدارة الأمريكية لحكومة نتينياهو مقابل الوقف المؤقت للاستيطان والقبول بمفاوضات معروفة النتائج سلفا ؛ لا سيما حينما ندرك أن إسرائيل غير معنية بالحل التام لمشكلتها بل هي معنية بتدبير ملف صراع مفتوح مع العالم العربي والإسلامي ، لأنها وكما أكدنا مرارا حتى قبل صدور فيلم (عام 2048) لكاتبه ه ومخرجه يارون كفتوري ، بأن إسرائيل ستزول ليس على أساس الشعارات والانفعالات التي أصدرها العرب ثم سرعان ما نسوها لمجرد أن ملأت إسرائيل دنياهم بالبارود ، بل إن سقوط إسرائيل هو حتمية يسببها النشاز التاريخي والجغرافي. لا يوجد حلّ حقيقي على مسار التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل، لا لأن إسرائيل ترفض التسوية، بل لأن التسوية بدت مستحيلة ولا بد من الاستمرار على إدارة الأزمة؛ فلا يوجد خيار آخر. فالزمن كفيل بوضع تناقضات إسرائيل الداخلية على المحك والتعجيل بتفجر جبهتها الداخلية. لن تموت إسرائيل بالبواريد العربية بل ستموت انتحارا. وهذا رهين باستمرار المقاومة وعدم التطبيع . إن قدر البواريد العربية أن تعجل بالانتحار الإسرائيلي لا أن تقذف بهم في البحر إلا أن يكون ذلك من باب الانتحار الجماعي عكس ما تقوم به الدلافين بإلقاء نفسها خارج البحر . ويبدو أن إسرائيل وحدها تدرك النوايا الأمريكية وتستوعب قانون اللعبة. بالمقابل كانت الولايات المتحدة التي باتت على وشك التخلي عن منطق الضربة العسكرية لإيران، تبحث في إمكانيات الخروج بأي قدر من المصلحة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية في أفق التلويح بالحرب في المنطقة وسياسة التضخيم من الخطر الإيراني على دول الخليج. هذه المرة يكون أوباما قد حقق انتصارا سيذكره له التاريخ متى تمكن من إنقاذ الاقتصاد الأمريكي الذي يتهاوى بصورة دراماتيكية بأكبر صفقة سلاح في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ، للمملكة العربية السعودية بكلفة تفوق 60 مليار دولار. ستنعش هذه الصفقة التجارية ، الاقتصاد الأمريكي. لكنها لن تغير من وضع المنطقة ولا من وضع الاقتصاد الأمريكي باتجاه استعادة رياديته التقليدية. فإسرائيل هي أول المعنيين بعدم فعالية هذا السلاح من الناحية الإستراتيجية لأنها تدرك أن لا شيء من هذا السلاح يتوجه يوما إلى إسرائيل وفق ضمانات دقيقة من الولايات المتحدة الأمريكية. وستفسد تلك الأسلحة في مخازن المملكة قبل أن يحدث أي تهديد لها من قبل إيران ، لسبب بسيط، هو أن إيران لا تشكل تهديدا حقيقيا لدول الخليج بقدر ما تشكل مصدر قلق للكيان الإسرائيلي. يتعلق الأمر بذهان بلغ حدّ المرض. وهذا ما يجعل العرب يفوتون عليهم الكثير من المصالح في انتظار إيران أقوى من ذي قبل. استطاع أخيرا اوباما أن يقنع صناع القرار في المملكة بعقد صفقة عملاقة، بناء على سيناريو لا أعتقد أن قيادة المملكة يخفى عليها أن الأمر هنا يتعلق بعملية إنقاذ الوضع الاقتصادي الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية وليس بخطر إيراني . ومن هنا لا تعدو أن تكون تلك مجرد رشوة مقنعة لتخفيف الوطأة على الرياض. يجب إذن قراءة هذا الضوضاء في سياق الفشل والعجز المطبق للولايات المتحدة الأمريكية في مواصلة السيطرة على الوضع في الشرق الأوسط وكثير من النقاط الحساسة في العالم. يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تخلق لها منسوبا عاليا من الضوضاء والشغب لكي تبرر خروجها غير المشرف من نقاط التوتر التي أثارتها في فترة رئاسة بوش ، هذا الأخير الذي صبّ المشاريع الأمريكية التقليدية صبا فوق الرؤوس ، بمنطق المقامرة والأمل الأمريكي : إما الربح والتمكن أو الخسارة والهروب الكبير؛ نحن إذن في مرحلة الهروب الأمريكي الكبير. الأمريكيون مقامرون مثاليون يعرفون كيف يستوعبون الخسارة بواسطة التشغيب. فصل من فصول هذا التشغيب جرى ويجري في العراق. فلقد اتضح بعد هذه الفترة الطويلة من الانتظار لتشكيل الحكومة العراقية أن أمريكا فقدت (سيطرتها التامة) على العراق. وبأن التعاليم البريطانية للقيادة الأمريكية لم تنفع هذه الأخيرة في العراق. فالبريطانيون أنفسهم خرجوا يوما من العراق ولم يفهموا شيئا. لقد أظهر الأمريكيون للشعب العراقي شيئا واستبطنوا شيئا آخر. وكان حال الحكمة أن إذا أظهروا فاظهر وإن أبطنوا فابطن. يبدو ذلك حال العراق مع المحتل. وخلافا لكثير من العرب ، أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن العراق خرج عن السيطرة. وبأن المؤشرات بدأت تتجه خارج الأجندة التي رسمتها للعراق حتى قبل أن تنسحب من العراق. فالحاجة إلى إعادة بعث الفوضى الخلاقة في العراق باتت مطلبا أمريكيا بالغ الإلحاح. كما أن فصلا من فصول التشغيب يتعلق بالمحكمة الدولية بلبنان التي أخذت منعطفا مختلفا يؤذن بزعزعة الاستقرار في لبنان والأمر نفسه في أفغانستان واليمن والسودان وما شابه وصولا إلى منتهى التشغيب الأمريكي بعد لعبة تسريبات الويكي.
الويكيليكس كمؤشر على التحول
ما يقع اليوم من فوضى التسريبات التي يقودها موقع ويكيليكس ، والتي جاءت في سياق حساس من محاولات تشكيل الحكومة العراقية ، يوحي بالكثير من التساؤلات. يتبادر منها للوهلة الأولى أننا أمام فصل جديد من لعبة لا يمكن لمن أدرك كل الضربات الممكنة في لعبة الأمم، أن يتقبلها، على الأقل، من دون حذر. أعتقد أننا نعيش لحظة تحول كبرى في الوضع الأمريكي بموجبه ستتحول أمريكا من دولة إمبراطورية إلى دولة غربية عادية عاجزة عن السيطرة والاستقطاب. تحتاج واشنطن في هذا الهروب الكبير أن تحمي ظهرها، لأن التحول من إمبراطورية إلى دولة عادية ليس أمرا خاليا من مخاطر الانهيار، فضلا عن أنه ملهم لحس الانتقام. وحتى تبلغ الولايات المتحدة الأمريكية برّ الأمان من دون إزعاج أو ملاحقات وضغوط وإلى حدود استقرار هذا الوضع الذي يبدو أنه يتحرك في هدوء خادع وكتمان كبير ، نحن على عتبة تحول كوسموبوليتيكي تلعب فيه عناصر الاستشراف والتخطيط بعيد المدى دورا بارزا ، حتى أننا لا نكاد نراه رأي العين في زحمة الإلهاء الكوني الذي يدخل العالم في نوع من التفكير الصغير. لقد عودتنا الولايات المتحدة الأكثر تمرسا على لعبة الأمم، أنها حينما تقدم على خطط كبرى فهي تحسن فعل التمويه والإلهاء وتقديم خسائر كبرى ، لأنها تجيد فن المقامرة. الرأسمالي والقرصان والمغامر والمقامر هي خصائص ووجوه تؤثث للشخصية الأمريكية ، وتبدو السياسة في الولاية المتحدة الأمريكية كذلك لا تمثل الاستثناء. ليس بالضرورة أن يكون المستر جوليان أسانج متورطا في لعبة أمم ؛ لكن لا شيء يؤكد على أن هذا الشخص المجهول الذي طلع علينا مثل حكاية هوليودية ، يملك إمكانات عدم الانقياد لعملية التحكم عن بعد. يكمن التحكم في طبيعة المعلومة ومصادرها التي تبدو حتى الآن مجهولة كجهلنا بوسائل نقذ هذا الحشو من الأخبار الذي يتوجه بعضها لزعزعة الاستقرار في كثير من الدول غير المرغوب فيها أمريكيا. ماذا يهم الولايات المتحدة الأمريكية وهي تتجه اليوم في هروبها الكبير لتحمي حدودها الطبيعية وتخرج من مرحلة التدخل ، بعد أن استهلكت كل ما لدى حلفائها من تعاون بما فيه التعاون الاستخباراتي؟!
اندكت المسافة التي باتت تفصل بين الحوادث الجارية على المسرح الدولي وبين تلك التي تجري وقائعها في خيال صناع الدراما الهوليودية. ذات صباح يطلع علينا شخص مغمور من الديار الاسترالية ، وبكل برودة قلب يفتح صندوق باندورا؛ إنه السيد جوليان أسانج صاحب الموقع الكبير الذي ملأ صيته الدنيا وشغل الناس. حيث سقط سهوا بين يديه ما يقارب المليون وثيقة من داخل الخارجية الأمريكية. ثم اختار موقع ويكيليكس خمسة جهات للتعاطي مع وثائقه. راعى في هذا الاختيار موقع هذه القنوات الإعلامية ونفوذها الإعلامي في الجهات الخمس من العالم ، كما راعى تعطشها للإثارة وجرأتها على التعاطي مع الأخبار المزلزلة وكذا الإصرار على تبني السبق الصحفي مثل نيوويرك تايمز والغارديان البريطانية و لوموند ديبلوماتيك وقناة الجزيرة ودير شبيغل . ولكي تكتمل فصول الحكاية و مادام أن اختيار النكرات والمغمورين في اللعبة الكبرى أساسي للاستزادة من الالتباس، سنتحدث وبقليل حتى من العناية لا يهم أن تكشف تفاصيل اللعبة بعد عقد من الزمان عن الضابط الصغير و المغمور ابن 23 سنة ، المدعو برادلي مانينغ ، المسؤول المباشر عن التسريبات. لعبة أخرى، لكنها أقل مهارة وإقناع من إخراج حوادث 11 سبتمبر التي وللأسف لم تحدثنا عنها تسريبات ويكيليكس ، فيما العالم كله ينتظر ذلك بشغف ، وإن كان شطر من هذه الخفايا والأسرار بلغتها الصحافة عبر التحليل؟! كانت أضرار ال 11 سبتمبر كبيرة على الولايات المتحدة مثلما هي اليوم تسريبات ويكيليكس؛ هنا فقط تصبح المقارنة التي أطلقها برلوسكوني صحيحة ، بين ويكيليكس وأحداث ال 11 سبتمبر ، متى اعتبرنا أننا أمام لعبة بإخراج ملتبس. فاللعبة الأمريكية تحتمل الكثير من التضحية بنسبة من مصالحها ، حينما يتعلق الأمر باستراتيجيا أكبر. وجب أن تقدم بعض التعليلات التي يجب أن تسبق أي إنجاز خيالي يراد له أن يصبح حقيقة يصدق بها الناس. لا نتحدث هنا عن مدى صدق أو كذب تلك التسريبات ، بل يتعلق الأمر بالأهداف البعيدة التي تتحرك بالموازاة مع هذه التسريبات. ضخامة الحدث والعجز الممسرح لواشنطن في أن تنقذ نفسها من هدير التسريبات يجعل من مهمة هضم هذه الحكاية أمرا عسيرا. أي باطل هو ذلك التي يختفي وراء حمى التسريبات التي تبدوا لنا كثيفة وبالأطنان .. لكن أي العقول تلك التي تملك القدرة على التصرف في ترتيبها حسب منطق الزمان والمكان؟! هل نحن بالفعل أمام تسريب بالجملة أم أمام تسريب بالتقسيط يجب أن لا يمنعنا من رؤيته تضخم الوثائق. لقد هدد السيد أسانج بتسريب كافة الوثائق إن هو تعرض لأي إجراء قضائي ، ما يؤكد أن ما يسرب حتى الآن تم تسريب 250 ألف وثيقة مبني على توازنات وسياسات. الكل يخشى اليوم من حكاية ويكيليكس كما لو كنا أمام الشيخ حسني في رائعة الكيت كات للمخرج داوود عبد السيد عن رواية "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان . في ذلك المشهد الذي يفضح فيه الشيخ الأعمى القريب والبعيد، عبر مكبر الصوت؛ ليس على الأعمى حرج. الكل يبدي تخوفه واستياءه بدءا من المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس الذي عبر في بيانه في بيان "ليكن واضحا أن هذه المعلومات تعرض للخطر دبلوماسيينا والعاملين في أجهزة الاستخبارات والأناس في العالم اجمع الذين يطلبون من الولايات المتحدة مساعدتهم لنشر الديموقراطية" ، مرورا بكثير من المسؤولين العرب الذين وضعتهم تسريبات ويكيليكس في حالة مزرية من العمالة والوشاية والتآمر والهشاشة والضعف ، وبالأوربيين الذين كشفت عن جوانب من تفاهة ورعونة مسؤوليهم وحتى منظمات حقوق الإنسان لم تنج من هذا التخوف من أن تبسط ويكيليكس أسماء من تعاطى مع الدبلوماسيين الأمريكيين ومخابراتهم عن أوضاع بلدانهم. لنفرقع الرمانة ؛ هذا ما تحاوله ويكيليكس. لكن ما قدم حتى الآن من تعليلات عن سبب قيام مسؤوليه عن هذا التسريب وحيثياته، يثير بعض التساؤلات. واحدة من عشرات التساؤلات تتعلق بطبيعة التوقيت والانتقاء في نشر الوثائق المسربة. كما أن التسريبات تمت عبر نظام (سيبرنيت) الذي يخضع لشروط دقيقة تجعل من عملية نقل كل هذا الكم الهائل من الوثائق أمر مستحيلا ، بالإضافة إلى أن نوع هذه الوثائق ليس فقط أنه لا يخول لشخص مثل الضابط المزعوم أن يطلع عليه ويقوم بتحليله بمفرده بل الأمر من شأنه أن يثير ريبة كبيرة في أوساط العاملين داخل مجال حساس ، لا سيما وأن المعلومات تغطي مجالا دوليا ، مما يعني أن الأمر لا يمكن استيعابه حتى داخل دولة تغيب فيها الرقابة نهائيا. وإذا كانت الخارجية الأمريكية في شخص مسؤوليها سيظهرون في وضعية بشعة تجاه حلفائهم ، فهذا لا يهم الأمريكيين الذين يعتبرون الدبلوماسية وإظهار البلاهة مهارة وحتى الابتسامة جزءا من وظيفة سياسية ، يكفي أن تتغير وجوه أولئك الدبلوماسيين لكي ينسى حلفاء واشنطن تلك الإهانات ، لا سيما وهم يدركون أن هذه التسريبات ستجعل الكراهية لشعوب المنطقة ضد نظمها، فهذا النوع من الفوضى يغري واشنطن في سياق يبدو فيه التاريخ يتحرك باتجاه الإجماع على تجريم الإدارة الأمريكية. لكن هذا لا يعني أن واشنطن التي تدرك ضعف هذه الكيانات وعدم قدرتها على الاستغناء عن دعمها وحمايتها، سيتضرر حتما وضعها بهذه التسريبات. سيظل لجهازها الاستخباراتي حضور فعال في مناطق كثيرة . ستستمر القواعد على حالها، لكن ما يبدو جديدا هو أن الدولة الحاضنة للقواعد هي من سيصرف على عمل واستمرار هذه القواعد من خزينة الدولة المستقبلة. هذا فضلا عن أن بعض المعلومات المسربة هي قديمة ولا جرم أنها ستصبح في يوم من الأيام ضمن المفرج عنه من تلك الوثائق. بعض الوثائق لا أهمية لها في المستقبل ولا خطر منها اليوم لكن أهمية تسريبها يخدم الأجندة الأمريكية اليوم قبل غد، فلم التأخير إذن؟! إن أبرز ما ينتظر العالم حينما تهطل عليه آخر الوثائق المتبقية من أصل مليون وثيقة يلوح بتسريبها موقع ويكيليكس ، هو سؤال حول ما يتبقى من مصداقية للدبلوماسية وعموم السياسة الخارجية الأمريكية . إذ يبدو أن واشنطن لن تعبأ بأضرار التسريبات مثلما لم تتضرر بأي لعبة من الألاعيب التي حبكت لكي تثير الالتباس في كل المحطات التي يضيق فيها الخناق على الولايات المتحدة. إنها لعبة الورق، بعد نهاية كل مرحلة لا بد من إعادة بعثرة الأوراق من جديد. وما دمنا حتى الآن لا نقرأ حجم الأضرار بحجم المصالح الإستراتيجية من وراء أي حدث قد يكون خاضعا للعبة كبرى ، فلن نفهم أي شيء . فقد بات واضحا عجز الولايات المتحدة الأمريكية عن استرجاع مصداقيتها التي لم تحقق رئاسة اوباما أي جديد لصالحها ، حيث تم انتخاب هذا الأخير لهذا الغرض. الحديث اليوم يتجه أبعد من مجرد خدش في مصداقية الخارجية الأمريكية المخدوشة سلفا ، بل يتعلق بمصير مقر الأمم المتحدة نفسه في دولة توجه دبلوماسييها للتجسس على الأعضاء الأمميين بمن فيهم بان كيمون. أي بات مقر الأمم المتحدة رهينة للولايات الأمريكية. فاختراق حرم الأمم المتحدة بالألاعيب القذرة للجاسوسية الأمريكية أمر يعزز هذا المطلب الدولي.
صندوق باندورا أم الفوضى الخلاقة؟!
يبدو لي أن مشروع الفوضى الخلاّقة لم يعرف نهايته عشية خسارة الجمهوريين رئاسة البيت الأبيض. لا يحتاج اليمين الأمريكي إلى البيت الأبيض لتمرير مشاريعه؛ ربما وجد في المعارضة والتموضع داخل الكونغريس وأنشطة اللوبي أفضل وسيلة للضغط على الحكومة وتمرير مشاريعه تحت الطاولة. هذه اللعبة تبدو اليوم في وضعها الأثير. أوباما الذي لا يزال يلاحقه حظه العاثر حتى أنه تلقى أكثر من 12 غرزة في شفتيه حينما سقط أرضا أثناء لعب كرة السلة، لا يحظى بوضع مريح ؛ يبدو أنها ليست تلك هي العثرة الوحيدة التي ستواجه اوباما في الأيام القادمة. لقد ساعد اختفاء الوجه القبيح لبوش عن المشهد في التقليل شيئا ما من الاحتقان ضد الإدارة الأمريكية على الأقل بالنسبة لبعض الأنظمة. نجح أوباما على الأقل في أن يوصف بالمنافق ، وهو أقل وصف من أن يتهم بسادية المجموعة البوشية. حينما اختفى جورج بوش الولد الذي لم يكبر ولن يكبر وتلك لعنة المجد الذي صنعه لنفسه بعد أبيه ، سعى إلى أن يزف مذكراته (نقاط اتخاذ القرار) التي جاءت عبارة عن إعادة تدوين ما كتبه حوله الصحافيون ، أو بالأحرى هي مذكرات مجموعة اليمين المتطرف ؛ التي سبقت الويكيليكس في اعترافات كثيرة. وكم كان العالم سيبدو مندهشا وهو يستمع إلى بوش فتى العصر يبكي حظه العاثر في العراق بعد أن اكتشف عدم وجود أسلحة دمار شامل وكيف أنه اعترف بتأييد تمديد حرب 2006 م العدوانية على لبنان للقضاء على حزب الله ، لكن بدون جدوى . ولا غرابة أن يكون الفصل البوشي أسوأ فصل في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والعالم ، وسيكون الأمر مدعاة للدهشة حينما ينخرط هذه المرة جورج بوش في كتابة التاريخ . هنا فقط يتمنى المرء لو أن التاريخ كتب لمرة واحدة فحسب. خرجت أمريكا عاجزة محبطة إذ لم تحقق كل مراميها في منطقة الشرق الأوسط. لا شك ومن منظور العلاقات الدولية يتطلع العالم حينما تخور قواه الدولية أن تتصدى الدولة الأقوى إلى قيادة العالم وبالتالي الهيمنة عليه؛ ليس المشهد الدولي مسرحا للحملان. وجدت أمريكا التي حاولت أن تتسلط على العالم عشية انهيار المعسكر الشرقي نفسها أمام حتمية الفشل. كان هينتنغتون قد نصحها بأن لا تفعل وأرشدها إلى بديل آخر أن تقوي الجبهة الغربية وتحمي مكتسباتها الحضارية. صحيح أنه مع هينتنغتون ما كان لأوباما أن يصل إلى البيت الأبيض؛ لأن هينتنغتون حريص على أن لا يتعرض مجد الغرب لاختراق الأطراف أو الثقافات غير الخالصة غربيا. لكن أمريكا اندفعت كالثور الهائج في فراغ بدا لها مغريا مشرقا ومغربا. جاء اوباما وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت في التراجع بصورة خجولة بعد إدراكها أنها إن استمرت في سياسة التدخّل العنيفة، فستتحطم أمام واقع فوضى جديدة لن يكون لها حظ السيطرة عليها. لم تعد أمريكا تملك رصيدا ماديا أو أخلاقيا أو سياسيا لمواصلة الهيمنة على العالم. جاء أوباما لينسي العالم فظاعات التدخل الأمريكي، فمنحوه الفرصة كاملة لاستعراض مهاراته الشعرية في فترة تعد بكل المقاييس فترة انتقالية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. أراد صناع القرار والاستراتيجيا الأمريكية الحقيقيين أن يدخلوا العالم في سكرة الرومانسية الأوبامية لربح بعض الوقت. لقد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن الارتهان إلى سياسة دولية تقوم على حماية الكيان الإسرائيلي بأي ثمن ، هي تهديد للأمن القومي الأمريكي. هذه المرة لن يكون مزحة أو لعبة أو حتى حادثة كتلك التي شهدهما برجي التجارة العالمية بنيويورك في الحادي عشر من سبتمبر ، بل إنه الانهيار الاقتصادي الوشيك الذي لم ينتظر كثيرا ولم تنفع معه كل المحاولات الترقيعية . إن المجد الأمريكي اليوم على حافة الهاوية. إننا عشنا يوميات انهيار الاتحاد السوفيتي ، لكن لا أحد سيتصور طريقة انهيار الإمبراطورية الأمريكية. فقد بدا واضحا أن ثمة ملعوب يجب أن نتوقف عنده ونحن نعيش هذه الأيام على صدى التسريبات الكبيرة لوثائق سرية تهدد الأمن القومي الأمريكي كما يحاول بعض المسؤولين بنية حسنة أو غير حسنة أن يقنعونا. يبدو أن المجاهيل الذين يقومون بهذا التسريب يعيشون على أعصابهم. بالتأكيد لا يتعلق الأمر بكرم في الشفافية ، ولا ثورة ضمير ، ولن نبالغ فنقول إن الأمر يتعلق باستباق للعبث بالمعلومات مبني على استشعار سقوط وشيك للإمبراطورية الأمريكية كما تحدثنا بعض المحاولات التي فاقت أن تكون شاذة ؛ بل قد يبدو ذلك شوطا متقدما من اللعبة في بلد ابتكر فن اللعب بالمسارات والأوراق والمصائر والحقائق. يسعى ويكيليكس إلى الفوضى الخلاقة على طريقة أخرى أكثر ذكاء من فوضى كوندوليزا رايس التي دفنت في معارك الجنوب اللبناني. إنها فوضى المعلومات في عصر تلعب فيه المعلومة أخطر الأدوار في المعاملات السياسية الدولية. إنها إذن دفعة جديدة من الإلهاء الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية التي يشغلها اليوم شيء يقض مضجعها : الاقتصاد الأمريكي ، والريادة الاقتصادية التي تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من الاستمرار كدولة عظمى وليس كدولة غربية عادية مثل فرنسا أو إيطاليا أو استراليا. إنها لعبة إلهاء الذي لم ينجح في تحقيقه شعر أوباما، لذا بات ممكنا الحديث عن العد العكسي لنهاية وصلة إشهارية في المشهد الأمريكي الجديد.
ماذا قالت وثائق ويكيليكس؟!
دعنا نفتح صندوق باندورا هذا لنقرأ ما فيه من وثائق . إنها تقارير وانطباعات ودردشات وكل شيء صادر من السفارات الأمريكية إلى الخارجية. وضعتنا ضجة التسريبات الأخيرة لموقع ويكيليكس أمام حيرة لا ندري هل نصدق أو نكذب هذا الكم الهائل من الوثائق التي جاد بها الموقع المذكور بكرم حاتمي. يجب أن لا ننسى أن الأمر لا يتعلق بالضرورة بمعلومات سرية دقيقة تقوم بها أجهزة الاستخبارات الأمريكية. هذه معلومات للتوظيف لا تهدد الأمن القومي الأمريكي. شيء لا بد من عدم إغفاله هنا ، يتعلق بقيمة هذه المعلومات. يبدو أن كثيرا منها يمثل نوعا من الانطباعات الشخصية التي يحملها بعض الدبلوماسيين والعملاء الكسالى الذي ينقلون تقاريرهم للولايات المتحدة ناقلين ما يتردد في الصحافة أو ما يتداول في الشارع بين الناس. وهذا الذي جعل الكثير من المعلومات التي سربها هذا الموقع لا تحمل جديدا ولا ما من شأنه أن يدهش المتابعين وحتى عوام الناس . إنها المعلومات التي تروج في قنوات الدبلوماسية الخاصة للولايات المتحدة الأمريكية . ما يؤكد على أن الدبلوماسية الأمريكية ليست مؤسسة مستقلة عن النشاط الاستخباراتي ، لا سيما وقد كشفت الوقائع الأخيرة أن بولسة السياسة الخارجية والداخلية الأمريكية أمر أثار ولا يزال يثير الكثير من الاحتقان الدولي والداخل الأمريكي. يجب إذن تأويل المعلومات الواردة في ويكيليكس والتمييز بين أنواعها حيث نجد:
معلومات تخبر عن تصريحات جرت عفويا ضمن أحاديث ودردشات خاصة. هل سيتعجب المرء من نميمة الدبلوماسيين؟!
معلومات تعكس انطباعات كتّاب التقارير.
معلومات تخبر عن أمور تحدثت عنها الصحافة المحلية أو راجت بين الناس.
معلومات مصدرها خصوم فريق أو منشقون عن دول ، ليس بالضرورة أن تصحّ.
معلومات وراءها جهات يهمها أن تحرض واشنطن على اتخاذ قرارات معينة، وتناور بالمعلومات الكاذبة.
معلومات صحيحة مائة بالمائة وذكية مائة بالمائة.
هناك ملاحظات على رؤساء أوربيين، ما يؤكد على أن مشكلة الولايات المتحدة مع بعض الدول الأوربية هي مشكلتها مع أشخاص رؤسائها. ومن هنا نتحدث عن سوء تدبير أو عدم أهلية بعض رؤساء الدول الأوربية لقيادة بلدانهم ولبعض الملفات. كل ما يشير إلى إسرائيل هو الحديث عن الخطر المحدق بها ليس إلاّ. أما العرب فهم منافقون متملقون ثرثارون من خلال قيمة المعلومات التي تحدثوا عنها والأسلوب الذي استعملوه في الوشاية سواء ضد إيران أو ضد بعضهم البعض. لا نكذب ولا نصدق. وهذا ليس موقفا عدميا ، بل المقصود ، التعاطي معها بمنهجية وتحليل ، لأنه يوجد بينها وثائق حقيقية يجب التعاطي معها بجدية كما يوجد بينها وثائق تفقد قيمتها الخبرية سواء على مستوى مضمون الخبر أو على مستوى السبق الإعلامي لأنها مما تعرف عليها المحللون في فترات سابقة على تسريبات ويكيليكس. وإلا فمن كان يغيب عليه موقف مصر والسلطة الفلسطينيين وبعض دول الخليج وغيرها. إن سياسة التقطير في التسريبات التي تتبعها ويكيليكس تؤكد على أن الأمر لا يخلو من تدبير. وثمة معلومات أخرى لا يمكن التصديق بها ، لأن أصحابها لم يواجهوها بقهقهات مثل تلك التي واجهها بها (النسوانجي) برلوسكوني حينما سمع بعض التوصيفات التي استعملها موقع ويكيليكس عن مسؤولين أوربيين هو من بينهم طبعا. وهذا ما سيتضح تباعا حينما نقرأ بعض الحقائق التي كشفت عنها تلك الوثائق المسربة بتصنيف يتعلق بالدول والزعماء المعنيين بتلك التسريبات، أي ماذا تقول ما بين السطور ، ما الذي لا تقوله ولكنها توحي به ، وما الذي تخفيه بعض المعلومات الخاطئة من معلوما صحيحة ، أي ما يؤكد أن بعض معلومات ويكيليكس يجب قراءتها بالمقلوب بوصفها تحيل على نقائضها. إذا قرأنا كل تلك الوثائق خارج السياق ومن دون نموذج تفسيري دقيق ، فلن نصل إلى شيء من ذلك سوى تعزيز الفوضى الخلاقة التي تنطلق في شكل فوضى والتباس في الوعي السياسي وتنتهي إلى فوضى خلاقة في واقعنا الموسوم بالاهتزاز والهشاشة والانفعالية:
أوربا في عين أمريكا
لا شيء من تلك الوثائق يهدد الدول والنظم الأوربية. هناك فقط وفي الحد الأقصى خسران موقع رئاسي في الانتخابات المقبلة. هذا يؤكد على أن الديمقراطية لا تسمح بأن يوجه النقد للمؤسسات ، بقدر ما يوجه لأشخاص. فالخوف من ويكيليكس بالنسبة للدول الأوربية هو خوف أشخاص لا خوف نظم. ومع ذلك نقرر بأنه لم نكن في حاجة إلى ويكيليكس كي نتعرف على موقف أمريكا من أوربا. إنه موقف تاريخي محكوم بكثير من وجوه الريبة ربما حجبته سنوات الحرب الباردة التي كادت أن تظهر الغرب حقا كجبهة واحدة خالية من التصدع. وتباشير هذا التصدع هو حتمية تقتضيها التناقضات الغربية نفسها. إن مساعي الكثير من الدول الأوربية والتفرد ببعض القرارات ووجهات النظر أمر يقلق واشنطن. فأمريكا تنظر لأوربا بوصفها الحاضن التاريخي لثقافتها. لكن وكما لمّح هينتنغتون يوما ، أن الكثير من الدول الغربية يفكرون بطريقة غير إستراتيجية من شأنها الإضرار بالجبهة الغربية. وإلاّ ما الذي يميّز الميول الأمريكية لساركوزي عن ديغولية جاك شيراك؟! ونساءل بالمناسبة : ما الذي يجعل سياسة التقطير في التسريبات الويكيليكسية تركز على بعض الزعماء الأوربيين الذين أظهروا الكثير من الضعف أو التملق للولايات المتحدة الأمريكية دون غيرهم ؟ هنا لا يتعلق الأمر بأخلاقيات الوفاء. لكن واشنطن تدرك أن أمثال ساركوزي إنما استغلوا الوضعية الأمريكية في بناء مجدهم الشخصي لا سيما الانتخابي . استعمل ساركوزي واشنطن الذي أظهر لها الكثير من الميول والاستعداد للانخراط في سياستها ، قنطرة للفوز في الانتخابات وإعادة الترشح. لقد اهتمت واشنطن بأصوله اليهودية كما تؤكد وثائق ويكيليكس ، وزاد عليها استعدادا كاملا ووعدا قاطعا بالارتهان للسياسة الأمريكية . ليس تعيينه لكوشنير لجنبة أصوله اليهودية إلا عربون وفاء كما نفهم من تلك التسريبات. أي بما يعني أن الأمر لا يقف عند أصوله اليهودية فحسب ، بل يتعلق الأمر بميوله الصهيونية. ولا يهم واشنطن أن تفضح ابن الغجرية، في المستقبل. لا سيما حينما يدرك كما أدرك الكثير من المحللين ، أن ساركوزي قضى على كبرياء فرنسا الديغولية ، ليرهنها في لعبة تملق شخصي للإدارة الأمريكية .
العرب بعيون أمريكية
ماذا لو فكّر مخرجو هوليوود في إخراج فيلم كامل عن العرب طبقا لتسريبات ويكيليكس؟ حتما لن نهجو هذه المرة السينما الأمريكية ولن نتحدث عن ميز عنصري!؟ لقد بدا العرب سيئي السمعة في وثائق ويكيليكي. ليس هذا انطباع الأمريكيين بل هو الانطباع الذي يخرج به أي قارئ لهذه التسريبات. إنهم مجرد كائنات ضعيفة ولا تتمتع بالأخلاق ولا الإحساس بسيادة الدول وكرامة الأمة. تحدثنا وثائق ويكيليكس عن لبنان الذي تنفضح فيه مفارقات العالم العربي ، بشيء ملفت للنظر. أي قارئ بإمكانه أن يستخلص من تلك التسريبات أننا أمام كيان سياسي تلعب فيه السفارة الأمريكية دور الرقيب والآمر و الناهي . وحيث أن لبنان على مفترق طرق لا يمسكه إلى خيط رفيع ، فإن ثمة أطرافا تعكس هذه الوضعية بشكل كامل. يلتمس وزير الدفاع من إسرائيل أن لا تقصف البنية التحتية للمسيحيين لأنهم مؤيدون لإسرائيل في حرب 2006م لولا أن بدأت إسرائيل في قصف جسورهم ، فيما يصدر قراره للقيادة العسكرية بعدم التدخل ضد إسرائيل في عدوان 2006م. شيء يوحي بأننا أمام القذارة السياسية و البؤس الأخلاقي. ماذا تبقى من سيادة هذه الدول ، وهل يفكر خصوم المقاومة اللبنانية بطريق لا يؤدي إلى انتهاك السيادة والاستقلال والكرامة من أوسع أبوابه؟!
وقد بلغت صورة العرب في وثائق ويكيليكس وضعا مزريا ، إلى حد تحريض واشنطن بالقيام بحرب مدمرة ضد إيران. يبدو أن العرب لا يخشون الحرب في المنطقة ولكنهم يخشون فقط أن يدفعوا ثمنها من كيانانتهم. ويفهم من هذه الوثائق أن هذه الدول مستعدة لتمويل أي حرب تخاض ضد إيران بالتأكيد. هكذا تتحدث ويكيليكس عن إشارة (للسعودية) إلى واشنطن بقطع رأس الأفعى(إيران). وحديث عن كراهية مبارك لطهران والتهديد بامتلاك القاهرة مشروعها النووي إذا ما سمحت أميركا لإيران بذلك. وهذا الربط الذي تحدثت عنه تلك الوثائق عجيب . فهم يعتبرون أن مصير النووي الإيراني مرتبط بقرار أمريكي يقضي حتما بالحرب ضد إيران. ومن ناحية أخرى لا أحد منهم تحدث عن المشروع النووي الإسرائيلي. يبدو أن وجود إسرائيل النووية التي خاضت حروبا كبرى ضد مصر لا يشكل محفزا موضوعيا لالتماس التوازن، بقدر ما يمثله المشروع النووي لإيران التي تبعد جغرافيا عن مصر ولا يمكن أن تحدث بينهما حرب. وهي المفارقة نفسها التي تجعل الكثير من دول الخليج العربي التي تربط مصيرها المهدد بتحقق مشروع إيران النووي؛ هذا مع أن إيران لا تحتاج إلى سلاح نووي لكي تحقق تفوقها العسكري على كل بلاد الخليج. تريد بلدان الخليج من إيران أن لا تكون عدوة ، لكن لا تريدها أن تكون صديقة . ألم يقل أحدهم ، حسب الوثائق : فقط أبعدوا عنا شركم. لذا لن يرضيهم وجود إيران قوية تسعى للتقدم العسكري والتكنولوجي. إن كل تقدم إيراني هو اعتداء على الخليج وكل مناورة إيرانية لحماية تقدمها هو كذب في نظر دول الخليج و مصر . بل لا زال هؤلاء يشترطون عليها الكثير من الاشتراطات تؤكد على أن دول الخليج تريد من إيران أن تثبت حسن نواياها بالتخلي عن مهامها في تنمية قدراتها الدفاعية والتنموية عموما. ومع أن إيران لم تعتد على أيّ دولة عربية، بل هي التي تعرضت لاعتداء وغزو من قبل العراق، إلا أن دولا في الخليج لا زالت تحرض ضد إيران. إذا كانت إيران تحدثت عن أنها ترفض إعطاء أهمية لتسريبات الويكيليكس ، فلأنها تبادر لكي تطمئن هذه الدول الواشية بها والمحرضة ضدها بأنها لن ترتب أثرا على هذه المعلومات. لا سيما حينما كشفت وثائق الويكيليكس عن الموقف الحقيقي لتلك الدول المتآمرة وعن نفاقها العارم بأنها لا ترفض الحرب ضد إيران ولكن على أن تكون بالوكالة عنها. ولكن هذه الدول التي عبرت بما يكفي عن هشاشتها ، واجهت حظا عاثرا ، لأن كل هذا التحريض لم يترجم إلى موقف. فواشنطن جربت من الحروب الخاسرة ما يكفي. بعض الدول العربية الأكثر حكمة من نظرائها أيدت مثل هذه الحرب لكن بعد وجود ضمانات كافية لحماية مصالحهم. بينما دول أخرى لا تقف عند مجرد رفض الحرب بل تعتبر أن أي تقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لن يكون ضد القضية الفلسطينية مثلا ، بل خطرا يهدد بانشقاقات داخل العالم العربي. لا توجد استراتيجيا عربية حقيقية ولا يوجد معنى لسياساتها. لا شيء من هذه النميمة العربية صدر ضد إسرائيل. فالعرب يعرفون كيف يراقبون أفواههم حتى لا يسيئوا إلى إسرائيل التي وحدها باتت لها حرمة عند بعض العرب، والتي بدت في وضع مريح جدا أمام هدير التسريبات التي جعلتهم حقا وكما يؤكد الإسرائيلي يفكرون مثلما تفكر إسرائيل.
وحتما إيران هي الشر
تحدثت الوثائق عن جملة من الأمور المتعلقة بإيران. بعضها مجرد انطباعات أو تحاليل صحفية أو معلومات تصدر من خصوم إيران والمنشقين. لكن الأهم ما في ذلك أنها تتحدث عما يؤكد مضي إيران في تقوية جبهتها العسكرية مثل حديث إحدى الوثائق عن توصل طهران بصاروخ من كوريا الشمالية يضرب في العمق الأوربي. من ناحية أخرى تحدثت بعض الأطراف العربية عن الخطر النووي الإيراني وبعضهم قلل من خطورته لأن استعماله ضد إسرائيل سيخلف أضرارا على الفلسطينيين وهذا لا يمكن أن تجازف به إيران. وفي كل ذلك لا يوجد ما هو جديد. لكن إيران لم تبدو في تسريبات الويكي ليكس دولة ضعيفة أو واشية أو متآمرة على شعبها أو على الجيران. وطبيعي أن تصدر كل تلك التسريبات عن إيران. فلقد كانت أكبر ضربة تلقتها أمريكا في المنطقة حتى الآن، من إيران. لقد قوضت هذه الأخيرة كل الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة وجعلتها بمثابة خدمة عوضت إيران كل خسارتها منذ قيام الحرب العراقية الإيرانية برعاية أمريكية ودعم من دول الخليج العربي. لم يعد ثمة أمل لدى الأمريكيين اليائسين من العراق. فأولئك الذين فضلوا خيار اللعبة السياسية على حمل السلاح من أطياف المعارضة العراقية، لم تجد فيهم الوفاء الذي طالما حلم به بوش وهو ينتظر من الشعب العراقي أن يستقبله كفاتح محرر بالزهور. وحدها أمريكا تدرك أن العراق فلت من بين أيديها بعد أن غرقت في مستنقع تناقضاته السياسية والاجتماعية. لنتذكر أن حكاية التسريبات في آخر الدفعات التي تم تسريبها من قبل ويكيليكس جاءت في لحظة يأس عارم من تطبيق إرادة الولاية المتحدة في مسألة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. بات واضحا أن صيرورة الأشياء تجري بخلاف ما تريد أمريكا وعرب الخليج في العراق. وبالتأكيد ما يجهله معظم هؤلاء أن إيران وسّعت من قدراتها الاستيعابية لتقبل بكل الاحتمالات الممكنة في العراق. فحتى لو جاء علاّوي إلى سدة الحكم، فلن يملك تنفيذ الأجندة الأمريكية. لأن العراق دخل دورة الحياة السياسية بخلاف كل ماضيه الديكتاتوري. لا أحد من الكتل العراقية سيسمح بالاستفراد بالقرار. رغم كل الصعوبات ، سوف يولد العراق من جديد من رماد الاحتلال. وقد تحدثت الوثائق عن دور ريادي لإيران داخل العراق ودعمها لأطراف معينة. وحيث لاشيء غير التهم عن دعم للقاعدة، فإن إيران لا تخفي دعمها للمقاومة العراقية ولا المقاومة العراقية تخفي ذلك . كما أنها لا تخفي دعمها للحكومة العراقية. لا يمكن الحديث عن خطر التدخل الايراني في العراقي وهو لا يزال تحت الاحتلال الفعلي للولايات المتحدة الامريكية . والذي يبدو واضحا أن كل البلاد العربية لها حصتها من التدخل في العراق ، غير أن تمكن إيران من الاستئثار بالدور الأكبر داخل العراق هو عامل يكشف عمق الروابط الثقافية والاجتماعية بين البلدين.
يبدو أن العرب لا يفكرون في مآلات الأمور ولا يقرؤون كامل الاحتمالات. لو افترضنا أن حلم الكثير من الدول العربية وفي مقدمتهم بلاد الخليج تحقق بسقوط النظام الإيراني، فهل فكروا لحظة واحدة ماذا بعد؟
لن ينسى الإيرانيون حينئذ، كقوميين ووطنيين، انحياز عرب الخليج وتحريضهم على خوض الحرب ضد بلادهم. هذه الحرب التي لا يمكن تصورها إلا مدمّرة ومبيدة لبلادهم. وسيبلغ الاحتقان وباعث الانتقام مبلغه. لا سيما وقد نسي العرب أن إسلامية الدول غير العربية هو وحده ضامن تقاربها . وهو ما حدث مع تركيا أيضا. بل سيكون أي تآمر عربي ضد إيران درسا لتركيا ، لأنها ستتذكر ماذا فعلت الخيانة بمصير الأتراك في مواجهة الإنجليز.
وحتما في غياب أي دولة قوية في المنطقة لن يسمح الأميركيون بوجود دولة عربية قوية ، لأن هذا الأمر يفتقد إلى إمكانيات ذاتية كبيرة لا سيما في غياب دولة عربية موحدة ، فضلا عن وجود إسرائيل التي لن تسمح بدولة عربية قوية كما قد تسمح بدولة إيرانية قوية معادية للعرب لكنها حليفة لإسرائيل. إن الرغبة الأمريكية والإسرائيلية في قيام دولة فارسية آرية قومية ، حل استراتيجي أثير لوضع العرب بين كماشة إسرائيل وإيران. إن نهاية مفترضة للنظام الإيراني معناه نهاية آخر حلم عربي بحل القضية الفلسطينية بل ونهاية آخر هامش للمناورات العربية ضد خيارات الاستسلام النهائي. فبالنسبة إلى إيران ، إما أن نقبل بها عمقا استراتيجيا للعرب أو عمقا استراتيجيا لإسرائيل. إن وقوع حرب من هذا القبيل ضد إيران يمنحها مبررا أقوى للاندفاع لامتلاك أسلحة دمار شامل. لا يمكن للغرب أن يحارب إيران إلا ليصنع منها حليفا له ولإسرائيل. فإذا تحقق هذا الحلم ، فلإيران أن تفعل بالخليج ما تشاء وفي وضح النهار. غير أن هذا التفكير الاستراتيجي لم يكن يوما له معنى لعرب الخليج ، وهو ما نعتبره نوعا من الهدر الاستراتيجي.
ثم ماذا عن تركيا؟
ويبدو الموقف التركي واضحا من تلك الحقائق المسربة. هناك وعي بتفاوت قيمتها بوصفها لا تمثل أكثر من نميمة دبلوماسية أو نقول من الدردشات اللامسؤولة من الشارع. ومثل ذلك حديثهم عن وجود صفقات تجارية خاصة للرئيس اردوغان وكذا حساباته البنكية المزعومة في سويسرا. يتعلق الأمر هنا في نظر اردوغان الذي تحدى ذلك بالتخلي عن منصبه فيما لو صح هذا الافتراء. والمسألة هنا تتعلق بتسريبات مدروسة. اردوغان الذي ترجع الوثائق المذكورة أن سبب موقفه من إسرائيل هو نابع من كراهية شخصية لإسرائيل يل والذي يستفيد من صفقات مع إيران والذي يدعم القاعدة ، يؤكد على نوع من التحرش بتركيا من خلال الإساءة لسمعة رئيسها الذي اكتسب له شعبية فريدة في المنطقة. فهو كما يجب أن يدرك الأوربيون والغرب هو عدو لإسرائيل كما يجب أن يفهم الكثير من العرب والأتراك المعجبين به ، أنه رجل فاسد. الرد التركي جاء منطقيا. فهو يدعو إلى محاسبة أولئك الدبلوماسيين النمّامين الذين نقلوا معلومات مشوهة وغير دقيقة إلى الخارجية الأمريكية. نحن أمام عملاء أمريكيين لإسرائيل وآخرون لهم أجندات أخرى غير أمريكية خالصة. وهذا ما يؤكده الاتهام التركي لإسرائيل بالوقوف وراء تسريبات الويكيليكس كما جاء في تصريح لنائب رئيس وزراء تركيا، رجب أردوغان، والمتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية حسين سيليك.
ما هو المتوقع من تسريبات ويكيليكس؟
يبدو أننا أمام لعبة تحضير للمشهد الدولي لشكل مختلف من التحركات ، ستنقلب فيها قواعد اللعبة رأسا على عقب. فالولايات المتحدة الأمريكية غير قادرة على إنجاز أحلام بعض الأقطار والكيانات الأخرى، لأنها أوشكت على أن تفقد الحلم الأمريكي نفسه. أمريكا غدا ليست هي أمريكا سابقا. مثل هذه الحقيقة يعبر عنها أيضا توماس فريدمان حينما تساءل في إحدى مقالاته : " قبل أن يدخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما البيت الأبيض بفترة وجيزة قال 48% : إن أفضل أيامنا لم تأت بعد ، بينما اعتقد 35% أنها جاءت وانتهت، وهذا اتجاه مثير للقلق".
ماذا ينتظر إذن من واشنطن؟ لا أحد من العرب يستطيع حتى الآن إقناع واشنطن بخوض حرب ضد إيران. فالنجاح في مثل هذه المهمة لا يتوقف على وجود استعداد لتمويل هذه الحرب من الخزينة المالية لبعض دول الخليج أو الانطلاق غير المشروط من قاعدة العديد القطرية مع حفظ مصالح هذه الأخير في حقل الغاز المشتركة بينها وبين إيران ، بل الأمر يتعلق بأبعاد استراتيجية تؤكد على أن حربا ضد إيران لن تكون نزهة ولن يبقى معها في الخليج حجر فوق حجر. إذا كانت واشنطن عاجزة عن تحقيق الحلم الإسرائيلي في القيام بضربة عسكرية ضد إيران، فهي غير مستعدة قطعا لتحقيق هذا الحلم الذي تبقى لبعض دول الخليج وحسني مبارك. ولكن ستضطر أمريكا للقبول بإيران نووية وهي تدرك سلفا نتائج مفاوضات 5 + 1 . وسنتحدث هنا فقط عن شكل من إدارة الأزمة في انعدام خيار الحرب لاستحالتها بكل المقاييس. في لعبة إدارة الأزمات نكون أمام شكل من الحرب الباردة التي ستظل مستمرة لكنها تدرك حدودها وتحكمها قواعد دقيقة وعسيرة الفهم. وهذا شكل من الحرب القادمة بين واشنطن وإيران وكثير من الدول الناهضة اقتصاديا وعسكريا. العرب الذين لا زالوا ينتظرون المجهول حتى أنهم لم يغيروا من سياساتهم التي تجري خارج التغطية ، سيواجهون استحقاقات هذه الحرب الباردة وهم صفر اليدين من كل استراتيجيا حقيقية. قبل ذلك سنكون أمام حالة من التحرش والعمليات والحروب القذرة كما بدأت مؤشراتها تظهر اليوم. محاولة قتل علماء وخبراء نووين في إيران وخلق جيوب واهتزازات أمنية موضعية في إيران ؛ شيء من الإلهاء هنا ضروري. وعملاء واشنطن في هذه الحرب القذرة كثيرون ، لا يقفون عند المنشقين من جماعة خلق وحدها أو نظائرها بل يمتد الأمر إلى بعض عناصر المقاتلة من بعض بقايا القاعدة الهاربين داخل إيران ، حيث يبدو أنهم ينشطون على هذا الصعيد ولا يستبعد تورطهم في أعمال التخريب التي استهدفت بعض المساجد قبل شهور. تحتاج الحرب القذرة إلى فضاء مهتز ومشتعل. تزدهر الحروب القذرة كلما تراجعت الآلة العسكرية الأمريكية ، وتبدأ الحرب الباردة بمجرد انتهاء الحرب الحامية. الوضع الأثير للعسكرية الأمريكية هو الحرب الباردة التي تألقت فيها وأرغمت دولا على السقوط. في كل التسريبات نقف على منسوب هائل لنوع من المعلومات من شأنها أن تشعل النار بين الجيران. من المحيط حتى الخليج كان المجال العربي مستهدفا بهذا النوع من الوثائق. فضح لمواقف حقيقية لدول عربية تمارس التقية السياسية، وتحريض دولا ضد أخرى. إن عبارة يجب قطع رأس الأفعى سيكون لها وقع خاص عند الإيرانيين، ولن تتراجع السعودية عن ذلك دفعا للحرج. فضح السياسات العربية معناه عدم الرجوع إلى الوراء. وعدم الرجوع إلى الوضع الطبيعي بعد التراجع الأمريكي من المنطقة وتغيير قواعد اللعبة. لأن كل ما جرى في زمن التدخل الأمريكي مشروط بإكراهات المرحلة يجب إعادة النظر فيه . وهذا ما تخشاه واشنطن وتسعى من خلال لعبة ويكيليكس إلى فضح النظم وتعميق الحساسية فيما بينها ، لا سيما بالنسبة لنظم يدرك الخبير الأمريكي أنها تتصرف بمزاجية وشخصانية ولا تخضع لسلطة المؤسسات. يمكننا التنبؤ بباقي الوثائق غير المنشورة حتى الآن ، وهذا يتوقف على مدى قدرتنا على التنبؤ بالمخطط الاستراتيجي الذي تسعى واشنطن إلى تنفيذه في المرحلة القادمة. من هنا وجب الحذر ورباطة الجأش وعدم الانسياق لمحتوى تلك الوثائق ، لأن كل ما فيها يؤكد على تحريض الدول العربية ضد بعضها البعض وزجها في أتون حروب أبدية ، تظل معها الحاجة قائمة للحماية الخارجية وسياسات التدخل وهدر الجهد والوقت في ما لا يخدم تقدم العرب ورقيهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.