كان مثيرا للغاية تلاحق الأحداث وتتابعها مساء أمس في قناة ميدي 1 تي في، أحد الواجهات الإعلامية الوطنية، وبعد أن كان قرار مجلس إدارة القناة نحو تغيير رأسها من عباس العزوزي نحو حسن خيار بعد عشر سنوات من التسيير، ومعه تغيير سياسة القناة عموما لتصبح قناة إخبارية تشترك في منهجها مع الإذاعة الأم ميدي1، جاء الخبر الأكثر إثارة، متمثلا في توقيف البرنامج الرمضاني "رمضان شو" لصاحبه الإعلامي محمد بوصفيحة الملقب بمومو، ليشد الانتباه إليه من طرف الجميع، هذه المرة "نصف ساعة قبل الفطور"، وليس ساعة! قرار خلف ولازال لحد كتابة هذه الأسطر، جدلا كبيرا وواسعا، دخلت بسببه القناة كتاب التاريخ الإعلامي الوطني، كأول برنامج ينهى مساره قبل انتهاء عقدته وحتى حلقاته في موسمه وتجربته الأولى، بغض النظر عن نوعية هذا الجدل هل هو جدل في المضمون، أم في الأسلوب والأداء، في ظل غياب بلاغ رسمي من إدارة القناة لشرح الموقف الذي سار لحدود حذف صفحة وحلقات البرنامج السابقة، واكتفاء المتضرر الأول مومو بعبارات مصورة يخفف بها من حدة موقفه، ويبرر للقناة موقفها، في الساحة الخارجية للقناة فوق طاولة إفطار جهزت ربما للوداع. تباينت الآراء المخالفة والمؤيدة لقرار مدير القناة، وابتدأت من أصحاب التسريبات الإعلامية المهوّلة للأحداث، والتي صنفته ضمن الطرد، بينما اختارت شريحة جمهور مومو أن تتضامن مع إعلاميّها من خلال الوجوه الباكية والحزينة في الفيسبوك والتعليقات على أخبار المواقع التي نقلت الواقعة، وبينما اعتبر كارهو البرنامج والذين كان من بينهم المتعاطفون مع الراحل عنه أسامة بنجلون، أن موقف المدير العام الجديد شجاع، وصف الرافضون للموقف، ما حدث ب"اللا مهنية الإعلامية"، التي لا تخرج عن كونها تصرفات تدخل في إطار "باك ماشي صاحبي". قد يتفق المرء أو يعارض، وهو يطالع هذا الجدل البسيط، الذي سينسى مع توالي الأيام بلا شك، لتجربة إعلامية ربما كان يراد لها التثبيت من طرف صاحبها، الذي حاول نقلها من نموذجها الإذاعي بشكل حرفي من هيت راديو، إلى استوديوهات ميدي 1 تي في بالصوت والصورة، بأسلوب رمضاني يؤكده جفاف شفتيه قبل الإفطار، بكل تفاصيلها الدقيقة، التي شملت حتى المقاطع الموسيقية الفاصلة بين الفقرات، وهو الذي آمن بتجربته التي قال عنها قبل رحيله بحلقة واحدة، "أنها تسعى لقول كل شيء أمام الجميع، دون قيود ودون حدود، ولو كلفه ذلك حياة منصبه"، إلا أن ما يجب الالتفاف حوله الآن، هو كون هذا القرار الرمضاني لمدير ميدي 1 تي في الجديد، شكل سابقة جريئة في الإعلام الوطني، لن يحكم على جدواها إلا مع توالي الأيام. فالرجل الجديد والذي لا يعرف عنه سوى مساره الدراسي الأكاديمي في الغرب، ومعها 6 سنوات من تسيير أثير إذاعة ميدي 1، لا يفهم بالضبط ماذا كان يرمي بقراره هذا، وهل هو قرار شرطي لتعيينه من طرف مجلس الإدارة، أم أنه قرار فردي رآه هو البداية المستعجلة لإصلاح وضعية القناة المتأزمة، أم أنه ربما قرار فوقي نابع من الهاكا ودفتر تحملاتها الذي ألزمته القناة في 2014، حتى تؤكد الهيأة لمن تسول له نفسه، أن إعلامنا الوطني "لا يقول أي شيء نفكر فيه"، عكس ما اعتقد مومو في لحظة انتشاءه بجيمات متابعيه في صفحته الرسمية. وبغض النظر حقيقة عن جدوى تأييد قرار المدير الجديد، أو ما يمكن أن يسميه البعض "تحاملا على تجربة إعلامي جديد" له شريحته التي تفضل ما يقدمه لها، أو رفض طريقة التسريح لإعلاميين بهذه الطريقة، والتي تعتبر جديدة على مشهدنا الإعلامي الوطني، لا كما يحدث هناك خلف البحار، كالقرار الأخير لمجموعة كنال+ الفرنسية العريقة، والذي قضى بتسريح وتغيير وإلغاء 13 برنامجا دفعة واحدة، فإننا اليوم نجد أنفسنا أمام ضرورة ملحة، لفتح نقاش عميق ومعمق، لتطوير أداء مشهدنا الإعلامي العمومي، بكل شجاعة وثقة واحترام للمشاهد، وما نقدمه له، بعيدا عن الأطماع التجارية الإعلانية والحسابات الضيقة بين المنتجين والمؤلفين والمخرجين والممثلين وأصحاب الإمضاءات على الميزانيات. إن حال شاشاتنا، ولو على الأقل في هذا الشهر الرمضاني، الذي يسجل نسب مشاهدات بالملايين، لحري بالمسؤولين على القطاعات السمعية البصرية في بلادنا، ليجعلهم يقفون وقفة جادة من أجل الخروج من ضيق المنتوج الإعلامي الرديء، إلى فسحة التغيير والتجديد المستمر، ولو على حساب الوجوه الفنية أو الإخراجية أو الإنتاجية، التي ألفناها في شاشاتنا حتى ما عدنا نفرق بين أدوارها، والتي تتبادل فيما بينها الاتهامات عندما نُسائلها عن رداءة منتوجها، وهي التي إما أبت أن تطور من أدائها أحيانا، وإما أنها قررت أن تشتغل فيما تشتغل دون مراعات جودة ما تقدم، بدعوى أن الظروف المادية والمحيطة لا تسمح لك بانتقاء ما تقدمه للمشاهد! إن القرار الإداري المفاجئ لميدي1 تي في، يطرح علينا اليوم عدة تساؤلات، قد يمكننا بها استشراف مستقبل الإعلام المغربي عموما، في سياق التطور الكبير وعلى كافة المستويات الذي يشهده المغرب، فهل ستصبح الورقة الحمراء، العملة الأولى في الإعلام المغربي من أكبر رأس فيه إلى أصغر مسؤول، ما يبشرنا بمستقبل مشرق من التسريحات بالجملة في مناصب عمر فيها أصحابها حتى أنتنت ريحهم؟ وهل فعلا سيصبح للمشاهد رأي فيما يقدم له على شاشته التي ينفق عليها من ماله ووقته؟ هذا فعلا إن صدقت تسريبات من قالوا بأن رحيل مومو وبرنامجه، جاء بسبب رداءة المضمون، وليس لكون مومو وخيار "ماشي صحاب حتى لهيه"، في انتظار بلاغ القناة المتأخر.