ما إن تطأ قدماك متحف السينما بوارزازات حتى تشعر وكأن الزمان يأخذك في رحلة طويلة تعود بك إلى حقبة تاريخية تتعدد فيها المحطات، فما إن تستقر بمحطة وتندهش بما فيها وتشرع بالتأمل فيها حتى تجذبك محطة أخرى تضم ذكريات سينمائية قد تفرحك وقد تحزنك. المتحف، الواقع وسط المدينة والمتاخم لقصبة تاوريرت الشهيرة، يذهب بزائره ردحا من الدهر عبر جولة تاريخية تجوب مختلف الحضارات التاريخية التي تعاقبت على هذه الأرض، بدءا بالحضارة الرومانية والإغريقية، مرورا بالفرعونية، وانتهاء عند الحضارة الإسلامية، وكلها تجسدت داخل مشاهد سينمائية عرضت في أفلام عالمية. بأرضية حمراء يبدو المتحف، المحاط بأسوار معمارية من الطراز المغربي، للوهلة الأولى قطعة من التاريخ، إذ لازال يحافظ على نقوشه القديمة وأسقفه الخشبية، كما يمتد على مساحة شاسعة تتوزع على 20 ألف كيلومتر مربع. وأمام شساعة المكان، غالبا ما يتيه الزائر بين أركانه وجنباته، الأمر الذي يتطلب اللجوء إلى خدمات المرشد السياحي بالمتحف، الذي يستفيض ويسهب في تقديم شروحات كل ما حل زوار بالمتحف، سواء كانوا مغاربة أو أجانب. "معظم الأفلام التي صورت ها هنا تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، من طرف إيطاليين، وأغلبها تتحدث عن قصص الأنبياء المستوحاة من التوراة، كالمسيح والنبي يوسف وموسى"، يقول أحد المرشدين أمام وفد من السياح الفرنسيين، قبل أن يصيح أحدهم: "بهذا المكان حل نجوم السينما العالمية، من أمثال براد بيت وكيت بلانشيت وغاييل غارسيا بيرنال لتصوير فيلم بابل". وسط المتحف توجد قاعة "عرش سليمان"، وعن يمينها معبد صغير ومحكمة وبرلمان، كلها ديكورات تؤرخ للحقبة الرومانية. بعد ذلك يدخل الزائر في ممر طويل ومظلم يجد فيه سجنا يضم زنازين شبه مظلمة من جبس وقضبان خشبية، وسلاسل حديدية صدئة. وغير بعيد عن "قاعة العرش"، توجد غرفة كبيرة فيها سرير مزين ومغطى بغطاء أحمر ووسائد من ثوب ذهبي اللون؛ إنها غرفة "آسية زوجة الفرعون"، إلى جانبها بناية ضخمة تحوي مغارة سوداء يطلق عليه اسم "مغارة علي بابا"، وضعها المصممون الأجانب كتذكار لتصوير أفلام رعب بمدينة ورزازات. وينتهي بالزائر المطاف بعد ذلك، في مشهد مثير وشيق، عند قاعة أخرى فسيحة تضم كاميرات قديمة، بعضها كان يعمل بالفحم، وملابس فيها ثياب قديمة استعملت في تصوير أفلام تاريخية، إلى جانبها أسلحة قتال تقليدية: نبال ورماح ودروع من جلد وحديد وجبس. ويعود تشييد المتحف، حسب الأمين العام للجمعية المكلفة بتسييره، الشيخ الأغظف ماء العينين، إلى سنة 1981 من طرف مجموعة من المستثمرين الإيطاليين الذين اتخذوه آنذاك كأستوديو للتصوير، ثم غادروه، لتتخذ السلطات الإقليمية في ما بعد قرارا يقضي بجعله متحفا للسينما. وأضاف ماء العينين، في تصريح صحافي، أن هذا المتحف يسعى إلى إبراز الموروث الثقافي المادي الذي يزخر به إقليم وارزازات، والذي يضطلع بدور أساسي في التنمية الاقتصادية والسياحية بالمنطقة. وأبرز المتحدث نفسه أن هذا المتحف يضطلع بدور مهم في حفظ الذاكرة السينمائية للمدينة، باعتباره خزانا للموروث السينمائي المحلي، وتعزيز الإشعاع الثقافي والسياحي للإقليم. وذكر ماء العينين، في ختام حديثه، أن غرف المتحف احتضنت تصوير عدد من الأفلام العالمية، من قبيل "الوصايا العشر"، و"إبراهيم"، و"يعقوب"، و"يوسف"، و"موسى"، و"سليمان وسبأ"، و"داوود"، و"يسوع"، و"سليمان"، و"سارة"، و"شمشون ودليلة". * و.م.ع