للأسف لا أستطيع كتابة شعر حتى أنسج قصيدة حب و إمتنان تليق بمقامها ، هي أكثر النساء رقة وأشدهن حبا و إخلاصا و أخشى أن أسوء إلي ذكرها في بضع عبارات أو صفحات ، بل تستحق مني أن أخلد سيرتها في مجلدات حتى تبقى شامخة كما عهدتها . هي أمي التي لا تقدر أن تقرأ هذه الكلمات وفك رموزها ، لأنها فرض عليها في ستينات القرن الماضي أن تعيش تحت رحمة أمية حقيرة تلعنها كلما أحست بأهمية أن لا تكون أميا و تردد بأسف في كل مرة " كون أبا دخلني للمدرسة ... كون راني شي حاجة أخرى ... ولكن الله يسامحوا " . وأنا بكرها أفهم معنى هذه العبارات و رغم ذلك وجدتها مدرسة لا ينضب علمها و لا حدود لأفكارها و رغم ذلك ما زلت وسأبقى أنهل من ثقافتها إلى ما شاء الله تعالى ، و أحتار في أمرها و في كيفية تدبيرها للأمور ، هي تجسد صفات بعمقها وإن كانت في الغالب لا تفقه معناها اللغوي بل تمارسها على أرض الواقع بدهاء وعزم وإصرار . تتحمل مسؤولية أسرة بدأت صغيرة و استقرت في ثمانية أشخاص فهي أول من تستيقظ و أخر من تنام ، تذهب إلى السوق وتخلق في اليوم أشكالا من الدينامية في المنزل ، تمرض مع المريض ، تشقى مع من يفرح ، تفكر مع من يشتغل وترسم للجميع بدهاء طرق مواجهة الحياة ، قلبها مع الجميع بل و يسع الجميع. أمي تعطي للنمل دروسا في الوفاء والتنظيم ، صلبة في عزمها كالحجر أو أشد ، حريصة على تحقيق أهدافها البسيطة و الأكثر عمقا من أهداف الرجال الأنانية، رسالتها استقرار مجتمعها الصغير واستمراره و أكبر فرحتها يوم يلتف جميع أفراد أسرتها حولها وهي تصب لهم الشاي و تؤخر نفسها بفرح تتطاير شراراته من نظرات عينيها و هيهات أن تكون لطحافلة ألاقتصاد هذه النظرة الفطرية في تدبير وتسيير ألأمور وملاءمتها حسب الظروف . ومثيلات أمي كثيرات في مشارق الأرض ومغاربها و نحن الأبناء لا نحس قيمتها إلا حين نفتقد إليها ، أمي ليست في حاجة الى عيد المرأة أو ألام حتى تتذكر أنها إمرأة و أم ، و إنما هي كذلك على طول الوقت ، و اعترافي بأمي بل عشقي لها يتجاوز ما هو مدون في الإتفاقات المواثيق الدولية وما تدافع عنه الجمعيات الحقوقية ، هي سيدة حياتي ومن تساعدني على تدبير أموري كإمرأة محنكة في جميع مناحي الحياة و غلبا ما تتفوق فطرتها على فلسفة و حكم الحكماء و أتحدى أي رجل مهما علا شأنه أن لا تكون أمه وراء نجاحه بل هي أساس إستمراره و من منا لا يعود إليها في وقت الشدة حتى يستنير بنصائحها التى تمزج فيها بين العاطفة والعقل . وأنا في سن السابعة والعشرين ما زلت لا أستطيع أن أطأ قدمي في أمر حتى أخد مباركتها و أستند على دعائها ، وكلما ذاقت بي السبل عدت إليها حضنها وعرفت عن تجربة أن مخالفة أمرها فيه هلاك شديد ، ومن شدة إرتباطي بها ينعتني الجاهلون ب " ولد أموا" لقب أفتخر به أيما إفتخار لأنها هي التي صنعت مني شخصا قادرا على كتابية هذه الكلمات ، وهي التي تساهم في تمول الوقت الذي اجلس فيه و أكتب هذا ، وكل ما فعلته و سأفعله ستكون هي الغاية والوسيلة فيه ، فلماذا لا أعتز بلقب أن أكون ولد أمي، لأنها هي التي كانت سبب وجودي وعانت عند وضعي و من ربتني وفعلت المستحيل حتي أكون كما أنا هكذا ، وأتمنى من الله العلي القدير أن أمنحها ذات يوم لقب أم ذلك الرجل ، وهدا لب الإعتراف فنجاح الرجل مهما كان أصله أم . فهي عماد المجتمع وهي من تصنع الرجال كما تصنع الخبز من العجين ، لن أقول أننا في مجتمع أميسى ولكن أستطيع القول أن ما أدوار الرجال إلا نجوما في فلك النساء . هي أمي وستبقى إلى ألأبد نجمة حياتي . "" الأزهر المصطفى [email protected]