توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    رحيل الفنانة التشكيلية المغربية نجوى الهيتمي عن عمر يناهز 46 سنة    احتجاجات متواصلة في المدن المغربية تنديدا باستهداف الصحافيين في غزة وتجويع القطاع    القنيطرة تحتفي بمغاربة العالم وشعارها: الرقمنة بوابة لتعزيز الروابط وخدمات القرب    رئيس كوريا الجنوبية والرئيس الأمريكي يعقدان قمة في 25 غشت    مواقف ‬المغرب ‬الثابتة ‬التي ‬لا ‬تتزعزع ‬في ‬سياق ‬محيط ‬إقليمي ‬غير ‬مستقر    مليلية ‬المحتلة ‬تعيد ‬صياغة ‬هندستها ‬القانونية ‬وسط ‬تصاعد ‬الخطاب ‬اليميني ‬في ‬إسبانيا ‬    بطولة أمم إفريقيا للمحليين 2024.. لا خيار أمام "أسود الأطلس" سوى الفوز    حكيمي وبونو... أيقونتان مغربيتان تقتربان من معانقة المجد الكروي العالمي    الرجاء الرياضي يعير لاعبيه أنور العلام وكريم أشقر إلى نادي رجاء بني ملال    عائلات المعتقلين المغاربة في العراق تطالب بكشف حقيقة أنباء مقتل سجناء في سجن الحوت    ابتسام لشكر أمام وكيل الملك بالرباط    ‮«‬تدارك ‬الفوارق ‬المجالية ‬والاجتماعية‮»‬ ‬أولوية ‬مشروع ‬قانون ‬مالية ‬2026    شركة الإذاعة والتلفزة تختتم أبوابها المفتوحة للجالية بلقاء حول إذاعة "شين آنتر"    وَقاحةُ سياسي‮ ‬جزائري‮ ‬بالدعوة للتظاهر ضد النظام المغربي‮ تجد صداها عند‮ ‬أنصار‮ «‬التطرف الاسلامي» ‬وبقايا‮ ‬«القومجية»‮ ‬وفلول «البيجيدي‮» ‬المتنطعة باسم‮ ‬غزة‮!    توقيف عدائين سابقين بعد تعنيف قائد خلال وقفة احتجاجية أمام مقر جامعة ألعاب القوى بالرباط    غلاء الخدمات السياحية وعزوف مغاربة الخارج عن قضاء عطلتهم بالمغرب يجر الحكومة للمساءلة البرلمانية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    تمديد هدنة الرسوم الجمركية يرفع أسعار النفط    المغرب يمد يد العون للبرتغال بطائرتي كنادير لمواجهة حرائق الغابات (فيديو)    كرة القدم.. المدافع زابارني ينتقل إلى باريس سان جيرمان    زياش قريب من العودة للدوري الهولندي        "شين أنتر" تختتم احتفالية بالجالية        ارتفاع أسعار النفط بعد تمديد الولايات المتحدة والصين هدنة الرسوم الجمركية    انقطاع مؤقت لحركة السير على الطريق الوطنية على مستوى المقطع الرابط بين سيدي قاسم و باب تيسرا    بسبب جرائم حرب الإبادة في غزة.. فرنسا توقف تجديد تأشيرات عمل موظفي "إلعال" الإسرائيلية    مجلة "فوربس" تتوج رجل الأعمال المصري كامل أبو علي رائدا للاستثمار الفندقي في المغرب    الدوزي يلهب الحماس في "راب أفريكا"    الرباط تحتضن أولى نسخ "سهرة الجالية" احتفاءً بأبناء المهجر (صور)    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    وفاة السيناتور الكولومبي أوريبي.. الأمم المتحدة تجدد دعوتها لإجراء تحقيق "معمق"    اعتقال عسكريين في مالي بعد محاولة انقلابية على المجلس الحاكم    الأحزاب والانتخابات: هل ستتحمل الهيآت السياسية مسؤوليتها في‮ ‬تطهير السياسة من المرشحين المشبوهين‮ ‬وتقديم الأطر النزيهة لمغرب المستقبل؟    ضبط وحجز 1.8 طن من الآيس كريم غير صالح للاستهلاك بموسم مولاي عبد الله أمغار    مهرجان "راب أفريكا" يجمع بين المتعة والابتكار على ضفة أبي رقراق    حين يلتقي الحنين بالفن.. "سهرة الجالية" تجمع الوطن بأبنائه    مالي وبوركينا فاسو والنيجر توحد جيوشها ضد الإرهاب    بعد نشر الخبر.. التعرف على عائلة مسن صدمته دراجة نارية بطنجة والبحث جار عن السائق    كان يُدَّعى أنه يعاني من خلل عقلي.. فحوصات تؤكد سلامة الشخص الذي اعترض السيارات وألحق بها خسائر بطنجة ومتابعته في حالة اعتقال    سيرغي كيرينكو .. "تقنوقراطي هادئ وبارع" يحرك آلة السلطة الروسية    المغرب يشارك في معرض بنما الدولي للكتاب    "ويبنز" يتصدر تذاكر السينما بأمريكا الشمالية    دراسة: الأطعمة عالية المعالجة صديقة للسمنة    الدولة والطفولة والمستقبل    هل يمكن أن نأمل في حدوث تغيير سياسي حقيقي بعد استحقاقات 2026؟    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    دراسة: الفستق مفيد لصحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم    دراسة تحذر.. البريغابالين قد يضاعف خطر فشل القلب لدى كبار السن    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يجب أن تكتب الصحافة الإلكترونية المغربية بالأمازيغية والدارجة
نشر في هسبريس يوم 12 - 03 - 2018

من الغريب والعجيب حقا أن المغاربة لا يكتبون ولا يقرأون بلغتيهم اليوميتين الشعبيتين: الأمازيغية والدارجة، ويستعملون بدلهما العربية الفصحى والفرنسية اللتين لا يتحدثهما أحد في الحياة اليومية.
وإذا كانت الصحافة الإلكترونية قد قلبت الرأي العام السياسي المغربي رأسا على عقب فإنها مؤهلة أيضا لإحداث ثورة لغوية بالمغرب تتمثل في جعل اللغتين الدارجة والأمازيغية لغتين للكتابة والتدوين والإعلام الإلكتروني.
الدولة بطبيعتها كائن استبدادي كسول وجامد وضعيف الإبداع. ولو كان الأمر بيد الدولة لما كانت هناك "صحافة إلكترونية" ولا حتى "صحافة" أصلا. لذلك فأي تطور حقيقي إنما يأتي من القطاع الخاص التجاري ومن المنظمات المدنية الحرة ومن المبادرين الأحرار.
ولكي تنتقل الحالة اللغوية بالمغرب من وضعها الشاذ الحالي إلى الوضع الطبيعي يجب على المؤسسات الإعلامية المغربية أن تبدأ في نشر موادها المكتوبة والفيديوية باللغتين الشعبيتين الأمازيغية والدارجة كما في كل بلدان العالم الطبيعية. لا يوجد مانع قانوني ولا تقني يمنع المواقع المغربية من نشر أخبارها وموادها باللغتين الشعبيتين: الدارجة والأمازيغية.
1) كيف تنتقل المواقع الصحفية المغربية إلى الأمازيغية والدارجة من الناحية العملية؟
الانتقال إلى الأمازيغية والدارجة لا يعني التخلي عن العربية الفصحى. فالتكنولوجيا الرقمية تسهل التعدد اللغوي بتكلفة زهيدة أو شبه منعدمة.
ويمكن بالتالي الاختيار بين أساليب متعددة من بينها:
- طريقة الاختلاط اللغوي العربي / الدارجي / الأمازيغي: وهي أن ينشر الموقع المغربي كل مواده مختلطة وتشمل المواد المكتوبة بالدارجة وتلك المكتوبة بالأمازيغية وتلك المكتوبة العربية بالفصحى حيث يستطيع القارئ المغربي بسهولة التمييز بين اللغات الثلاث دون مساعدة من أحد. كما أن كثيرا من القراء قد يفضلون استعمال اللغات الثلاث والتنويع اللغوي في قراءاتهم وتفاعلاتهم.
- طريقة الأقسام اللغوية المنفصلة المتاحة للقارئ: وهي أن يقوم الموقع الإلكتروني بوضع بوابات أو أزرار أو أقسام في الصفحة الرئيسية تتيح للقارئ أن يختار بين الأمازيغية والدارجة والعربية الفصحى في قراءة المقالات والأخبار ومشاهدة الفيديوهات.
أما بالنسبة للكفاءات القادرة على الكتابة الصحفية بالدارجة والأمازيغية فهي مسألة تعود وتدرب. ويمكن نهج أسلوب التدرج مع قدر صحي من الارتجال والتجريب. فالقارئ المغربي لا يطلب تحفا أدبية رفيعة متقنة بالأمازيغية والدارجة ولا حتى بالعربية الفصحى وإنما يطلب المصداقية والحقائق.
ومثلما يتم نهج عقلية الارتجال والتجريب في إنتاج مقاطع الفيديو من طرف المواقع الإلكترونية المغربية يمكن نهج عقلية الارتجال والتجريب في إدماج الأمازيغية والدارجة في الصحافة بشكل عملي.
2) بأي حرف ستكتب الأمازيغية والدارجة في الصحافة المغربية الحرة؟
بالنسبة للأمازيغية فالحرف المنطقي لجعلها لغة إعلامية ناجحة ومقروءة بكثافة هو الحرف اللاتيني بدون أدنى شك. والمقصود بالحرف اللاتيني هو 35 حرفا لاتينيا مستخدما في الأمازيغية وهي:
ABCČDḌEƐFGǦƔHḤIJKLMNOQRŘṚSṢTṬUWXYZẒ
أما حرف ثيفيناغ (ⵣⴰⵝⵉⴺⵂⴸⴳⴾⵔⵓⵙⵈⵟⵏⵀⵌⵗⵍⵆⵢⵛ) فرغم قيمته الرمزية فإنه يجعل فرص انتشارية ومقروئية الأمازيغية تقترب من الصفر لأنه باختصار لا أحد تقريبا في المغرب يقرأ أي شيء بحرف ثيفيناغ. وتوجد في المغرب تجربة موقع إخباري تابع للدولة بحرف ثيفيناغ وهو موقع الوكالة الرسمية للأنباء MAP، وهذا الموقع في نسخته الأمازيغية بحرف ثيفيناغ موقع مجهول بالمغرب لا يقرأه أحد ولا ينقل عنه أحد. أما الحرف العربي فرغم انتشاريته فهو يكتب الأمازيغية بشكل سيء جدا وناقص جدا وسيضر الأمازيغية أكثر مما سينفعها لأنه مثقل بمشاكل حركات التشكيل والهمزات وعادة الكتابة الأبجدية القزمية وغيرها. ولكن لا أحد يمنع الكتاب الأحرار والصحفيين المستقلين في المغرب من كتابة الأمازيغية بالحرف العربي أو بحرف ثيفيناغ أو بالحرف اللاتيني.
وبالنسبة للدارجة فإن الحرف الأرجح لكتابتها هو الحرف العربي لأن الدارجة مرتبطة بالعربية بجانب ارتباطها بالأمازيغية. ونلاحظ أن معظم من يكتبون بالدارجة يستعملون الحرف العربي. وكتابة الدارجة ممكنة بالحرف اللاتيني وبحرف ثيفيناغ وبكل حروف العالم ولكن الأرجح على ما يبدو هو أن الكاتبين بالدارجة يفضلون الحرف العربي.
وتعاني اللغة الدارجة (بكل لهجاتها) من مشكل الشرعية والتشكيك في الوجود. فالتعريبيون والإسلاميون يتراوحون في أقوالهم بين: "الدارجة لا وجود لها وهي فقط عربية" و"الدارجة مستوى متدن للعربية" و"الدارجة غير قادرة على التعبير الكتابي المعقد ومآلها الفشل". ويفشل التعريبيون والإسلاميون في تفسير سر عدم فهم العرب للدارجة، ولكنهم جميعا يتفقون على ضرورة منع الدارجة من الكتابة والإعلام. وجوهر تناقض مواقف التعريبيين والإسلاميين تجاه اللغة الدارجة هو أنهم يعتبرونها عربية قحة ولكنهم يرفضون إدماجها في الكتابة العربية ويرفضون معاملتها ك"لغة عربية شقيقة للعربية الفصحى". ويقترح التعريبيون والإسلاميون عموما أن تترك الدارجة كما هي دون كتابة ولا تدريس ولا تدوين ولا شيء. كخلاصة، يريدون ترك الأمور على ما هي عليه ويعارضون أي تغيير أو تطوير.
والحقيقة أن مزاعم التعريبيين والإسلاميين حول ضعف الدارجة وعدم قدرتها على الكتابة مزاعم ساقطة مدحوضة لأنه توجد عدة إبداعات أدبية بالدارجة، كما توجد على الإنترنيت نسخ عديدة من الإنجيل المسيحي مترجمة كتابيا وصوتيا إلى الدارجة المغربية بالحرف العربي، علما أن الإنجيل كتاب أدبي معقد المعاني والتعابير ككل الكتب الدينية الأخرى.
3) الازدواجية اللغوية الزائفة: العربية والفرنسية بدل الأمازيغية والدارجة
الازدواجية اللغوية موجودة في مؤسسات الدولة المغربية وفي الصحافة المغربية منذ أول العهد الاستعماري في 1912، ولكن أية ازدواجية؟ إنها ازدواجية العربية الفصحى والفرنسية.
واستمرت هذه الازدواجية بعد 1956 إلى حد هذه اللحظة.
والفرنسية لغة رسمية للدولة المغربية بموافقة صامتة من الجميع وبدون ترسيم دستوري ولا قانون تنظيمي ولا معهد ملكي.
في الصبيطارات وفي المقاطعات الحضرية وفي الشركات والأوطيلات والوثائق الإدارية والإعلام المكتوب والمرئي نجد دائما تلك الازدواجية العربية الفرنسية في المجال المكتوب.
أين اللغتان الأمازيغية والدارجة يا ترى؟ أين لغتا البلد؟ أين لغتا الشعب؟ لن تجد لهما أثرا ولا خبرا في المجال المكتوب بالمغرب إلا نادرا جدا.
لو زار كائن من كوكب المريخ المغرب فسيجزم هذا الكائن أن المغاربة ناطقون بالعربية الفصحى والفرنسية وسينكر إنكارا شديدا أن المغاربة يتحدثون الأمازيغية والدارجة كلغتين أمّين، على أساس ما يراه مكتوبا أمامه في كل مكان بالمغرب.
هذه الوضعية اللغوية شاذة جدا وغير طبيعية إطلاقا وهي أحد أهم أسباب التخلف المغربي.
فالطفل المغربي يعامَل كأجنبي أمي في المدرسة منذ اليوم الأول لأنه يجد أمامه العربية الفصحى والفرنسية. وبدل أن يتلقى العلوم مشروحة ومكتوبة بلغته الأم (الأمازيغية/الدارجة) يتلقى تلك العلوم بلغتين أجنبيتين عنه فينفق التلميذ سنين طويلة في محاولة التغلب على مصاعب اللغة الجديدة (العربية الفصحى/الفرنسية) بدل إنفاق مجهوده في تعلم العلوم والمهارات.
هل المغرب عاجز حقا عن إنجاز كتاب "النشاط العلمي" أو "الرياضيات" أو "الاجتماعيات" بالدارجة وبالأمازيغية؟!
لا تضحكوا علينا.
لماذا في الدانمارك يدرّسون كل شيء للتلاميذ باللغة الدانماركية المحلية الشعبية؟! النشاط العلمي، الرياضيات، التاريخ، الجغرافيا، الموسيقى. كل شيء.
هل اللغة الدانماركية متفوقة جينيا أو سحريا على الأمازيغية والدارجة؟!
لو توفر لي الوقت فأنا أستطيع مثلا أن أنجز ترجمة كاملة لأي كتاب مدرسي مغربي إلى الأمازيغية، مثلما أنجزت ترجمتي الكاملة للدستور المغربي إلى الأمازيغية وكنت قد قدمتها للقراء سابقا.
وعندما يكبر الطفل المغربي يجد أمامه على التلفزة كائنات عجيبة تقرأ إنشاءات طويلة بالعربية الفصحى والفرنسية في نشرات الأخبار والخطابات وجلسات البرلمان والبرامج الحوارية المتفصحة والمتفرنسة في مشهد سوريالي عجيب. ولا يفهم ذلك المواطن إلا إشهارات مسحوق الغسيل والقهوة وأتاي والتعبئات التي تحرص الشركات بدهاء وذكاء على بثها بالدارجة (ومؤخرا بالأمازيغية) لأن خبراء التواصل في تلك الشركات يعرفون أن اللغة الأم تنفذ إلى أعماق العقل البشري.
وكذلك الدولة تحرص كلما دقت ساعة الحقيقة على مخاطبة المواطن بالدارجة والأمازيغية في كل بروباغانداتها الحاسمة كالدعوة إلى الاستفتاءات والانتخابات والإحصاءات السكانية والتوعية الصحية.
أما إنشائيات نشرة الأخبار العربية والفرنسية فلا يفهمها المواطنون إلا جزئيا وبشق الأنفس. ثم يأتي ويشتكي المثقفون والسياسيون من عزوف المواطنين عن السياسة والجمود السياسي القاتل بالمغرب!
4) الشعب المغربي الأبكم:
الشعب الأبكم (الممنوع من الكلام والكتابة وممارسة السياسة بلغته الأم) لن تتوقع منه أي تقدم، وسيكون دائما عبدا للدولة لا يستطيع مواجهة أكاذيبها البلاغية الإنشائية ولا يعرف كيف يدافع عن حريته، وسيكون مقلدا للأجانب يتماهى مع السعوديين واللبنانيين والفرنسيين والإسبان ويتذلل إليهم بلغاتهم ولهجاتهم ويتبنى بالتالي عقلياتهم وقضاياهم وحروبهم ويصبح خادما لهم بشكل مباشر أو غير مباشر.
وبسبب حالة البكم التي فُرِضَتْ على الإنسان المغربي منذ 1912 فإن هذا الإنسان أصبح ضعيف الثقة بلغته الأمازيغية والدارجة، فتجده يخجل منهما ويتخلى عنهما في أقرب فرصة أمام الكاميرا أو وراءها وأمام كل من هب ودب من سياح ولاجئين، ويتبنى لهجات ولغات الأجانب ولو كانوا من بلدان أقل شأنا من المغرب مثل بلدان الشرق الأدنى (أو ما يسمى خطأ بالشرق الأوسط).
لكي يسترجع الشعب المغربي قدرته على الكلام الطبيعي يجب عليه أن يقرأ ويكتب ويناقش ويمارس السياسة والإعلام والتعليم بلغتيه الشعبيتين ألا وهما الأمازيغية والدارجة، وليس أن يسند لهاتين اللغتين الشعبيتين وظيفة التهريج و"التفلية" و"الشطيح الرديح".
وهذا لا يعني منع العربية الفصحى أو محاصرتها. فإذا أرادها قسم من الشعب المغربي فستستمر طبعا. والجميع في النهاية حر في أن يكتب ويقرأ باللغة التي تعجبه أو التي تنفعه أو أن يتبنى عدة لغات.
5) الأمازيغية ماشي ديال الفولكلور والدارجة ماشي ديال التمسخير والتفلية والطنز:
بسبب الترويض والتدجين الذي تعرض له العقل المغربي خصوصا (والأمازيغي عموما) من طرف الاستعمار ومن طرف الدولة الاستبدادية فقد ترسخت في ذلك العقل صور نمطية عن اللغتين الأمازيغية والدارجة. فالأولى يضعونها في قوالب أحيدوس و"الشطيح والرديح" والفولكلور الأمازيغي الجامد والثانية يضعونها في قوالب "التمسخير" و"التفلية" و"حشيان الهضرة" و"الطنز" والعدمية.
وهناك مواقع مغربية تنشر من حين لآخر مقالات (أو عناوين مقالات) بالدارجة وأحيانا بالأمازيغية ولكنها مشبعة دائمة ب"التمسخير" والكوميديا السوداء والعدمية وهذا يشير إلى أن هؤلاء الكتاب الصحفيين لا يعاملون الأمازيغية والدارجة كلغتين حقيقيتين وإنما كأداتين ل"التمسخير" و"التقشاب".
لم أقرأ في حياتي مقالا بالدارجة خاليا من "التمسخير" و"التفلية" و"الطنز" إلا مقالات أو تدوينات الطبخ المغربي المكتوبة (بالدارجة) من طرف بعض المدونات كهواية. أما القلائل الذين يكتبون باللغة الأمازيغية فلا تخرج مقالاتهم غالبا عن مواضيع الأمازيغية نفسها وفولكلورها (بدل الكتابة عن السياسة والعلوم والرياضة مثلا) وبالتالي يدورون في نفس الحلقة المفرغة.
6) الأمازيغية ليست ماركة مسجلة باسم الإيركام أو الدولة وكذلك الدارجة ملك لجميع المغاربة:
يردد التعريبيون والإسلاميون (وحتى المخزن) عبارة "الأمازيغية ملك لجميع المغاربة" وهي عبارة صحيحة طبعا. ولكنهم ينسون أن اللغة الدارجة (بلهجاتها) هي أيضا ملك لجميع المغاربة رغم أن ليس كل المغاربة ناطقين بالدارجة، وإنما 73.3% من المغاربة ناطقون بالدارجة كلغة أمّ بينما 26.7% من المغاربة ناطقون بالأمازيغية كلغة أمّ إذا صدقنا إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط (HCP).
الحقيقة الواقعية هي أن اللغة ملك لمن يستخدمها ويهتم بها وتسقط ملكيتها عن من يهملها ويتجاهلها.
وبما أن الصحف والمواقع الصحفية المغربية تزعم أنها موجهة لكل المغاربة فعليها أن تبدأ في مخاطبة المغاربة بلغتهم الأم: الأمازيغية والدارجة.
لهذا يجب على كل المواقع الصحفية المغربية المسؤولة أن تبدأ على الأقل في تخصيص قسم (حتى لا أقول "ركن") للمقالات والأخبار السياسية والاقتصادية والرياضية المكتوبة بالأمازيغية والدارجة بجانب مقالات الرأي بالأمازيغية والدارجة.
فالشعب لا تنطلق قوته الإبداعية والتغييرية إلا حين يفجرها بلغته الأم التي بها يفكر وينطق كل يوم.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.