كانت الجماهير تتحلق حول نار مشتعلة وهي تكبر في هستبريا جماعية..النار كان دخانها يصل الى عنان السماء.كان الجميع يرقصون فرحا ويهتفون بالنصر المبين للخليفة ابو يوسف يعقوب المنصور وبإطالة حياته لأنه خلصهم من كتب الردة والكفر بأن أمر بإحراقها. غير بعيد عن هذا المكان ومن خلال شرفته المطلة على الساحة كان هناك رجل ينظر الى المشهد ويحولق ويقول «الحمد لله أنني أرسلت بعض النسخ الى الشمال مع تلاميذي قبل أن تصلها يد الرعاع " كان اسم الرجل ابن رشد وفي مقابلة للتاريخ الذي يعيد نفسه بنفس الشكل او أردأ. يقف رجل عربي اخر امام العالم وفي بث مباشر ليمزق كتابا اخر يتضمن ميثاق الاممالمتحدة ويرميه في وجه الحضور بدعوى أنه لا يصلح لشيء. فمن نصدق اذن ابن رشد نتاج العقل ام القذافي نتاج الشعبوية؟ وفي مشهد أخر ومن داخل نفس اروقة الاممالمتحدة كذب الحمهوريون على العالم بدعوى امتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل وروجوا لخطاب شعبوي يقوم على تخويف الناخب الامريكي من العرب والاسلام خصوصا بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية. ولم يفلح وزير الخارجية الفرنسي بخطابه التاريخي الذي تنبأ بالكارثة و الذي صفق له العالم طويلا في تني أمريكا على احراق بغداد وتفكيك مفاصل الدولة ممهدين لاحتقان طائفي ومد ارهابي تمثل في اقامة دولة للرعب على انقاض الخراب والذي تطلب استأصالها خرابا اخر يبدو أن الشعبوية داء يخترق التاريخ والشعوب على حد سواء ويسبب ابشع الكوارث فالحرب العالمية الثانية وكوارتها العسكرية والانسانية والعرقية لم تكن الا من صنع تلاثة من عتاة الشعبويين.هتلر.موسيليني وفرانكو، كما يمكن ان نجدها سياسيا في أحزاب اليسار واليمين والوسط وحتى تلك التوجهات السياسية التي ترفض التصنيف بدعوى اصطفافها الى جانب الشعب ان الحديث عن طهرانية شعب بدعوى انتمائه لأرض مقدسة او الى عرق اسمى كما هو حال المتطرفين اليهود او المسلمين او التوتسي في مقابل الهوتو او دغدغة عواطفه بأنه ذو السبق والفضيلة والامتياز وبأنه صاحب الحق الالهي.وانتاج خطاب يتماهى مع هلوسات الجماهير وهرطقاتهم او صناعة فن ردىء بدعوى ان "الجمهور عايز كده" هو من جعل الرداءة تتصدر المشهد على جميع المستويات دينية سياسية اعلامية و على وسائط التواصل الاجتماعي التي تعج بفوضى لا يبدو انها خلاقة بل تجر البشر نحو الهاوية لقد تصدر الشعبويون المشهد بوصول ترامب الى سدة الحكم. وتم توريط البريطانيين في كابوس بريكست الذي لم يصحو منه بعد والذي يستعجلهم الان للانفصال عن الاتحاد الاوروبي.بينما كاد نفس الخطاب ان يفجر اسبانيا من الداخل ويقسمها الى دويلات على شاكلة ممالك الطوائف..ولازال العقل الفرنسي يقاوم تطرف الجبهة الوطنية بتوليفة يقودها ماكرون لا هي باليمين ولا هي بالوسط . لكن الى متى سيصمد الفرنسيون امام جادبية مثل هكذا خطاب والذي يطرح الحلول لكل شيء وباي شيء في نظرة تبسيطية واختزالية في امريكا اللاتينية ترك هوجو تشافيز فنزويلا في معمعة الانهيار والافلاس حتى اصبح الشعب الذي هتف بحياة القائد الملهم- و الذي خيب ظنهم بأن مات- لا يجد ما يسد به رمقه اما في العالم العربي فان الخطاب الشعبوي كما باقي العالم فانه يجد مرتعا له في وسائط التواصل الاجتماعي على اختلاف اشكالها، ويكفي ان نقوم باطلالة وقراءة التعاليق التي تقول بلا جدوى المؤسسات والاحزاب والبرلمانات والكفر المطلق بالعملية الديقراطية وتمجيد الارض والعرق حيث نجد على امتداد الخريطة العربية دليلا على ذلك. ويبقى الخطاب الديني الشعبوي المغدي الاول و بامتياز للتطرف وكراهية الاخر.فكيف ياترى استطاع الخطاب الداعشي ان يجيش كل هذا الكم الهائل من الواهمين عبر العالم وان يصور لهم الخلاص في دولة الجحيم؟ يعرف الباحث الأمريكي مارك فلورباي من جامعة برينستون الشعبوية بانها البحث من قبل سياسيين يحضون بكاريزما عن دعم شعبي مباشر في خطاب عام يتحدى اىمؤسسات التقليدية الديقراطية اما فليب روجيه مدير مجلة "كريتيك" فيشير الى ان الشعبوية توجد في كل مكان لكن من دون تعريف لها ويقول هذا الجامعي انه حتى اليوم لا يزال من الصعب تحديد هذا المصطلح لأنه يثير جدلا ويعني ظواهر في غاية الاختلاف في حين يذهب اوليفييه ايهل خبير الأفكار السياسية في معهد العلوم السياسية في غرونوبل أن صعوبة تحديد معنى للكلمة تكمن في أنها ليست مفهوما. ويضيف انها لا تستخدم للتوضيح بقدر ما تستخدم للتنديد.انها مصطلح يمكن أن يحل محل مفردات أخرى حسب الحالات مثل القومية والحمائية وكراهية الاجانب والشوفينية وتبسيط الأمور يقول ميشيل اوفري في معرض جوابه على مبادرته تدريس الفلسفة لأطفال الابتدائي "ان اطفالا درسوا الفلسفة والفكر النقدي لن يصوتوا على امثال دونالد ترامب او ماري لوبين" من هنا يبدو ان مدخل التربية يمكن اعتباره الحل لمواجهة الفكر الشعبوي الصاعد.اذ ان المدرسة في ابعادها المتعددة اكانت تأهيلية او جامعية او معاهد للبحث العلمي تبقى آخر قلاع التنوير وأنه رغم محاولات بسترتها واختراقها تبقى عصية على التطويع بل ان محاولة جرها لمنافسة الخطاب التبسيطي داخل وسائط التواصل الاجتماعي باءت بالفشل لدرجة ان خطابا أخر يقول بتجاوزها لعدم جاذبيتها بدعوى ان الطلبة والتلاميذ أصبحوا ينفرون من الخطاب التعليمي وهنا يكمن دور المؤسسة التعليمية في تصريف خطاب عقلاني ونقدي بخلاف ما هو سائد.ويمكن ان تكون التربية ومن خلال وسائط التنمية الاجتماعية من أندية وجمعيات للمجتمع المدني وأحزاب ونقابات واعلام خندقا للوقوف في وجه المد الجارف للخطاب الشعبوي. حينما قامت مليشيا الطالبان بتدمير تمثالي بوذا وهتفوا فرحا بذلك.وحينما تحدث ترامب عن اقامة صور لمنع وصول المهاجرين الى امريكا وحينما يقتحم المتطرفون اليهود الاقصى ويهتفون باقامة هيكل الملك سليمان فانهم وعلى اختلافهم يمتحون من نفس الخطاب الذي يمجد الذات وينبذ الاخر ويبرر كرهه وحتى تصفيته. ان الخطر الداهم على البشرية ليس التلوث الذي يمكن التحكم فيه ببعض الاجراءات الاحترازية وليس السباق نحو التسلح الذي يبدو انه اقتصادي بالأساس ولكن هذا المد من صعود الشعبويين الذين لن يتوانوا وفي حمأة انجرافهم نحو تبجيل خطاب تبسيدطي يعتبر ان الاخر هو مصدر كل المشاكل ليتم جر الشعوب الى حروب عالمية تكون الكراهية وقودها و الشعبويون امراء حربها.