بعد أن أتمت حكومة عبد الإله بنكيران مائة يومٍ من عمرها، غدا السؤال مطروحاً بشأن الخطوات الأولى للحكومة الملتحية، في مساءلةٍ لالتزاماتها بالوعود التي أطلقتها إبان الحملة الانتخابية، و قد شكل هذا التساؤل محور ملف أعدته تيل كيل لأجل تقييم أداء الحكومة بعد مضي ربع عام. فمائة يوم كانت كافية لإعادة حكومة بنكيران إلى أرض الواقع، بإثارة معدلات النمو الجسورة، و المجابهة مع مستشاري الملك، و رصد حماس البداية. وقد أدرك رئيس الحكومة استعجاليةَ الوضع الموسوم بأعمال شغبٍ تشهدها المدارات الحضرية، وموسم فلاحي جاف، فضلاً عن إضرابات تتكرر من حين لآخر. في غضون ظرفية لم تذر متسعا من الوقت أمام أول حكومة إسلامية في تاريخ المملكة، رغم أن السلطة التنفيذية قد باشرت ملفاتها الملحة ك: الرقابة على الصحافة، و قضية أمينة الفيلالي، علاوة على النقاش المفتوح بشأن الإجهاض، في ظل ضعف يسم التضامن الحكومي الذي يبقى هشاً رغم عدم تصدعه التام. بيد أن حكومة بنكيران أحرزت في المقابل مجموعة نقط إيجابية، نذكر منها على سبيل المثال نشرَ لوائح المتستفيدين من الكريمات، زيادة على إصدار العفو عن شيوخ السلفية، إلى جانب مباشرة ملفات الفساد الكبرى، وإن كانت الحكومة قد أخفقت أمام القصر من خلال سماحها بتعيينات في مجلس الوزراء، وموافقتها على مشروع القطار الفائق السرعة (TGV) في خضم الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد. العفو عن شيوخ السلفية عانق شيوخ السلفية في شهر فبراير من عام 2012 الحريةَ مجددّاً بعد ثمانية أعوام من السجن بسبب اتهامات متعلقة بالإرهاب و التطرف الديني. في أول مكسب يحققه وزير العدل و الحريات مصطفى الرميد الذي كان محاميا للشيوخ الثلاثة الذين شملهم العفو. يقول الرميد" لقد قمت باقتراح أسماء الشيوخ على صاحب الجلالة الذي استجاب لطلبي"، و إن كان الوزير قد أبدى أسفه إزاء استثناء الصحفي رشيد نيني من العفو ف"رغم ورود اسمه في اللائحة إلا أن صاحب الجلالة قال لي إنه كان سيعفو عن نيني لو أنه أساء لشخصه، لكن نيني أساء لمؤسسات في الدولة، و بالتالي ليس بوسعه أن يعفو عنه" كما ذكر وزير العدل على وجد التحديد. و في سعي شيوخ السلفية إلى الاندماج في المشهد السياسي و الإعلامي و الجمعوي الجديد، لا يُستبعدُ أن يقدموا على تأسيس حزب سياسي أو جمعية للدفاع عن مصالحهم و لأجل تعزيز أفكارهم. الترخيص للبنوك الإسلامية و هي فكرة غدت تشق طريقها بتؤدة، فالحكومة تطمح لتشجيع إرساء أولى البنوك الإسلامية بالمملكة. فيما يرتقب أن يوضع مشروع قرار أعده المكون الإسلامي على طاولة المشرع. وتبدو حوافز هذا الإجراء متعددة حسب اقتصاديي الحزب، من بينها توسيع دائرة المستفيدين من الخدمات البنكية، فضلا عن تشجيع الاستهلاك الداخلي و الرفع من معدلات النمو. ثم إن المشروع سيفتح شهية المؤسسات المالية ببلدان الخليج الجاهزة لاستثمار ملايين الدولارات في ميدان لا يزال بكراً. مع العلم بأن البنوك الإسلامية لن تعوض النظام البنكي القديم بل ستنافسه عبرَ إتاحة خيارات متعددة أمام الزبون. امتصاص الغضب سعت الحكومة فور تسميتها إلى امتصاص غضب الشارع باعتباره من بين أولى الملفات الساخنة لحكومة كان السبب في وصولها إلى السلطة. و بعد عدة مبادرات للحوار خصوصاً مع العاطلين من حاملي الشهادات الذين لجأوا إلى احتلال الإدارات العمومية، أعرب بنكيران عن نيته اللجوء إلى القوة لاستعادة هيبة الدولة. حماية الفصل 475 وسَّعتْ قضية أمينة الفيلالي الهوَّةَ بين حكومة محافظة و وسط تقدمي بشأن الفصل 475 من القانون الجنائي، الذي ساعد مغتصب القاصر على الإفلات من العقاب، غير أن وزير العدل و الحريات مصطفى الرميد ذهب إلى أن القانون قد طُبِّقَ بحذافيره في حالة أمينة الفيلالي التي دخلت في علاقة زواج بكامل رضاها، رغم علامات الاستفهام الكثيرة المطروحة بخصوص موافقة قاصر في ربيعها الخامس عشر. و بدل الإجابة عن أسئلة تبدو ملحة فضلت وزيرة التضامن و المرأة و الأسرة و التنمية الاجتماعية بسمية الحقاوي اللجوء إلى مبرر اجتماعي، و النظر إلى تزويج المغتَصَبَة من مُغْتَصِبِهَا كأمر لا ينطوي على أذى حقيقي. في تزكية للتشبث بالتقاليد القديمة في التشريعات الوطنية التي تلحق ضرراً بالكمال الجسمي للنساء و الأطفال. عدم مقاطعة مشروع القطار الفائق السرعة (TGV) عرفت مواقف قياديي حزب العدالة و التنمية تغيراً جذريا من مشروع التي جي في، فبعد أن وُصِفَ بالأمس من قبل الحسن الداودي بذي التكلفة الباضهة و بعديم الجدوى أضحى اليوم مشروعا لا يمكن الاستغناء عنه. " لا يمكننا ان نرجع إلى الوراء، فالعقد تم توقيعه و يتعين أن يكون موضع فخر. و من شأن القيام بالعكس أن يمس بشكل خطير بمصداقية المملكة على المستوى العالمي" يوضح الوزير. و يشار أنه قد تم التخمين سلفاً بمنح خمسة مليارات درهم لإنجاز الشطر الأول من المشروع، إلى جانب التزام الحكومة بإنجاز الشطر الثاني الرامي إلى ربط الدارالبيضاء بمراكش قبل عام 2015. "وزراء البجيدي" أقل تكلفة للدولة يبدُو أن عبد الإله بنكيران ووزارءَه لا تحدوهم رغبة للتباهي، فرئيس الحكومة لا يزال رافضاً لانتقاله من منزله المتواضع بحي الليمون في الرباط. فيما يقود وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة سيارته بنفسه. أما مصطفى الرميد فيتنقل بين الرباط و الدارالبيضاء عبر القطار، في وقت يؤكد فيه لحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان أنه لا زال يتردد على مسجد و حمام حيه، فهل تجد هذه التصرفات تفسيرها في الرغبة في إثارة زوبعة إعلامية أم انها تنم حقاّ عن رغبة صادقة لتجنب إثقال كاهل الميزانية؟ يرد الوزير بقوله إن" مثل هذه التصرفات ضرورية لترسيخ فكرة القطيعة لدى الرأي العام. فالحكومة حددت خطة لتجنب المصاريف غير الضرورية في مختلف القطاعات" لانه لا يحق للدولة أن تعيش في بحبوحة لا تملك القدرة عليها" كما يخلص إلى ذلك الوزير. الإخفاق في الكشف عن راتب غيريتس إن كانت الحكومة قد أفلحت في الكشف عن قائمة المستفيدين من الكريمات، فإنها أخفقت دائماً في الكشف عن راتب الناخب الوطني إيريك غيريتس رغم كون نواب العدالة و التنمية من أشد القلقين إزاء الموضوع. بل إن وزير العدل و الحريات ذهب إلى حد اعتبار الأمر احتقاراً للمغاربة و ممثليه داخل البرلمان. في هذه الحالة، يضحي التساؤل مشروعا حول الأمر الذي يمنع الحكومة من تصحيح ما وصفته ب"الانحراف"، ففي الوقت الذي يقذف فيه وزير الشباب و الرياضة بالكرة إلى ملعب الجامعة الملكية لكرة القدم، تختبئ الجامعة بدورها وراء ستار سرية العقد الموقع مع المدرب البلجيكي، و هو أمر وصفه زعماء البيجيدي بغير الدستوري قبل استلامهم مقاليد السلطة. نحو تقنين الصحافة الإلكترونية في انتظار تعديل مدونة الصحافة، اتجهت الحكومة الجديدة صوب ورش الصحافة الإلكترونية. إذ أكد وزير الاتصال أنه لم يعد من الممكن تجاهل الصحافة الالكترونية بعدما أضحت وسيلة إعلامية قائمة بذاتها و نظراً لوجود أربعمائة موقع إخباري بالمغرب. و قد استهل الوزير المعني مسار التقنين بتنظيم يومٍ دراسي بالرباط حضره القائمون على المواقع الإلكترونية. و من بين التوصيات التي خرج بها اللقاء إصدار كتاب أبيض للنهوض بالقطاع، ووضع ميثاق يحدد أدبيات المهنة، فضلاً عن منح بطاقة صحفي للصحفيين الالكترونيين. علاوة على ذلك، طرح الوزير فكرة تقديم الدعم العمومي للمواقع الإلكترونية كما هو الشان بالنسبة للصحافة المكتوبة، والنقاش جارٍ الآن بخصوص المعايير التي سيتم اعتمادها في انتقاء المواقع المستفيدة وقدر الإعانات التي ستقدمها الدولة. الإيمان بالوحدة المغاربية خصَّ وزير الخارجية و التعاون سعد الدين العثماني الجزائَر بأُولى زياراته، و قد حظي زعيم الديبلوماسية المغربية بحفاوة الاستقبال من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي اتفق معه على إطلاق مسار تطبيع العلاقات بين البلدين، كما أن العثماني استقبل في مكتبه بالرباط زعماء الديبلوماسية في الأقطار المغاربية الخمسة. إلى جانب ذلك، تتجه كل من تونس و ليبيا بعد خلع من زعيميهما، نحو مد جسور مع مملكة محمد السادس، و رغم بعض الحوادث العارضة تبقى موريتانيا متمسكة بالتعاون الأمني مع المغرب. فهل سيبعث الاتحاد المغاربي مع وصول الأحزاب الإسلامية إلى السلطة؟ يبدو إعطاء جواب جامع مانع أمراً صعباً. التوجه نحو إحداث تقارب مع تركيا كان العثماني أول وزير خارجية مغربي يقوم بزيارة رسمية إلى تركيا بعد 25 عاماً، فيما يبدو أن حزب العدالة والتنمية الذي لم يخفِ يوماً إعجابه بالنموذج التركي، يطمح لتقوية الروابط التجارية و السياسية بين الرباط و أنقرة. و هو أمر جيد إذا علمنا أن بلد أرودغان يمثل اليوم قوة اقتصادية و عسكرية لا يمكن الالتفاف عليها بالمنطقة. و هي التي تمتد على أوربا و آسيا. فضلاً عن استحضار حجم الاستثمارات التركية التي يمكن جلبها إلى المغرب. محاربة اقتصاد الريع كان عبد الإله بنكيران قد وعد بمحاربة اقتصاد الريع في حال فوزه بالانتخابات. و قد تحرك لأجل الغاية المذكورة بعد شهرين من تسمية حكومته، عن طريق وزارة التجهيز و النقل. إذ قام عبد العزيز رباح بنشر قائمة المستفيدين من الكريمات. و هي ثورة صغرى يتعين الاحتفاء بها. لأن رباح الذي حل محل غلاب لم يفصح عن لائحة المستفيدين من رخص مقالع الرمال و رخص الصيد في أعالي البحار والتي يستأثر بها كبار رجال الجيش و المقربون من النظام. وتكمن خيبة الأمل الثانية في أن الكشف عن لائحة المستفيدين من الكريمات لم يعقبه أي إجراء لتفكيك نظام الريع أو لتطهيره على الأقل. إدارة غير موفقة لأحداث الشغب عقد بتازة جمعٌ لسبع عشرة منظمة غير حكومة على ضوء الأحداث التي عرفتها المدينة في فبراير من عام 2012. و خرج الجمع بخلاصة مؤداها أن الحكومة لم تحسن التعامل مع الوضع. إذ أن النسيج الجمعوي أدان الاستعمال المفرط للقوة في قمع الاحتجاجات" خاصة في حي الكوشة. بيد أن تازة ليست إلا مثالاً من بين حالاتٍ أخرى مماثلة. فخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، اندلعت أحداث شغب تقريباً في عموم البلاد على خلفية المطالب الاجتماعية، و قد دامت المواجهة مثلاً عدة أيام ببني بوعياش بين المحتجين و قوات حفظ النظام. لتتم إعادة نفس السيناريو ببني ملال وسيدي إفني. بينما تفضل الحكومة في كل مرة التواري عن الأضواء إلى حين هدوء العاصفة. إذ لم يتنقل أي وزير إلى تلك المناطق بهدف الحوار مع ساكنتها في سعي إلى احتواء الغضب.