تمرير مشروع قانون المسطرة الجنائية    عندما تتحول القرارات السياسية من حسابات باردة إلى مشاعر مُلتهبة    بنعلي: الطاقة المركبة من مصادر متجددة تسجل ارتفاعا فاق 5 في المائة بين 2021 و2025    من الرياض.. ترامب ينهي العقوبات على سوريا ودمشق ترحب بالخطوة    السكوري: الحكومة تتطلع إلى مواصلة تحسين مؤشرات التشغيل لخفض البطالة إلى مستويات معقولة خلال السنة الجارية    أجواء ربيعية غير مستقرة بالمغرب.. زخات رعدية وبَرَد وانخفاض في درجات الحرارة بعدد من المناطق    نزار بركة يستقبل وفد الحزب الشيوعي الصيني ويؤكد تقاطع الرؤى حول السيادة والتنمية والسلام    ترامب: السعودية ستنضم إلى الاتفاقيات الإبراهيمية "في الوقت المناسب"    فضيحة اختطاف معارض في فرنسا تهز النظام الجزائري: خمسة موقوفين وتحقيقات تصل إلى تبون    إسرائيل تواصل هجماتها الدامية على مستشفى خان يونس وتقتل 28 شخصا    الداخلة تستقبل السفير الهنغاري: آفاق جديدة للتعاون والاستثمار بين المغرب وهنغاريا    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون يتعلق بجبايات الجماعات الترابية    حريق مهول قرب مصنع للعجلات المطاطية بمنطقة "طنجة تيك" واستنفار واسع للسلطات    تفكيك شبكة دولية لتهريب المخدرات وغسل الأموال بين المغرب وإسبانيا.. توقيف 15 شخصاً ومصادرة ممتلكات بالملايين    بميناء الناظور.. جهاز السكانير يفضح محاولة تهريب 13.980 قرصاً من أخطر المؤثرات العقلية    إحباط محاولة تهريب حوالي 14 ألف قرص إكستازي بميناء الناظور على متن شاحنة.. وسائقها في قبضة الأمن    صحيفة فرنسية: المغرب يحصد ثمار إرادة سياسية قوية لدعم بيئة الشركات الناشئة    مَأْزِقُ الإِسْلاَمِ السِّيَاسِي    درك باب برد يطيح بمشتبه فيه رئيسي في ترويح مخدرات قوية بالمنطقة    نادية فتاح: حجم الدعم المخصص للمواد الأساسية تجاوز 100 مليار درهم خلال الفترة ما بين 2022 و2025    الشعب المغربي يحتفل بالذكرى ال69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    بورصة البيضاء تنهي التداول بالأخضر    الركراكي: حكيمي قائد حقيقي ومرشح للكرة الذهبية    هشام بلاوي الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة    ‮«‬الأسد ‬الإفريقي ‬2025‮»‬: ‬أكبر ‬مناورة ‬عسكرية ‬في ‬القارة ‬تنطلق ‬من ‬المغرب ‬بمشاركة ‬أمريكية ‬ودولية ‬واسعة    المجلس الوزاري: حول الأسماء والأشياء!    محمد وهبي يؤكد أن شبان المغرب قادرون على تحقيق أشياء عظيمة    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة محليا بتساقط للبرد بعدد من مناطق المملكة    الاستقلال يدعو لفتيت إلى تسريع مراجعة القوانين الانتخابية استعدادًا للاستحقاقات المقبلة    وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية: الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية "تحت السيطرة"    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    الصين تعزز شراكتها مع أمريكا اللاتينية بخمس مبادرات تنموية وإنسانية جديدة    صافرة رومانية تضبط نهائي دوري أبطال أوروبا    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    في برنامج "مدارات" : لقاء مع الباحث الأستاذ أحمد متفكر ، وحديث حول سيرة محمد ابن الموقت المراكشي    أسعار ‬الأسماك ‬في ‬ارتفاع ‬متواصل ‬وسمك ‬الفقراء ‬بات ‬نادرا ‬في ‬الأسواق    اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية.. انتخاب سفيان البقالي رئيسا للجنة الرياضيين    انطلاق أشغال الدورة التكوينية للحصول على رخصة التدريب المستوى الثاني لكرة القدم الشاطئية    مراكش ومدن مغربية أخرى تحتفي بموسيقى موزارت لتوحيد المواهب المتوسطية    غزة تحاصر كان.. 380 فنانًا يتهمون إسرائيل بالإبادة    الرباط تحتضن أول مهرجان لفن الراب "212'FlowFest"    تقرير دولي يكشف: المغرب أرخص دولة في تصنيع السيارات.. والسعر سيُفاجئك    المجنونة المتحرِّشة بالنساء الحوامل    المغرب الفاسي يثق في منتوج النادي    شرطة ألمانيا تفكك "شبكة متطرفة"    لتضيء نضالات الأمس دروب الغد    مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    الهيئة المغربية لسوق الرساميل تؤشر على المنشور المتعلق ببيع أسهم "رونو"    برشلونة على أعتاب لقب "الليغا" وريال مدريد يودّع أنشيلوتي    حكيمي يعزز استثماراته الرياضية بشراء نادي إسباني    تركيا.. أزيد من 64 مليون مسافر عبروا مطارات البلاد خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشواقها نغم تترنّم به النوارس
نشر في هسبريس يوم 20 - 02 - 2022

ترسل لكَ عبر الرياح أشواقها آناء الليل وأطراف النهار. وهل ثمة ما هو أفضل، وأجمل، من الرياح لتبليغ الأشواق؟
تصلك أشواقها أنّى كنت، وأنّى ذهبت. ترصدك، وتترصّدك لك، إلى أن تلقي عليك القبض هاربا. تلاحقك من فورها، وتلحقك، دون أن تخطأ في هويتك، أو تتيه في طريقها إليك. بيد أن عادتك السيئة جدا تدفعك إلى أن تتجاهل، وتتجلّد، وتحاول أن تبدو كأن شعرة لم تهتزّ في مفرقك. وبقدر ما يزيد عنادك بقدر ما يزيد إصرارها. سلطتها تكمن في أنها تعرف أنك لا تستطيع أن تقاوم طويلا، والشوق يهزمك سريعا، فتُلقي ما في يدك كاملا، وتهرع إلى نفض الغبار عن حقائبك.
تلك هي مدينة الصويرة. اسمها القديم موكادور من ميكدور، التي تعني، في اللغة الفنيقية، "الحصن الصغير". ما عاد، اليوم، ذلك الحصن الصغير صغيرا، فقد كبر في الواقع، كما في الوجدان. أضحى الحصن مدينة تسكنها الرياح، يتداخل في معمارها ما هو محلي بما هو أجنبي، وعاشت وتعايشت فيها أديان مختلفة، وحلّت عليها بركة محمد، ويرقد فيها سيدي بلال رقاده الأبدي، وجمالها سرّ لا يتقاسمه اثنان، ودونه ضُرب حجاب، وأُغلق عليه باب.
أُحيطت المدينة بأسوار، بها أبواب معلومة وأبراج مراقبة، لجعلها منيعة، وفي مأمن من الأعداء. ويشهد التاريخ على أن المدينة ما كانت منغلقة على نفسها أبدا، وما كانت مجال صدّ وردّ فقط، وإنما ظلت نقطة اتصال بين الداخل والخارج، بين البرّاني والجوّاني. تسوء الأوضاع، بين مد وجزر، بين أطماع ودفاع، بين تحارب وتجاذب، فتنغلق ثم تعود سريعا إلى الانفتاح. لا طاقة لمدينة على أن تغلق أبوابها أمام البحر طويلا. قبالة البحر تنتصب المدافع، لكن البحر مهيب ولا يهاب المدافع. يقضي نهاره يرنو إلى مدينته الحسناء يغمر جسدها بمياهه.
تعدّ لنفسك كأسا من الشاي. عندما يصير جاهزا ترتشفه ارتشافا، ثم تجلس تتأمل وريقات رقدت في قعر الكأس كما لترتاح من سفر طويل. تنظر إليها، ثم تعيد النظر، فتجد نفسك، هكذا فجأة، في مدينة الصويرة. فعن طريق ميناءها عبَر الشاي، كلمة ومواعين وثقافة، من قارة إلى قارة عبر قارة ثالثة، من الشرق إلى الشمال ثم إلى الجنوب، من أسيا إلى أوربا ومنها إلى الصحراء.
من ميناء المدينة انطلقت القوافل تجوب الصحراء لتحط الرحال في مدن صحراوية كثيرة واسطة عقدها تومبكتو. لا شك اليوم في أن الكثير من العادات والتقاليد قد تغيرت بشكل كبير في المجتمع الصحراوي التقليدي، إلى حد يمكن معه القول إنه في طور النهاية، لكن الشاي ظل محافظا على قوة حضوره، وحافظت طقوسه على جماليتها. من الواضح أن الصحراء مدينةٌ للصويرة بالشيء الكثير.
تغمض عينيك، وتسمع اصطداما بعيدا بين الحديد والحديد. حروب غير متكافئة كثيرة جرت ربحها الرابحون وخسرها الخاسرون. تم اقتياد الخاسرين من السودان بمعناها القديم، بعيدا، وكان الوطن، في غفلة من الجميع، محمولا في دمهم، وقد ظل على الدوام ساخنا، وحارّا، ومؤججا، وينتقل من جيل إلى جيل.
تراهم اليوم يستعيدون التاريخ، يسدّدون دينا رمزيا للذين قضوا نحبهم، ويذكرون من ينتظر، يرسمون بأجسادهم لوحات عن حياة ظل هؤلاء يحلمون بها عبثا. تراهم يتقافزون إلى الأعلى، إلى السماء، يحتفون بمتعة التحرّر والانعتاق، يميلون بنشاط، إلى هذا الجانب أو ذاك، ضد السلاسل والقيود، وتسمع أرجلهم تردّد نشيد الأرض الأبدي دون وجل.
صوت القراقب يتعالى، ويتوالى دق الطبول، وتتلوى أوتار الكمبري نشوة. يأخذك كل ذلك من نفسك، فتجد نفسك منخرطا في طقس شعائري مقدّس. انخراطك في حمى الرقص يكشف القناع عن ذاك الفنان المجنون الذي لا تعرف هل تسكنه أم يسكنك. في القديم، كان الإغريق يقولون إن الشخص غير المتعلم شخص لا يعرف الرقص. فالرقص هو علامة الإنسان المتعلم الفارقة. ورقصك شطحات ترتدي فيها الروح عباءة الجسد، ويصير الجسد روحانيا، وبوابة يصير عبرها غير العياني عيانيا، وغير الملموس ملموسا.
في النهاية، كما في البداية، لا يمكنني الصويرة إلا أن ألبي نداء الأشواق. أنا قادم، ولا يمكنني إلا أن آتي. ولأن الأذن تعشق قبل العين أحيانا، فإن معي، هذه المرة، منْ أحبكِ بهذه الطريقة ويتحرّق شوقا إليكِ. أربط فيك ماضيا بعيدا، منذ اللقاء الأول قبل أن أكون وأن أصير ما أنا عليه من لوعة، بحاضر جميل ومديد. افتح يا باب البحر أبوابك، فما عاد بوسع الانتظار أن ينتظر أكثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.