نقابة "البيجيدي" ترفض مقاربة الحكومة للحوار الاجتماعي    أمطار قوية أحيانا رعدية غدا الأربعاء بعدد من أقاليم شمال المغرب    أسعار النفط تهبط للجلسة الثالثة ترقبا لمباحثات هدنة في غزة    "الأمم المتحدة": تدخل الشرطة "غير متناسب" ضد احتجاجات الجامعات الأميركية    ال"طاس" تصفع النظام الجزائري وترفض طلب الاتحادية الجزائرية بشأن مباراة اتحاد العاصمة وبركان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    حريق المتلاشيات بإنزكان.. العثور على جثة متفحمة والأمن يفتح تحقيقا (فيديو)    الدكتور هشام المراكشي يصدر مؤلفه الجديد 'نوازل العقار في الفقه المالكي والعمل بأحكامها في القضاء المغربي    السكوري: الحوار الاجتماعي نال إعجابا دوليا.. وأولويتنا تحسين دخل الشغيلة    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    التلسكوب الفضائي"جيمس ويب" يلتقط صورا مفصلة لسديم رأس الحصان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الناصيري ل"الأيام 24″: أشغال ملعب "دونور" تسير بوتيرة سريعة ومعالم الإصلاح ستظهر قريبا    أندية سعودية تغري "وست هام" للتخلي عن أكرد    بطولة إفريقيا للجيدو.. المنتخب المغربي يحتل المركز الثالث في سبورة الترتيب العام    رئيسة الجمعية العامة لليونيسكو تطلع على ورشة لتكوين صناعة الزليج التقليدي التطواني    البحرية الملكية تقدم المساعدة ل81 مرشحا للهجرة غير النظامية    ثلاث وفيات وعشرون حالة تسمم بأحد محلات بيع المأكولات بمراكش    ثلاثيني يُجهز على تلميذة بصفرو    تسارع نمو الاقتصاد الإسباني خلال الربع الأول من العام    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولاتها بأداء سلبي    ثمان نقابات بقطاع الصحة تعلن عن سلسلة إضرابات وتحشد لإنزال بالرباط    هل تحول البرلمان إلى ملحقة تابعة للحكومة؟    حماس تستعدّ لتقديم ردّها على مقترح هدنة جديد في غزة    العصبة الاحترافية تتجه لتأجيل مباريات البطولة نهاية الأسبوع الجاري    النعم ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا    وحدة تابعة للبحرية الملكية تقدم المساعدة ل81 مرشحا للهجرة غير النظامية جنوب – غرب الداخلة    ستة قتلى في هجوم على مسجد بأفغانستان    فتاة هندية تشتكي اعتداءات جنسية .. الأب والعم بين الموقوفين    الوداد يحدد لائحة المغادرين للقلعة الحمراء    ف 5 يام ربح 37 مليار.. ماسك قرب يفوت بيزوس صاحب المركز الثاني على سلم الترفيحة    مع اقتراب افتتاح الاولمبياد. وزير داخلية فرانسا: خاص يقظة عالية راه وصلنا لمستوى عالي جدا من التهديد الارهابي    الموانئ الأوروبية في حاجة إلى استثمار 80 مليار يورو لبلوغ التحول الطاقي    أسترازينيكا كتعترف وتعويضات للمتضررين تقدر توصل للملايين.. وفيات وأمراض خطيرة بانت بعد لقاح كورونا!    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    يتقاضون أكثر من 100 مليون سنتيم شهريا.. ثلاثون برلمانيًا مغربيًا متهمون بتهم خطيرة    الصين تتخذ تدابير لتعزيز تجارتها الرقمية    بطولة اسبانيا: ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز على فالنسيا 4-2    مطار الحسيمة يسجل زيادة في عدد المسافرين بنسبة 28%.. وهذه التفاصيل    معاقبة جامعة فرنسية بسبب تضامن طلابها مع فلسطين    مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    محتجون يغلقون "السوربون" بسبب غزة    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية ساق البامبو: إسكات،تمييز أم خوف من مجتمع هجين؟؟

إطار متابعتنا لروايات الجائزة العالمية للرواية العربية ( البوكر) وبعد سلسلة مقالات حول الروايات الفائزة ، والمرشحة ضمن اللائحة القصيرة نعود اليوم لرواية ( ساق البامبو) للروائي الكويتي سعد السنعوسي المتوجة بالجائزة سنة 2013 وهي أول رواية كويتية تفوز بهذه الجائزة، وثاني رواية خليجية بعد رواية ترمي بشرر للروائي السعودي عبد الخال التي سبق لها الفوز سنة 2010، وقد لقيت رواية ساق البامبو حظوة عند قرائها مما يفسر كثرة الطبعات التي طبعت الرواية في سنة واحدة (12 طبعة ما بين ماي ودجنبر 2013)...
قراءة خارجية للرواية: صدرت الرواية عن الدار العربية للعلوم والناشرين ماي 2013 في 396 صفحة، موزعة على خمسة فصول متفاوتة الحجم، كل جزء مقسم إلى مشاهد مرقمة ابتداء من واحد وهذه الأجزاء هي :
· الجزء الأول :عيسى قبل الميلاد من الصفحة 15 إلى الصفحة 51 موزع على ثماني مشاهد
· الجزء الثاني : عيسى بعد الميلاد . من الصفحة 53 إلى الصفحة 128 موزع على 20 مشهدا
· الجزء الثالث عنوانه عيسى ...التيه الأول . من الصفحة 129 إلى الصفحة 181 وهو موزع على 11 مشهدا
· الجزء الرابع عنوانه : عيسى .. التيه الثاني من الصفحة 183 إلى الصفحة 290 موزع على 21 مشهدا
· الجزء الخامس عنوانه : عيسى .. على هامش الوطن من الصفحة 291 إلى الصفحة 389 موزع على 16 مشهدا
· الفصل الأخير عنوانه : أخيرا عيسى إلى الوراء يلتفت من الصفحة 393 إلى الصفحة 396
لعل أهم ما يثير متصفح هذه الرواية في غلافها الخارجي هو عنوانها الغريب، وهو عنوان يكتشف مدى الدقة في اختيار( العنوان المناسب ) وينم عن حسن اختيار عنوان معبر أصدق ما يكون التعبير عن حالة بطل يشعر أن لا جذور له ، ليكون (ساق البامبو) عتبة كاشفة للمتلقي كلَ ما يحتمل أن يتضمنه المتن الحكائي للرواية، وبذلك يبرز لماذا اهتمت الدراسات الحديثة بالعناوين وجعلت منها أحد أبرز مجالات اهتماماتها . ترى فيه مدخلا قرائيا قد يختزل مضمون التجربة برمتها ،إلى درجة أن البعض جعل الاهتمام بالعنوان علما خاصا موضوعا ومنهجا وجهازا مفاهيميا (TITROLOGIE ) . فجيرار جينيت يعتبر العنوان عتبة ذات سياقات ودلالات ووظائف لا تنفصل عن بنية العمل الفني . والعنوان كما يرى رولان بارت هو صاحب الدور الأول في إكساب المتلقي معرفة بالنص . فإذا كان العنوان العلامة التي تسمي الكتاب وتميزه ،و بطاقة هوية الكتاب ( فلا كتاب بدون عنوان ). فإن اختيار العنوان لا يخلو من قصدية قد تكلف المؤلف وقتا وجهدا كبيرين قبل إخراجه ليصبح بنية دلالية وسميائية وتوجيهية... وإشهارية عامة للنص .
تميزت رواية ساق البامبو بكون عناوينها مشحونة بالدلالات الرمزية، سواء تعلق الأمر بعنوان الرواية أو عناوين أجزائها: ف (ساق البامبو) النبات الذي ينبث دونما حاجة لجذور كان تعبيرا دقيقا لوصف هوية البطل الذي ظل طيلة مسار أحداث الرواية يشعر أن لا جذور له .. وقد ورد هذا العنوان ضمن الرواية في مناسبتين :
الأولى في الصفحة 94 عندما عبر هوزيه عن إحساسه في أمنيته في إحدى لحظات فقد الأمل بموطن أمه : (ولكن، حتى الجذور لا تعني شيئاً أحياناً لو كنت مثل شجرة البامبو.. لا انتماء لها.. نقتطع جزءاً من ساقها.. نغرسه، بلا جذور، في أي أرض.. لا يلبث الساق طويلاً حتى تنبت له جذور جديدة.. تنمو من جديد.. في أرض جديدة.. بلا ماضٍ.. بلا ذاكرة.. لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته.. كاوايان في الفلبين.. خيزران في الكويت.. أو بامبو في أماكن أخرى ...
والثانية: في الصفحة 383 يعبر عن نفس الإحساس بموطن أبيه يقول ( شعرت فجأة أن هذا المكان ليس مكاني، وأنني كنت مخطئاً لا بد حين حسبت ساق البامبو يضرب جذوره في كل مكان)
عنوان الرواية إذن ورد مرتين مرتبطا بنفس الإحساس ، وإن اختلفت الأمكنة الجغرافية ( الفليبين/ الكويت) والأمكنة القرائية داخل الرواية ( بداية الرواية / نهاية الرواية )
وكذلك كانت العناوين بين دفتي الكتاب تبدو حبلى بالإيحاءات والدلالات: ويكفي أن يقرأ القارئ – مسلما كان أو غير مسلم - عناوين مثل (عيسى قبل الميلاد، وعيسى بعد الميلاد) ليتناسل أمامه ما يكفي من الدلالات الدينية الثقافية والتاريخية ونحن هنا في مقال قصير لا يستوعب الوقوف عند كل دلالات العناوين وإيحاءاتها...
وعند الغوص في تفاصيل متن الرواية يلاحظ أنها تتناول موضوعا هاما بالنسبة لدول الخليج يشكل وصمة عار لكل من يسمع عن مواطنين من الدرجة الثانية، أو مواطنين دون أن يكون لهم الحق في الانتساب لوطنهم.. بالإضافة إلى انفتاح الرواية على مركزية أخرى تحوم حول التيمة المركزية كتيمات الجنس الهوية، الثقافة ،السياسة، النظر للآخر ،الدين....
إن الرواية جعلت من البحث عن الهوية تيميتها المركزية من خلال سيرة السارد عيسى الذي كان نتيجة زواج مختلط بين الكويتي راشد الطاروف و الفيليبنية جوزافين بنت مندوزا .. مما طوح بالابن في مسار حياة يعج بالتناقضات: جغرافيا( بين الكويت والفيلبين) دينيا ( بين المسيحية، البوذية والإسلام ) فكريا ( بين التحرر والمحافظة) اقتصاديا (بين الفقر والغنى) ، اسما (بين عيسى، هوزيه) ... بأسلوب مبني على التقابل بين النقيضين، بعيد عن التعقيد والخيال، ينحو إلى تعميق البسيط ، والنبش في المسكوت عنه في هوية الخليجي والكويتي خاصة..
اتخذ المبنى الحكائي لأحداث الرواية مبنى دائريا . إذ انتهت الرواية بعد مسار طويل إلى نقطة النهاية : انتهت بنفس فقرة البداية( اسميjose هكذا يكتب ، ننطقه في الفيليبين ،كما في الإنجليزية هوزيه. وفي العربية يصبح،كما في الإسبانية خوسيه، وفي البرتغالية يكتب بالحروف ذاتها ولكنه ينطق جوزيه،أما هنا في الكويت فلا شأن لكل تلك الأسماء باسمي حيث هو عيسى ... !)
بداية ونهاية متشابهتان، تجمع بينهما معاناة أسر وأشخاص مع الهوية في الكويت: فالرواية تختزل قصة شاب ولد من خادمة فليبينيّة (جوزافين ) التحقت خادمة لدى عائلة كويتيّة تنحدر من أصول عريقة في البلد ؛ مكونة من أم (غنيمة) لها ثلاث بنات ( عواطف نورية وهند ) وابن وحيد هو المعول عليه في الاحتفاظ باسم العائلة واستمرار نسلها ، أحب هذا الشاب فتاة كويتية جامعية ، لكن أمه اعترضت ورفضت زواج ابنها الوحيد من الفتاة التي اختارها قلبه بدعوى أنها لا تناسب العائلة.. وأمام الفراغ العاطفي الذي وجد نفسه فيه وهو الإنسان المثقف، كانت كل الظروف مهيأة ليدخل في تجربة عاطفية مع الخادمة، انتهت بزواج عرفي موثق نتج عنه حمل ، في محاولة لوضع الأم أمام الأمر الواقع، وعلى الرغم من كون الواقع لا يرتفع، فإن الأم (غنيمة) أصرت على إجهاض هذا الزواج، وأصرت على ضرورة تخلي الزوج عن زوجته وابنه ، ومحاولة إسكات الأم بما تريد من المال ، أو نسبة الابن لأحد الخدم من الرجال.وإغراء راشد بتحقيق كل طلباته بما فيها تزويجه بمن يحب قالت له الأم: ( فتاة الجامعة .. تلك .. أخطبها لك .. يوم غذ لو أحببت.. )ص 44 محاولة إقناعه بكون الاعتراف بالوليد يشكل وصمة عار للأسرة في مجتمع محافظ أبناؤه معروفون .. وأمام إصرار راشد على الاحتفاظ بزوجته وابنه ( لن تسافر وهي تحمل قطعة مني ..) اضطرت الأم (غنيمة ) إلى طردهما من البيت :( أخرج من بيتي.. خذ هذه السافلة .. وكتب المجانين التي أفسدت عقلك ..)
كان شهما، اكترى شقة صغيرة، وبقي إلى جانب زوجته إلى أن أنجبت عيسى، وساعدهما على العودة لوطنها الفلبين، ليعيش البطل "هوزيه" أو "عيسى" في مانيلا عاصمة الفلبين حياة فقيرة بين أفراد أسرة معظمها لقطاء على أمل أن يعود يوما إلى موطن أبيه الجنّة (الكويت) على حد وصف أمه فكانت حياته هناك مرحلة انتظار وبحث عن الذات والهوية فاختلطت عليه الأوراق ولم يعد يعرف لنفسه اسما واحدا. ولا ديانة واحدة ولا وطنا واحدا .. في أسرة شبه مفككة: الجد (مندوزا) لا يعرف أصله مهووس بمصارعة الديكة مستعد لصرف كل ما يملك من أجلها ولو دفع بناته للدعارة، أم سافرت للخليج من أجل تأمين مصاريف الحياة.. خالة من بائعات الهوى.. وحتى ميرلا ابنة خالته – التي لا تعرف أباها الأوروبي - والتي تعلق بها اكتشف أن الدين في الفيليبين يمنع زواجهما.... ويزداد حرصه على البحث عن جذوره الكويتية من خلال ترصد الكويتيين في الفليبين لينتهي به البحث إلى اكتشاف أن والده قد فارق الحياة بعد أسره في حرب الخليج عقب غزو العراق للكويت ... يتحقق حلمه وحلم أسرته الفيليبينية ...ويتمكن من العودة إلى الكويت بتدخل من غسان صديق والده... ويجد نفسه في عالم مختلف تماما عما كان يحلم به ،
وقد نجح السارد في جعل ظروف العودة مؤشرا على أن هذه العودة لن تكون وفق ما حلم به عيسى، فقد أعاده إلى الكويت يوم وفاة أمير البلاد .. وسجنه في شقة غسان ما يزيد عن الشهر .. ورغم شعور الجدة بقرب اندثار اسم الطاروف فإن ذلك لم يشفع لعيسى ، وظلت الجدة على موقفها جاحدة رافضة انضمامه للعائلة وإن كانت تكنّ له في أعماقها حبا وهو الذي يذكرها بابنها الوحيد .. لذلك اختارت له منزلة بين المنزلتين: أعلى من مرتبة الإنكار ودون مرتبة الاعتراف ما دام للأعراف والتقاليد في الكويت سلطتها.. فرتبت له غرفة في ملحق البيت كالخدم .. بعد اختلاف عماته بين المؤيدة للاعتراف به (هند) ، والداعية إلى إرجاعه إلى موطن أمه (نورية) والتي لا موقف لها ( عواطف) ، ويتم تغليب فكر الاحتفاظ به قريبا من الأسرة بعد اكتشاف أن له أختا من أبيه اسمها خولة ، كان لها دورا إيجابيا في حياته استغلها السارد في تليين قلب الجدة اتجاه حفيدها الحامل لملامح فلبينية، ومع ذلك ظل مبعدا عن حفلات الأسرة في المناسبات والأعياد ، مما ولد لديه إحساسا بالمهانة وقرر مغادرة منزل العائلة والاعتماد على نفسه بالبحث عن عمل ، وربط علاقات مع جيرانه، وهو ما أفضى به إلى تجديد علاقته بشبان كويتيين كان قد تعرف عليهم في الفليبين أثناء قضائهم لعطلة هناك .. وفي إحدى جلساتهم وأثناء متابعتهم لأجواء الانتخابات وتحمس بعضهم للمرشحة هند الطاروف المدافعة عن حقوق الإنسان وقضايا (البدون) اعترف لأصدقائه أن المرشحة عمته.. وكشف لهم عن هويته التي طالما خبأها وكان كشف هذا السر إلى جانب عوامل أخرى سببا في فشل هند في الانتخابات.. وهو ما ألب عليه الأسرة وتدخلت لفصله من عمله ، وقرروا طرده من الكويت .. ورغم مقاومته في البداية استسلم في الأخير للأمر بعد اقتناعه بأن الكويت لن تكون بلده . عاد إلى الفلبين وتزوج ميرلا و أنسلها فتى بملامح عربية اختار له اسم راشد ... كما قرر كتابة قصة حياته التي كانت ثمرتها رواية (ساق البامبو ) .
رواية ساق البامبو تعالج عدة قضايا تتعلق بالهوية، ، مكانة المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية بالبلدان الخليجية ، حقوق الإنسان وإشكالية البدون التي تقض مضجع المجتمعات الخليجية وتعتبرها تهديدا لهويتها (المتماسكة ) لكن غلب عليها روح مهادنة قيم المجتمع، وكرست فكرة الجنس الصافي من خلال اعتبار أي عنصر تجري فيه دماء دخيلة عنصرا غير مرغوب فيه في الكويت... لتنتصر الرواية في الأخير لفكرة تهجير هوزيه (عيسى ) إلى موطن أمه..
الحكمة في ساق البامبو
يغلب على الرواية طابع الحكمة التبصر، من خلال تمرير عدة حكم ونصائح، وكأنها من كتابة عجوز خبر خفايا الحياة وتقلباتها ، وليست من تأليف كاتب في عقده الثالث، وهي حكم كان من المفترض توظيفها لنبذ التمييز، ودحض فكرة الجنس الصافي .. لكن معظم هذه الحكم ظلت صورية لا أذان تستقبلها في الواقع ... فعند متابعة مسار الأحداث تُوقِف القارئ حكم كثيرة منها ما ورد على لسان بعض الشخصيات، أو ما اقتبس من كلام المفكر والمناضل الفيليبيني خوسي رينال وهي حكم وعبارات أقرب إلى ما يكتب هذه الأيام على صفحات التواصل الاجتماعي جمل قصيرة تحمل رسائل دلالات ومواقف ومن هذه الحكم ندرج ما يلي :
· الغياب شكل من أشكال الحضور، يغيب البعض وهم حاضرون في أذهاننا أكثر من وقت حضورهم في حياتنا
· نحن لا نكافئ الآخرين بغفراننا ذنوبهم، نحن نكافئ أنفسنا، ونتطهر من الداخل
· الأديان أعظم من معتنقيها
· كلما شعرت بالحاجة إلى شخص يحدثني .. فتحت كتابًا
· السعادة المفرطة كالحزن تماماً، تضيق بها النفس إن لم نشارك بها أحداً
· اللجوء إلى الإيمان، بحد ذاته، يحتاج إلى.. إيمان
· ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمناً بخسا ، بل الألم ، كل الألم ، أن يكون للإنسان ثمن
· الكلمات الطيبة لا تحتاج إلى ترجمة، يكفيك أن تنظر إلى وجه قائلها لتفهم مشاعره وإن كان يحدثك بلغة تجهلها
· ليس وفاؤنا للأموات سوى أمل في لقائهم .. وإيمان بأنهم في مكان ما ينظرون إلينا ...وينتظرون
· المرأة بعاطفتها، إنسان يفوق الإنسان
· إذا ما صادفت رجلًا بأكثر من شخصية، فاعلم أنه يبحث عن نفسه في إحداها، لأنه بلا شخصية
· اليد الواحدة لا تصفق و لكنها تصفع ، والبعض ليس بحاجة إلى يد تصفق له بقدر حاجته إلى يد تصفعه ، لعله يستفيق
· العزلة : زاوية صغيرة يقف فيها المرءُ أمام عقله ، حيث لا مفر من المواجهة
· الحزن مادة عديمة اللون غير مرئية يفرزها شخص ما ، تنتقل منه إلى كل مكان حوله ، يُري تأثيرها على كل شيء تلامسه ، ولا تُرى!
· ليست الأنثى بشكلها وتصرفاتها، محفزاً لغريزة الرجل، بقدر الصورة التي يراها عليها داخل رأسه
· صمت الآخر أحياناً ، أشد رعباً من نطقه بحقيقة لا نود سماعها
· هل الابتسامة في نهار رمضان تبطل الصوم؟
· بعض المشاعر تضيق بها الكلمات، فتعانق الصمت
· أن تقنع عقلك وعاطفتك في آن.. أحدهما يأبى التصديق
· الناس لا يجهلون الخطأ، هم يميّزونه كما يميّزون الصواب، ولكنهم لا يتورعون عن ممارسة أخطائهم طواعية
· تحفر المشاهد المأساوية نقوشها على جدران الذاكرة، في حين ترسم السعادة صورها بألوان زاهية. تمطر سُحُب الزمن.. تهطل الأمطار على الجدران.. تأخذ معها الألوان.. وتُبقي لنا النقوش.
· في بلاد أمي كنتُ لا أملك سوى عائلة ، في بلاد أبي أملك كل شيء سوى عائلة !
· كلما شعرت بالحاجة إلى شخص يٌحدثني ... فتحت كتاباً
· كم هي رائعة بعض الصدف، تظهر كالمنعطفات فجأة في طريق ذات اتجاه واحد يفضي إلى المجهول..
· كل شيء يحدث بسبب.. ولسبب.
· قليل من الحب لا يصلح لبناء علاقة حقيقية
· لا ذنب للطبيعة إن فرض البشر رسوماً مقابل ما لا يملكون
من أين لي أن أقترب من الوطن وهو يملك وجوهاً عديدة.. كلما اقتربتُ من أحدها أشاح بنظره بعيداً!
تتكشف لنا حقيقة أحلامنا كلما اقتربنا منها عاماً بعد عام، نرهن حياتنا في سبيل تحقيقها ، تمضي السنون. نكبر وتبقى الأحلام في سنها صغيرة.. ندركها.. نحققها.. و إذا بنا نكبرها بأعوام.
ومن هذه الحكم ما نسبه السارد لأحد أبطال الفلبين : الذي عرفه في هامش بالصفحة 114 بقوله خوسي ريزال 1896-1862 Jose Rizal : أبرز الأبطال القوميين في الفلبين وأشهر من قاوم الاستعمار الإسباني' (ص 114). من هذه الحكم التي جعلها السارد مفتتحا لكل فصل من فصول الرواية قبل عنوان الفصل ما يرتبط بالسياسة أو الدين أو الحياة عامة ومن ذلك قوله :
· لا يوجد مستبدون حيث لا يوجد عبيد. (ص 15)
· تسلُّط البعض لا يمكن حدوثه إلا عن طريق جبن الآخرين. ص (183)
· إن الذي لا يستطيع النظر وراءه، إلى المكان الذي جاء منه، لن يصل إلى وجهته أبدا (ص 53).
· الشك في الله يعني الشك في ضمير المرء، وهذا يؤدي إلى الشك في كل شيء. (ص129)
· حياة ليست مكرسة لهدف، حياة لا طائل من ورائها، هي كصخرة مهملة في حقل بدلا من أن تكون جزءاً من صرح. ص (291).
· يجب أن يكون الضحية نقيا حتى تقبل التضحية ص(114)
وقد جاءت معظم حكم ريزال مرافقة لعناوين أجزاء الرواية ومفتتحة لفصولها...لكن ظلت بطابعها التوجيهي المتضمن للنصائح بعيدة كل البعد عن مواقف الشخصيات وأدوارها في الرواية بما فيها البطل هوزيه/عيسى الذي قست عليه الحياة ، وكان لهذه القسوة أن تحوله شخصية مقتنعة بالقيم الإنسانية ، لكنه ظل قانعا بما كتب له واستسلم في الأخير للأعراف ضدا على القوانين والمواثيق الدولية .. وهو ما حكم على الرواية بالوقوف عن حدود الواقعية الانتقادية دون أن يرقى إلى مستوى البطل الإشكالي الذي يثور على واقعه ويغيره خاصة وأن القوانين الدولية كانت في صالحه
وأمام عجزه عن إيجاد موطئ قدم في وطن أبيه، رسم المؤلف للبطل /السارد موطنا رمزيا بعيدا عن الواقع صاغه في حك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.