تفاصيل كادو الحكومة لملايين الأسر المغربية قبل فاتح ماي: تخفيض الضريبة على الدخل غاتربحهم 400 درهم شهريا والزيادة فالصالير والرفع من السميگ والسماگ    الأنفاس مقبوطة فالحركة الشعبية...والسبب: انتظار جلسة النطق بالحكم ضد انتخاب محمد أوزين أمينا عاما    وزيرة الفلاحة: القطيع الموجه للعيد الكبير صحتو بيخير ورقمنا دبا 3 مليون راس والثمن هاد العام غاينقص    محتجون يغلقون "السوربون" بسبب غزة    وزير الشباب والرياضة السابق: "قميص رياضي مغربي أسقط دولة بكاملها في عيون العالم!"    تفاصيل حصرية على كيفاش تشد المجرم اللي قتل تلميذة بطريقة بشعة فصفرو: سبق ليه دوّز 5 سنوات نافذة ديال السجن بسبب تكوين عصابة إجرامية (صورة)    لمكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي.. البوليس والوكالة الوطنية للمياه والغابات دارو اليوم اليد فاليوم    ابتدائية فاس فرقات 4 سنين نافذة ديال الحبس فحق صحاب أغنية "شر كبي أتاي"    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل احتجاجه    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    بوريطة يستقبل وزير الخارجية الغامبي    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    السرعة تتسبب في حادثة سير بطنجة وتُخلف 5 مصابين    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    بتنسيق مع "ديستي".. الحرس المدني يحجز زهاء طنين من الحشيش بسواحل إسبانيا (صور)    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية        الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدعْوَةُ إِلَى الْحُرِيةِ الْجِنْسِيةِ دَعْوَةٌ إِلَى نَجَاسَةِ الْحُرِيةِ ...
نشر في لكم يوم 16 - 07 - 2012

إذَا كَانَ الإيمانُ أَسَاسَ الْعُمْرَانِ، وَمَصْدَرَ سَعَادَةِ الإِنْسَانِ، فَإِن الْفَوَاحِشََ مِنْ نَواقِضِ كَمَالِ الإيمَانِ، وَمِنْ سِمَاتِ الْبُؤْسِ وَالْخُسْرَانِ، وَفَسَادِ الْعُمْرَانِ، لِكَوْنِهَا مِنْ الذنُوبِ التي يَشْتَد قُبْحُهَا، وَالأَفْعَالِ القَبِيحَةِ الْمُفْرِطَةِ الْقُبْحِ، كَمَا يَقُولُ أَهْلُ اللغَةِ.
وَلَفْظُ الْفَاحِشَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ فِعْل فَحُشَ، تَقُولُ فَحُشَ الشيْءُ فُحْشاً مِثْلُ قَبُحَ قُبْحاً، وَزْناً وَمَعْنىً، وَكُل شَيْءٍ جَاوَزَ الْحَد فَهُوَ فَاحِش، وَأَفْحَشَ الرجُلُ إذَا أَتَى بِالْفُحْشِ، وَهُوَ الْقَوْلُ السيئُ، وَرَمَاهُ بِالْفَاحِشَةِ وَجَمْعُهَا فَوَاحِشُ ...
وَالْفَاحِشَةُ اِسْمٌ جَامِعٌ للرذَائِلِ وَالصفَاتِ الْقَبِيحَةِ، وَإِنْ شَاعَ اطْلاَقُهُ عَلَى الزنَا تَحْدِيداً، بِاعْتِبارِهِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ.
أَما الْحُريةُ فَهِيَ نَقِيضُ الْعُبُودِيةِ، وَشَخْصٌ حُر أَيْ كَرِيمٌ، وَالحُر مِنْ كُل شَيْءٍ أَحْسَنُهُ وَأَطْيَبُهُ وَأَعْتَقُهُ، وَمِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ أَحْسَنُهُ.
سَتَظَل الْحُريةُ قِيمَةًً إِنْسَانِيةً سَامِيةٍ لاَ تَسْتَقِيمُ الْحَيَاةُ بِدُونِهَا، فَقَدْ حَرِصَتِ الشرِيعَةُ الإِسْلاَمِيةُ عَلَى ضَمَانِهَا وصيانتها وَأَحَاطَتْهَا بِجُمْلَةٍ مِنَ الضوَابِطِ والْقِيمِ الْعُلْيَا بِوَصْفِهَا حَقاً مِنَ الْحُقُوقِ الأَسَاسِيةِ وَالطبِيعِيةِ.
وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ فَإِن الربْطَ بَيْنَ الْحُريةِ وَالدعْوَةِ إِلَى الْفَاحِشَةِ، أَوْ تَنْجِيسَ الْحُريةِ عَلَى الأَصَح قَدْ يَبْدُو أَمْراً غَرِيباً مَعْنىً وَمَبْنىً. بَلْ هُوَ مُؤْذِنٌ بِخَرَابِ الْعُمْرَانِ.
لَقَدْ تَحَدثَ القُرْآنُ الكريمُ فِي أََكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ عَنِ الفَاحِشَةِ وَالْفَحْشَاءِ كَسُلُوكٍ مَشِينٍ، وَنَزْعَةٍ هِيَ إِلََى الْحَيَوَانيةِ أَقْرَبُ، مُحَذراً فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ مِنْ عَوَاقِبِهَا الْوَخِيمَةِ، وَآثَارِهَا السلبيةِ عَلَى مُسْتَقْبَلِ البشرية جَمْعَاءَ.
إن الناظِرَ فِي كِتَابِ اللهِ عَز وَجَل يُدْرِكُ بِجَلاَءٍ خُطُورَةَ الْفَاحِشَةِ عَلَى مَنْظُومَةِ القيم الساميةِ التي هِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الإسْلاَم وَخِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ، وَدَعْوَتِهِ الْكَرِيمَةِ، فِي بَقَاءِ النوْع البَشَري وَنَقَائِهِ كَمَقْصِدٍ شَرْعي عَظِيمٍ.
لَقَدْ جَرمَتِ الشريعةُ الإسْلاَمِيةُ الفَوَاحشَ مَهْمَا كَانَ لَوْنُهَا وَحَجْمُهَا، وَاعْتَبَرَتْهَا فِي مَرْتَبَةٍ لاَ تَقِل خُطُورَةً عَنِ الإشْرَاكِ بِاللهِ وَالظلْمِ وَالافْتِرَاءِ عَلَى الْحَق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ... قَالَ تَعَالَى:" قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" [الأنعام: 151] وَقَوْلُهُ عَز وَجَل:" قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" [الأعراف: 33]
وَقَدْ نَبهَ كِتَابُ اللهِ أَيْضاً عَلَى خُطُورَةِ الْفَاحِشَةِ، وَحَذرَ مِنْهَا وَمِنْ عَوَاقِبِهَا الْوَخِيمَةِ عَلَى الْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ، بَلْ عَلَى الْمُجْتَمَعِ الإنْسَانِي بِصَفَةٍ عَامةٍ، فِي وَقْتٍ أَصْبَحَ الْعَالَمُ فِيهِ عِبَارَةً عَنْ تَجَمعٍ كَوْنِي صَغِيرٍ يَسْهُلُ مَعَهُ إشَاعُةُ الْفَاحِشَةِ بِاعْتِمَادِ مُخْتَلِفِ وَسَائِلِ الاِتصَالِ الْحَدِيثَةِ.
إن إشَاعَةَ الفَاحِشَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الإسْلاَمِيةِ تَحْتَ غِطَاءِ الْحُريةِ الْفَرْدِيةِ أَوْ تَحْتَ أَي اِسْمٍ مِنَ الأَسْمَاءِ الْمُبْتَدَعَةِ إِيذَانٌ بِخَرَابِ الْعُمْرَانِ، وَذَهَابِ الإِيمَانِ. وَهَذِهِ دَعْوَى، لاَبُد مِنْ إِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ بُرْهَان أَجَل مِنْ البُرْهَانِ الْقُرْآنِي، الذِي بَينَ بِشَكْلٍ وَاضٍحٍ سَلَبِياتِ الْفَوَاحِشِ وَمَفَاسِدَهَا فِي الدنْيَا وَالآخِرَةِ.
لَقَدَ وَضَعَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أُسُسَ القانُونِ الْجِنَائِي الإنْسَانِي بِشَكْلٍ غَيْرِ مَسْبُوقٍ، مِنْ أَجْلِ ضَمَانِ سُبُلِ الْعَيْشِ فِي أَمْنٍ وَسَلاَمٍ، دَاخِلَ الْمُجْتَمَعَاتِ الإِسْلاَمِيةِ، فَكَانَ القصصُ وَالْحُدُودُ كَوَسَائِلَ جَزْرِيةٍ لِلُحِفاظِ عَلَى النوْعِ الإنْسَانِي" فَمَنْ حَرَمَ إِنْسَاناً حَق الْحَيَاةِ حُرِمَ الْحَيَاةُ، وَمَنْ حَرَمَ إِنْسَاناً حَق الْكَرَامَةِ بِأَنْ اعْتَدَى عَلَى عِرْضِ غَيْرِهِ عُوقِبَ عُقُوبَةَ الزنَى، وَمَنِ اتهَمَ إنْسَاناً فِي شَرَفِهِ وَعِرْضهِ عُوقِبَ عُقًوبَةَ الْقَذْفِ، وَمَنِ اعْتَدَى عَلَى حَق إنْسَانٍ فِي التمَلكِ عُوقِبَ عُقُوبَةَ السرِقَةِ، وَمنِ اعْتَدَى علَى عَقْلِهِ وَهُوَ وَسِيلَةُ الْعِلْمِ عُوقِبَ عُقُوبَةَ السكْرِ، وَمَنِ اعْتَدَى عَلَى حَق الناسِ فِي حُريتِهِمْ فِي أوْطَانِهِمْ وَطُمَأنِينتهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَقَطَعَ الطرُقَاتِ وَأَخَافَ الناسَ عُوقُبَ عُقُوبَةَ الْمُحَارِبِينَ الخَارِجِينَ عَلَى النظَامِ ... " (1)
الدعْوَةُ إلَى إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ أُسْلُوبُ الْمُنَافِقِينَ:
وَذَلِكَ مِصْدَاقاً لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" [النور: 19]
وَهَذَا الْخِطَابُ مُوجهٌ أَسَاساً إِلَى الْمُنَافِقِينَ، لأَن أَهْلَ النفَاقِ هُمُ الذينَ أَحَبوا أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَإِلا فَأَهْلُ الإِسْلاَمِ لاَ يُحِبونَ ذَلِكَ." (2)
لَقَدْ تَوعدَ الْحَق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الآيةِ الْكًرِيمَةِ كُل مَنْ يَعْمَلُ أَوْ يَسْعَى بِأَي وَسِيلَةٍ كَانْتْ لإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ إِن مُجَردَ مَحَبةِ ذَلِكَ يُعَد جُرْماً يَتَرَتبُ عَلَيْهِ عِقَابٌ فِي الدنْيَا وَالآخِرَةِ. لِأَن مَحَبةَ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ يَدُل عَلَى خُبْثِ النيةِ نَحْوَ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أَن الْمُؤْمِنَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لاَ يُحِب لإِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِلا مَا يُحِب لِنَفْسِهِ، وَلاَ يُوجَدُ فِي أُمةِ الإِسْلاَمِ مَنْ يَرْضَى لِنَفْسِهِ الرذَائِلَ حَتَى يَرْضَى ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَدْ ذُيلتِ الآيةُ الكريمةُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى " وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " أَيْ يَعْلَمُ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ، فَيَعِظُكُمْ لِتَجْتَنِبُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فتَحْسِبُونَ التحَدُثَ بِذَلِكَ لاَ يَترَتبُ عَلَيْهِ ضُر.(3)
الدعْوَةُ إِلَى الْفَاحِشَةِ أُسْلُوبٌ شَيْطَانِي خَبِيثٌ:
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ لاَ تَخْفَى عَلَى الناظِرِ فِي كِتَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَقَدْ رَبَطَ كِتَابُ اللهِ بَيْنَ وُعُودِ الشيْطَانِ الْخَبِيثَةِ وَوُعًودِ الْحَق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُفْضِيةِ إِلَى سَعَادَةِ الدنْيَا وَالآخِرَةِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْحَق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" [سورة البقرة: 268] وَقَوْلُهُ عَز اسْمُهُ عَنِ الشيْطَانِ الرجِيمِ أَيْضاً: "إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" [سورة البقرة: 169] وقوله كذلك:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [سورة النور: 21]
إِن الدعْوَةَ إِلَى إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الإِسْلاَمِيةِ الْمُتَشَبعَةِ بِالْقَيمِ الدينِيةِ الإيمَانيةِ الراسِخَةِ فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ أُسْلُوباً خَبِيثاً، وَسُلُوكاً ظَلاَمياً فَهُوَ مُؤذِنٌ بِهَدْمِ نِظَامِ الأُسْرَةِ كَخُطْوَةٍ أُولَى تَمْهِيداً لِخَرَابِ الْعُمْرَانِي البَشَرِي كَكُل.
قَدْ يُوجَدُ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا الإِِسْلاَمِيةِ الْيَوْمَ مَنْ يَنْزَعُ إِلَى الشر بِسَبَبِ فَسَادِ طَبِيعَتِهِ، كَمَا قَدْ يَلْجَأُ بَعْضُ الْحَداَثيينَ الْحَدَثَ الأَصْغر إِلَى تَوْظِيفِ مُصْطَلَحِ الْحُريةِ تَوْظِيفاً مُغْرِضاً وَسٍيئاً فِي سَبيلِ الدعْوَةِ إلَى الْفَاحِشَةِ وَإِشَاعَتِهَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ ثَم التطْبِيعُ مَعَ الرذَائِلِ، غَيْرَ مُبَالِينَ بِقَنَاعَاتِ الأُمةِ وَنُزُوعِهَا الْفِطْري وَحُريتِهَا الْجَمَاعيةِ، وَقَنَاعَتِهَا الإِيمَانِيةِ. وَقَدْ تَصَدى الشرَفَاءُ مِنْ أَبْنَاءِ هَذِهِ الأُمةِ، الأوْفَيَاءُ لِمَبَادئِ الدينِ الإسْلاَمِي الْحَنِيفِ، لِهَؤُلاَءِ الْحَدَاثيينَ يَفْضَحُونَهُمْ عَلَى رُؤُوسِ الأشْهَادِ، وَمَعَهُمْ كِتَابُ الله، وَسُنةِ رَسُولِ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ، وَدَعَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ بالقيمِ الإسْلاَمِيةِ السمْحَةِ"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" [محمد: 7]
* الدكتور عبد القادر بطار أستاذ العقيدة والمذاهب الكلامية بجامعة محمد الأول بوجدة.
الهوامش:
(1) التكافل الاجتماعي في الإسلام، الدكتور مصطفى السباعي، الصفحة 259 دار ابن حزم، بيروت لبنان 2010.
(2) تأويلات أهل السنة، تفسير الإمام أبي منصور الماتريدي7/533 تحقيق الدكتور مجدي باسلوم، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 2005.
(3) التحرير والتنوير، للشيخ الإمام الطاهر بن عاشور، 9/185 دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.