الأميرة للا أسماء تدشن مركزا جديدا للأطفال الصم وضعاف السمع بمكناس    لقجع: 12.6 مليون مغربي استفادوا من الدعم المباشر بفضل منظومة تنقيط تعتمد الدقة والتحيين المستمر للمعطيات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    زلزال قوي يضرب اليابان وتحذير من تسونامي    مهرجان الفدان للمسرح يسدل بتطوان ستار الدورة ال 12 على إيقاع الاحتفاء والفرجة    بنعلي: قطاع المعادن بالمغرب يوفر أكثر من 40 ألف فرصة شغل مباشرة    أخنوش في حوار مع "لاراثون": المغرب اعتمد موقفا حازما وعادلا بشأن قضية الصحراء    "الكاف" ولجنة التنظيم المحلية يكشفان عن "أسد" التميمة الرسمية لكأس أمم إفريقيا (المغرب 2025)    لقجع يختار وهبي مدربا للأولمبي    التجربة المغربية في كرة القدم نموذج يكرس الدور الاستراتيجي للمنظومة الرياضية في التنمية السوسيو-اقتصادية (لقجع)    مسن يُنهي حياة شقيقه بسبب قطعة أرض بضواحي تطوان    ناصر الزفزافي يعلن دخوله في إضراب عن الطعام داخل سجن طنجة    زعفران تالوين .. الذهب الأحمر ذو المنافع المتعددة        مجلس المنافسة يداهم مقرات خمس شركات للأعلاف والمرصد المغربي لحماية المستهلك يثمّن الخطوة    بإذن من أمير المؤمنين.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الخريفية العادية    مطالب بالتحقيق العاجل حول أجهزة "FreeStyle Libre 3" بعد تقارير دولية عن عيوب مصنعية    مندوبية التخطيط : ارتفاع ملحوظ للناتج الداخلي الإجمالي وتوزيع الدخل في المملكة    سليلة تارجيست سهام حبان تنال الدكتوراه في القانون بميزة "مشرف جدا" مع توصية بالنشر    الاتحاد الأوروبي يصادق على إجراءات تهدف إلى تشديد سياسة الهجرة    كان 2025 .. الموزمبيق تكشف عن قائمة لاعبيها ال 25    الدار البيضاء… افتتاح معرض الفنون التشكيلية ضمن فعاليات مهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير    رسميًا.. الشروع في اعتماد البطاقة الوطنية لتبليغ المتقاضين بالإجراءات القضائية    المنتخب الوطني الرديف على المحك أمام السعودية في الجولة الأخيرة لكأس العرب    أسطول جديد لكسر حصار غزة يبدأ الإبحار في أبريل 2026    الفائض التجاري للصين تجاوز تريليون دولار في العام 2025    مخالفة "أغنية فيروز" بتازة تشعل الجدل... مرصد المستهلك يندد والمكتب المغربي لحقوق المؤلف يوضح    منظمة التعاون الإسلامي تراهن على "الوعي الثقافي" لتحقيق التنمية البشرية        المغرب لن يكون كما نحب    مولودية وجدة يحسم الديربي لصالحه ويعزز موقعه في الصدارة    مغربيان ضمن المتوجين في النسخة العاشرة من مسابقة (أقرأ)    غضب وانقسام داخل ريال مدريد بعد الهزيمة... وتصريح يكشف تفاصيل صادمة من غرفة الملابس    ضمنها المغرب.. تقرير يكشف تعرض شمال إفريقيا لاحترار غير مسبوق    عزوف الشباب عن العمل يدفع لندن لإلغاء إعانات البطالة    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم        النفط يصل إلى أعلى مستوى في أسبوعين مدعوما بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    الاتحاد المغربي للشغل يخلّد الذكرى ال73 لانتفاضة 8 دجنبر 1952    ساركوزي يكشف: الملك محمد السادس أول من اتصل بي بعد الحكم علي بالسجن.. كان متأثّراً وصوته يرتجف من الصدمة    اغتيال "شاهد" بجنوب إفريقيا يحيي السجال حول مسألة حماية المبلغين    كاتبة إيطالية تعرّض لحادثٍ مروّع أثناء زيارتها إلى مراكش تنشر شهادتها عن تجربة إنسانية غير متوقعة    كيوسك الاثنين | الاجتماع المغربي – الإسباني يؤكد انتعاشا اقتصاديا    "إيكواس" تشر قوات احتياطية في بنين    لفتيت يستبق انتخابات 2026 بحركة تنقيلات واسعة لضبط الإدارة الترابية            اجتماع ثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر في نيويورك    المغرب ضد السعودية.. نهائي قبل الأوان في سباق الصدارة    ثورة في عالم الطب .. علاج جديد يقضي على سرطان الدم تمامًا    التكنولوجيا وتحولات الفعل السياسي في المغرب: نحو إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع    إعلان الحرب ضد التفاهة لتصحيح صورتنا الاجتماعية    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدعْوَةُ إِلَى الْحُرِيةِ الْجِنْسِيةِ دَعْوَةٌ إِلَى نَجَاسَةِ الْحُرِيةِ ...
نشر في لكم يوم 16 - 07 - 2012

إذَا كَانَ الإيمانُ أَسَاسَ الْعُمْرَانِ، وَمَصْدَرَ سَعَادَةِ الإِنْسَانِ، فَإِن الْفَوَاحِشََ مِنْ نَواقِضِ كَمَالِ الإيمَانِ، وَمِنْ سِمَاتِ الْبُؤْسِ وَالْخُسْرَانِ، وَفَسَادِ الْعُمْرَانِ، لِكَوْنِهَا مِنْ الذنُوبِ التي يَشْتَد قُبْحُهَا، وَالأَفْعَالِ القَبِيحَةِ الْمُفْرِطَةِ الْقُبْحِ، كَمَا يَقُولُ أَهْلُ اللغَةِ.
وَلَفْظُ الْفَاحِشَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ فِعْل فَحُشَ، تَقُولُ فَحُشَ الشيْءُ فُحْشاً مِثْلُ قَبُحَ قُبْحاً، وَزْناً وَمَعْنىً، وَكُل شَيْءٍ جَاوَزَ الْحَد فَهُوَ فَاحِش، وَأَفْحَشَ الرجُلُ إذَا أَتَى بِالْفُحْشِ، وَهُوَ الْقَوْلُ السيئُ، وَرَمَاهُ بِالْفَاحِشَةِ وَجَمْعُهَا فَوَاحِشُ ...
وَالْفَاحِشَةُ اِسْمٌ جَامِعٌ للرذَائِلِ وَالصفَاتِ الْقَبِيحَةِ، وَإِنْ شَاعَ اطْلاَقُهُ عَلَى الزنَا تَحْدِيداً، بِاعْتِبارِهِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ.
أَما الْحُريةُ فَهِيَ نَقِيضُ الْعُبُودِيةِ، وَشَخْصٌ حُر أَيْ كَرِيمٌ، وَالحُر مِنْ كُل شَيْءٍ أَحْسَنُهُ وَأَطْيَبُهُ وَأَعْتَقُهُ، وَمِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ أَحْسَنُهُ.
سَتَظَل الْحُريةُ قِيمَةًً إِنْسَانِيةً سَامِيةٍ لاَ تَسْتَقِيمُ الْحَيَاةُ بِدُونِهَا، فَقَدْ حَرِصَتِ الشرِيعَةُ الإِسْلاَمِيةُ عَلَى ضَمَانِهَا وصيانتها وَأَحَاطَتْهَا بِجُمْلَةٍ مِنَ الضوَابِطِ والْقِيمِ الْعُلْيَا بِوَصْفِهَا حَقاً مِنَ الْحُقُوقِ الأَسَاسِيةِ وَالطبِيعِيةِ.
وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ فَإِن الربْطَ بَيْنَ الْحُريةِ وَالدعْوَةِ إِلَى الْفَاحِشَةِ، أَوْ تَنْجِيسَ الْحُريةِ عَلَى الأَصَح قَدْ يَبْدُو أَمْراً غَرِيباً مَعْنىً وَمَبْنىً. بَلْ هُوَ مُؤْذِنٌ بِخَرَابِ الْعُمْرَانِ.
لَقَدْ تَحَدثَ القُرْآنُ الكريمُ فِي أََكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ عَنِ الفَاحِشَةِ وَالْفَحْشَاءِ كَسُلُوكٍ مَشِينٍ، وَنَزْعَةٍ هِيَ إِلََى الْحَيَوَانيةِ أَقْرَبُ، مُحَذراً فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ مِنْ عَوَاقِبِهَا الْوَخِيمَةِ، وَآثَارِهَا السلبيةِ عَلَى مُسْتَقْبَلِ البشرية جَمْعَاءَ.
إن الناظِرَ فِي كِتَابِ اللهِ عَز وَجَل يُدْرِكُ بِجَلاَءٍ خُطُورَةَ الْفَاحِشَةِ عَلَى مَنْظُومَةِ القيم الساميةِ التي هِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الإسْلاَم وَخِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ، وَدَعْوَتِهِ الْكَرِيمَةِ، فِي بَقَاءِ النوْع البَشَري وَنَقَائِهِ كَمَقْصِدٍ شَرْعي عَظِيمٍ.
لَقَدْ جَرمَتِ الشريعةُ الإسْلاَمِيةُ الفَوَاحشَ مَهْمَا كَانَ لَوْنُهَا وَحَجْمُهَا، وَاعْتَبَرَتْهَا فِي مَرْتَبَةٍ لاَ تَقِل خُطُورَةً عَنِ الإشْرَاكِ بِاللهِ وَالظلْمِ وَالافْتِرَاءِ عَلَى الْحَق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ... قَالَ تَعَالَى:" قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" [الأنعام: 151] وَقَوْلُهُ عَز وَجَل:" قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" [الأعراف: 33]
وَقَدْ نَبهَ كِتَابُ اللهِ أَيْضاً عَلَى خُطُورَةِ الْفَاحِشَةِ، وَحَذرَ مِنْهَا وَمِنْ عَوَاقِبِهَا الْوَخِيمَةِ عَلَى الْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ، بَلْ عَلَى الْمُجْتَمَعِ الإنْسَانِي بِصَفَةٍ عَامةٍ، فِي وَقْتٍ أَصْبَحَ الْعَالَمُ فِيهِ عِبَارَةً عَنْ تَجَمعٍ كَوْنِي صَغِيرٍ يَسْهُلُ مَعَهُ إشَاعُةُ الْفَاحِشَةِ بِاعْتِمَادِ مُخْتَلِفِ وَسَائِلِ الاِتصَالِ الْحَدِيثَةِ.
إن إشَاعَةَ الفَاحِشَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الإسْلاَمِيةِ تَحْتَ غِطَاءِ الْحُريةِ الْفَرْدِيةِ أَوْ تَحْتَ أَي اِسْمٍ مِنَ الأَسْمَاءِ الْمُبْتَدَعَةِ إِيذَانٌ بِخَرَابِ الْعُمْرَانِ، وَذَهَابِ الإِيمَانِ. وَهَذِهِ دَعْوَى، لاَبُد مِنْ إِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ بُرْهَان أَجَل مِنْ البُرْهَانِ الْقُرْآنِي، الذِي بَينَ بِشَكْلٍ وَاضٍحٍ سَلَبِياتِ الْفَوَاحِشِ وَمَفَاسِدَهَا فِي الدنْيَا وَالآخِرَةِ.
لَقَدَ وَضَعَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أُسُسَ القانُونِ الْجِنَائِي الإنْسَانِي بِشَكْلٍ غَيْرِ مَسْبُوقٍ، مِنْ أَجْلِ ضَمَانِ سُبُلِ الْعَيْشِ فِي أَمْنٍ وَسَلاَمٍ، دَاخِلَ الْمُجْتَمَعَاتِ الإِسْلاَمِيةِ، فَكَانَ القصصُ وَالْحُدُودُ كَوَسَائِلَ جَزْرِيةٍ لِلُحِفاظِ عَلَى النوْعِ الإنْسَانِي" فَمَنْ حَرَمَ إِنْسَاناً حَق الْحَيَاةِ حُرِمَ الْحَيَاةُ، وَمَنْ حَرَمَ إِنْسَاناً حَق الْكَرَامَةِ بِأَنْ اعْتَدَى عَلَى عِرْضِ غَيْرِهِ عُوقِبَ عُقُوبَةَ الزنَى، وَمَنِ اتهَمَ إنْسَاناً فِي شَرَفِهِ وَعِرْضهِ عُوقِبَ عُقًوبَةَ الْقَذْفِ، وَمَنِ اعْتَدَى عَلَى حَق إنْسَانٍ فِي التمَلكِ عُوقِبَ عُقُوبَةَ السرِقَةِ، وَمنِ اعْتَدَى علَى عَقْلِهِ وَهُوَ وَسِيلَةُ الْعِلْمِ عُوقِبَ عُقُوبَةَ السكْرِ، وَمَنِ اعْتَدَى عَلَى حَق الناسِ فِي حُريتِهِمْ فِي أوْطَانِهِمْ وَطُمَأنِينتهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَقَطَعَ الطرُقَاتِ وَأَخَافَ الناسَ عُوقُبَ عُقُوبَةَ الْمُحَارِبِينَ الخَارِجِينَ عَلَى النظَامِ ... " (1)
الدعْوَةُ إلَى إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ أُسْلُوبُ الْمُنَافِقِينَ:
وَذَلِكَ مِصْدَاقاً لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" [النور: 19]
وَهَذَا الْخِطَابُ مُوجهٌ أَسَاساً إِلَى الْمُنَافِقِينَ، لأَن أَهْلَ النفَاقِ هُمُ الذينَ أَحَبوا أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَإِلا فَأَهْلُ الإِسْلاَمِ لاَ يُحِبونَ ذَلِكَ." (2)
لَقَدْ تَوعدَ الْحَق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الآيةِ الْكًرِيمَةِ كُل مَنْ يَعْمَلُ أَوْ يَسْعَى بِأَي وَسِيلَةٍ كَانْتْ لإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ إِن مُجَردَ مَحَبةِ ذَلِكَ يُعَد جُرْماً يَتَرَتبُ عَلَيْهِ عِقَابٌ فِي الدنْيَا وَالآخِرَةِ. لِأَن مَحَبةَ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ يَدُل عَلَى خُبْثِ النيةِ نَحْوَ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أَن الْمُؤْمِنَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لاَ يُحِب لإِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِلا مَا يُحِب لِنَفْسِهِ، وَلاَ يُوجَدُ فِي أُمةِ الإِسْلاَمِ مَنْ يَرْضَى لِنَفْسِهِ الرذَائِلَ حَتَى يَرْضَى ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَدْ ذُيلتِ الآيةُ الكريمةُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى " وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " أَيْ يَعْلَمُ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ، فَيَعِظُكُمْ لِتَجْتَنِبُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فتَحْسِبُونَ التحَدُثَ بِذَلِكَ لاَ يَترَتبُ عَلَيْهِ ضُر.(3)
الدعْوَةُ إِلَى الْفَاحِشَةِ أُسْلُوبٌ شَيْطَانِي خَبِيثٌ:
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ لاَ تَخْفَى عَلَى الناظِرِ فِي كِتَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَقَدْ رَبَطَ كِتَابُ اللهِ بَيْنَ وُعُودِ الشيْطَانِ الْخَبِيثَةِ وَوُعًودِ الْحَق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُفْضِيةِ إِلَى سَعَادَةِ الدنْيَا وَالآخِرَةِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْحَق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" [سورة البقرة: 268] وَقَوْلُهُ عَز اسْمُهُ عَنِ الشيْطَانِ الرجِيمِ أَيْضاً: "إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" [سورة البقرة: 169] وقوله كذلك:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [سورة النور: 21]
إِن الدعْوَةَ إِلَى إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الإِسْلاَمِيةِ الْمُتَشَبعَةِ بِالْقَيمِ الدينِيةِ الإيمَانيةِ الراسِخَةِ فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ أُسْلُوباً خَبِيثاً، وَسُلُوكاً ظَلاَمياً فَهُوَ مُؤذِنٌ بِهَدْمِ نِظَامِ الأُسْرَةِ كَخُطْوَةٍ أُولَى تَمْهِيداً لِخَرَابِ الْعُمْرَانِي البَشَرِي كَكُل.
قَدْ يُوجَدُ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا الإِِسْلاَمِيةِ الْيَوْمَ مَنْ يَنْزَعُ إِلَى الشر بِسَبَبِ فَسَادِ طَبِيعَتِهِ، كَمَا قَدْ يَلْجَأُ بَعْضُ الْحَداَثيينَ الْحَدَثَ الأَصْغر إِلَى تَوْظِيفِ مُصْطَلَحِ الْحُريةِ تَوْظِيفاً مُغْرِضاً وَسٍيئاً فِي سَبيلِ الدعْوَةِ إلَى الْفَاحِشَةِ وَإِشَاعَتِهَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ ثَم التطْبِيعُ مَعَ الرذَائِلِ، غَيْرَ مُبَالِينَ بِقَنَاعَاتِ الأُمةِ وَنُزُوعِهَا الْفِطْري وَحُريتِهَا الْجَمَاعيةِ، وَقَنَاعَتِهَا الإِيمَانِيةِ. وَقَدْ تَصَدى الشرَفَاءُ مِنْ أَبْنَاءِ هَذِهِ الأُمةِ، الأوْفَيَاءُ لِمَبَادئِ الدينِ الإسْلاَمِي الْحَنِيفِ، لِهَؤُلاَءِ الْحَدَاثيينَ يَفْضَحُونَهُمْ عَلَى رُؤُوسِ الأشْهَادِ، وَمَعَهُمْ كِتَابُ الله، وَسُنةِ رَسُولِ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ، وَدَعَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ بالقيمِ الإسْلاَمِيةِ السمْحَةِ"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" [محمد: 7]
* الدكتور عبد القادر بطار أستاذ العقيدة والمذاهب الكلامية بجامعة محمد الأول بوجدة.
الهوامش:
(1) التكافل الاجتماعي في الإسلام، الدكتور مصطفى السباعي، الصفحة 259 دار ابن حزم، بيروت لبنان 2010.
(2) تأويلات أهل السنة، تفسير الإمام أبي منصور الماتريدي7/533 تحقيق الدكتور مجدي باسلوم، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 2005.
(3) التحرير والتنوير، للشيخ الإمام الطاهر بن عاشور، 9/185 دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.